الجمعة 04 / ذو القعدة / 1446 - 02 / مايو 2025
إِلَّا تَنفِرُوا۟ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْـًٔا ۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"ثم توعد تعالى على ترك الجهاد فقال: إِلا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا قال ابن عباس - ا -: استنفر رسول الله ﷺ حيًّا من العرب؛ فتثاقلوا عنه، فأمسك الله عنهم القَطْر فكان عذابهم".


وهذه الرواية فيها ضعف على كل حال.

"وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ أي: لنصرة نبيه، وإقامة دينه كما قال تعالى: وإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ [سورة محمد:38]".


ولا حاجة للاشتغال بتحديد هذا، يعني مثلاً في قوله: يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا لا داعي للتكلف بأن هذا العذاب يكون في الدنيا بإمساك القطر، أو غير ذلك، بل هو عام يعني يعذبهم عذاباً أليماً إما في الدنيا، وإما في الآخرة، وإذا أراد الله بعبده المسيء المذنب خيراً عجل له العقوبة في الدنيا، ومَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا، ثم قال: إِلا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ أيضاً هنا لا حاجة للتكلف في البحث عن هؤلاء القوم هل هم فارس أو اليمن أو غير ذلك، وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ الله لم يحدد شيئاً، فيأتي بآخرين يقومون بحمل أعباء الرسالة، والجهاد في سبيل الله - تبارك وتعالى -.

"وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئًا أي: ولا تضروا الله شيئاً بتوليكم عن الجهاد، ونُكُولكم، وتثاقلكم عنه".


يعني هذا نأخذ منه عبرة كبيرة، وفائدة، ومعنى، وهو أن من أدار ظهره عن دين الله ، وتلون، وتغير في أوقات الفتن، أو في غير أوقات الفتن، أو أعرض عن الدعوة إلى الله ، وتركها بعد أن كان يحمل لواءها، أو غير ذلك؛ فإنه لا يضر الله شيئاً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا والله لا يزال يغرس لهذا الدين غرساً، فكل من تولى، وأعرض، وترك؛ فإن الله - تبارك وتعالى - غني عنه، وعن عمله، ولا يضر الله شيئاً، والله يأتي بمن هو خير منه، وأنفع للناس، وإنما يضر الإنسان بهذه الأعمال والإخلاد نفسه، والدعوة إلى الله كل ذلك مما يدخل في عموم "في سبيل الله" وإن كان رأسه الجهاد، فـ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أي: الجهاد في سبيل الله، اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأرْضِ فيعتبر من هذا، ويؤخذ منه أيضاً من تثاقل إلى الأرض، واشتغل بالعيال، والكسب، وما إلى ذلك عن دعوته، وعن تعليم الناس، وعن الاشتغال بإصلاح الأمة، ودعوة الناس إلى كتاب الله، وسنة رسوله ﷺ، فمن أعرض فلا يضر إلا نفسه.

"وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أي: قادر على الانتصار من الأعداء بدونكم".


قادر على الانتصار من الأعداء بدونكم، والمناسب للسياق وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أي قادر على أن يستبدل غيركم، ويأتي بخير منكم، ولا يحصل من جراء ذلك ضرر، وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا [سورة الشمس:15]، فالإنسان قد يفعل الشيء ولكنه يراقب عقوبة، يتخوف من العواقب، وقد يمسك عن كثير مما يريده تخوفاً من العواقب، أما الله فهو على كل شيء قدير، المُلك ملكه، والخلق خلقه، يفعل ما يشاء، ولا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه.