الأربعاء 02 / ذو القعدة / 1446 - 30 / أبريل 2025
إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا ٱللَّهَ ۖ فَعَسَىٰٓ أُو۟لَٰٓئِكَ أَن يَكُونُوا۟ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"قال الله - تعالى -: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، ورواه الترمذي، وابن مردويه، والحاكم في مستدركه".


هنا سقطَ حديث من الأصل عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله ﷺ قال: إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان[1]، وقوله: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ من تمام الحديث وتخريجه هو الذي قال فيه رواه الترمذي وابن مروديه والحاكم في مستدركه، فهذه سقطت ولكن لابد منها.
وهذا الحديث لا يصح.

"وروى عبد الرازق عن عمرو بن ميمون الأودي قال: أدركت أصحاب النبي ﷺ وهم يقولون: إن المساجد بيوت الله في الأرض، وإنه حق على الله أن يكرم من زاره فيها[2].
وقوله: وَأَقَامَ الصَّلاةَ أي: التي هي أكبر عبادات البدن، وَآتَى الزَّكَاةَ أي: التي هي أفضل الأعمال المتعدية إلى بر الخلائق، وَلَمْ يَخْشَ إِلا اللَّهَ أي: ولم يخف إلا من الله - تعالى -، ولم يخش سواه، فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ.
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يقول: من وحد الله، وآمن باليوم الآخر يقول: من آمن بما أنزل الله، وَأَقَامَ الصَّلاةَ يعني: الصلوات الخمس، وَلَمْ يَخْشَ إِلا اللَّهَ يقول: لم يعبد إلا الله، ثم قال: فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ، يقول: إن أولئك هم المفلحون كقوله لنبيه ﷺ: عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [سورة الإسراء:79] يقول: إن ربك سيبعثك مقاماً محموداً وهي الشفاعة، وكل "عسى" في القرآن فهي واجبة".


هنا يقال كقوله تعالى: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ ذكر الإيمان بالله، واليوم الآخر، وهكذا أيضاً الإيمان بالملائكة، والكتب، والرسل، لكن كثيراً ما يذكر الإيمان بالله، واليوم الآخر؛ لأن الإيمان باليوم الآخر هو الدافع والمحرك للإنسان من أجل العمل، والامتثال، والوقوف عند حدود الله ، وهكذا في ذكر إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وكذلك الصيام، والحج؛ لكنه كثيراً ما يكتفي بهذا للأمور التي ذكرناها، الصلاة هي رأس العبادات البدنية، والزكاة هي رأس العبادات المالية، وسعادة العبد دائرة بين الأمرين بين حسن صلته مع الله، وبين إحسانه إلى المخلوقين، فهنا أيضاً في قوله: فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ، وقال: عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا أي سيبعثك، وكل "عسى" في القرآن فهي واجبة، وعسى من المخلوق ليست واجبة؛ لأنها قد تحصل وقد لا تحصل، لكن القرآن جاء بلغة العرب، ومن عادة العرب أن الملوك والعظماء يأتون بالوعد بقولهم: "عسى أن نعطيك ما أردتَ"، "عسى أن يحصل لك ما قصدتَ"، وهم يقصدون بذلك الوعد، فـ "عسى" من الله واجبة هذا جاء عن ابن عباس - ا - وغيره أيضاً بمعنى أنها متحققة الوقوع، يعني إذا قال الله عسى أن نفعل كذا، عسى أن يحصل كذا، فهذا أمر متحقق الوقوع عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً [سورة الممتحنة:7]، وحصل هذا بإسلام أبي سفيان، وسهيل بن عمرو العامري، وأمثال هؤلاء كصفوان بن أمية وكذلك أيضاً فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ [سورة المائدة:52]، وكل ذلك قد تحقق، فإذا قال الله مثل هذا: عسى الله أن يفعل كذا، عسى أن يحصل كذا؛ فالله لا يترجى فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ لأن أصل "عسى" للترجي، والله لا يترجى؛ لأنه عالم بعواقب الأمور، عالم بكل شيء، وإنما يترجى المخلوقُ الذي لا يدري هل يحصل أو لا يحصل هذا الشيء؛ لهذا السبب يقولون: "عسى" من الله واجبة، فالترجي لا يكون إلا لمن لا يعلم عواقب الأمور، ومن أهل العلم من يحمل مثل هذا على قاعدة أن الكلام قد يرد باعتبار أو بالنظر إلى حال المخاطب يعني مراعى فيه حال المخاطب، وله صور منها: فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [سورة طه:44] يعني على رجائكما باعتبار نظر المخلوق كما سبق، وكذلك ما يرد للشك على القول بأن "أو" للشك وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ [سورة الصافات:147] يعني الناظر إليهم من المخلوقين يحزرهم هكذا، مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ على هذا القول، ويمكن أن يكون بالنظر إلى المخاطب، والأحسن أن يقال: "عسى" من الله واجبة، وأن هذا جاء على طريقة العرب في الكلام أن العظماء، والملوك؛ حينما يتكلمون يُخرجون الكلام بهذه الصيغة، ويقصدون به الوعد المتحقق.

  1. رواه الترمذي، كتاب الإيمان عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في حرمة الصلاة، برقم (2617)، وابن ماجه، كتاب المساجد والجماعات، باب لزوم المساجد وانتظار الصلاة، برقم (802)، وأحمد في المسند، برقم (11725)، وقال محققوه: إسناده ضعيف، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع، برقم (509).
  2. رواه البيهقي في شعب الإيمان، برقم (2943)، وعبد الرزاق في المصنف، برقم (20584).