الجمعة 19 / رمضان / 1445 - 29 / مارس 2024
17 – منهاج السنة. القواعد 218-226
تاريخ النشر: ٢١ / صفر / ١٤٣٣
التحميل: 4369
مرات الإستماع: 3047

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

"من طرق المناظرة أن يقع التفضيل بين طائفتين، ومحاسن إحداهما أكثر، وأعظم، ومساوئها أقل وأصغر، فإذا ذكر ما فيها من ذلك عورض بأن مساوئ تلك أعظم، كقوله: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ [البقرة:217] وإن كان كل من الطائفتين ممدوحًا لا يستحق الذم، بل هناك شبه في الموضعين، وأدلة أحد الصنفين أقوى وأظهر، وشبهته أقوى، وهذا حال النصارى واليهود مع المسلمين، وهو حال أهل البدع مع أهل السنة".

فهذا ذكره المصنف -رحمه الله- في معرض الرد على الرافضي في أن الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- تفرقوا بعد النبي ﷺ بحسب أهوائهم، فذكر هذا الطريق في الرد، وهذه الطريق نافعة مع جميع الطوائف، وهي تصلح أن تكون منهجًا لطالب العلم في مناقشته ومناظرته، ورده، سواء كان ذلك فيما يتصل بالأشخاص، يعني: في بيان الفضائل وأضدادها، أو كان ذلك مما يتصل بالطوائف والفرق، أو كان ذلك مما يتصل بالمزاولات والأعمال، وما شابه ذلك، فيذكر أن من طرق المناظرة أن يقع التفضيل بين طائفتين، ومحاسن إحداهما أكثر وأعظم، ومساوئها أقل وأصغر، فإذا ذكر ما فيها من ذلك؛ عورض بأن مساوئ تلك أعظم، يعني: لما احتج المشركون على المسلمين في قصة قتل ابن الحضرمي في أول ليله من الشهر الحرام بطريق الخطأ، كما هو معلوم في خبر السرية بذات نخلة لما قتلوا هذا المشرك، فاحتج المشركون على المسلمين، وقالوا: إنكم تدعون وتزعمون أنكم على ملة إبراهيم وأنتم تنتهكون حرمة الشهر الحرام، فهذا الذي حصل هو انتهاك لحرمة الشهر الحرام، والله -تبارك وتعالى- يقول: مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ [التوبة:36] فجاء الرد القرآني فارقًا ومبينا للحق في هذه القضية.

وقد ذكرت هذا في عدد من المناسبات، وهو يصلح أن يكون ردًا اليوم من قبل أهل الإيمان على المنافقين، ويصلح أيضًا أن يكون ردًا من قبل أهل الإسلام على أعدائهم من اليهود والنصارى الذين يرمونهم اليوم بالفساد والإفساد والإرهاب، وما إلى ذلك من الأمور التي تعرفون، فانظر كيف رد القرآن على هؤلاء المشركين.

 يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ [البقرة:217] انظر كيف الرد، والفصل بين الطائفتين حصل من المسلمين خطأ، فالقرآن أقر بأن هذا لا يصح، قال: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ [البقرة:217] نقطة انتهى، ثم شن حملة على المشركين الذين هم أهل لكل رزية ونقيصة وانتهاك وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ [البقرة:217] يعني: صد الناس عن دينهم وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا [البقرة:217] فانظر فقط فيما يتصل بهذا الخطأ مما يتعلق بأهل الإيمان، قال: قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ [البقرة:217] لكن من الخطأ أن يستجر أهل الإيمان إلى أن يحولوا المعارك إلى الداخل، وأن يستجيبوا لخُدع أعدائهم من اليهود والنصارى، وأن يتنصلوا من شرائع الإسلام، أو من ذروة سنامه، وهو الجهاد في سبيل الله أو من الولاء والبراء، أو نحو ذلك، فيتكلم إما بباطل، وإما أن يرد بعض الحق الذي جاء به الرسول ﷺ فهذه طريقة القرآن هذا الخطأ لا يقر، ولكن المقابل ماذا فعلوا، هؤلاء الكفار ماذا فعلوا؟ واضح؟

فهنا هذا مثال من كتاب الله -تبارك وتعالى- قال: وإن كان كل من الطائفتين ممدوحًا لا يستحق الذم، بل هناك شبه في الموضعين، وأدلة أحد الصنفين أقوى وأظهر، وشبهته أضعف وأخفى، فيكون أولى بثبوت الحق، ممن تكون أدلته أضعف، وشبهته أقوى، وهذا حال النصارى واليهود مع المسلمين، وهو حال أهل البدع مع أهل السنة.

الآن ما يقوله اليهود في تفضيل موسى مثلاً، وفي أن الحق هو ما هم عليه في مقام الرد على النصارى، وما يقوله النصارى في مقام الرد على اليهود في تفضيل عيسى ، فهنا يمكن أن يحتج على هؤلاء النصارى بأن ما يقولونه في أثبات فضل عيسى مما هو حق، وهو له أهل يقولونه في الرد على اليهود يقوله المسلمون في الرد على النصارى في إثبات نبوة محمد ﷺ وفي إثبات فضائله، ومناقبه -عليه الصلاة والسلام- ما يقولونه أولئك في الرد على اليهود يقال أيضًا في الرد على هؤلاء، وما يقوله الرافضة في إثبات فضل علي يقوله أهل السنة في إثبات فضل الشيخين، فضل أبي بكر، وفضل عمر -رضي الله عنهما- فما يقوله الرافضة مما هو حق في فضل علي أهل السنة يثبتونه، ولا ينكرون فضل علي ولكن يقولون: ما تقولونه في علي يلزمكم أن تقولوه في أبي بكر وعمر أيضًا مثل ذلك، وما تقولونه في الرد على المعادين لعلي والمنكرين لفضائله يقوله أهل السنة في الرد عليكم في إنكاركم لفضائل الشيخين، أتضح الفرق؟

ولذلك شيخ الإسلام هنا يذكر كلامًا جيدًا في هذا المقام، ولأهميته لا بأس أن أذكر طرفًا منهُ، يقول شيخ الإسلام -رحمه الله- بأن أهل السنة مع الرافضة كالمسلمين مع النصارى، فإن المسلمين يؤمنون بأن المسيح عبد الله ورسوله، ولا يغلون فيه غلو النصارى، ولا يجفون جفاء اليهود، والنصارى تدعي فيه الإلهية، وتريد أن تفضله على محمد وإبراهيم وموسى، بل تفضل الحواريين على هؤلاء الرسل كما تريد الروافض أن تفضل من قاتل مع علي كمحمد بن أبي بكر، والأشتر النخعي على أبي بكر، وعمر، وعثمان، وجمهور الصحابة من المهاجرين، والأنصار، فالمسلم إذا ناظر النصراني لا يمكنه أن يقول في عيسى إلا الحق، لكن إذا أردت أن تعرف جهل النصراني، وأنهُ لا حجة له فقدر المناظرة بينه وبين اليهودي، فإن النصراني لا يمكنهُ أن يجيب عن شبهة اليهودي إلا بما يجيب به المسلم، يعني: عن شبهة فإن لم يدخل في دين الإسلام، وإلا كان منقطعًا مع اليهودي.

يقول: فإنهُ إذا أمر بالإيمان بمحمد ﷺ فإن قدح في نبوته بشيء من الأشياء لم يمكنه أن يقول: شيئًا إلا قاله اليهودي في المسيح مما هو أعظم من ذلك؛ لأن دلائل نبوة محمد ﷺ أعظم من دلائل نبوة المسيح .

يقول: فإن البينات لمحمد أعظم من البينات للمسيح، ويعد أمر محمد، وبُعد أمر محمد ﷺ عن الشبهة أعظم من بُعد المسيح عن الشبهة، يعني: اليهود ماذا قالوا عن المسيح ؟ اتهموه، واتهموا أمهُ مما هم بريئان منهُ، فماذا يقول: النصراني في الرد عليهم، في مثل هذا المقام، فإن المسلم أقدر في الرد على النصراني من شبهة اليهودي الموجهة إلى النصراني.

يقول: فإن جاز القدح فيما هو دليله أعظم، وشبهته أبعد عن الحق، فالقدح فيما دونه أولى، كل ما تقولون في النبي ﷺ يا معشر النصارى، اليهود سيقولون أعظم منه في المسيح .

قال: وإن كان القدح في المسيح باطلاً؛ فالقدح في محمد أولى بالبطلان، فإنهُ إذا بطلت الشبهة القوية، فالضعيفة أولى بالبطلان، وإذا ثبتت الحجة التي غيرها أقوى منها؛ فالقوية أولى بالثبات، ثم قال: ولهذا كانت مناظرة كثير من المسلمين للنصارى من هذا الباب.

