لاحظ الآن وَوَجَدَكَ ضَالا فَهَدَى هنا فسره بهذه الآية: مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ، فقوله -تبارك وتعالى-: وَوَجَدَكَ ضَالا أصل الضلال وحقيقته في كلام العرب: الذهاب عن حقيقة الشيء، ومن ذلك قول أبناء يعقوب له ﷺ: تَاللّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ [سورة يوسف:95]، هم لا يقصدون الضلال في الدين وإلا لكانوا كافرين في ذلك حينما يوجهون هذا إلى نبي من أنبياء الله -عليهم الصلاة والسلام-، ولكن قصدوا الذهاب عن حقيقة ما جرى ليوسف ، يعني نحن نقول لك: أكله الذئب وأنت تقول: اطلبوا يوسف، تحسسوا، ابحثوا عنه إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ [سورة يوسف:94]، فلا زلت تُرجِّي مجيئه وأنه حي وقد يرجع، هنا الضلال أي الذهاب عن حقيقة ما جرى ليوسف ، فلهذا: وَوَجَدَكَ ضَالا فَهَدَى، يعني ذاهبًا عن حقيقة الوحي والنبوة لا تدري ما الكتاب والوحي، وليس ذلك يعني أن النبي ﷺ كان على دين قومه، وهذه مسألة معروفة فيها كلام لأهل العلم في الأنبياء هل كانوا على دين قومهم أو لا، والعلماء يتكلمون على هذه المسألة في مواضع: من ذلك في الكلام على المناظرة التي جرت بين إبراهيم وقومه من عبدة الكواكب حينما رأى كوكبًا فقال: هَذَا رَبِّي [سورة الأنعام:76]، والراجح أنه قال ذلك مناظرًا لا ناظرًا، يعني قال ذلك على سبيل التنزل في المناظرة فقط لا أنه كان يعتقد ربوبية الكوكب، وإن قال بهذا بعض أهل العلم، إلا أن الراجح أنه قاله مناظرًا لا ناظرًا، من باب التنزل ليلزمهم في نهاية المطاف، وكذلك في قول المشركين لأنبيائهم -عليهم الصلاة والسلام-: لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا [سورة إبراهيم:13] "لتعودن" فالذين قالوا: إنهم كانوا على دين قومهم قالوا: أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا أي أنهم كانوا عليها فيرجعون إليها ثانية، والجواب عن هذا أن العود في كلام العرب يأتي بمعنى الرجوع إلى الشيء ثانيًا، يعني مثل أن تقول: حتى يعود اللبن في الضرع، فاللبن كان في الضرع، وتقول: عاد فلان إلى عادته، إلى سيرته، يعني السابقة التي كان عليها، وقد يأتي بمعنى مطلق الصيرورة مثل أن تقول: عاد الصبي شيخًا، وهو لم يكن كذلك، وعاد الطين خزفًا، وهو لم يكن كذلك، وعاد الماء ثلجًا، وهو لم يكن كذلك، يعني صار، وتقول مثلاً: عاد الثوب قميصًا، الثوب القماش يعني صار قميصًا بعدما قُص وفصل وخيط، فهذا المعنى الآخر للعود، والاحتمالان في قول النبي ﷺ: لن تقوم الساعة حتى تعود جزيرة العرب مروجًا وأنهاراً[1]، يحتمل أنها كانت قبل ذلك كذلك فترجع، أو أنها تصير إلى هذا وإن لم تكن عليه في السابق، فهنا الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- هل كانوا على دين قومهم وَوَجَدَكَ ضَالا فَهَدَى، أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا؟، الأقرب -والله أعلم- أن الأنبياء لم يكونوا على دين قومهم، لم يكونوا على الشرك، وإنما كانوا على الفطرة، وعلى أصل التوحيد، لكن التفاصيل التي جاءت عن طريق الوحي ما كانوا على علم بها حتى أوحى الله إليهم.
- رواه مسلم، كتاب الزكاة، باب الترغيب في الصدقة قبل أن لا يوجد من يقبلها، برقم (1013).