لما ذكر الله - تعالى - صفات المنافقين الذميمة، عطف بذكر صفات المؤمنين المحمودة فقال: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ أي: يتناصرون، ويتعاضدون؛ كما جاء في الصحيح: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، وشبك بين أصابعه"[1]، وفي الصحيح أيضاً: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم، كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى، والسهر[2].
وقوله: يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ كقوله تعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [سورة آل عمران:104].
وقوله تعالى: وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ أي: يطيعون الله، ويحسنون إلى خلقه، وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أي: فيما أمر، وترك ما عنه زجر، أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ أي: سيرحم الله من اتصف بهذه الصفات، إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ أي: عزيز، من أطاعه أعزه، فإن العزة لله، ولرسوله، وللمؤمنين، حَكِيمٌ في قسمته هذه الصفات لهؤلاء، وتخصيصه المنافقين بصفاتهم المتقدمة، فإن له الحكمة في جميع ما يفعله - تبارك وتعالى -".
بمعنى أن التعقيب هنا ختَمَ الآية بقوله: إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ يعني قد يقال: إن المتبادر أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ فمقتضى كلام الحافظ ابن كثير - رحمه الله - هنا أن ذلك لا يختص بهذه الجزئية أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ وإنما يرجع إلى ما سبق، فالله - تبارك وتعالى - وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ، وهكذا أيضاً وعد المؤمنين وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا... فهذا كله بمقتضى عزته، وحكمته، فعزته - تبارك وتعالى - أي بمعنى أنه الغالب القاهر، الذي يفعل ما يشاء، وحكيم حيث يضع الأمور في مواضعها، ويوقعها في مواقعها، ففعل هذا بالمنافقين، والكفار، وفعل هذا بالمؤمنين، وقوله هنا: يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة؛ هي من جملة طاعة الله، وطاعة رسوله ﷺ، فهذا من باب عطف العام على الخاص، فذِكرُ بعض أفراد الخاص، وتخصيصه قبل العام، أو بعده؛ يكون لنكتة، كبيان أهميته مثلاً كقوله - تبارك وتعالى -: حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى [سورة البقرة:238]، فهنا عطف الخاص على العام، وقوله: مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ [سورة البقرة:98]، فهذا من باب عطف الخاص على العام ومَا بَيْنَ أَيْدِينَا [سورة مريم:64]، أما هنا فهو من باب عطف العام على الخاص.
- رواه البخاري، كتاب المظالم، باب نصر المظلوم، برقم (2314).
- رواه مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم، برقم (2586).