ثم ذكر الحكاية المشهورة عن الباقلاني لما جاء إلى النصارى للمحاورة والمناظرة، وهكذا تكون المحاورات مع أهل الكتاب، والباقلاني مع أنه صاحب مذهب كلامي إلا أنهُ كما قال شيخ الإسلام: هو من أجلّ هؤلاء، ومن أعظمهم، فلما أرسله المسلمون إلى ملك النصارى بالقسطنطينية فإنهمُ عظموه، وعرف النصارى قدره، فخافوا ألا يسجد للملك إذا دخل، فأدخلوه من باب صغير؛ ليدخل منحنيًا، فتفطن لمكرهم، فدخل مستدبرًا، متلقيًا لهم بعجزه، ففعل نقيض ما قصدوه، ولما جلس، وكلموه أراد بعضهم القدح في المسلمين، فقال لهُ -هذا النصراني يريد يقدح في المسلمين- فقال لهُ: ما قيل في عائشة امرأة نبيكم؟ ما قيل في عائشة؟ النصراني يتكلم، يشير إلى قضية الأفك، يقول للباقلاني: ماذا قيل في عائشة؟ ماذا وجه إليها؟ ماذا يقول الناس فيها؟

فقال القاضي: ثنتان قدح فيهما، ورميتا بالزنا إفكًا وكذبًا: مريم وعائشة، فأما مريم فجاءت بالولد تحمله من غير زوج، وأما عائشة فلم تأتِ بولد مع أنها كان لها زوج، فبهت النصارى[1].

الآن لاحظتم هذه الحجة القوية، فما سيقوله النصارى في الدفاع عن مريم -رحمها الله- المسلمون يقولونه في الدفاع عن عائشة -رضي الله عنها- بحجة أقوى، مثل ما رد عليهم في المناظرة لما جلس معهم، وقال: كيف العيال، وكيف الأهل؟ قالوا: عجبًا لك! أنت مقدمهم، ولا تعلم أن هؤلاء -يقول للملك- ولا تعلم أن هؤلاء لا يتزوجون، يعني: هؤلاء القسس من النصارى، وكبار أهل ملتهم لا يتزوجون -كما هو معلوم-؛ فقال: عجبًا يتنزهون عن الزواج، وينسبون لله الصاحبة والولد، هذا فقط في الدخول الآن، قبل بداية المناظرة، هذا -كما يقال- لتلطيف الأجواء، هذا يقول له: كيف الحال والعيال، وهذاك يقول: ما أخبار زوجة نبيكم، ماذا قيل عنها؟

هذا قبل بدأ المناظرة الآن، الدخول كان بهذه الصفة، وهكذا تكون المحاورات مع أهل الكتاب والمناظرات لبيان الحق، ودحض الباطل، يقول: وكان مضمون كلامه أن ظهور براءة عائشة أعظم من ظهور براءة مريم، وأن الشبهة إلى مريم أقرب منها إلى عائشة، فإذا كان مع هذا قد ثبت كذب القادحين في مريم؛ فثبوت كذب القادحين في عائشة أولى.

ثم ذكر هذا الكلام في المناظرة، حينما يقع التفضيل بين طائفتين، محاسن إحداهما أكثر وأعظم، ومساوئها أقل، فما ستقوله الطائفة التي مساوئها أكثر، ومحاسنها أقل، فإن ذلك يكون في الوقت نفسه مقولاً بصورة أُوكد في الطائفة ذات المحاسن الأكثر، والمفاسد والمساوئ الأقل، هذه طريقة في المناظرة، لعلها واضحة، هذا حينما نوازن بين الطوائف والأشخاص، وما إلى ذلك، مثل هؤلاء الذين يقدحون اليوم من هؤلاء المنافقون، الذين يسمون باللبراليين، والأحسن أن نسمي الأشياء بأسمائها الحقيقية، الله سماهم بالمنافقين، وهؤلاء إذا وضع الناس على صنفين أهل الإيمان، وأهل النفاق مثلاً، أعني: من كان في داخل الصف، فهل يكون هؤلاء مع أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وأبي عبيدة، وأمثال هؤلاء، أو يكون هؤلاء مع عبد الله بن أبي، وأضرابه، هؤلاء الذين يقاومون كل فضيلة، وجعلوا ديدنهم حرب الفضيلة، وحرب أهل الصلاح، وإلقاء الأوصاف القبيحة، التي يلمزونهم بها صباح مساء، هؤلاء يكونون من أي الفريقين؟

هل سيقولون: نحن نقتدي بأبي بكر وعمر، وأمثال هؤلاء؟ لا يمكن أن يقولوا ذلك، فما يقولونه في هؤلاء الأخيار، من أهل الصلاح، من أهل العلم والدعوة والدين والعبادة يقال في هؤلاء ما هو أعظم منه، فإذا قالوا أنتم تشتغلون بجمع الأموال مثلاً، فيقال: إن تهافتكم على الأموال أكبر، بل أنتم عبيد للدينار والدرهم، وإذا قالوا: إن بعض هؤلاء يقع منهم مزاولات غير مستحسنة، وتعاملات غير مقبولة، إلى آخره، فيقال: أنتم منغمسون في الوحل، فكيف تعيبون من كان في ثوبه نقطة من حبر، واضح؟

وكما قال شيخ الإسلام -رحمه الله- بأن أهل السنة لم يجمعوا، ويتفقوا على انحراف وضلال، أبدًا، أما الرافضة مثلاً فهم مجمعون على ضلالات، مجمعون، يقول: ولكن لا نبرئ أهل السنة من أن يوجد فيهم من يخطئ، بعض الطوائف المنتسبة لأهل السنة من الحنابلة، أو الشافعية، أو المالكية، أو من غيرهم قد يوجد فيهم من يخطئ، سواء كان من المسائل العلمية، أو المسائل العملية، ولكن ذلك لا ينسب لأهل السنة بإطلاق، فهذا يشنع على أهل السنة، هذا الرافضي الذي يرد عليه شيخ الإسلام شنع عليهم، ويذكر مثالب، ونقائص، ويضيفها إليهم.

فهذا على كل حال مفيد في المفاضلة والمناظرة، واليوم كثر مثل هذا في التنابز بين الناس، ورمي الناس بأمور من النقائص، وما إلى ذلك، وقد يكون هؤلاء أصح من هم في الباب، يعني: هم الأفضل في بلدهم، فما يقوله خصومهم، وما يعيبونه به، قد يكون هؤلاء الخصوم الذين يعيبونهم دونهم بمراحل، على الأقل هؤلاء فعلوا ما يستطيعون، واضح؟ والله يقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286].

"والله سبحانه بعث الرسل بما يقتضي الكمال من إثبات أسمائه وصفاته على وجه التفصيل، والنفي على طريق الإجمال للنقص والتمثيل، فالرب تعالى موصوف بصفات الكمال التي لا غاية فوقها، منزه عن النقص بكل وجه، ممتنع أن يكون له مثل في شيء من صفات الكمال، فأما صفات النقص فهو منزه عنها مطلقًا، وأما صفات الكمال فلا يماثله، بل ولا يقاربه فيها شيء من الأشياء، والتنزيه يجمعه نوعان: نفي النقص، ونفي مماثلة غيره له في صفات الكمال، كما يدل على ذلك النصوص والعقل".

هذه قضية معلومة ومشهورة، يعرفها طلاب العلم، أن طريقة أهل السنة الإثبات المفصل، وهي طريقة الوحي: الكتاب والسنة، والنفي المجمل، وذلك أن الإثبات المفصل هو الكمال، وأما النفي المفصل فإنه لا يكون كمالاً، كما ذكر ذلك شيخ الإسلام في كثير من كتبه، وذكره غيره أيضًا، فلو جاء أحد يمدح عظيمًا من العظماء، كالخليفة أو الملك، ونحو ذلك، ويقول له: أنت لست بسارق، ولا زبال، ولا فاجر، ولا لص، ولا مجرم؛ لعد ذلك عيبًا، ولم يكن ذلك كمالاً بحال من الأحوال، بل لو قاله لمن دونه، لو جاءك إنسان، ويريد أن يمدحك، وجلس يوجه إليك مثل هذه الأوصاف السلبية، فيقول: أنت لست بكذا، ولست بكذا، ولست بكذا، هل يكون ذلك مدحًا؟

لا يكون ذلك مدحًا، أنما النفي يكون مجملاً لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11] والإثبات مفصلاً وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11] وما جاء في الكتاب والسنة من النفي الذي يكون مفصلاً، فهو قليل من جهة، ومن جهة أخرى، فهو يتضمن ثبوت كمال ضده، هذا فيما ينفى عن الله -تبارك وتعالى-، وما ينفى عن القرآن، وما ينفى عن الرسول ﷺ؛ فإنهُ يتضمن ثبوت كمال ضده.

فحينما يقول: لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ [البقرة:255] فهذا يقتضي ثبوت كمال حياته وقيوميته، وحينما يقول عن القرآن: ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ [البقرة:2] فهذا يتضمن ثبوت كمال ضده، وهو أن هذا القرآن متضمن لكمال اليقينيات، وأنهُ دال على اليقين، موصل إليه، وليس فيه ما يوجب الريب والشك.

