وقال مجاهد، وعِكْرِمة، والسدي في هذه الآية: وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ يعني: خزاعة.
وأعاد الضمير في قوله: وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ عليهم أيضاً".
قيل: خزاعة باعتبار أنهم قد كُلموا، وهذا السياق كله على هذا التفسير تكون الآيات نازلة قبل فتح مكة، وعامة سورة براءة نزلت بعد ذلك، وكثير منها نزل في غزوة تبوك، وبعد غزوة تبوك فعلى هذا التفسير - أنهم خزاعة - يكون الكلام كله على أن هذه الآية أو الآيات نازلة قبل فتح مكة، ولذلك فإن الكثيرين من المفسرين لا يتكلمون عن هذا، بل ما رأيت أحداً يتعرض لهذا، ولم أستقصِ؛ باعتبار أن الآية تتحدث عن شيء كان، لا يصرحون بهذا، لكن عندهم الآية تتحدث عن شيء قبل فتح مكة، وممن قال بأنها في خزاعة مجاهد، وعكرمة، والسدي، ومما يدل على هذا هنا: وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ، وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ قيل: خزاعة باعتبار أن خزاعة كانوا على الإسلام، وهذا فيه خلاف بين أهل السير، وأنهم قد كُلموا وقتلوا:
هم بيتونا بالوتير هجدا | وقتلونا ركّعاً سجداً |
فكانوا في غاية الحنق، وجاءوا إلى رسول الله ﷺ وقال قائلهم القصيدة المشهورة المعروفة، وقال الله: وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، ولو قيل: إنها لا تختص بخزاعة إن كانت خزاعة على الإسلام فهم من جملة المؤمنين الذين يحصل لهم الشفاء،
تَعلَّم شفاءَ النفسِ قهرَ عدوها | فبالغ بلطف في التحيل والمكر |
فيحصل التشفي بقهر الأعداء؛ ولهذا قال الله : وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ [سورة البقرة:50]، فهذا نوع من التشفي أن يهلك الله العدو وأنت تنظر، وأبلغ من هذا أن يكون هلاك العدو على يد عدوه قال: وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ بالفتح، وانتكاسة العدو وهزيمته، وقتل الكفار، فيحصل به التشفي، وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ لا حاجة أن يقال: لخزاعة فقط بل خزاعة وغير خزاعة من أهل الإيمان، يذهب الحنق الذي في النفوس، يذهب بالانتصار على الأعداء، وقهرهم، ودحرهم، وقتلهم وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وهذا يحصل بالنصر عليهم، وقتلهم، والعلماء - رحمهم الله - منهم من تكلم على الفرق بين الأمرين: شفاء الصدور، وذهاب غيظ القلوب، فبعضهم قال: هذا للتأكيد، هذا بمعنى هذا، وهناك فرق بين شفاء الصدر وبين ذهاب الغيظ، فشفاء الصدر أبلغ من ذهاب الغيظ، وبعضهم قال: شفاء الصدور يكون بالنصر، وظهور الإسلام، وذهاب الغيظ بقتلهم، من انتقم من عدوه فإنه بذلك يكون قد ذهب ما فيه من الحنق، والكمد، والغيظ على هذا العدو، وهذه أمور يبدو أنها متلازمة، قال: وأعاد الضمير في قوله: وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ عليهم أيضاً، قال: وَيَتُوبُ اللّهُ عَلَى مَن يَشَاء أي من عباده، فالأول والذي قبله مجزوم، قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ باعتبار أنه جواب للشرط إذا قاتلتموهم عذبهم الله، يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ الأشياء التي ذكرها هنا نتيجة القتال تعذيب الله لهم بأيديكم، وإخزاؤهم، وينصركم عليهم، ويشف صدور قوم مؤمنين، ويذهب غيظ قلوبهم، هذه خمسة أشياء وكلها مجزومة هي نتيجة لمقاتلتهم، ثم جاء ما بعده مرفوعاً قال: وَيَتُوبُ اللّهُ فـ وَيَتُوبُ اللّهُ عَلَى مَن يَشَاء ليست نتيجة لمقاتلتهم، فالخمسة الأولى هي نتيجة للمقاتلة قَاتِلُوهُمْ تَحصُلْ هذه الفوائد الخمس، ثم قال: وَيَتُوبُ اللّهُ عَلَى مَن يَشَاء يعني هذا يذكر الله فيه ما سيكون في المستقبل في علم الغيب من دخول بعضهم في الإسلام كما دخل أبو سفيان، وصفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو العامري، والحارث بن هشام، وعكرمة، وأمثال هؤلاء كلهم قد أسلموا كما قال الله : عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً [سورة الممتحنة:7]، وكما جاء عن ابن عباس وغيره أن "عسى" من الله واجبة، يعني لا بد أن يتحقق، فأسلم من أسلم من هؤلاء ومنهم أبو سفيان ، فهنا قوله: وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ يعني بدخولهم في الإسلام كما قال ابن جرير وغيره.