الجمعة 01 / محرّم / 1447 - 27 / يونيو 2025
أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"وقوله - تعالى -: أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ قال الحسن البصري: يعني أيحسب أن لن يقدر عليه أحد يأخذ ماله؟

وقال قتادة: أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ قال: ابن آدم يظن أن لن يُسأل عن هذا المال: من أين اكتسبه؟ وأين أنفقه؟"

أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ يعني الله يقول إنه خلق هذا الإنسان بهذه الصفة في كبد، فكيف يتوهم ألا يقدر عليه أحد، الله - تبارك وتعالى - هو الذي خلقه، وهو الذي جعله بهذه المثابة فكيف يتطاول، ويتعاظم، فيتوهم أنه ممتنع من ربه - تبارك وتعالى -؟ وذلك كما قال الله : كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى ۝ أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى [سورة العلق:6-7]، وصاحب الجنة لما دخلها قال: مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا ۝ وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً [سورة الكهف:35-36]، فهذه حال للإنسان الذي لم ترتضِ نفسه بالإيمان أنه إذا وجد من نفسه قوة، وعافية، أو غنى فإنه سرعان ما ينسى ما هو فيه من الضعف، وما جُبل عليه من الكبد، والشدة، وما إلى ذلك، وإذا لاقى هذه الشدة سرعان ما ينكسر، ويجزع كما قال الله : إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ   هَلُوعًا ۝ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا ۝ وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا ۝ إِلَّا الْمُصَلِّينَ [سورة المعارج:19-22] وذكر أوصاف هؤلاء الذين يثبتون في هذه الأحوال في حال الرخاء، والنعمة، وفي حال الشدة، وإلا فأكثر الخلق هم بمنأى عن ذلك، إذا أصابته النعم صارت حاله إلى الطغيان، وشمخ بأنفه، وتعاظم، وظن أنه لا يقدر عليه أحد، وإذا أصابته شدة حصل له الضعف، والخور، واليأس وظن أنها هي النهاية.

والحافظ ابن القيم هنا له تعليق، وأنا أقول: أرى أنه من المفيد جدًّا على بعض النقولات، والاطلاع عليها، نحن لا ننقل كل شيء من كلام ابن القيم، ولا من غيره من المفسرين، يعني للمفسرين كلام كثير، ولكن في كلام ابن القيم ما لا يوجد في غيره.

يقول - رحمه الله تعالى -: "ثم أنكر - سبحانه - على الإنسان ظنه وحسبانه أن لن يقدر عليه من خلقه في هذا الكبد، والشدة، والقوة التي يكابد بها الأمور، فإن الذي خلقه كذلك أولى بالقدرة منه، وأحق، فكيف يقدر على غيره من لم يكن قادراً في نفسه؟! فهذا برهان مستقل بنفسه مع أنه متضمن للجزاء الذي مناطه القدرة، والعلم، فنبه على ذلك بقوله: أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ، وبقوله: أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ فيحصى عليه ما عمل من خير، وشر، ولا يقدر عليه فيجازيه بما يستحقه؟.