وإذا قال عن الرسول ﷺ: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى [النجم:3] أو قال: وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ [التكوير:24] على هذه القراءة، أو (بظنين) على القراءة الأخرى،كلاهما متواترة، فهذا يقتضي ثبوت كمال ضده، يعني: إذا ما كان النبي ﷺ ينطق عن الهوى؛ فإن هذا يدل على أنهُ لا ينطق إلا بالحق والوحي والهدى الكامل، وإذا قال: وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ [التكوير:24] يعني: بخيل، فهذا يدل على كمال حرصه -عليه الصلاة والسلام- على البلاغ وهداية الناس ونفعهم، وإذا قال: (وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ) من الظن فإن هذا يدل على كمال حاله من جهة توثقه، ويقينه ﷺ مما يقول ويبلغ عن الله -تبارك وتعالى- هذه ثلاثة أشياء: النفي عن الله، وعن القرآن، وعن الرسول ﷺ.

يقول: فأما صفات النقص فهو منزهه عنها مطلقًا، أما صفات الكمال فلا يماثله، بل ولا يقاربه فيها شيء من هذه الأشياء، يعني: قد تثبت صفات الكمال لأحد، ويشاركهُ غيره، هذا لا يكون بالنسبة لله ولهذا تجد هذا في تفاريق كلام شيخ الإسلام -رحمه الله- أن الكمالات التي تكون لله -تبارك وتعالى- هي كمالات مطلقة في أعلى ما يمكن أن يتصور، أو أن يفهم، أو ما يعرف من الكمال الذي لا يمكن أن يصل إليه غيره أبدًا، فهو متفرد بهذه الكمالات، نثبتها له، لكن أيضًا على سبيل الانفراد بأعلى درجات الكمال.

قال والتنزيه يجمعهُ نوعان: نفي النقص، ونفي مماثلة غيره له في صفات الكمال، يعني: لو قال: أنا أثبت له كمالاً، ولكن يماثله فيه غيره، فبصره كبصر المخلوق مثلاً، أو حكمته كحكمة الحكماء من المخلوقين مثلاً، أو نحو ذلك، فنقول: تعالى الله، وتقدس، فإن هذا ما عرفة، ولا عظمهُ، ولا نزهه على الوجه اللائق به، فنفي صفات النقص هذا تنزيه، ونفي أيضًا المماثلة في صفات الكمال هذا أيضًا من التنزيه الواجب.

يقول: كما يدل على ذلك النصوص والعقل، كما في سورة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ۝ اللَّهُ الصَّمَدُ ۝ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ۝ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:1-4]، فليس له نظير ألبته.

"وأسماؤه سبحانه تتضمن صفاته، ليست أعلامًا محضة، وهو مستحق للكمال المطلق؛ لأنه واجب الوجود بنفسه، يمتنع العدم عليه، ويمتنع أن يكون مفتقرًا إلى غيره بوجه من الوجوه، إذ لو افتقر إلى غيره بوجه من الوجوه؛ لكان مفتقرًا إلى ذلك الغير، والحاجة إما إلى حصول كمال له، وإما إلى دفع ما ينقص كماله، ومن احتاج في شيء من كماله إلى غيره لم يكن كماله موجودًا بنفسه، بل بذلك الغير، وهو بدون ذلك الكمال ناقص، والناقص لا يكون واجبًا بنفسه، بل ممكنًا مفتقرًا إلى غيره".

أسماؤه تتضمن أوصافه الأسماء متضمنة للصفات، فالصفات مشتقة من الأسماء؛ ولذلك فإن الراجح أن جميع الأسماء مشتقة، حتى الاسم الأشهر فيها، وهو الاسم الأعظم عند طائفة كثيرة من أهل العلم، وهو لفظ الجلالة: الله، أنهُ مشتق، وإن اختلفوا فيما يرجع إليه في مادة الاشتقاق.

قال: تتضمن صفاته، ليس أعلامًا محضة، الأعلام المحضة هي أسماؤنا، يسمى الإنسان صالح، لكن لا ملازمة بين الاسم، والمعنى الذي تضمنه هذا الاسم من جهة تحققه في هذا المسمى، فقد يسمى صالحًا، ولكنه أبعد ما يكون عن الصلاح، وقد يسمى سعيدًا، وهو أبعد ما يكون عن السعادة، وهكذا، فأسماؤنا أعلام محضة، بمعنى: أنها لا تدل على أوصاف فينا، أما أسماء الله، وأسماء الرسول ﷺ، وأسماء القرآن، فهذه تتضمن أوصافًا كاملة، ترجع إلى المسمى، يتصف بها المسمى.

فأسماء الله -تبارك وتعالى- حينما يقال: بأنهُ العزيز، فهو متصف بصفة العزة، فهذا الاسم العزيز متضمن لصفة العزة، ومن أسماء النبي ﷺ الماحي، فهذا متضمن لمعنى وصفة، وهي أن الله يمحو به الكفر، وقد صرح النبي ﷺ بهذا، وهكذا في بقية أسمائه -عليه الصلاة والسلام-، وهكذا في أسماء القرآن حينما يقال: الفرقان؛ لأنهُ فرق بين الحق والباطل، واضح؟

والذين يقولون: بأنها أعلام محضة، هؤلاء هم الذين ينكرون الصفات، وقد، وافقهم على هذا بعض الظاهرية، كابن حزم -رحمه الله- فهو يرى أن أسماء الله هي أعلام محضة، وهذا من أغرب الأشياء، أن تكون الظاهرية في الفروع، وفي الأصول التجهم، كما قال هذا جماعة كابن عبد الهادي، وغيره.

فالمقصود أن الذين يقولون: هي أعلام محضة، هذا قول طائفة من الجهمية، وهم المعتزلة ومن وافقهم، فهنا يقول: ليست أعلامًا محضة، فهو مستحق للكمال المطلق؛ لأنه واجب الوجود بنفسه، يمتنع العدم عليه، ويمتنع أن يكون مفتقرًا.

إذا كان واجب الوجود بنفسه فمعنى ذلك أنهُ متصف بصفات الكمال، بمعنى: أنهُ لا يفتقر في وجوده إلى غيره، أما المخلوق فإن وجوده مسبوق بعدم، كما أن بقاءه أيضًا في الجنة أو النار على سبيل الخلود إنما يكون بإقامة الله له، كما أن قيامه في هذه الحياة الدنيا في هذا العمر القصير هو بإقامة الله له، ويكون قيامه بأسباب مدركة، معلومة مما يهيئه الله لهُ من الغذاء والشراب، ونحو ذلك، كما أن هذا القيام الذي يتمثل في صفة الحياة للإنسان يعتوره النقص من المرض والنوم والغفلة والسنة، وما إلى ذلك؛ ولهذا نفى الله ذلك عن نفسه، فقال: لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ [البقرة:255].

ولهذا ابن جرير -رحمه الله- أخذ من هذه معنى أوسع وأعظم وأعم مما قد يذكره بعض المفسرين غالب المفسرين لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ [البقرة:255] يعني: نفى عن نفسه مقدمات النوم، كما نفى النوم السنة والنعاس، وهي مقدماته، وبعضهم يقول: وذلك يقتضي نفي النوم بطريق الأولى، ولكنه ذكرها باعتبار أنها قد تقع السِنة، ولا يقع النوم، وقد يقع النوم مباشرة من غير مغالبة النعاس، ونحو ذلك، لكن ابن جرير -رحمه الله- أخذ منها معنى أوسع، قال: لا تعتوره الآفات[2].

إذا نفى عنه السنة، والنوم، هذه عوارض ترد على المخلوقين، وهي من جملة الآفات، فالله -تبارك وتعالى- لا تعتوره الآفات إطلاقًا، أيًا كان نوعها، واضح؟

على كل حال قال هنا: والحاجة إما إلى حصول كمال لهو، وإما إلى دفع ما ينقص كماله، ومن احتاج في شيء من كماله على غيره لم يكن كماله موجودًا بنفسه، بل بذلك الغير، يعني: لا يكون قيامه بنفسه، واضح؟

فالله -تبارك وتعالى- له الكمال المطلق من كل وجه، وهو واجب الوجود بنفسه، ولا يكون قيامه مفتقرًا إلى غيره في قليل ولا كثير، وهذا يقتضي أنهُ متصف بجميع صفات الكمال.

"فأي شيء اعتبرته من العالم؛ وجدته مفتقرًا إلى شيء آخر من العالم، فيدلك ذلك مع كونه ممكنًا، مفتقرًا، ليس بواجب بنفسه، إلى أنه مفتقر إلى فاعل ذلك الآخر، حتى ينتهي الأمر إلى الرب الخالق لكل شيء، ويمتنع أن يكون للعالم فاعلان، مفعول كل منهما مستغن عن مفعول الآخر، كما قال تعالى: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ [المؤمنون:91] ويمتنع أن يكونا مستقلين؛ لأنه جمع بين النقيضين، ويمتنع أن يكونا متعاونين متشاركين، كما يوجد ذلك في المخلوقين؛ لاستلزام ذلك العجز، والحاجة إلى الآخر".

