السبت 27 / شوّال / 1446 - 26 / أبريل 2025
كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا۟ عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا۟ فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ۚ يُرْضُونَكُم بِأَفْوَٰهِهِمْ وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَٰسِقُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ [سورة التوبة:8].
يقول تعالى محرضاً للمؤمنين على معاداة المشركين، والتبري منهم، ومبيناً أنهم لا يستحقون أن يكون لهم عهد؛ لشركهم بالله - تعالى -، وكفرهم برسول الله ﷺ، ولو أنهم إذ ظهروا على المسلمين، وأدِيلوا عليهم؛ لم يُبقوا، ولم يذروا، ولا راقبوا فيهم إلًّا، ولا ذمة.
قال علي بن أبي طلحة، وعِكْرِمة، والعوفي عن ابن عباس - ا -: "الإلّ": القرابة، "والذمة": العهد، وكذا قال الضحاك والسدي".


كان المفروض أن يذكر قول ابن كثير - اختيار ابن كثير - فهذا خلل في الاختصار، ما يعرف به قول ابن كثير، وابن كثير ما يترك مثل هذه دون أن يرجح، فالشاهد إن "الإل" يطلق على القرابة

وأَشْهَدُ أَنَّ إِلَّكَ من قُرَيْشٍ كإِلِّ السَّقْبِ من وَلَدِ النَّعَامِ

كما في بعض روايات البيت، فالشاهد أن الإل يطلق على القرابة يعني لا يقرّبون فيكم قرابة، لا يراعون القرابة التي بينكم وبينهم، إذا ظفروا بطشوا بكم، قتلوكم ونكلوا بكم كما وقع في يوم أحد، مثلوا بهم، وتشفوا منهم غاية التشفي، ويطلق الإل على العهد، ويطلق على الله - تبارك وتعالى -، ولهذا يذكر في قول أبي بكر حينما جاءه بعض من يمثل مسيلمة الكذاب في أيام حروب الردة في خلافة أبي بكر فقال أبو بكر: أسمعني شيئاً مما يقول صاحبكم، فقرأ عليه بعض الخزعبلات، فقال أبو بكر : "أشهد أن هذا لم يخرج من "إل" - يعني من رب -"، وبعضهم يقول: إن جبرائيل، وإسرافيل، وميكائيل وما أشبه ذلك أسماء معبدة لله ، وهذه أسماء أعجمية، فالإل يطلق على الرب، يعني لا يراقبون فيكم الله، وعلى الآخر لا يراعون القرابة، وعلى المعنى الآخر لا يراعون العهد لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً ولما كانت هذه المعاني جميعاً صحيحة، وثابتة في لغة العرب؛ فإنه يمكن حملها على الجميع من باب حمل المشترك على معانيه، وهذا أمر سائغ لا إشكال فيه، ما لم يوجد مانع يمنع من هذا؛ سواء كان المشترك يحمل معانىَ متضادة، أو معانىَ متخالفة ليست متضادة، فإنه يمكن حمله إلا إذا وجد ما يمنع من هذا، متضادة مثل: وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ [سورة التكوير:17] أقبل وأدبر، قيل: أقسم الله بالليل في حالة إقباله، وفي حالة إدباره، وهنا لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ هذه معانٍ ليست متضادة لكنها متخالفة، فيقال: لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ يعني عهداً، ولا قرابة، ولا يراقبون فيكم الله ، وهذا كله صحيح؛ ولهذا قال ابن جرير - رحمه الله -: إنها تحمل على ذلك كله - والله أعلم -.