السبت 12 / ذو القعدة / 1446 - 10 / مايو 2025
وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَٰتِ جَنَّٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلْأَنْهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَمَسَٰكِنَ طَيِّبَةً فِى جَنَّٰتِ عَدْنٍ ۚ وَرِضْوَٰنٌ مِّنَ ٱللَّهِ أَكْبَرُ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [سورة التوبة:72].
يخبر تعالى بما أعده للمؤمنين به، والمؤمنات؛ من الخيرات، والنعيم المقيم في جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أي: ماكثين فيها أبداً، وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً أي: حسنة البناء، طيبة القرار كما جاء في الصحيحين عن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري قال: قال رسول الله ﷺ: جنتان من ذهب: آنيتهما، وما فيهما، وجنتان من فضة: آنيتهما، وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن[1]، وبه قال : قال رسول الله ﷺ: إن للمؤمن في الجنة لَخَيْمَة من لؤلؤة واحدة مُجَوَّفة، طولها ستون ميلاً في السماء، للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم، لا يرى بعضهم بعضاً[2]، أخرجاه في الصحيحين.
وفيهما أيضاً عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: من آمن بالله، ورسوله، وأقام الصلاة، وصام رمضان؛ فإن حقاً على الله أن يدخله الجنة، هاجر في سبيل الله، أو جلس في أرضه التي ولد فيها، قالوا: يا رسول الله! أفلا نخبر الناس؟ قال: إن في الجنة مائة درجة، أعدها الله للمجاهدين في سبيله، بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه أعلى الجنة، وأوسط الجنة، ومنه تَفَجَّر أنهار الجنة، وفوقه عرش الرحمن[3].
وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: إذا صليتم عليّ فسلوا الله لي الوسيلة، قيل: يا رسول الله! وما الوسيلة؟ قال: أعلى درجة في الجنة، لا ينالها إلا رجل واحد، وأرجو أن أكون أنا هو[4].
وفي مسند الإمام أحمد من حديث سعد أبي مجاهد الطائي، عن أبي المُدِلَّة، عن أبي هريرة قال: قلنا: يا رسول الله! حدثنا عن الجنة، ما بناؤها؟ قال: لبنة ذهب، ولبنة فضة، وملاطها المسك، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وترابها الزعفران، من يدخلها ينعم لا يبأس، ويخلد لا يموت، لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه[5]".


بعض أهل العلم يقول: إن جَنَّاتِ عَدْنٍ بمعنى جنات إقامة، وبعضهم يقول: إن هذا يعني به وسط الجنة، وبعضهم يقول: اسم لمدينة الجنة، وبعضهم يقول غير هذا، وهذه اللفظة في كلام العرب تدل على الإقامة، جَنَّاتِ عَدْنٍ أي إقامة، أي أنهم يمكثون فيها لا يخرجون عنها، يخلدون، ويكون ما يذكر بعده إذا كان هذا هو المعنى خَالِدِينَ فِيهَا يمكن أن تكون بمعنى الصفة الكاشفة، ويمكن أن تكون هذه الصفة تؤكد وتبين أن هذه الإقامة غير منقطعة الخلود، فهو البقاء الأبدي السرمدي.

"وقوله تعالى: وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ أي: رضا الله عنهم أكبر، وأجلُّ، وأعظم مما هم فيه من النعيم كما قال الإمام مالك - رحمه الله - عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخُدْري أن رسول الله ﷺ قال: إن الله يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك يا ربنا، وسعديك، والخير في يديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا رب وقد أعطيتنا ما لم تُعط أحداً من خلقك، فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: يا رب! وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً[6] أخرجاه من حديث مالك.

في قوله - تبارك وتعالى - هنا: وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ التنكير عرفنا في مناسبات شتى أنه يأتي تارة للتعظيم، وتارة للتحقير، فهنا وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ما المراد به؟ هل التنكير هنا يفيد التعظيم، ولا يفيد معنى آخر كما في قوله تعالى مثلاً: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [سورة الصف:10]، "تجارة" فالتنكير هنا للتعظيم، وكقوله - تبارك وتعالى -: وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ [سورة آل عمران:133]، إِلَى مَغْفِرَةٍ يعني مغفرة عظيمة، فهنا هذا التنكير للتعظيم، لكن قد تجد في بعض كتب التفسير من يعبر، ويقول: التنكير هنا للتحقير، هذا موجود فلا يهولنّك ذلك، هذا الذي قال: إن التنكير للتحقير يعني لو عبر بعبارة أخرى غير كلمة التحقير كالتقليل مثلاً لكان أفضل، بمعنى أن أدنى رضوان من الله أفضل من جميع الملاذ، والنعيم، قصدَ هذا المعنى، ذكرت هذا؛ ليُفهم كلام أهل العلم، فقد يقرأ الإنسان أحياناً ويقول: هذا كلام غير معقول، يمكن أن يكون سبق قلم، لا، هو يقصد هذا المعنى الذي ذكرته آنفاً - والله أعلم -.

  1. رواه البخاري، كتاب التفسير، باب تفسير سورة الرحمن، برقم (4597)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم --، برقم (180).
  2. رواه البخاري، كتاب التفسير، باب تفسير سورة الرحمن، برقم (4598)، ومسلم - واللفظ له - كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب في صفة خيام الجنة وما للمؤمنين فيها من الأهلين، برقم (2838).
  3. رواه البخاري، كتاب التوحيد، باب وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء [سورة هود:7]، وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ [سورة التوبة:129]، برقم (6987).
  4. رواه الترمذي، كتاب المناقب عن رسول الله ﷺ، باب في فضل النبي ﷺ، برقم (3612)، وأحمد في المسند، برقم (7598)، وقال محققوه: إسناده ضعيف، وصححه الألباني في تحقيق مشكاة المصابيح، برقم (5767).
  5. رواه أحمد في المسند، برقم (8043)، وقال محققوه: حديث صحيح بطرقه وشواهده، وقال الألباني صحيح لشواهده في تحقيق مشكاة المصابيح، برقم (5630).
  6. رواه البخاري، كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، برقم (6183)، ومسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب إحلال الرضوان على أهل الجنة فلا يسخط عليهم أبدا، برقم (2829).