هنا يقول: أي شيء اعتبرته من العالم؛ وجدته الله -تبارك وتعالى- كما تقدم لا يفتقر إلى شيء إطلاقًا، فقيامه بنفسه، وكماله من كل وجه، وإنما الفقر للمخلوق من كل وجه، المخلوق هو الذي يكون فقيرًا، عاجزًا، فأي شيء اعتبرته من العالم؛ وجدته مفتقرًا إلى شيء آخر من العالم، واضح؟

يعني: الإنسان له كيانه في هذا العالم، والنبات كيان آخر، والحيوان كيان آخر، فالإنسان هل يستطيع أن يستقل بنفسه، ماذا يحتاج؟ يحتاج إلى شيء اسمه الماء، ويحتاج إلى شيء اسمه الطعام، يحتاج إلى هذه البهائم والدواب؛ ليصل بها إلى بلد لا يمكن أن يبلغه إلا بشق الأنفس، أن يحمل عليها متاعهُ، أن يلبس من أصوافها وأوبارها وأشعارها، وأن يتخذ منها ما يكنه، وأن يشرب من ألبانها إلى غير ذلك من الأمور، وهي أيضًا مفتقرة إلى غيرها، هي بحاجة إلى المرعى، والمرعى يفتقر إلى المطر.

فهذه الأشياء التي أوجدها الله -تبارك وتعالى- هذه المخلوقات، كل مخلوق يفتقر إلى الآخر، فجعلها الله بهذه الصفة من الافتقار، وجعل بعضها يكمل بعضًا، فصار فيها هذا التكامل، بهذه الصفة التي نرى شيئًا يسيرًا منها، وما خفي علينا، فهو أعظم، وأعظم.

فيقول: فيدلك ذلك مع كونه ممكنًا مفتقرًا، ممكن، يعني: أنهُ ليس بواجب الوجوب، مفتقرًا ليس بواجب بنفسه إلى أنهُ مفتقر إلى فاعل ذلك الآخر، حتى ينتهي الأمر إلى الرب الخالق لكل شيء، مثل ما قلنا: يحتاج إلى هذه البهائم، البهائم تحتاج إلى مرعى، المرعى يحتاج إلى مطر، المطر من أين يأتي؟ الله هو الذي ينزل المطر.

يقول: ويمتنع أن يكون للعالم فاعلان، في الأصل في منهاج السنة، فعل كل منهما، ومفعوله مستغن عن فعل الآخر ومفعوله، وهذا كالإنسان مثلاً، فإنهُ يمتنع أن يكون الذي خلقهُ غير الذي خلق ما يحتاج إليه، يعني: تصور الآن لو أن هذه المخلوقات التي نشاهدها، ونراها لها أكثر من خالق، واضح؟

فالذي خلق الناس خالق، والذي خلق البهائم خالق آخر، والذي خلق النبات خالق أخر، فهنا هل يمكن أن تقوم الحياة كما هي الآن؟

طيب الآن الذي يتبع هذا الخالق، الذي هو الإنسان، يتبع ذلك الخالق، النبات يتبع خالقا آخر، الحيوان يتبع خالقًا آخر، فهذا قيامه يفتقر إلى ذاك، وذاك يفتقر إلى الثالث، وما أشبه ذلك.

يقول: ويمتنع أن يكون للعالم فاعلان، مفعول كل منهما مستغنٍ عن مفعول الآخر، كما قال تعالى: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ [المؤمنون:91] ويمتنع أن يكون مستقلين؛ لأنهُ جمع بين النقيضين، ويمتنع أن يكون متعاونين متشاركين، كما يوجد ذلك في المخلوقين؛ لاستلزام ذلك العجز والحاجة إلى الآخر.

يقول: الآن هذه المخلوقات المتنوعة، لو كان لكل منها خالق، وقيام هذا المخلوق يحتاج إلى ذلك الذي له خالق آخر، فإن هذا لا يمكن أن تستقيم به الحياة، فإن هذا سيضن بما عنده، وهذا سيضن بما عنده، ثم بعد ذلك يحصل الخراب، والهلاك، فإذا حاول كل واحد أن يستقل عن الآخر؛ تعذرت الحياة، ثم إن هذا لا وجود له، يعني: ما رأينا عوالم مستقلة، وإنما يكمل بعضها بعضًا، فهي تسير بانتظام دقيق، كل هذه الأشياء التي نراها هي بحاجة إلى الشمس مثلاً، فالشمس تدور في الفلك، فتشرق على أنحاء المعمورة، في سير دقيق قدره الله -تبارك وتعالى- لها، ثم يتعاقب الليل والنهار، وبه تحصل مصالح عظيمة لهذه المخلوقات، وهكذا ما يتصل بتصريف المطر بين الناس، وقيام مصالح الخلق بأمور كثيرة نعرف بعضها، ويخفى علينا كثير منها، فهذا العالم منتظم غاية الانتظام؛ فدل ذلك على أن خالقة، وموجده، ومدبره واحد هو الذي يستحق أن يعبد دون ما سواه.

يقول: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ [المؤمنون:91] فإما أن يستقل كل واحد بالآخر، وهذا ما نراه، لا يوجد، ولا يمكن أن يكون؛ وإلا حصل خراب العالم، وإما أن تحصل مغالبة، فيتغلب الأقوى، فهذا الذي يصلح أن يكون إله، طبعًا هذا كله على سبيل الافتراض، والذهن كما قيل قد يفرض المحال، كما أن التعليق في القرآن قد يأتي على أمر لا يمكن، لا يقع، ممتنع الوقوع قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ [الزخرف:81] على أحد المعنيين.

فهنا: وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ [المؤمنون:91] فالذي يعلو؛ يكون هو المستحق للعبادة؛ لأنه أقوى، قال: ويمتنع أن يكون مستقل لماذا؟؛ لأنهُ جمع بين النقيضين، ويمتنع أن يكون متعاونين، يعني: لو حصل اتفاق، قالوا: ننسق، نشترك في تحقيق هذه المصالح، إلى آخره؛ صار كل واحد مفتقر إلى الآخر، والإله لا يصح أن يكون مفتقرًا إلى غيره، فالله -تبارك وتعالى- له الكمال المطلق من كل وجه، لا يفتقر إلى شيء سواه، فهو المستحق للعبادة، وحده لا شريك له، والكلام الذي بعده هو تابع له، تابع لهذا الكلام.

"وهو تعالى مستحق للكمال الذي لا غاية فوقه".

لاحظ هذا القيد: للكمال الذي لا غاية فوقه؛ لأن الكمال -كما عرفنا- على مراتب، وقد يشترك أكثر من واحد في بعض مراتب الكمال، أما الكمال الذي لله فهو على سبيل التفرد الذي لا غاية فوقه، فلو قال أحد: أنا أثبت لله صفات الكمال، لكن يشاركه فيها آخرون، فنقول: هذا لم ينزه الله، كما عرفنا في التنزيه أنه يقتضي أمرين: نفي أوصاف الناقصة، ونفي المماثلة.

"إذ كل غاية تفرض كمالاً، إما أن تكون واجبة له، أو ممكنة، أو ممتنعة، والقسمان الأخيران باطلان؛ فوجب الأول، فهو منزه عن النقص، وعن مساواة شيء من الأشياء له في صفات الكمال، بل هذه المساواة هي من النقص أيضًا، وذلك؛ لأن المتماثلين يجوز على أحدهما ما يجوز على الآخر، ويجب له ما يجب له، ويمتنع عليه ما يمتنع عليه، فلو قدر أنه ماثل شيئًا في شيء من الأشياء؛ للزم اشتراكهما فيما يجب، ويجوز، ويمتنع على ذلك الشيء، وكل ما سواه ممكن، قابل للعدم، بل معدوم مفتقر إلى فاعل، وهو مصنوع، مربوب، محدث، فلو ماثله لزم اشتراكهما في هذه الأمور، وقد تبين أن كماله من لوازم ذاته، لا يمكن أن يكون مفتقرًا فيه إلى غيره، فضلاً عن أن يكون ممكنا، أو مصنوعًا، أو محدثًا".

لاحظ يقول: إذ كل غاية تفرض كمالاً إما أن تكون واجبة له، أو ممكنة، أو ممتنعة والقسمان الأخيران الباطلان؛ لأن الكمال الحقيقي الذي يكون على كل وجه ثابت لله -تبارك وتعالى- ولا يقول: أنهُ ممكن له أنما قد يقال بالنسبة للمخلوق إن الكمال ممكن له، الكمال الذي يصلح للمخلوق، أما الله -تبارك وتعالى- فكل كمال، فهو ثابت، وليس بممكن لله -تبارك وتعالى- فهو ليس عادمًا لشيء من الكمالات، واضح فلا يكون ممكنا فضلاً على أن يكون ممتنعًا عنه شيئًا من الكمال فكل كمال فهو واجب له ثابت في حقه متحقق.

