الأربعاء 02 / ذو القعدة / 1446 - 30 / أبريل 2025
بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ وَٱلشَّمْسِ وَضُحَىٰهَا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ۝ وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا ۝ وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا ۝ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا ۝ وَالسَّمَاء وَمَا بَنَاهَا ۝ وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا ۝ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ۝ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ۝ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ۝ وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا [سورة الشمس:1-10].

تقدم حديث جابر الذي في الصحيحين أن رسول الله ﷺ قال لمعاذ: هلا صليت بسبح اسم ربك الأعلى، والشمس وضحاها، والليل إذا يغشى[1]." 

هذه السورة من السور النازلة بمكة، والموضوع الذي تدور عليه في مجملها هو ما يتصل بالنفس من جهة تزكيتها، وتدسيتها، قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ۝ وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا وما ذكر بعده من ضرب المثل بثمود في قوله: كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا [سورة الشمس:11]، وما وقع منهم من عقر الناقة، فهذا نموذج، ومثال لتدسية هذه النفس لقوم لم تزكُ نفوسهم بل حصل ضد ذلك من تدسيتها، وإفسادها، وهذه السورة سورة الشمس يقال لها: وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا تمييزًا لها من سورة التكوير، وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا فهذه السورة تدور على موضوع النفس من جهة التزكية، والتردية -التدسية-، - والله أعلم -.

"قال مجاهد: وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا أي: وضوْئِها، وقال قتادة: وضحاها النهار كله، قال ابن جرير: والصواب أن يقال: أقسم الله بالشمس، ونهارها؛ لأن ضوء الشمس الظاهر هو النهار."

الآن أقسم الله بالشمس وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا بعض العلماء تجدهم في ثنايا كلامهم في التفسير - وهذا يذكره غير واحد من المفسرين، ويبدو أن بعضهم لم يطلع على كلام بعض - يربطون هذه الأشياء المقسم بها وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ۝ وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا ۝ وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا إلى آخره، وما ذكره في مضامين السورة، يعني مثلاً تكذيب ثمود مع ما جاءهم من الآية الواضحة التي لا لبس فيها، ولا خفاء من هذه الناقة التي كانت آية لهم، أن هذا في غاية الوضوح، ومع ذلك حصل منهم هذا الكفر، والتكذيب فعقروا الناقة لا عن لبس، وإنما كان ذلك مع وضوح هذا البرهان، والدليل، فلم يكن تكذيبهم عن خفاء للحجة.

قال: وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا فهنا أضاف الضحى إلى الشمس؛ لأنه يكون عند ارتفاعها، إذا ارتفعت الشمس، فالضحى مراتب فحينما ترتفع الشمس بقدر رمح فإن هذا يكون وقتًا لدخول الضحى، ولكن هذا أول الضحى، فالضحى له أول، وأوسط، وأعلى، الضحى الكبير هو حينما ترتفع الشمس ارتفاعًا كثيرًا، ويشتد حرها، ولهذا جاء: صلاة الأوابين حين تَرمَض الفصال[2]، فتكون الأرض حارة، فأضاف الضحى إليها هنا؛ لأنه إنما يكون عند ارتفاعها، وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا، هنا قول من قال: أي: وضوئها، وضحاها أي وضوئها؛ لأنها في الضحى تكون في غاية الإضاءة، فهذا كأنه تفسير على المعنى، وليس من قبيل التفسير على اللفظ؛ لأن الضحى هو الوقت المعروف فحينما يفسر بهذا قال: وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا الضحى جزء من اليوم، جزء من النهار، فما فسره به، وإنما فسرها بالضوء، وقول قتادة أيضًا: النهار كله باعتبار أن هؤلاء نظروا إلى أنه في حال الضحى يكون النهار جليًّا في غاية الإضاءة، فكأنهم نظروا إلى أنه عبر به للدلالة على معنى أوسع وهو النهار، ولكنه عُبر عن النهار بأجلى حالاته وهو الضحى، والله - تبارك وتعالى - أقسم بالضحى، والضحى هو الوقت المعروف، وإن كان بعضهم يفسره بالنهار كله، ولكن تفسيره بذلك على المعنى أيضًا، وليس على اللفظ، فهنا وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا إذا فسرناه على اللفظ يكون للوقت - للجزء - المعروف من النهار، وهذا هو المتبادر، وابن جرير يرجح أن يكون ذلك بمعنى النهار، يعني يرجح قول قتادة، وذكر العلة قال: لأن ضوء الشمس الظاهر هو النهار، يعني عبر عن النهار بأجلى حالاته، وهو حينما ترتفع الشمس، والنهار يبدأ من طلوع الشمس إلى غروبها، ولكنه في طرفيه يكون النهار ضعيفًا، أو ضوء الشمس يكون ضعيفًا، بخلاف الضحى. 

 

  1. رواه البخاري، كتاب الأذان، باب من شكا إمامه إذا طول، برقم (705)، ومسلم، كتاب الصلاة، باب القراءة في العشاء، برقم (465).
  2. رواه مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الأوابين حين ترمض الفصال، برقم (748).