الثلاثاء 25 / جمادى الآخرة / 1447 - 16 / ديسمبر 2025
كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًۢا بِٱلنَّاصِيَةِ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُتَوَعِّدًا وَمُتَهَدِّدًا:كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ أَيْ لَئِنْ لَمْ يَرْجِعْ عما هو فيه من الشقاق والعناد:لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ أَيْ: لَنَسِمَنَّهَا سَوَادًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

 

كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ هذه كَلَّا للردع هنا والزجر، فقد وجد قبلها ما يستوجب، أو ما يفهم منه ذلك:كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِهذه اللام موطئة للقسم، لئن لم يرجع عما هو فيه من الشقاق والعناد وأيضًا النهي لمن كان على الإيمان، قال:لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ قال: لنسمنها سوادًا يوم القيامة، عبارات المفسرين تكاد ترجع إلى معنيين في هذا الموضع، إذا جمعت عبارات السلف فمن بعدهم فهي تكاد ترجع إلى معنيين اثنين، وذلك لأن أصل هذه المادة -السفع- يدل على معنيين:

الأول: لون، وهو السواد، فالسفعة التي تكون في الوجه تكون سوادًا، فهذه بمعنى اللون، وهو السواد.

والثاني: التناول والأخذ، وهو تناول الشيء باليد، إذًا السفع يأتي مرادًا به اللون السواد، ويأتي مرادًا به تناول الشيء باليد.

ومن هنا جاءت عبارات المفسرين متفرعة في هذا الموضع من هذين المعنيين.

فالله يتهدد هذا الذي ينهى عبدًا إذا صلى بالسفع بناصيته، والناصية هي مقدم الرأس، فهنا بعضهم فسره بالتناول والأخذ والجذب الشديد، أن يأخذه الله -تبارك وتعالى- من ناصيته، وإلى النار، كما قال الله :فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ[الرحمن: 41] يجمع ما بين الناصية والأقدام، ثم بعد ذلك يطرح في النار، فتكون الآية الأخرى مفسرة لهذا الموضع:فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ فيكون بمعنى الأخذ والقبض، ونحو ذلك.

والمعنى الثاني: أنه يكون باعتبار اللون، يعني ما قاله ابن كثير -رحمه الله- هنا:لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِلنسمنّها سوادًا يوم القيامة، يعني كما أن أهل الإيمان يُعرفون بالغرة والتحجيل، يُعرف هؤلاء بالسواد.

ابن جرير -رحمه الله- حمله على الأول: لنأخذن بمقدم رأسه فلنضمنّه ولنذلنّه، نضمنه، يعني يؤخذ بالنواصي والأقدام يجمع، فيؤخذ بهذا الأخذ الشديد القوي، هذا الإنسان المتجبر الطاغي المتكبر المتعاظم الذي يعتدي على عباده، وعلى أهل الإيمان، فينهى هذا عن الطاعة، ويؤذي هذا، يؤخذ هكذا، بناصيته وأقدامه، ثم يطرح في النار.

إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ[آل عمران: 175] يخوفكم أولياءه، يجعل لهم هالة، ولكن في النهاية هم أقل من الهباء في حقيقة الأمر، وكثيرًا ما أذكر ما يرشد الأذهان إلى هذا المعنى مما نشاهده، الصور التي نشاهدها، صغر الإنسان، انظر إلى الحرم، الصور التي تكون من علو شديد، الناس مثل الذر، يتحركون، فهذا لا يصلح له الكِبْر، سيأتي الكلام على هذا -إن شاء الله تعالى- في الأسماء الحسنى، عند الكلام على الكبير والمتكبر.

فهذا الإنسان الصغير الهباءة هو لا شيء بالنسبة لهذا الكون الكبير، وتجدون في بعض المقاطع بعضَ الأشياء أحيانًا تصور الإنسان وما حوله، وتصور الأشياء القريبة منه، ثم بعد ذلك يبدأ يتضاءل يتضاءل وتصور أعلى وأعلى حتى تصل به إلى العالم العلوي والأفلاك، فتظهر الأرض بكاملها مثل حبة الرمل، فهنا حينما ينتفش الإنسان ويتضخم، ثم يحسب له ألف حساب على طغيانه، وعتوه على الله، إذا كانت الأرض كلها بهذه المثابة، مثل حبة الرمل، فهنا يأتي:فَلاَ تَخْشَوْهُمْ[المائدة:3]،فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ[التوبة:13].

فالأرض ومن عليها بهذه المثابة صغيرة جدًّا، لا شيء، فلا يستحق الخلق أن يُعطَوا أكبر من قدرهم الذي يليق بهم.

كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىيؤخذ المتجبر العاتي من النواصي والأقدام، من ناصيته وقدميه، ويقذف في النار، أصغر من الذرة.

كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ قال هنا: لنسمنّها سوادًا يوم القيامة.