"وأما المخالفون للرسل من المشركين، والصائبة، ومن اتبعهم من الجهمية، والفلاسفة، والمعتزلة، ونحوهم، فطريقتهم نفي مفصل، وإثبات مجمل؛ ينفون صفات الكمال، ويثبتون ما لا يوجد إلا في الخيال، فيقولون: ليس بكذا، ولا بكذا إلى آخر ما يقولون".

عرفنا طريقة الرسل، هؤلاء هم المخالفون الرسل المشركون، والصابئة، والمقصود بالصابئة هنا: المنحرفة، وليست الصابئة التي سبق الكلام عليه؛ لأن الصابئة طوائف، فمنهم حنفاء، فليس المقصود هنا الحنفاء، وإنما المقصود أهل الإشراك.

يقول: هؤلاء، ومن نحى نحوهم طريقتهم النفي المفصل، والإثبات المجمل، ينفون صفات الكمال، ويثبتون ما لا يوجد إلا في الخيال، يقولون: ليس بسميع، ولا بصير، ولا حكيم، ولا قدير، ولا فوق العالم، ولا تحته، ولا داخله، ولا خارجه، إلى غير ذلك من الأشياء التي لا يمكن أن يوصف العدم بأبلغ منها، واضح؟

فهؤلاء ما أثبتوا كمالاً لله -تبارك وتعالى- وإن قصدوا بذلك تنزيهه عن النقائص، لكن كما قال شيخ الإسلام -رحمه الله- في عدد من كتبه: بأن هؤلاء وقعوا في التشبيه أولاً، يعني: سبق إلى أذهانهم التشبيه حينما يسمعون صفات الكمال لله الواردة في الكتاب والسنة، فيبادرون إلى التعطيل، واضح؟

"والله سبحانه ضرب الأمثال في كتابه لما في ذلك من البيان، والإنسان لا يرى نفسه وأعماله إلا إذا مثّلت له نفسه بأن يراها في مرآة، وتمثل له أعماله بأعمال غيره، ولهذا ضرب الملكان المثل لداود، وضرب الأمثال مما يظهر به الحال، وهو القياس العقلي الذي يهدي به الله من يشاء من عباده".

هذا الكلام في غاية الأهمية، يقول: والله سبحانه ضرب الأمثال للناس في كتابه لما في ذلك من البيان، والإنسان لا يرى نفسه، يعني: بمعنى على أحد المعاني المشهورة للمثل في القرآن، وقد مضى الكلام مفصلاً على هذا في رمضان، في الكلام على الأمثال في القرآن، من المعاني والإطلاقات المشهورة، وهي أحد المعاني، أو من أولى ما يدخل في الأمثال في القرآن إذا أطلقت، هو تقريب المعنى المعقول في صورة المحسوس؛ من أجل أن نعقلهُ، تقريب المعنى المعقول في صورة محسوسة، حينما يمثل مثلاً تخبط المنافقين، وما هم فيه من الحيرة والاضطراب، أو قال: كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ [البقرة:19] فحينما يسمعون قوارع القرآن وحججه الباهرة التي تكاد تخطف الأبصار، فذلك مثل الرعد، والقوارع، وهذه الحجج بمثابة البرق، فيسيرون تارة، ويقفون متحيرين تارة، فإذا سمعوا قوارعه فزعوا، فلا يزال الواحد منهم في حال من الاضطراب والحيرة.

فهنا صور حالهم بهذه الصورة، لما يصور الوحي: أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ[الرعد:17] فهذا يصور حال الحق، وما نزل من السماء من الوحي، وما أخذت منه القلوب من العلم، والهدايات، وما حصل لها بسبب ذلك، وما يعرض لهذا الحق من الشبهات، والواردات التي ما يلبث قلب المؤمن أن يدفعها فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً [الرعد:17] سواء كان ذلك مما ينقدح في نفسه، أو يلقيه الشيطان، أو كان ذلك مما يلقيه الأعداء من الكفار، من الشبهات، ونحو ذلك والأباطيل، أو ما يريدون به تعويق الحق، وبهرجة الباطل، فكل هذا يذهب، ويزول، فهذا كله من توضيح وتصوير المعاني المعقولة بصور محسوسة.

فهنا يقول: من أجل أن يراها الإنسان، فيتبصر، ويعقل، يعني: حينما أنت تشرح الإنسان قضية، في أمر هو واقع به، فقد تقول له: أنت أخطأت، أنت مخطئ، أنت كذا، هو لا يتصور أنه مخطئ، ولا يرى عيوبه، لكن حينما تقول: ما تقول في إنسان كذا، وكذا، وكذا، وتضرب له الأمثال، فإن ذلك يقرب له الحق، ويجلي إمامة الباطل، فيعرف ذلك بهذا المثل المضروب، وهذا شيخ الإسلام -رحمه الله- يذكره في ثنايا قضايا مهمة جدًا، ذكرها في هذا المقام، أرى أن من المهم الوقوف عليها، والنظر في بعض الجمل من كلامه فيها، آتي فقط بجمل من كلامه المتفرق، وفي طريقة المناظرة والرد، وبيان الحق، فهو يرد على هذا الرافضي الذي يتكلم على أهل السنة، ويلزم أهل السنة بقول بعض المنحرفين منهم، من المنتسبين لأهل السنة، وتعرفون أهل السنة في مسائل الإمامة تشمل هذه الطوائف من المتكلمين، وأهل السنة المحضة الذين هم أهل الحديث.

فهنا يقول: نحن نسلك طريقين من البيان، الأول: نبين فيه أن هؤلاء الذين رد عليهم من مثبتي الرؤية -الكلام على مسألة إثبات العلو، والجهة كما يقولون، والرؤية هل تكون في جهة، أو لا تكون في جهة، من هذه المسائل التي يشغبون عليها- يقول: نبين فيها أن هؤلاء الذين يرد عليهم من مثبتي الرؤية، كالأشعري، وغيره أقرب إلى الصواب من قول النفاة، لاحظ الكلام الذي ذكره قبل ذلك.

يقول: الثاني نبين فيه الحق بيانا مطلقًا، لا نذب فيه عن أحد، يعني نقول: هؤلاء أخطؤوا، وإن كانوا ينتسبون إلى السنة، لكن نبين أن هؤلاء من المتكلمين أقرب من هذا الرافضي إلى الحق، أو أقرب إلى من أنكر الرؤية مثلاً، أو أنكر مثلاً أشياء من الحق لربما تكون أيضًا أكثر من ذلك.

يقول: الطريق الأول أن نبين أن هذه الطائفة، وغيرها من الطوائف المثبتة للرؤية أقل خطأً، وأكثر صوابًا من نفاة الرؤية، المفاضلة بين الطائفتين، يقول: إن هذا يفيد في المناظرة، الآن تطبيق عملي، ونقول لهؤلاء النفاة للرؤية: أنتم أكثرتم التشنيع على الأشعرية ومن وافقهم من أتباع الأئمة في مسألة الرؤية، ونحن نبين أنهم أقرب إلى الحق منكم نقلاً وعقلاً، وأن قولهم إذا كان فيه خطأ، فالخطأ الذي في قولكم أعظم وأفحش عقلاً ونقلاً، فإذا قلتم هؤلاء إذا أثبتوا مرئيًا لا في جهة؛ كان هذا مكابرة للعقل؛ لأن الأشاعرة يقولون: نثبت الرؤية لا في جهة، يعني: هذا الكلام لا يتأتى، وأهل السنة يردون على الأشاعرة، لكن شيخ الإسلام يقول: ومع ذلك فهؤلاء أهدى من هؤلاء الرافضة.

يقول: فإذا قلتم هؤلاء إذا أثبتوا مرئيا لا في جهة؛ كان هذا مكابرة للعقل، قيل لكم: لا يخلو إما أن تحكموا في هذا الباب العقل، وإما ألا تحكموه، فإن لم تحكموه؛ بطل قولكم، إذا قلتم: نحن لا نحكم العقل، تحكمون ماذا إذًا، النص؟ النصوص أثبتت الرؤية، وإن حكمتموه، فقول من أثبت موجودًا قائمًا بنفسه يرى أقرب إلى العقل من قول من أثبت موجودًا قائمًا بنفسه لا يُرى، ولا يمكن أن يُرى، يقول: من أقرب الآن إلى العقل؟ واحد يقول: موجود، ولكنهُ لا يرى، ولا يكمن أن يرى، وآخر يقول: موجود تمكن رؤيته، ونثبت له الرؤية، يقول: أي أقرب للعقل؟

يقول: فقول من أثبت موجودًا قائمًا بنفسه يرى أقرب إلى العقل من قول من أثبت مجودًا قائمًا بنفسه لا يُرى، ولا يمكن أن يُرى، وذلك؛ لأن الرؤية لا يجوز أن يشترط في ثبوتها أمور عدمية، بل لا يشترط في ثبوتها إلا أمورًا وجودية، يعني: ما يحتاج تقول: يرى لا في جهة، ما يشترط هذا الشرط، إذا أثبت الرؤية يكفي، واضح؟

ثم يقول بعد كلام طويل جدًا يحسن مراجعته والنظر فيه، فهو تطبيق عملي لما سبق من القاعدة، وهو مفيد في المناظرة، في ثنايا كلامه يقول: ثم يقال: رؤية ما ليس بجسم، ولا في جهة، إما أن يجوزه العقل، وإما أن يمنعه، فإن جوزه؛ فلا كلام، يقول: هل العقل يجوز هذا، أو ما يجوز، فإذا قلت يجوز إذًا ما خرجوا عن مقتضى العقل، وإن منعه؛ كان منع العقل لإثبات موجود، لا داخل العالم، ولا خارجه، بل هو حي بلا حياة، عليم بلا علم، قدير بلا قدرة أشد، وأشد، يقول: أنتم الآن جالسين تشغبون عليهم، تقولون لهم: كيف يعقل يا جماعة أنهُ يرى لا في جهة، وفاعلين شناعة على هؤلاء المتكلمين المساكين من الأشعرية.

