وقوله: وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى أي: كنت فقيرًا ذا عيال، فأغناك الله عمن سواه، فجمع له بين مقامي الفقير الصابر والغني الشاكر -صلوات الله وسلامه عليه.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: ليس الغِنى عن كثرة العَرَض، ولكن الغنى غنى النفس[1]
وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو -ا- قال: قال رسول الله ﷺ: قد أفلح من أسلم، ورُزق كفافًا، وقنّعه الله بما آتاه[2].
الآن هذه الفاء للتفريع على ما قبلها، فلما ذكر له هذه المنن الثلاث فرّع على ذلك هذه التوجيهات والأوامر والأحكام، فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ يعني كنت يتيمًا وذقت مرارة اليتم فلا تقهر اليتيم، لا تقهره، لا تدفعه عن حقه، ولا تنهره، فإن اليتم وذل اليتم يكفيه، يعني هو مَهِيض الجناح، كسير القلب، يحتاج إلى رعاية، يحتاج إلى مواساة، ولهذا جاء في الشرع الحث على حفظ مال اليتيم، والتحذير الشديد من أكل ماله؛ وذلك أنه ضعيف لا يستطيع أن يدفع عن حقه، فلا يُستغل لضعفه، وهكذا إذا أردت أن يرق قلبك كما قال النبي ﷺ فامسح رأس اليتيم[3]، فمسح رأس اليتيم هذا له معنى في الشرع، وهو مطلوب، كل هذا من أجل أن يشعر بالأمان، فإذا مُسح رأسه هدأت نفسه وسكنت، فهو في قلق وخوف وترقب يتخوف غوائل الناس، ويترقب منهم أنواع المكاره، فإذا مُسح رأسه سكنت نفسه، وهدأت واطمأنت، هذا الفعل اليسير البسيط تجد أن الشارع علق فيه هذا الحكم الكبير، إذا أردت أن يرق قلبك فامسح رأس اليتيم، وأطعمه من طعامك أو كما قال ﷺ.
فهنا فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ يكفيه ما هو فيه من الذل والمسكنة والضعف والكسر الذي في قلبه، يكفيه عن الزيادة على ذلك من القهر، فإن هذا القهر يجرحه ويؤذيه ويضعضع نفسه ويهدم ما تبقى فيها، فمثل هذا يحتاج إلى رعاية وأمان، والله المستعان.
قال رحمه الله: ثم قال تعالى: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ أي: كما كنت يتيمًا فآواك الله فلا تقهر اليتيم، أي: لا تذله وتنهره وتُهنه، ولكن أحسِنْ إليه، وتلطف به.
قال قتادة: كن لليتيم كالأب الرحيم.
- رواه البخاري، كتاب الرقاق، باب الغنى غنى النفس، برقم (6446)، ومسلم، كتاب الزكاة، باب ليس الغنى عن كثرة العرض، برقم (1051).
- رواه البخاري، كتاب الرقائق، باب الغنى غنى النفس، برقم (6446)، ومسلم، كتاب الزكاة، باب ليس الغنى عن كثرة العرض، برقم (1051).
- رواه أحمد في المسند، برقم (7576)، وقال محققوه: " إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الصحيح غير أبي كامل -وهو مظفر بن مدرك الخراساني- فقد روى له أبو داود في "التفرد" والنسائي، وهو ثقة"، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم (854)، وحسنه في صحيح الجامع، برقم (1410).