"وقوله تعالى: وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا وقرئ: "فلا يخاف عقباها".
قال ابن عباس: لا يخاف الله من أحد تبعةً، وكذا قال مجاهد، والحسن، وبكر بن عبد الله المزني، وغيرهم.
آخر تفسير وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا."
"ولا يخاف عقباها" هذا هو المشهور الذي نقله عن هؤلاء السلف أي أن الله - تبارك وتعالى - لما فعل بهم ما فعل من العقوبة فإنه لا يخاف عقباها، عقبى ذلك يعني عاقبته، وذلك بخلاف البشر الضعفاء فإنهم قد يُعاقِبون، ثم بعد ذلك يتخوفون الغوائل بسبب عقوبتهم، فالقاضي قد يحكم، أو الأمير قد ينفذ، أو يعاقب، أو الجيش قد يغزو قومًا، أو نحو ذلك، ولكنه يبقى على حال من التخوف في جرائر هذا الفعل، وما يعقبه، وما ينتج عنه من الآثار، والعواقب السيئة التي قد ترجع إليه، فيبقى في حال من الترقب، والتخوف.
أما الله - تبارك وتعالى - فهو العظيم الأعظم، فلمّا فعل بهم ما فعل، وعاقبهم بهذه العقوبة فإنه - تبارك وتعالى - لا يتخوف من جراء ذلك أحدًا من خلقه، فهو رب الخلق، ونواصيهم بيده، وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا مع أن بعضهم قال: إن ذلك يرجع إلى العاقر، هذا الذي تعاطى فعقر لم يخف عاقبة فعله من العقر بنزول العذاب الذي خوفهم نبيهم - عليه الصلاة والسلام - منه، ولكن الأول أرجح، والله - تبارك وتعالى - ذكر فعله بهم فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا فهذا الضمير يرجع إلى أقرب مذكور وهو الرب .
فالخوف منشؤه نقصان العلم، أو القدرة، أو الإرادة.
وقال - رحمه الله -: "فإن العالِم بأن الشيء لا يكون لا يخافه، والعالم بأنه يكون ولابد قد يئس من النجاة منه فلا يخاف، وإن خاف فخوفه دون خوف الراجي، وأما نقص القدرة فلأن الخائف من الشيء هو الذي لا يمكنه دفعه عن نفسه، فإذا تيقن أنه قادر على دفعه لم يخفه.
وأما نقص الإرادة فلأن الخائف يحصل له الخوف بدون مشيئته، واختياره، وذلك محال في حق من هو بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، ومن لا يكون شيء إلا بمشيئته، وإرادته، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وهذا لا ينافي كراهته - سبحانه - وبغضه، وغضبه فإن هذه الصفات لا تستلزم نقصًا لا في علمه، ولا في قدرته، ولا في إرادته بل هي كمال؛ لأن سببها العلم بقبح المكروه، المبغوض، المغضوب عليه، وكلما كان العلم بحاله أهم كانت كراهته، وبغضه أقوى، ولهذا يشتد غضبه - سبحانه - على من قتل نبيَّه، أو قتله نبيُّه[2]."
- الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة (4/ 1445).
- المصدر نفسه.