يقول: إذا كان هذا يصح عقلاً، يمكن عقلاً، يحتمله العقل، فخلاص انتهينا، لماذا تشنعون عليهم يا أصحاب العقول؟ وإذا كان لا يمكن عقلاً فأيهما أعظم هذا، أو من يقول: حي بلا حياة، ولا فوق العالم، ولا داخله، ولا خارجهُ، ولا موجود، ولا معدوم، ولا، أين هذا في مقتضى العقل؟

لاحظت طريقة الرد، هنا يفاضل الآن بين فئتين منحرفتين، يقول: فإن قلتم: هذا المنع من حكم الوهم، قيل لكم، يعني: أنتم تقولون لنا: كونه حي بلا حياة، إلى آخره، أن هذا ممتنع عقلاً، يقول لهذا الرافضي: هذا وهم منكم، يقول: نقول: لك، والمنع من رؤية مرئي ليس في جهة من حكم الوهم، يعني: هذا أولى أن يقال فيه؛ لأنه أخف من قولكم أن يقال لكم: هذا من باب الوهم، من حكم الوهم، وليس من حكم العقل، واضح؟ فالإنسان قد يظن الموهوم معقولاً، فيقول: أولئك سيقولون من باب أولى؛ إذًا قولنا أخف من قولكم هذا الشنيع، إلى أن يقول: فهذه الطريق، ونحوها من المناظرة العقلية إذا سُلك؛ يتبين به أن كل من كان إلى السنة أقرب؛ كان قوله إلى العقل أقرب، وهو يوجب نصر الأقربين إلى السنة بالعقل، لكن انتبهوا لما كان بعض الأقربين إلى السنة سلموا للأبعدين، يعني: سلموا للفلاسفة، والمعتزلة مقدمات، كما قلت لكم في أول هذه المجالس: ألزمهم أولئك بمقتضاها، فأوقعوهم في ورطة.

يقول: لكن لما كان بعضهم الأقربين إلى السنة سلموا للأبعدين عنها مقدمات بينهم، وهي في نفس الأمر باطلة، مخالفة للشرع والعقل، لم يمكن أن يكون قولهم مطابقا للأمر في نفسه، ولا يمكن نصره لا بشرع صحيح، ولا بعقل صريح، انظر الإنصاف! هو يتكلم عن الأشاعرة الذين دافع عنهم قبل قليل، يقول: لمن غرضه معرفة الحق في نفسه، لا بيان رجحان بعض الأقوال على بعض، يقول: هذا نقوله في سبيل المناظرة، والرد على هؤلاء الرافضة، نقول: هؤلاء من المتكلمين من الأشاعرة أقرب إلى الحق منكم، وما تقولونه في الرد عليهم يتوجه عليكم أعظم منهُ، لكن لا نستطيع أن نقرر ما يقوله الأشاعرة هؤلاء عقلاً ونقلاً بصورة صحيحة إطلاقا؛ لأن قولهم يتضمن بعض الباطل.

يقول: وأما إذا كان المقصود بيان رجحان بعض الأقوال، فهذا ممكن في نفسه، وهذا هو الذي نسلكه في كثير مما عاب به الرافضةَ كثير من الطوائف المنتسبين إلى السنة في إثبات خلافة الخلفاء الثلاثة، يعني: الطوائف الذين ردوا على الرافضة، فإنهُم عابوا كثير منهم بأقوال هي معيبة، مذمومة، يعني: أقوال المعتزلة في الرد، أقوال البقلاني، أقوال كذا، أقوال الأشاعرة، فيها بعض الإشكالات، يقول: والله قد أمرنا ألا نقول عليه إلا الحق، وألا نقول عليه إلا بعلم، وأمرنا بالعدل والقسط، فلا يجوز لنا إذا قال اليهودي، أو نصراني، فضلاً عن الرافضي قولا فيه حق أن نتركه، أو أن نردهُ كله، بل لا نرد إلا ما فيه من الباطل، دون ما فيه من الحق، بعض الناس يرد كل ما جاء به هذا الذي يكرهه ويعاديه.

يقول: ولهذا جعل هذا الكتاب منهاج السنة النبوية، لاحظ! ما هو منهاج المتكلمين، أو منهاج الأشعرية، أو منهاج كذا، لاحظ الاسم، اختاره بعناية؛ ولهذا جُعل هذا الكتاب منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية، فإن كثيرًا من المنتسبين إلى السنة ردوا ما تقوله المعتزلة والرافضة وغيرهم من أهل البدع، بكلام فيه أيضًا بدعة وباطل، يعني: ردوا باطلاً بباطل، يقول: نحن ما نرد إلا على منهاج السنة، يقول: وهذه طريقة يستجيزها كثير من أهل الكلام، ويرون أنهُ يجوز مقابلة الفاسد بالفاسد، لكن أئمة السنة والسلف على خلاف هذا، وهم يذمون أهل الكلام المبتدع الذين يردون باطلاً بباطل، وبدعة ببدعة، وأهل السنة يأمرون ألا يقول الإنسان إلا الحق، لا يخرج عن السنة في حال من الأحوال، وهذا هو الصواب الذي أمر الله تعالى به، ورسوله ﷺ ولهذا لم نرد ما تقوله المعتزلة والرافضة من حق، بل قبلناه، لكن بينا أن ما عابوا به مخالفيهم من الأقوال، ففي أقوالهم من العيب ما هو أشد من ذلك.

يقول: فالمنتسبون إلى أثبات خلافة الأربعة، وتفضيل للشيخين، وإن كان بعضهم يقول أقولاً فاسدة، فأقوال الرافضة أفسد منها، وكذلك المناظر للفلاسفة والمعتزلة من المنتسبين إلى السنة كالأشعري وأمثاله، وإن كانوا قد يقولون أقولاً باطلة، ففي أقوال المعتزلة والفلاسفة من الباطل ما هو أعظم منها، فالواجب إذا كان الكلام بين طائفتين من هذه الطوائف أن يبين رجحان قول الفريق الذي هو أقرب إلى السنة بالعقل والنقل، ولا ننصر القول الباطل المخالف للشرع والعقل أبدًا، فإن هذا محرم ومذموم، يذم به صاحبه، ويتولد عنهُ من الشر ما لا يوصف، كما تولد من الأقوال المبتدعة مثل ذلك.

إلى أن يقول: والمقصود هنا التنبيه على وجه المناظرة العادلة، التي يتكلم فيها الإنسان بعلم وعدل، لا بجهل وظلم، وأما مناظرات الطوائف التي كل منها يخالف السنة، ولو بقليل، فأعظم ما يستفاد منها بيان إبطال بعضهم لمقالة بعض -يستفاد من رد هؤلاء على هؤلاء، وهؤلاء على هؤلاء فيتبين التهافت لهذه المقالات، والمذهب- إلى أن يقول: ولهذا كان كثير من مناظرة أهل الكلام إنما هي في بيان فساد مذهب المخالفين، وبيان تناقضهم؛ لأنهُ يكون كل من القولين باطلاً، فما يمكن أحدهم نصر قوله مطلقًا، فيبين فساد قول خصمه، وهذا يحتاج إليه إذا كان صاحب المذهب حسن الظن بمذهبه، وقد بناهُ على مقدمات يعتقدها صحيحة، فإذا أخذ الإنسان معهُ في تقرير نقيض تلك المقدمات؛ لم يقبل، ولا يبين الحق، ويطول الخصام، يقول: نحن يمكن نبين له هذا في مقالات الطوائف، في رد بعضهم على بعض، فعند ذلك يفيق، ويعرف الخطأ، والانحراف الذي وقع فيه إذا كان منصفًا.

