الثلاثاء 07 / شوّال / 1445 - 16 / أبريل 2024
حديث «يا بني عبد شمس يا بني كعب بن لؤي..»
تاريخ النشر: ٢٤ / ربيع الأوّل / ١٤٢٨
التحميل: 1756
مرات الإستماع: 4636

أنقذوا أنفسكم من النار

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

ففي باب بر الوالدين وصلة الأرحام أورد المصنف -رحمه الله-:

حديث أبي هريرة قال: لما نزلت هذه الآية: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [الشعراء:214]، دعا رسول الله ﷺ قريشاً فاجتمعوا فعمّ وخصّ وقال: يا بني كعب بن لؤي، أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني مرة بن كعب، أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد شمس، أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد مناف، أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني هاشم، أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد المطلب، أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة، أنقذي نفسك من النار، فإني لا أملك لكم من الله شيئًا، غير أن لكم رحمًا سأبُلُّها بِبِلالها[1]. رواه مسلم.

وقوله ﷺ حينما نزل عليه: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ، ودعوته قريشاً: يا بني عبد شمس، يفهم منه كما ذكر بعض أهل العلم أن العشيرة الأقربين هم من يتناسلون من الجد العاشر للإنسان، وقد يؤخذ من هذا أن هؤلاء هم الذين يصلهم الإنسان، أو لهم حق آكد من غيرهم من قراباته، وكما ذكرنا في بعض المناسبات أنه كلما دنت القرابة كلما عظم الحق.

قال: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ، مفهومه غير مراد، بمعنى أن غير الأقربين أيضاً هو مأمور بإنذارهم، فهو ﷺ منذر للأحمر والأسود، منذر لجميع الخلق، والله يقول: لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ [القصص:46]، والآيات الدالة على هذا المعنى كثيرة، ولكن المراد أن يبدأ الإنسان بالأقرب إليه، فهم أحق بذلك، ويؤخذ من هذا أن الأقربين هم أولى بالإحسان أيًّا كان نوعه، سواء كان هذا الإحسان من باب العطية والهبة، أو الصدقة أو حتى الزكاة، فإن صرفها للأقربين أولى من صرفها للأبعدين، فهي صدقة وصلة.

وهكذا ما هو أعظم من ذلك من الدعوة إلى الله -تبارك وتعالى، وإرشاد هؤلاء، وما يسدى إليهم من النصح، فهم أولى من غيرهم، ويخطئ كثير من الناس حيث يصوّب ويوجه إرشاده ونصحه إلى الأبعدين، ويشتغل بهم، ويذهب معهم ويجيء نصحاً وإرشاداً ودعوة، وهذا أمر لا شك أنه طيب، ولكن قرابته أحوج ما يكونون إلى كلمة ونصيحة وتربية وعظة وإرشاد، ولا يحصل منه تجاههم قليل ولا كثير، بل في غاية الإهمال، وأحياناً يكون هذا الإهمال والتضييع في أهل بيته، يذهب ويدعو الناس ويقضي وقته في هذا وأهله وأولاده في حال أحوج ما يكونون إلى جلوسه معهم، ونصحه وتربيته وتعليمه، فهذا خطأ، وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ، وهكذا ينتقل منهم إلى غيرهم، ولكن هم الأهم والآكد فيبدأ بهم قبل أن يبدأ بالأبعدين.

وهنا النبي ﷺ دعا هؤلاء جميعاً، وكان يقول لهم: أنقذوا أنفسكم من النار يعني: بالإيمان والعمل الصالح، وذلك يدل على أن الإنسان لا يمكن أن تحصل له النجاة بحال من الأحوال إلا بالإيمان والعمل الذي يقربه إلى الله ، فالإنسان لا تدنو مرتبته عند الله ويرتفع ويرتقي وتحصل له دار الكرامة إلا بعمله وإيمانه، أما الاتكاء على القرابات، وأنه من نسل النبي ﷺ، أو من قرابته فإن هذا غير مجدٍ.

 ولهذا قال النبي ﷺ حينما سأله الرجل: أين أبي؟ قال: إن أبي وأباك في النار[2]، فأبوه ﷺ، وكذلك عمه أبو طالب أخبر ﷺ عن حالهم وأنهم في النار، مع شدة القرابة، ونصرة أبي طالب غاية النصرة للنبي ﷺ، فلو كانت القرابة تنفع لنفعت في هؤلاء، فالإنسان يجب عليه أن لا ينظر ويقول: فلان قريبي من الصالحين، فلان من العلماء من قرابتي، فلان عمي، فلان جدي، أنا من نسل فلان، فهذا لا يقدم ولا يؤخر عند الله ، وإنما المعوّل على الإيمان والعمل الصالح، حتى فاطمة -رضي الله تعالى عنها- وهي بضعة منه، قال لها النبي  ﷺ: أنقذي نفسك من النار، فإني لا أملك لكم من الله غير أن لكم رحماً سأبُلُّها بِبِلالها، وضبطه بعضهم بفتح الباء الثانية سأبُلُّها بِبَلالها يعني: البَلال الماء الذي يبل به، يعني: كأنه يقول: سأصلها، لكم رحم سأصلها، فشبه القطيعة -كما قال المصنف -رحمه الله- بالنار التي تكون، أو بالحرارة التي تُطفأ بالماء، فهذه تبردها الصلة، سأبلها ببِلالها، أو ببَلالها.

والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه. 

  1. أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب في قوله تعالى: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [الشعراء: 214]، (1/ 192)، برقم: (204).
  2. أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان أن من مات على الكفر فهو في النار، ولا تناله شفاعة، ولا تنفعه قرابة المقربين، (1/ 191)، برقم: (203) عن أنس بلفظ: أن رجلا قال: يا رسول الله، أين أبي؟ قال: في النار، فلما قفَّى دعاه، فقال: إن أبي وأباك في النار.

مواد ذات صلة