الإثنين 14 / ذو القعدة / 1446 - 12 / مايو 2025
وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ٱئْذَن لِّى وَلَا تَفْتِنِّىٓ ۚ أَلَا فِى ٱلْفِتْنَةِ سَقَطُوا۟ ۗ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌۢ بِٱلْكَٰفِرِينَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ [سورة التوبة:49].
يقول تعالى: ومن المنافقين من يقول لك يا محمد: ائْذَنْ لِي في القعود، وَلا تَفْتِنِّي بالخروج معك بسبب الجواري من نساء الروم".


ومن أهل العلم من يقول المراد: ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي يعني لا تمتنع من الإذن فيكون ذلك فتنة لي، لا تحملني على الخروج وأنا لا أستطيع الخروج، وَلا تَفْتِنِّي رخِّصْ لي في القعود، ولا يكن امتناعك سبباً لفتنة، يعني بعضهم يرى أن هذا هو المعنى، وورد في سبب نزولها أن الجد بن قيس - عدد من الروايات - أنه هو الذي قال له النبي ﷺ: هل لك في بنات بني الأصفر؟ أو بجلاد بني الأصفر؟ كما جاء في بعض الروايات فهو يقول: ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي يقول: أنا لا أتحمل بنات بني الأصفر، بنات الروم الشقراوات، فأفتن، ما شاء الله يتظاهر بالورع يريد غض بصره!! فيتخلف عن رسول الله ﷺ، وكل هذا من أجل - ما شاء الله - حفظِ وحياطة دينه، الورع الكاذب البارد، وبعضهم يقول: إنهم قالوا هذا يفتنكم يعني يغريكم بالغزو يذكر نساء بني الأصفر نساء الروم يقول: ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي وبعض هذه الروايات مثلما صحت في أنها نزلت في الجد بن قيس ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي يقول: أنا لا أحتمل أن أرى نساء بني الأصفر.

"قال الله - تعالى -: أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ أي: قد سقطوا في الفتنة بقولهم هذا".


وبتخلفهم وبنفاقهم.

"كما قال محمد بن إسحاق، عن الزهري، ويزيد بن رُومان، وعبد الله بن أبي بكر، وعاصم بن عمر بن قتادة وغيرهم قالوا: قال رسول الله ﷺ ذات يوم وهو في جهازه للجد بن قيس أخي بني سلمة: هل لك يا جَدُّ العامَ في جلاد بني الأصفر؟، فقال: يا رسول الله! أوْ تأذن لي، ولا تفتني، فوالله لقد عرف قومي ما رجل أشد عجبًا بالنساء مني، وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر أن لا أصبر عنهن، فأعرض عنه رسول الله ﷺ، وقال: قد أذنت لك، ففي الجَدِّ بن قيس نزلت هذه: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي الآية[1]".


ذكر هذه الروايات عن محمد بن إسحاق عن الزهري، ويزيد بن رومان، وعبد الله بن أبي بكر، وعاصم بن قتادة كل هذا مراسيل، لكنه صح ذلك من حديث جابر بن عبد الله .

"أي: إن كان إنما يخشى من نساء بني الأصفر - وليس ذلك به -؛ فما سقط فيه من الفتنة بتخلفه عن رسول الله ﷺ، والرغبة بنفسه عن نفسه؛ أعظم.
وهكذا روي عن ابن عباس، ومجاهد، وغير واحد: أنها نزلت في الجد بن قيس، وقد كان الجد بن قيس هذا من أشراف بني سلمة".


تضبط سلِمة بكسر اللام بني سلِمة، وفيها: بني سلِمة ديارَكم تُكتب آثاركم[2]، وهم الذين ورد فيهم إِذْ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ [سورة آل عمران:122]، ومساكنهم معروفة قريبة مما يسمى الآن بمسجد القبلتين.

"وفي الصحيح: أن رسول الله ﷺ قال لهم: من سيدكم يا بني سلمة؟، قالوا: الجد بن قيس، على أنا نُبَخِّله، فقال رسول الله ﷺ: وأي داء أدوأ من البخل؟ ولكن سَيِّدكم الفتى الأبيض الجَعْد بِشْر بن البراء بن مَعْرُور[3].
وقوله تعالى: وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ أي: لا مَحيد لهم عنها، ولا مَحيص، ولا مَهرَب".


فالنبي ﷺ قال: من سيدكم يا بني سلمة؟ في أول الهجرة.

  1. رواه ابن جرير الطبري في التفسير، (14/287)، برقم (16788)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم (2988).
  2. رواه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل كثرة الخُطى إلى المساجد، برقم (665).
  3. رواه البخاري في الأدب المفرد، برقم (296)، والحاكم في المستدرك، برقم (4965)، وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، والطبراني في المعجم الكبير، برقم (163)، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد، برقم (227).