يقول: فالوجه في ذلك أن يبين لذلك رجحان مذهب غيره عليه، أو فساد مذهبه بتلك المقدمات، وغيرها، فإذا رأى تناقض قوله، أو رجحان قول غيره على قوله؛ اشتاق حينئذ إلى معرفة الصواب، وبيان جهة الخطأ، فيبين له فساد تلك المقدمات التي بنى عليها، وصحة نقيضها من أي وجه وقع الغلط، يعني: هذه مقدماته لما نرى طائفة ترد على طائفة، وتلك الطائفة بنت على بعض هذه المقدمات، فعند ذلك يتبين له خطأ ما كان عالقًا في ذهنه، فعند ذلك يبحث عن المخرج والصواب والحق في هذا؛ فيبين له.

يقول: وهكذا في مناظرة الدهري، واليهودي، والنصراني، والرافضي، وغيرهم إذا سلك معهم هذا الطريق؛ نفع في موارد النزاع، فتبين لهم، وما من طائفة إلا ومعها حق وباطل، فإذا خُطبت؛ بين لها أن الحق الذي ندعوكم إليه هو أولى بالقبول من الحق الذي وافقناكم عليه، ونبوة محمد ﷺ أولى بالقبول من نبوة موسى، وعيسى -عليهما السلام-، وخلافة أبي بكر وعمر أولى بالصحة من خلافة علي، فما ذكر من طريق صحيح يثبت بها نبوة هذا وهذا إلا وهي تثبت نبوة محمد ﷺ بطريق الأولى، وما من طريق صحيح يثبت به خلافة علي إلا وهي تثبت خلافة هذين بطريق الأولى، ويبين لهم أن ما يدفعون به هذا الحق يمكن أن يدفع به الحق الذي معهم، فما يقدح شيء في موارد النزاع إلا كان قادحًا في موارد الإجماع.

يقول: نحن متفقون معكم على إمامة علي وخلافته، وفضائله، فيقول: وما من شيء يثبت به موارد الإجماع إلا وهو يثبت به موارد النزاع، وما من سؤال يرد على نبوة محمد ﷺ وخلافة الشيخين إلا ويرد على نبوة غيره، وخلافة غيرهما مما هو مثله، أو أعظم منهُ، وما من دليل يدل على نبوة غير محمد ﷺ وخلافة غيرهما إلا والدليل على نبوة محمد ﷺ وخلافتهما أقوى منهُ، وأما الباطل الذي بأيدي المنازعين فتبين أنهُ يمكن معارضته بباطل مثله، وأن الطريق الذي يبطل به ذلك الباطل يبطل به باطلهم، فمن أدعى الإلهية في المسيح أو علي، أو غيرهما؛ عورض بدعوى الإلهية في موسى، وآدم، وعمر بن الخطاب، فلا يذكر شبهة يظن بها الإلهية إلا ويذكر في الآخر نظيرها، وأعظم منها، فإذا تبين له فساد أحد المثلين؛ تبين له فساد الآخر، فالحق يظهر صحته بالمثل المضروب له، والباطل يظهر فساده بالمثل المضروب له؛ لأن الإنسان قد لا يعلم ما في نفس محبوبه، أو مكروه من حمد وذم إلا بمثل يضرب له، فإن حبك الشيء يعمي ويصم، ثم قال: والله ضرب الأمثال.

لاحظتم الآن! أنا تقصدت آتي بهذا، أو تعمدت آتي به؛ ليكون تطبيقًا عمليًّا لطريق المناظرة التي ذكرها قبل ذلك، ويبين هذا الكلام الذي ذكره في هذا المقام بجلاء، هذا يأخذ علينا بعض الوقت، ولكني أرى أنهُ مهم، ولكن أهميته تتفاوت، في بعض المقامات قد لا يتضح الأمر إلا ببيان السياق الذي ذكر فيه هذا الكلام؛ لأنه يذكر أشياء في مقام الرد، وأحيانًا يتضح المراد، ولكن يكون مع الكلام كلام آخر في غاية الأهمية، أرى أن من الفائدة أن يذكر، رأيتم، يعني: ما يمكن الاقتصار فيه على كلامه هنا فقط دون غيره مما يكون متضحًا، فيمكن أن نقتصر عليه، وبهذا نختصر أكثر.

"العبد كماله في حاجته إلى ربه، وعبوديته، وفقره، وفاقته، فكلما كانت عبوديته أكمل؛ كان أفضل، وصدور ما يحوجه إلى التوبة، والاستغفار مما يزيده عبودية، وفقرًا، وتواضعًا".

وهذا الكلام هي فائدة، أن كمال العبد في حاجته إلى ربه، وفقره، وعبوديته، وفاقته، لكن هذا الكلام ذكره في سياق أن الغنى عن الحاجة من خصائص الربوبية، فالله -تبارك وتعالى- مستغن عن خلقه لكماله المطلق، أما المخلوق، فهو مفتقر إلى ربه كل الافتقار، وأن كماله في فقره إلى ربه وخالقه ، هو تكلم قبل هذا عن مسألة عصمة الأنبياء عن المعصية عند القائل به، وناقشهم، وبين حال العبد بعد التوبة، يعني: أولئك يتكلمون، أصلاً الذي جر إلى هذا هو مسألة هل تقع المعصية من الأنبياء؟ ما معنى العصمة في حق الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-؟ هل هي عصمة في البلاغ عن الله، أو عصمة من الذنوب؟ وهل يقال عصمة من الكبائر أو من الصغائر؟ وهل هذه العصمة قبل النبوة أو بعد النبوة؟

فشيخ الإسلام -رحمه الله- يبين أن الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- يقع منهم الذنب، والله قال: وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى [طه:121] وقَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا [الأعراف:23] إلى غير ذلك من المواضع، فالذين يشتطون، ويؤولون هذه يأتون بعجائب وغرائب، يعني: كقول بعض المعتزلة وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى [طه:121] يعني: بشم من كثرة الأكل من الشجرة، ليس من الغواية، ويقولون: غوي الفصيل إذا أكل كثيرًا حتى انتفخ بطنه من كثرة الأكل، أصابه البشم، واضح؟ انتفاخ البطن من كثرة الأكل، والنبي ﷺ يقول: وإن كل ما أنبت الربيع يقتل حبطًا، أو يلم[3] يعني: يقارب، فهذا تأويل بعيد، كل هذا من أجل أن المعصية لا تقع من الأنبياء، والأقرب أن المعصية تقع من الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- قبل النبوة، وبعدها، لكن الصغائر، بقيد الصغائر التي لا تكون من قبيل صغائر الخسة، التي تسقط المروءات، فهذه لا تقع من الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- وأيضًا فإنهم لا يصرون على هذه الصغائر، والله قال لنبيه ﷺ: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّر فالغفر هنا على أي شيء؟ فبعضهم اشتط، وحملها على ذنب آدم، قال: كيف يخاطب بذنب آدم النبي ﷺ، فالشاهد إن مسألة عصمة الأنبياء، شيخ الإسلام في مقام الرد على هؤلاء يقول لهم: بأن وقوع الذنب، وحصول التوبة بعده أكمل، فيحصل للعبد من الانكسار، والتوبة، والإنابة، والإقبال على الله ، والتواضع لربه -تبارك وتعالى- أشياء كثيرة، فتكون حال العبد بعد ذلك أكمل وأعظم، ومن ثم فإذا وقع شيء من هذا من الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- فإن أحوالهم بعدها أكمل، فهم لا يصرون عليها، ولا يقع منهم شيء يحط من مرتبتهم، ويقول: فإن هذا الإنسان التائب أيًّا كان، الذي وقع منهُ شيء من المعصية أو التأول، أو نحو ذلك، إذا راجع الحق، وأناب إلى الله -تبارك وتعالى- فإن حاله تكون أعظم، وتكلم على الخوارج، وتشددهم في مسألة المعصية، والتكفير الذي عندهم لفاعل الكبيرة، إلى آخره.

