السبت 27 / شوّال / 1446 - 26 / أبريل 2025
وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَىٰ رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا۟ وَهُمْ كَٰفِرُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

قال المفسر - رحمه الله - في تفسير قوله تعالى: وَإِذَا مَا أُنزلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ۝ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ [سورة التوبة:124-125].
يقول تعالى: وَإِذَا مَا أُنزلَتْ سُورَةٌ فمن المنافقين مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا؟ أي: يقول بعضهم لبعض: أيكم زادته هذه السورة إيمانا؟ قال الله - تعالى -: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ.
وهذه الآية من أكبر الدلائل على أن الإيمان يزيد وينقص كما هو مذهب أكثر السلف والخلف من أئمة العلماء، بل قد حكى غير واحد الإجماع على ذلك، وقد بُسط الكلام على هذه المسألة في أول "شرح البخاري" - رحمه الله - وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ أي: زادتهم شكا إلى شكهم، وريباً إلى ريبهم كما قال تعالى: وَنُنزلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ [سورة الإسراء:82]، وقال تعالى: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ [سورة فصلت:44]، وهذا من جملة شقائهم أن ما يهدي القلوب يكون سبباً لضلالهم، ودمارهم، كما أن سيئ المزاج لو غُذي بما غُذي به لا يزيده إلا خبالاً، ونقصاً".


فقوله - تبارك وتعالى -: وَإِذَا مَا أُنزلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا يقول الحافظ - رحمه الله -: وَإِذَا مَا أُنزلَتْ سُورَةٌ فمن من المنافقين من يقول: أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا أي يقول بعضهم لبعض أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا هذا هو المتبادر، ويحتمل أن يكون ذلك موجهاً للمؤمنين بمعنى أن المنافقين يسألون المؤمنين أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا يقولون ذلك على سبيل التهكم، والاستهزاء، والسخرية، وهذا قال به بعض السلف: أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا، وقوله: وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ: المقصود بـ"المرض" هنا: مرض الشك، والنفاق، والمرض في القرآن يأتي بمعنى الشك، والنفاق، ويأتي أحياناً مراداً به ضعف الإيمان، وذلك كما في قوله في سورة الأحزاب - مع أحد المعاني المشهورة -: وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ[سورة الأحزاب:12] فالذين في قلوبهم مرض هناك بعضهم يقول: هذا من عطف الأوصاف فهي عائدة إلى موصوف واحد، هذه أوصاف المنافقين، وبعضهم يقول المراد بـفَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ [سورة الأحزاب:32] في آية الأحزاب: هم ضعفاء الإيمان، فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ والمقصود بالمرض في هذا الموضع الوحيد في القرآن: هو الميل المحرم إلى النساء، فالشاهد أن الله يقول: وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا المقصود به هنا: مرض النفاق، والشك فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا قال: أي شكاً إلى شكهم، وريباً إلى ريبهم، وهكذا يمكن أن يقال: زادتهم سوءًا، وخبثاً، وهكذا قول من فسره بأن المراد زادتهم إثماً إلى إثمهم، وهذا من باب التفسير باللازم؛ لأنه إذا زادتهم رجساً أي سوءًا وخبثاً، أو زادتهم شكاً أو نحو هذا فإن هذا يلزم منه أن تزيدهم إثماً، وهذه الآيات التي هي هدايات وشفاء لأهل الإيمان لم تجد محلاً قابلاً فأثرت هذا التأثير.