الأحد 22 / جمادى الأولى / 1446 - 24 / نوفمبر 2024
حديث «إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه..»
تاريخ النشر: ١٧ / ربيع الأوّل / ١٤٢٧
التحميل: 2003
مرات الإستماع: 21357

إن الناس إذا رأوا الظالم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فهذا هو الحديث الرابع عشر في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو حديث أبي بكر الصديق قال: يا أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105] وإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه[1].

 إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أي: لم يمنعوه من ظلمه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه، وقوله -تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ أي: الزموا طاعة الله ، واعملوا بمرضاته، فإن فعلتم ذلك فإنه لا يضركم ضلال من ضل حينما يضل، لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ، ولا يكون الإنسان بحال من الأحوال مهتدياً مستقيماً على طاعة الله -تبارك وتعالى- إلا إذا أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وإلا فإن الذين تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لعنهم الله على ألسنة الرسل، لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ ۝ كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ [المائدة:78-79].

فالإنسان لا يسلم بحال من الأحوال، ولا ينجو عند الله -تبارك وتعالى- إلا إذا قام بهذه الفريضة على الوجه الذي أمره الله به، وإلا فإنه لا ينفك من التبعة بحال من الأحوال، لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إذا قمتم بطاعة الله وطاعة رسوله ﷺ وامتثلتم فلا عليكم بعد ذلك أن يضل من ضل، بمعنى أنكم أمرتموهم ونهيتموهم وعملتم بطاعة الله فيأتون يوم القيامة يحملون أوزارهم على ظهورهم، لا تتحملون منها شيئاً، وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164].

وكذلك أيضاً إذا كان الإنسان مهتدياً يعمل بطاعة الله وهو مؤمن وله أب أو أخ على غير الإيمان فإن ذلك لا يضره، ولا ينقص مرتبته عند الله -تبارك وتعالى، وأصحاب النبي ﷺ حينما أسلموا كان الواحد يرى أباه على غير الإسلام، ويرى أمه على غير الإسلام، ويرى إخوته وعشيرته على غير الإيمان فالله -تبارك وتعالى- أخبر أن ذلك لا يضرهم؛ لأن كل إنسان يرد القيامة بعمله، ونوح ﷺ كان ابنه كافراً، وكانت امرأته على غير دينه، وكذلك لوط ﷺ، ووالد إبراهيم لم يؤمن به، وتبرأ إبراهيم منه، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ [التوبة:114].

فكون الإنسان له قرابات على غير الهدى والصلاح لا يؤثر ذلك في عمله وحاله ودرجته عند ربه -تبارك وتعالى، هذا معنى الآية، لا يضركم ضلال من ضل إذا كنتم على استقامة وهدى، ولن تكونوا على استقامة وهدى إلا إذا قمتم بما افترض الله عليكم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذه الآية يخطئ كثير من الناس في فهمها، ولربما يحتج بعضهم على مَن أمره بالمعروف، أو نهاه عن المنكر بهذه الآية، يقول: عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ، نعم علينا أنفسنا، وإنّ من قيامنا بالعمل الذي يتعلق بنفوسنا أن نأمرك بالمعروف وننهاك عن المنكر؛ لأنه لا نجاة لنا إلا بهذا، ستأتينا يوم القيامة تتعلق برقبتنا وتقول: أنا جارك رأيتني لا أصلي ولم تأمرني، أنا قريبك تراني أقارف المنكر ولم تأمرني ولم تنهني، نقول: لا، ولابد من أمرهم ونهيهم، هذا، والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه الترمذي، كتاب الفتن عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في نزول العذاب (4/ 467)، رقم: (2168)، وأبو داود، كتاب الملاحم، باب الأمر والنهي، (4/ 122)، رقم: (4338)، وصححه الألباني في السلسلة، رقم: (1564).

مواد ذات صلة