الخميس 29 / ذو الحجة / 1446 - 26 / يونيو 2025
وَأَنتَ حِلٌّۢ بِهَٰذَا ٱلْبَلَدِ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"تفسير سورة البلد.

بسم الله الرحمن الرحيم

لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ ۝ وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ ۝ وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ ۝ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ ۝ أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ ۝ يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُّبَدًا ۝ أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ ۝ أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ ۝ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ ۝ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ [سورة البلد:1 - 10]

هذا قسم من الله - تبارك وتعالى - بمكة أم القرى في حال كون الساكن فيها حلالاً؛ لينبه على عظمة قدرها في حال إحرام أهلها، قال خُصيف عن مجاهد: لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ "لا" رَدٌّ عليهم، أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ، وقال شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس: لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ يعني مكة، وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ قال: أنت يا محمد يحل لك أن تقاتل به، وكذا روي عن سعيد بن جبير وأبي صالح وعطية والضحاك وقتادة والسدي وابن زيد، وقال الحسن البصري: أحلها الله لك ساعة من نهار، وهذا المعنى الذي قالوه قد ورد به الحديث المتفق على صحته: إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يُعضد شجره، ولا يُختلى خلاه، وإنما أحلت لي ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، ألا فليبلغ الشاهد الغائب[1]، وفي لفظ آخر: فإن أحد ترخص بقتال رسول الله فقولوا: إن الله أذن لرسوله، ولم يأذن لكم[2]."

فهذه السورة سورة البلد من السور المكية، وهي تتحدث عن الإنسان، الإنسان في جنسه حيث خلقه الله  - تبارك وتعالى - في كبد، وعن بعض هذا الجنس، وهو الإنسان المكذب الكافر بالله - تبارك وتعالى - الذي يحارب، ويحاد ربه، ورسله - عليهم الصلاة والسلام - يظن أنه يستطيع أن يفلت من عذاب الله، وأن الله لا يقدر عليه، فالله - تبارك وتعالى - يذكر قدرته على هذا المخلوق، ويذكر حاله من أن الله بين له طريق الخير، وطريق الشر، وأحاط به إحاطة كاملة، وأنه لم يُقبل على الأعمال التي يحصل بها النجاة، وما يحصل به فكاك رقبته يوم القيامة من الإيمان، والأعمال الصالحة كالعتق، أو الإطعام، وما إلى ذلك، هذا ما تدور عليه هذه السورة.

 وقوله - تبارك وتعالى -: لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ قد مضى نظائره في دخول "لا" هذه في القسم، فيقول هنا: هذا قسم من الله - تبارك وتعالى - بمكة أم القرى في حال كون الساكن فيها إلى آخره، ثم نقل عن مجاهد: لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ "لا" ردٌّ عليهم، أقسم بهذا البلد، معنى ذلك أن "لا" هذه نافية على قول مجاهد، يعني أنها تتعلق بمقدر محذوف لا لما تزعمون، لا لما تقولون، ثم نقطة، أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ فتكون على بابها من النفي، وبعضهم يقول: إنها على بابها من النفي، نفي القسم لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ، يعني ينفي القسم، ومثل هذا إما لوضوح الأمر أنه لا يحتاج إلى قسم، أو لأمر آخر كما في هذه السورة على قول بعضهم، بحسب المعنى في الذي بعده، لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ ما هو البلد؟، سيأتي إيضاحه - إن شاء الله - فعلى القول بأنه مكة، وأن البلد الآخر وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ يعني المدينة، وأن "حل" بمعنى حالّ نازل، يعني لا أقسم بمكة، وأنت خارج عنها، أو لا أقسم بهذا البلد وأنت حال فيه، يعني مكة، البلد الأول والثاني كله مكة، فأنت أعظم حرمة، فالقسم بك أولى وأحق، أو لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ يعني مكة، وأنت حل يعني يُستحل به عرضك، ويصل إليك الأذى من هؤلاء المشركين، يستحلون أذاك، فلا أقسم بهذا البلد وأنت مُستحَل فيه تُؤذى، كل هذا على أن "لا" نافية على بابها.

والقول الآخر: هو أن "لا" هذه تدخل على القسم؛ لتقويته، وأنها ليست على بابها في النفي، يعني يسمونها صلة، أي أنها تزاد في القسم لتقوية القسم مثل: لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ [سورة القيامة:1] وقد مضى الكلام على نظائر ذلك، والواحدي نقل الإجماع على أنه قسم بالبلد الحرام، وهذا الذي مشى عليه ابن كثير - رحمه الله - قال: هذا قسم من الله - تبارك وتعالى - بمكة أم القرى في حال كون الساكن فيها حالًّا لينبه على عظمة قدرها في حال إحرام أهلها.

"حالًّا" في هذا التركيب في هذه الجملة قد لا يكون مقصودًا، يعني الذي يبدو - والله أعلم - أن اللائق بهذا السياق "حلالاً" لماذا؟ ابن كثير يقصد معنى دقيقًا، وهو ظاهر من السياق لا يتأتى معه لفظة "حالًّا" يعني يقول: هذا قسم من الله تعالى بمكة في حال كون الساكن فيها حلالاً لينبه على عظمة قدرها في حال إحرام أهلها يعني إذا كان القسم فيها في حال كون الساكن حلالا يعني غير محرم، فكونه مُحرمًا يكون ذلك أعظم، وأشد في تحريم مكة، يعني اجتمع عليه حرمة المكان البقعة، وحرمة أيضًا الإحرام، الحال التلبس بالإحرام، وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ هذا كلام ابن كثير - رحمه الله - لكن لو قلنا: هذا قسم من الله بمكة في حال كون الساكن فيها حالًّا؛ لينبه على عظمة قدرها في حال إحرام أهلها سيكون الكلام الذي بعده ما له معنى، لكن يريد أن يقول: أقسم بها في حال كون هذا الساكن حلالاً، يعني غير محرم، فكيف بالساكن فيها إذا كان في حال الإحرام؟ فهذا أشد، وأعظم في الحرمة.

وهنا نقل عن ابن عباس لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ يعني مكة وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ قال: أنت يا محمد يحل لك أن تقاتل فيه، هنا هذا يوافق ما ذكره ابن كثير من أنه فسر الحل بالحلال، يعني الذي هو ضد الحرمة؛ لأن هذه اللفظة يدور كلام المفسرين فيها على معنيين على اختلاف في تنزيلهم لهذين المعنيين، لكن كل الكلام يدور على معنيين: 

المعنى الأول: حل بمعنى حلال الذي هو ضد الحرمة، تقول: الحل والحرم يعني المكان الذي هو حلال، والمكان الذي هو حرام، تقول: عرفة حل، ومزدلفة حرم.

والمعنى الثاني: أن حل بمعنى حالّ أي: نازل، حل بالمكان إذا نزل فيه، أقام فيه، هذا حل، فكلام المفسرين يدور على هذا، فهنا ما ذكره عن ابن عباس - ا - أنه قال: أنت يا محمد يحل لك أن تقاتل فيه، قال: وكذا روي عن سعيد بن جبير، وأبي صالح، وعطية، والضحاك، وقتادة، والسدي، وابن زيد، وقال الحسن: أحلها الله له ساعة من النهار، هذا بنفس المعنى، نفس قول هؤلاء، يعني قول الحسن: وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ: يعني أنت حلال، يعني أحلت لك ساعة من نهار، هذا المعنى هو الذي اختاره كبير المفسرين ابن جرير، وابن كثير كما نرى مشى على هذا، هذه السورة مكية، وهذه الآية مكية، فهي تتحدث عن أمر لم يقع، لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ ۝ وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ أُقسم بهذا البلد، هذا المعنى وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ هذه جملة ثانية، وليس هذا هو جواب القسم، سيأتي جواب القسم، لكن هنا يخبر عن هذا البلد لما ذكره وأقسم به لعظمه وحرمته أنه أحله لنبيه ﷺ ساعة من نهار، هذا الذي عليه الجمهور أن "حِل" من الحلال، وليس من حَلَّ بمعنى أقام بالمكان، فتكون الآية تتحدث عن أمر مستقبلي، هذا الذي يسمونه ما نزل قبل وقوع حكمه، يعني آية تتحدث عن أمر لم يقع مثل: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ [سورة القمر:45] وقد مضى الكلام على بعض الأمثلة على فرض أنها مفسَّرة بما قيل مما يقتضى ذلك، مثل: وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى [سورة الأعلى:15] عند من قال، أو على قول من قال: ذكر اسم ربه يعني بالتكبير ليلة العيد، ويوم العيد قبل الصلاة، ذكر اسم ربه فصلى، صلى العيد، يعني وإن كان هذا القول ضعيفًا لكن على صحة فرضه ذكرنا أنه لا حاجة للقول بأن هذه الآية نازلة بالمدينة، وإنما يكون مما نزل قبل تقرير حكمه، مع أن الراجح أنه ليس في صلاة العيد أصلا، ولا في تكبير العيد، ومثل: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [سورة الكوثر:2] كل هذا من المكي، وصلاة العيد، والفطر، والأضحى، والنحر الذي هو الأضاحي كل هذا لم يتقرر، ولم يشرع إلا في المدينة، فعلى ذلك القول وعلى فرض صحته يكون مما نزل قبل تقرير حكمه، يعني هذا جواب على هذا الافتراض، فالرد على الذين يسارعون بالقول بأن الآية مستثناة من السورة المكية، وأنها نازلة في المدينة بما لاح لهم من معنى، وقلنا: إن هذه الطريقة غير صحيحة، وإن الحكم بأن هذا مكي، أو مدني مبناه على النقل، وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ لاحظ يقول: وهذا المعنى الذي قالوه قد ورد به الحديث يعني: وإنما أحلت لي ساعة من نهار  إلى آخر ما ذكر.

لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ ۝ وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ هذا القول الذي ذكره ابن كثير، واختاره ابن جرير هو المشهور، أُقسمُ بهذا البلد الذي هو مكة، وأنت حل به على عظمته، يعني أحل له ساعة من نهار، ولكن هذا ليس محل اتفاق، فبعضهم كما سبق يقول: إن ذلك لنفي القسم، كأنه يقول: مِن المكابد أن مثلك يُستحل بهذا البلد كما يستحل الصيد، يعني يستحل أذاه، إيصال الأذى له على حرمة هذا البلد، فيستحل أذى هذا النبي ﷺ كما يستحل الصيد في غير الحرم، لكن هذا وإن قال به بعض أهل العلم ليس المتبادر - والله تعالى أعلم - فالحِل، والحلال، والمُحَل كل ذلك واحد هو ضد المُحرَّم، حِل بمعنى حلال، فالله - تبارك وتعالى - لما ذكر القسم بمكة دل ذلك على عظم قدرها، والقاعدة أن القسم لا يكون إلا بمعظم، يعني عند المقسِم سواء كانت عظمته حقيقية، أو غير حقيقية، فالله إذا أقسم بشيء فإن ذلك يدل على منزلته، وعظمته حقيقة، لكن الحالف بغير الله - تبارك وتعالى - الذي يحلف باللات، أو العزى، أو بغير ذلك هو لا يحلف إلا بما هو معظم عنده، فالقسم لا يكون إلا بمعظم حقيقية، أو حكمًا، يعني بحسب اعتقاده وإن لم يكن في الواقع كذلك، والمقصود أنه على هذا المعنى المشهور يكون ذلك من قبيل العِدة من الله - تبارك وتعالى - لنبيه ﷺ أنه يحل له هذا البلد في المستقبل، كما يقول مجاهد: ما صنعت فيه من شيء فأنت في حل، بمعنى أنه ترتفع حرمة القتال فيه لنبيه ﷺ، يكون ذلك مباحًا إباحة مؤقتة، يعني لست بآثم، غير منتهك لحرمة هذا البلد، وبعضهم فسر الحل بمعنى الحالّ، يعني المقيم، وهذا إذا قلنا، أو على القول بأن "لا" هذه على حقيقتها في النفي، يعني يراد بها النفي، وأنها ليست زائدة، كما يقولون: يعبر عن الزيادة بالصلة، يعني تأدبًا، فعلى القول بأن ذلك على بابه في النفي لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ نفيٌ للإقسام به، وَأَنتَ حِلٌّ هنا تكون بمعنى حالّ بمعنى نازل، يعني يقول: أنت أولى بالقسم من هذا البلد طالما أنك فيه، يعني أن الساكن أعظم من البقعة، الساكن الذي هو النبي ﷺ، الحالّ النازل أولى بالقسم من هذه البقعة على حرمتها، فالنبي ﷺ أعظم حرمة، فأنت أحق بالإقسام طالما أنك نازل في هذا البلد، هذا قال به بعض المفسرين كما سبق، لكن هذا يحتاج إلى إثبات، أن حل بمعنى حالّ؛ لأن هذه المسألة ليست محل تسليم من قبل أهل العلم من أهل اللغة، والمفسرين، بعضهم يقول: إن هذه المادة "حِل" معناها حلال الذي هو ضد الحرمة، وليس معناها "حالّ" إطلاقًا، ولا تأتي بهذا المعنى فتلك مادة أخرى، لاحظ، فيردون عليهم من هذه الحيثية يقولون: من ناحية اللغة لا تأتي حِل بمعنى الحلال الذي هو بمعنى الإقامة حَلّ بالموقع، حَلّ بالموضع، حل بالبلد، حل بالمكان، حل بالبقعة، وإنما هو ضد الحرام، فهذه مسألة فيها كلام لأهل العلم، لذلك ذهب عامتهم إلى ما ذكر هنا من أن ذلك بمعنى الحل الذي هو ضد الحرمة، فيبقى عندنا على هذا معنيان من خلال ما سبق: المعنى الأول الذي عليه الجمهور، وهو اختيار ابن كثير، وابن جرير أُقسمُ بهذا البلد وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ وعد من الله أن يجعلها حلالاً له، يعني عند فتحها، "أحلت لي ساعة من نهار"، الحل ضد الحرمة.

