يقول تعالى لنبيه محمدﷺ : قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ أي: عما هم فيه من الكفر والمشاقة والعناد ويدخلوا في الإسلام والطاعة والإنابة يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ أي: من كفرهم وذنوبهم وخطاياهم.
قوله: إِن يَنتَهُواْ، يعني انتهوا عن الكفر، فسبب المغفرة هو دخول الإسلام، ولا يكفي الانتهاء عن القتال، وهذا دليل على أن ما عمله الكفار يكفّره الله إذا دخلوا في دين الله أفواجاً، وإن لم يستحضروا توبة من أعمالهم.
قد يفهم من هذا الحديث أن العبد إذا أساء وعصى، فإنه يؤاخذ بأعماله التي كانت في الجاهلية، وهذا ليس مراداً - والله تعالى أعلم - لأن النصوص تدل على أن الله – تبارك وتعالى - يغفر لهم جميع الذنوب.
وقال بعض أهل العلم: إنه إذا دخل الإسلام وهو مصر على بعض الذنوب، كالزنى مثلاً، فإنه لا يغفر له ما قارف في الجاهلية من هذا النوع من المعاصي، وهذا القول رواه ابن هانئ عن الإمام أحمد - رحمه الله -، لكن الذي عليه عامة أهل العلم: أن الكافر إذا دخل في الإسلام فإن الله يغفر له جميع الذنوب، أما معنى قوله ﷺ : من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر، فهو أن من أحسن في الإسلام فلم يبدل ولم يغير ولم تحصل منه ردة أو نفاق، فلا يؤاخذ بما عمل في الجاهلية، أما من دخل في الإسلام ثم ارتد، أو دخل في الإسلام رياءً أو نفاقاً فإنه لا يغفر له، وهذا الذي عليه عامة المحققين.
هذا الحديث جاء من طريق يزيد بن أبي حبيب عن ابن شماسة المهري قال: حضرنا عمرو بن العاص وهو في سياقة الموت فبكى طويلا وحول وجهه إلى الجدار، فجعل ابنه يقول يا أبتاه، أما بشّرك رسول الله ﷺ بكذا ؟ أما بشرك رسول الله ﷺ بكذا ؟ قال: فأقبل بوجهه فقال: إن أفضل ما نعدّ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، إني قد كنت على أطباق ثلاثة لقد رأيتني وما أحد أشد بغضاً لرسول الله ﷺ مني ولا أحب إلي أن أكون قد استمكنت منه فقتلته فلو مت على تلك الحال لكنت من أهل النار، فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي ﷺ فقلت: ابسط يمينك فلأبايعك، فبسط يمينه، قال: فقبضت يدي، قال: مالك يا عمرو؟ قال: قلت أردت أن أشترط، قال: تشترط بماذا؟ قلت: أن يُغفر لي، قال: أما علمتَ أن الإسلام يهدم ما كان قبله؟ وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها؟ وأن الحج يهدم ما كان قبله؟[2] إلى آخر الحديث.
والسنة هي الشيء الثابت، والسنن لا تقاس باليوم والسنة والعشر السنوات، ومن نظر إلى صفحة التاريخ كاملة يتضح له ذلك، فأين التتر؟، وأين تلك الجيوش العارمة والهمج الذين هجموا على بلاد المسلمين؟ وأين الحملات الصليبية والاستعمار الذي طبق جميع بلاد المسلمين؟
- رواه البخاري، كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، باب إثم من أشرك بالله وعقوبته في الدنيا والآخرة (6/2536)، برقم (6523)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب هل يؤاخذ بأعمال الجاهلية؟ (1/111)، برقم (120).
- رواه مسلم، كتاب الإيمان، باب كون الإسلام يهدم ما قبله وكذا الهجرة والحج (1 / 112)، برقم (192).