السائل يحتمل معنيين: السائل الذي يسأل عن العلم، وهنا ابن كثير ذكر هذا المعنى بأي اعتبار؟
هنا كل واحدة تقابل واحدة مما سبق من الأوصاف الثلاثة التي امتن الله بها على النبي ﷺ، فهنا الله -تبارك وتعالى- قال له: أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى، إذًا فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ، وَوَجَدَكَ ضَالا فَهَدَى فهذا الضال يحتاج إلى العلم والتبصير فيكون ذلك بالسؤال والتعليم، فهنا قال: وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ، فهذا السائل الذي يسأل عن العلم، ويدخل فيه أيضًا المعنى الآخر وهو السائل الذي يسأل المال، يعني الفقير الذي يطلب، وكلاهما بحاجة إلى اللطف؛ لأن هذا الذي يسأل عن العلم هو أيضًا يحتاج إلى رعاية ويحتاج إلى لطف به؛ لأنه يكون في حال من التوجس والترقب لا يدري ماذا سيقال له، فقد يُسخر منه، قد يُستهزأ به، قد يطرد، يعني من الناس -نسأل الله العافية- من إذا جاءه طالب العلم أو جاءه السائل أو جاء إنسان يريد أن يستفسر أو نحو ذلك زجره زجرًا شديدًا، وعنفه من غير سبب، أنتم تضيعون أوقات العلماء، اذهب أو نحو ذلك من العبارات، وبعض طلبة العلم ألف رسالة مستقلة في الآداب والأخلاق وما إلى ذلك بسبب موقف مع بعض هؤلاء، فالمقصود أن هذا الإنسان الذي يسأل عن العلم أو نحو ذلك هو بحاجة إلى تلطف، لا أن يقابَل بإساءة وأشياء غير لائقة، يعني أحيانًا هذا يَسأل والسماعة أحيانًا تُضرب وهو يتكلم، وما صدر منه شيء، هو تلكأ في السؤال أو ما عرف ماذا يقصد حينما رد عليه هذا الشيخ أو العالم، يستفهم منه قضية فذاك ما فهم كلمتين، -نسأل الله العافية-، فظاظة وغلظة وجفاء وصلف وأخلاق صحراوية.
فالناس يحتاجون إلى شيء من التلطف، وليس بهذه الطريقة -نسأل الله العافية-، فالرد على الناس بالإساءة إليهم وجرح مشاعرهم فيصبح الناس إذا أرادوا الاتصال على هذا لا يتصلون أصلاً، وإذا اتصلوا فهم لا يدرون ما سيأتيهم تُغلق السماعة بقوة في وجوههم، أو أنه سيزجرهم ويتكلم بعبارات تجرحهم ويرفع صوته عليهم، أو نحو هذا، كذلك السائل الذي يحتاج للمال يكفيه ذل السؤال والفقر والحاجة، فهو يتوجس حينما يسأل هؤلاء الناس ويطلب منهم ماذا سيقال له؛ ولهذا قال الله : قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى [سورة البقرة:263]، فالكلام الطيب الحسن أفضل من العطاء الذي يكون معه أذى يؤذيه بكلام يجرحه فيه، فيدخل في هذا المعنيان وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ السائل عن العلم، والسائل عن المال.
قال ابن إسحاق: وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ أي: فلا تكن جبارًا، ولا متكبرًا، ولا فَحَّاشا، ولا فَظًّا على الضعفاء من عباد الله.
وقال قتادة: يعني رَد المسكين برحمة ولين.