هنا قوله: فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا يعني هذا على النصب على سبيل التحذير، فهذا كما يقول الفراء: كل تحذير فهو نصب، يعني النصب أحيانًا يكون على الإغراء، وأحيانًا يكون على سبيل التحذير، وبعضهم كالزجاج يقول: إنها منصوبة على معنى ذروا، يعني فيه مقدر محذوف ذروا ناقةَ الله، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ فنصب على التحذير، احذروا ناقة الله، هذا هو التقدير، وهذا الذي اختاره ابن جرير -رحمه الله-، يعني كما قال ابن كثير، وكما ترون في طول هذا التفسير، وعرضه نذكر أقوال ابن جرير، ونجد أن أقواله مع أقوال ابن كثير تارة تتفق، وتارة تختلف، وأن المواضع التي يختلف فيها ابن جرير مع ابن كثير ليست قليلة، فما قد يتوهمه بعض طلبة العلم من أن ابن جرير، وابن كثير أن أقوالهم، وأن هذه الكتب، أو أن ذلك من مدرسة واحدة، فإن قُصد به أنه يرجع إلى التفسير بالمأثور فهذا لا إشكال فيه، أما أن يظن أن أقوالهم متوافقة فهذا غير صحيح، وأبعد من هذا كله قول من يظن، أو يتوهم أن تفسير ابن كثير هو تهذيب، أو اختصار لابن جرير، هذا لا أصل له إطلاقًا، هذا كتاب، وهذا كتاب، وليس هذا الكتاب مقتبسًا من تفسير ابن جرير بحال من الأحوال، لكنه استفاد من تفسير ابن جرير، ومن غيره، كنت أبحث عن طبعة الشيخ أحمد شاكر تحقيق محمود شاكر - رحم الله الجميع - قديماً في حدود سنة 1402هـ، وأذهب إلى المكاتب هنا، وهناك فرآني شخص وقال: ماذا تريد بتفسير ابن جرير؟! تفسير ابن كثير يكفيك، ابن كثير تهذيب لابن جرير، فلا زلت أعجب من هذه الكلمة إلى اليوم، ابن كثير تهذيب لابن جرير! هذا غير صحيح.
هنا قوله: نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا يحذرهم من الاعتداء على هذه الناقة أن يمسوها بسوء، وكذلك أيضًا من سقياها؛ لأنها تشرب في يوم، ويشربون في يوم، وهنا قال: فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا كذبوه فيما جاءهم به، عبارة ابن جرير: كذبوه في خبره من أن الله جعل لها شربًا في يوم، ولهم شربًا في يوم، وأن الله يحل بهم عقوبته إذا عقروها، كذبوه، وهذا التكذيب يشمل ذلك جميعًا كذبوه، فعقروها، كذبوه أنها آية، كذبوه فيما أخبرهم به، وما حذرهم منه من نزول العقاب بهم إذا تعرضوا لها بسوء، كذبوه من أن ذلك كان بأمر الله - تبارك وتعالى - لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ [سورة الشعراء:155].
"فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ أي: غضب عليهم، فدمر عليهم، فَسَوَّاهَا أي: فجعل العقوبة نازلة عليهم على السواء.
قال قتادة: بلغنا أن أحيمر ثمود لم يعقر الناقة حتى تابعه صغيرهم، وكبيرهم، وذكرهم، وأنثاهم، فلما اشترك القوم في عقرها دمدم الله عليهم بذنوبهم فسواها."
هنا الدمدمة فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ قال: أي غضب عليهم فدمر عليهم فالدمدمة تعني التدمير، وهذا الذي قاله ابن جرير - رحمه الله -.
وقوله: فَسَوَّاهَا يعني فجعل العقوبة نازلة عليهم على السواء، يعني استووا في ذلك، جاءهم العذاب العام المستأصل، هنا قال: إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا وهو أحيمر ثمود، الذي عقرها واحد "فتعاطى فعقر" فكيف وقع العذاب على الجميع؟
الجواب: لأنهم تواطئوا على ذلك، ورضوا به، فصاروا بمنزلة العاقر لها، ولهذا نسب ذلك الفعل إليهم جميعًا، فَعَقَرُوهَا مع أن الذي عقرها واحد، ولكن لمّا توافق هؤلاء على هذا العدوان والشر والإجرام كان العذاب واقعًا بالجميع، فجعل العقوبة نازلة عليهم، وهكذا القوم إذا رضوا بالمنكر وإن لم يصدر من جميعهم فإن العقوبة تنزل بالجميع، بل إذا سكتوا عنه، ولم يأخذوا على يد الظالم، وهم يستطيعون ذلك فإن العذاب ينزل على الجميع، فهنا قوله: فَسَوَّاهَا يعني أن العقوبة نزلت على السواء فعمت القوم جميعًا.