المعنى الثاني: أن تكون "لا" نافية - هنا "لا" على المعنى الأول لتقوية القسم، ليست نافية - على بابها، لا أقسم بهذا البلد، وأنت حل يُستحل به أذاك، يستحل به عرضك، كما يستحل الصيد خارج الحرم، كل هذا يرجع إلى معنى حل الذي هو يقابل الحرمة - والله أعلم -.

لكن البون بين القولين شاسع، فهذا القول الأخير ليس هو المتبادر - والله تعالى أعلم -.

"قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -:" قوله تعالى: وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ فيه قولان:

أحدهما: أنه من الإحلال، وهو ضد الإحرام.

والثاني: أنه من الحلول وهو ضد الظغن، فإن أريد به المعنى الأول فهو حلال ساكن البلد، بخلاف المُحرم الذي يحج، ويعتمر، ويرجع؛ ولأن أمنه إنما تظهر به النعمة عند الحل من الإحرام، وإلا ففي حال الإحرام فهو في أمان، والحرمة هناك للفعل لا للمكان، والمقصود هو ذكر حرمة المكان وهي إنما تظهر بحال الحلال الذي لم يتلبس بما يقتضي أمنه، ولكن على هذا ففيه تنبيه، فإنه إذا أقسم به، وفيه الحلال فإذا كان فيه الحرام فهو أولى بالتعظيم، والأمن"[3]."

لاحظ هذا يمشي على كلام ابن كثير: هذا قسم من الله تعالى بمكة في حال كون الساكن فيها حلالاً لينبه على عظمة قدرها في حال إحرام أهلها، يعني أَقسمَ بها في حال الحرمة، أو أَقسمَ بها في حال الحل، أُقسمُ بهذا البلد، وأنت حل بهذا البلد باعتبار أن هذه جملة ثانية، وأنت حل بهذا البلد مرتبطة بالقسم، أُقسمُ به حال كونك حلالاً فيه، فإذا كان القسم يدل على التعظيم حال كونه حلالاً، فكيف به إذا كان محرمًا؟! فيكون اجتمع فيه أمران: التحريم المتعلق بالبقعة، والتحريم المتعلق بالحال وهي الإحرام، يعني هذا مثل كلام ابن كثير.

"وقال - رحمه الله -: "وكذلك إذا أريد المعنى الثاني وهو الحلول فهو متضمن لهذا التعظيم مع تضمنه أمرًا آخر، وهو الإقسام ببلده المشتمل على رسوله، وعبده، فهو خير البقاع، وقد اشتمل على خير العباد، فجعل بيته هدى للناس، ونبيه إمامًا، وهاديًا لهم، وذلك من أعظم نعمه، وإحسانه إلى خلقه، كما هو من أعظم آياته، ودلائل وحدانيته، وربوبيته، فمن اعتبر حال بيته، وحال نبيه وجد ذلك من أظهر أدلة التوحيد، والربوبية، وفي الآية قول ثالث وهو أن المعنى وأنت مُستحَلٌّ قتلك، وإخراجك من هذا البلد الأمين، الذي يأمن فيه الطير، والوحش، والجان، وقد استحل قومك فيه حرمتك، وهم لا يعضدون بها شجرة، ولا ينفرون به صيدًا، وهذا مروي عن شرحبيل بن سعد، وعلى كل حال فهي جملة اعتراض في أثناء القسم، موقعها من أحسن موقع، وألطفه، فهذا القسم متضمن لتعظيم بيته، ورسوله[4]." 
  1. رواه البخاري، كتاب جزاء الصيد، باب لا يعضد شجر الحرم، برقم (1832)، ومسلم، كتاب الحج، باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ولقطتها إلا لمنشد على الدوام، برقم (1354).
  2. رواه البخاري، كتاب العلم، باب ليبلِّغ العلمَ الشاهدُ الغائبَ برقم (104)، ومسلم، كتاب الحج، باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ولقطتها إلا لمنشد على الدوام، برقم (1354).
  3. التبيان في أقسام القرآن (ص:36).
  4. المصدر السابق (ص:36 - 37).