يقول: فهم إنما نقموا على علي لأنهم يرون أنهُ قد فعل ذنبًا، وهو تحكيم الحكمين، وأنهُ لم يتب منهُ، يقول: وأما كبارهم، وقادتهم، ورؤسائهم فإنهم حينما يقرون بالخطأ، ويتوبون من الذنب، فإن ذلك يكون أعظم في مرتبتهم، وفي حقهم في نفوسهم، واضح؟

فعلى كل حال هذا كلام شيخ الإسلام -رحمه الله- يرد فيه على هؤلاء، فيقول: العبد كماله في حاجته إلى ربه، وعبوديته، وفقره، وفاقته، فكلما كانت عبوديته أكمل؛ كان أفضل، وصدور ما يحوجه إلى التوبة والاستغفار مما يزيده عبودية، وفقرًا، وتواضعًا ماذا يقصد؟ ما يحوجه إلى التوبة والاستغفار الذنب، يقول: لكنه لا يقصد الذنب، ويمثل هذا بأمثلة، يقول: الذي يستثير الأسد، ويستفزه، ثم يقتل الأسد، لا يكون محمودًا بهذا الفعل؛ لأنهُ قد لا يسلم، والذي يستف السم، ثم يأكل الترياق لا يكون محمودًا؛ لأنهُ قد لا يسلم، لكن من حصل له ذلك بغير قصد، فصادف الأسد في طريقه، فقتلهُ؛ فإنهُ يحمد، ومن وقع لهُ أيضًا شرب السم، وهو لا يشعر، لا يعلم، ثم أكل الترياق؛ تكون حاله أكمل بعده؛ لأنهُ إذا أكل الترياق يكون عند جسمه مناعة من السموم -كما هو معروف- ولذلك الآن هذه التطعيمات، ونحو ذلك هي من قبيل العلاج بالضد؛ ولهذا تجدون شعار الصيدليات ما هو؟ حية تخرج من فمها السم، فهذا الذي يسمونه بالترياق، ولهذا الأطباء ماذا يقولون؟

يقولون: هذه الأدوية هي سموم تدخل الجسم، فالاستغناء عنها أكمل، ولهذا تجد الخلفاء قديمًا على مختلف الدول المتعاقبة، وأعظم ذلك تجده في خلافة العثمانيين، وتجد هذا في ملوك أوربا، وفي غيرهم من ملوك الأرض، يأخذون الأطفال الصغار أبناء الملوك منذُ نعومة أظفارهم، فيعطونهم جرعات من أنواع السموم، وهو صغير، بحيث إذا صار في حال يصلح معها للملك يكون معتادًا على السموم، لا تضره، فإذا دس إليه السم بالطعام ما ضره، لا يضره، فيكون هذا الجسم عندهُ مناعة، هكذا يفعلون مع أبناء الملوك، أو من يتوقعون أن يصير له الملك من أولادهم.

فهنا شيخ الإسلام يقول: هذا الذي يتقصد أكل السم قد يموت، فلا يكون محمودًا إذا أكله، ثم أكل الترياق بعده، ما يدفع به السم، ثم يكون عنده مناعة، ويكون ممدوحًا بهذا لا، لكن من وقع لهُ ذلك بغير قصد، فيقول: لا يأتي الإنسان، ويعمد إلى المعاصي، ويقول: حالي بعد المعصية يكون من الانكسار، والتوبة، والإقبال على الله أفضل من حالي قبلها، حتى أتواضع لربي، ولا يصبني العجب بالعبادة، نقول: هذا غلط، لكن من وقعت له المعصية من غير قصد، ثم تاب بعدها؛ فإنهُ لا يعاب بتلك المعصية، ويكون عندهُ من التواضع، والانكسار إذا كانت توبته صالحة صحيحة صادقة، فإنهُ يكون عنده من التواضع لربه ما لا يكون قبل ذلك، كلما تذكر الذنب؛ انتفى عنهُ دواعي العجب، ورؤية العمل الصالح، وما إلى ذلك.

"ومن أرد أن يمدح، أو يذم؛ فعليه أن يبين دخول الممدوح والمذموم في الأسماء التي علق الله ورسوله عليها المدح والذم، فأما إذا كان الاسم ليس له أصل في الشرع، ودخول الداخل فيه مما ينازع فيه المدخَل؛ بطلت كل من المقدمتين".

هذا الكلام يذكره شيخ الإسلام -رحمه الله- في مقام الرد على هؤلاء الذين يقولون عن أهل السنة: بأنها مشبهة، مجسمة في باب الصفات يقولون: من أثبت الصفات مجسم، وكقول هذا الرافضي أيضًا: بأن من لم يتبرأ من الشيخين؛ فإنهُ يكون ناصبيًّا يعادي عليًّا، فيجعلهُ ملازمة بين موالاة علي والبراءة من الشيخين، فيقول: لا يمكن أن يتولى علي إلا بالبراءة من أبي بكر وعمر، وإلا يكون ناصبيًا من لم يتبرأ من أبي بكر وعمر، فشيخ الإسلام ابن تيميه -رحمه الله- يقول: بأن المدح والذم إنما يتعلق بالأوصاف التي ذكرها الله في كتابه، التي علق الله عليها المدح والذم، فالمدح يكون بالإيمان والتقوى والعمل الصالح والصبر واليقين، وما أشبه ذلك، هذا الذي يمدح به الإنسان، والذم يكون بالأوصاف التي علق الله عليها الذنب كالكفر والنفاق والمعصية، وما أشبه ذلك، الفسق، يقول: أما هذه الأسماء، كون الإنسان يقال عنه: بأنه مجسم، أو يقال عنه: ناصبي، فهذا لم يرد ذمه في الكتاب ولا في السنة، ولم يرد مدحهُ، فهي ألفاظ محدثة، والعبرة بالحقائق، وليست بهذه الأوصاف والألقاب التي يعلق عليها مدح أو ذم، إنما العبرة بتحقيق الإيمان والتقوى وسلوك الصراط المستقيم، كذلك أيضًا يقولون: ناصبي، هذا لم يرد في الكتاب والسنة، يقول: وكذلك الرافضي، فالرافضة لم يذكر ذلك في الكتاب والسنة، لا على سبيل المدح ولا على سبيل الذم، هو اسم حادث، يقول: ولكن ما يدخل تحت هذا المذهب مذموم في الكتاب والسنة، فإن دينهم قائم على الكذب والتقية، وذكر الأمور الكثيرة التي تعرفون.

يقول: هذا الاسم بمجرده لا نعلق عليه المدح والذم؛ لأنه لم يرد في الكتاب ولا في السنة، لكن ما تحتهُ هو الضلال والكذب والشرك، وما إلى ذلك، واضح؟

وهكذا يقال في سائر الأسماء، يعني: حينما يقال مثلاً عن أهل السنة: بأنهم حنابلة، أو تيمية في وقت شيخ الإسلام، أو وهابية بعد ذلك، هذا لا يعلق عليه مدح وذم، أنما يعلق المدح والذم على الحقائق، وإن كنا لا نقر الأسماء غير الشرعية، ولكن ليست العبرة بالأسماء؛ ولهذا شيخ الإسلام يذكر هذا المعنى كثيرًا في كتبه، ويذكر أنهُ لا يجوز أن يمتحن الناس بهذا، فيقال: فلان شكيلي، فلان قرفندي، فلان كذا، يعني: اسم لبعض الطرق التي كانت موجودة في ذلك الوقت، فلا يمتحن الناس بهذه الأمور، وإنما العبرة بسلوك الصراط المستقيم، بلزوم الكتاب والسنة، بصرف النظر عن الأسماء، وقد يتسمى الإنسان بأسماء شرعية، ويكون حظه منها ضعيفًا، وقد يكون منعدمًا، فقد يتسمى بعض الناس، بعض الطوائف المنحرفة من أهل الكلام، يسمون أنفسهم بأهل السنة، وهذا معروف، فالمتكلمون من الأشعرية ونحوهم إنما يقولون عن أنفسهم: أهل السنة، فهل هم فعلاً أهل السنة؟

الجواب: لا، كما يسمي المعتزلة أصولهم يقولون: العدل مثلاً، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يجعلونها أصولاً، لكن ما هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يقصدونه، القيام على أئمة الجور بالسيف، والعدل عندهم: هو نفي القدر، أن الله لم يقدّر أعمال العباد، وإلا كان ظالمًا لهم بزعم هؤلاء المعتزلة، وهكذا، فهذا ليس بعدل، وهكذا، فالعبرة ليست بهذه الأسماء.

ويقول: في مواضع أخرى بأنه حتى الأسماء الشرعية إذا استعملت على سبيل العصبية، فإن ذلك يكون مذمومًا كما قال الرجل: يا للمهاجرين، وقال الآخر: يا للأنصار، فهذه أسماء ورد الثناء عليها في الكتاب، والسنة، ولما استعملت على سبيل العصبية؛ قال النبي ﷺ: أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم[4]، فهكذا حينما تجعل الألقاب الشريفة، والأسماء الشرعية على سبيل الحمية والعصبية، فهذا أيضًا لا يجوز، فنحن لا نتسمى إلا بالأسماء الشرعية، وأيضًا لا نغتر بمجرد الأسماء، ولا نحاكم الناس إلى مجرد الأسماء والألقاب، وإنما إلى الحقائق إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13] فمن كان متبعًا للنبي ﷺ ومتبعًا للكتاب والسنة، على فهم السلف الصالح فهو معهم ومنهم، ومن كان مقصرًا في هذا؛ فإنهُ يكون مجانبًا لهم بقدر ما عنده من المخالفة والتقصير في هذا الباب، والله تعالى أعلم.

  1. انظر: منهاج السنة النبوية (2/56).
  2. انظر: تفسير الطبري (5/393).
  3. أخرجه البخاري، كتاب الرقاق، باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها، برقم (6427)، ومسلم، كتاب الزكاة، باب تخوف ما يخرج من زهرة الدنيا، برقم (1052).
  4. أخرجه مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب نصر الأخ ظالما أو مظلوما، برقم (2584)، بلفظ: «مَا بَالُ ‌دَعْوَى ‌الْجَاهِلِيَّةِ؟».

مواد ذات صلة