الخميس 03 / ذو القعدة / 1446 - 01 / مايو 2025
أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُوا۟ وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَٰهَدُوا۟ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا۟ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَا رَسُولِهِۦ وَلَا ٱلْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً ۚ وَٱللَّهُ خَبِيرٌۢ بِمَا تَعْمَلُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

قال المفسر - رحمه الله تعالى - في تفسير قوله تعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [سورة التوبة:16].
يقول تعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أيها المؤمنون أن نترككم مهملين، لا نختبركم بأمور يظهر فيها أهل العزم الصادق من الكاذب، ولهذا قال: وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً أي: بطانة ودخيلة، بل هم في الظاهر والباطن على النصح لله، ولرسوله، فاكتفى بأحد القسمين عن الآخر، وقد قال الله - تعالى - في الآية الأخرى: آلم ۝ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ۝ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [سورة العنكبوت:1-3]، وقال تعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ [سورة آل عمران:142]، وقال تعالى: مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ الآية [سورة آل عمران:179].
والحاصل أنه - تعالى - لما شرع الجهاد لعباده بيَّن أن له فيه حكمة؛ وهو اختبار عبيده، من يطيعه ممن يعصيه، وهو - تعالى - العالم بما كان وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون، فيعلم الشيء قبل كونه، ومع كونه على ما هو عليه، لا إله إلا هو، ولا رب سواه، ولا راد لما قدره وأمضاه".


فقوله - تبارك وتعالى -: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا "أم" هذه هي المنقطعة التي بمعنى "بل"، أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ، وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ فالله - تبارك وتعالى - عالم بكل شيء، يعلم ما كان، وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون، ومثل هذا يراد به العلم الذي يترتب عليه الجزاء؛ لأن الله - تبارك وتعالى - لا يعذب خلقه بمقتضى علمه، فالله علم منذ الأزل كل من سيخلق ويوجد، وعلم ما هو عامل، ولكن الله من لطفه، ورحمته، وكمال عدله؛ لا يعذب بمقتضى هذا العلم الأزلي، والله لا يتجدد له علم بشيء كان خافياً عليه إطلاقاً، ولا يحاسب خلقه، ولا يعذبهم؛ إلا بأعمالهم، فمثل هذا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ يعني العلم الذي يترتب عليه الجزاء، حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ [سورة محمد:31]، يعني العلم الذي يكون بعد تحقق الوقوع وهو مناط الجزاء، هذا هو المراد في هذا ونظائره - والله تعالى أعلم -، قال: وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في معنى الوليجة: أي بطانة، ودخيلة، كل شيء أدخلته في شيء ليس منه فإنه يقال له: وليجة، وقد فسر بالبطانة، وهذا صحيح، فالذي يدّعي الإيمان، ويظهر الإيمان؛ ويكون له وجه إلى الكفار يتخذهم، ويجعل منهم خاصة له يطلعهم على أمور المسلمين، ويظهر لهم مواضع الضعف في الأمة، أو بجعلهم إما مستشارين له، أو مقربين إليه؛ يطلعون على أمور ما كان ينبغي لهم أن يطلعوا عليها فهذا من اتخاذهم وليجة، لا تُدنِهم، ولا تقربْهم، ولا تدخلهم، ولا تطلعهم على شيء من أمور المسلمين الخاصة، أمّا مجرد تقريبهم بحيث إن هذا التقريب يطلعهم على أمور ما كان ينبغي لهم أن يطلعوا عليها كأن تتخذه كاتباً، أو مستشاراً، أو في مركز يمكنه من الاطلاع على كثير من الخبايا، والخفايا؛ فهذا لا يجوز، وهذا من اتخاذهم وليجة، أو كان ذلك بالإفضاء إليهم يجعلهم جلساء، وخاصة له، ويطلعهم، ويخبرهم؛ فهذا كله لا يجوز، وهو من موالاتهم.

عبارة ابن كثير هنا يقول: أي بطانة، ودخيلة، بل هم في الظاهر والباطن على النصح لله، ولرسوله، فاكتفى بأحد القسمين عن الآخر يعني الآية أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وإنما يتخذ من أهل النصح لله، ولرسوله ﷺ أهل الصدق والإيمان.