قال العوفي في تفسيره عن ابن عباس في تفسير هذه الآية قال: إن المشركين قالوا: عمارة بيت الله، وقيام على السقاية؛ خير ممن آمن، وجاهد، وكانوا يفخرون بالحرم، ويستكبرون به من أجل أنهم أهله، وعُماره، فذكر الله استكبارهم وإعراضهم، فقال لأهل الحرم من المشركين: قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ [سورة المؤمنون:66-67] يعني أنهم كانوا يستكبرون بالحرم قال: بِهِ سَامِراً كانوا يسمرون به، ويهجرون القرآنَ، والنبيَّ ﷺ، فخَيّر الله الإيمان والجهاد مع النبي ﷺ على عمارة المشركين البيت، وقيامهم على السقاية، ولم يكن ينفعهم عند الله مع الشرك به أن كانوا يعمرون بيته، ويحرمون به، قال الله - تعالى -: لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ يعني الذين زعموا أنهم أهل العمارة فسماهم الله ظالمين بشركهم؛ فلم تغن عنهم العمارة شيئاً".
هذه الآية رد على المشركين، وإنكار عليهم حيث افتخروا، وفضلوا ما هم فيه من العمل، وسقاية الحاج؛ على من آمن بالله، واليوم الآخر، وجاهد في سبيل الله، مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ يعني أنهم يسمرون بالبيت، ويقولون كلاماً قبيحاً في القرآن، وفي النبي ﷺ، وهنا: لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ نفي الاستواء هنا يدل على تفضيل الطائفة الثانية، لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ يعني أهل الإيمان أفضل منهم، وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ يعني المصرين على ظلمهم، وإلا فإن الله قد هدى كثيراً من الظالمين، والكافرين؛ فمثل هذا يحمل على هذا المعنى - والله أعلم -، وقيل غير ذلك، يعني بعضهم يقول: الذين سبق في علمه أنهم أشقياء.
هذا الأثر مرسل.
هنا ثلاث روايات في سبب النزول تأملوها، ونريد أن نعرف ما هو سبب النزول منها:
الأولى: عن ابن عباس - ا - نزلت في العباس بن عبد المطلب حينما أسر يوم بدر، قال: "لئن كنتم سبقتمونا بالإسلام، والهجرة، والجهاد؛ لقد كنا نعمر المسجد الحرام، ونسقي الحاج، ونفك العاني؛ قال الله : أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ هذه الرواية غير صحيحة، وغير صريحة في سبب النزول، وإنما مما يدخل في معناها العباس بن عبد المطلب.
والثانية: عن الضحاك بن مزاحم: لمّا أنّبوا العباس، وهي رواية ضعيفة.
والثالثة: في صحيح مسلم في الرجلين من المسلمين اللذين قالا ما قالا، فنزلت الآية، لما سألوا النبي ﷺ؛ فهذا هو سبب النزول.
ولو فرضنا أن رواية على بن أبي طلحة صحيحة مثلاً، أو أن رواية الضحاك بن مزاحم صحيحة؛ يمكن أن يقال: الحادثتان متقاربتان، فإن كان عندنا علم بأن الحادثتين متقاربتين نقول: الآية نزلت بعد الحادثتين، وإذا لم يكن عندنا علم بهذا فنقول: إن كان الزمان متقارباً فقد نزلت آية بعد آية، وإن كان الزمان متباعداً فيمكن أن تكون الآية نزلت مرتين، ومن أمثلة ما يحتمل أن تكون الآية نزلت مرتين، أو أن الزمان متباعد؛ قصة هلال بن أمية، وعمير العجلاني؛ كان النبي ﷺ يقول: البينة أو حدٌّ في ظهرك[2]، فإن كان نزل عليه الحكم - حكم اللعان - فلن يقول له: البينة أو حدٌّ في ظهرك، وكلاهما قال له النبي ﷺ هذا، فدل ذلك على أن الآية نزلت بعد الواقعتين - والله أعلم -.
- رواه مسلم، كتاب الإمارة، باب فضل الشهادة في سبيل الله - تعالى -، برقم (1879).
- رواه البخاري، كتاب الشهادات، باب إذا ادعى أو قذف فله أن يلتمس البينة وينطلق لطلب البينة، برقم (2526).