الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
ففي باب "زيارة أهل الخير ومجالستهم وصحبتهم ومحبتهم" أورد المصنف -رحمه الله-:
الرجل على دين خليله، هذا الباب يتعلق بصحبة الأخيار وبمحبتهم، وذلك أن الإنسان يتأثر بمن يصاحب، كما يدل عليه صراحة هذا الحديث المرء على دين خليله، فهو يتأثر به ولابد، كما أن النفوس أخبر النبي ﷺ: أن الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف[2]، وإنما ينجذب الإنسان عادة إلى من يشاكله، ويكون مناسباً له، فيميل إليه طبعه، ويحصل بينهما من المواطأة والتوافق والإلف ما لا يقادر قدره، فإذا صحب الإنسان أو أحب أهل الخير والفضل فإن ذلك يدل على أن نفسه تنجذب للخير؛ لأن هذا إنما ينجذب إليهم لما تحمله نفوسهم وما يظهر من أعمالهم من الصفات الكاملة، فنفسه تميل إلى الكمالات وتحبها وتطمح إليها، وهذا مؤشر يدل على أن هذا الإنسان قلبه لا يزال فيه حياة، ويرجى لصاحبه من الخير في الدنيا والآخرة، وذلك أنه في الدنيا يتأثر بمثل هؤلاء ويعمل بعملهم، وينكف وينزجر عن كثير من الشرور والآفات والآثام، وذلك أن هؤلاء يعينونه على الخير، ويُقعدونه عن الشر، بخلاف من صحب الأشرار فإنهم يؤزُّونه أزًّا إلى المعصية والمنكر، ويقعدونه عن طاعة الله ، ولربما عيروه إذا ترك الباطل أو فعل شيئاً من طاعة الله ، فالمقصود أنّ المؤمن يحتاج إلى مثل هذا المعنى أنْ يستحضره، وأنْ يعلم أنّ صحبته هذه تؤثر عليه في الدنيا وفي الآخرة، أما في الدنيا فذكرت ذلك، وأما في الآخرة فقد جاء في:
يعني في الآخرة، متفق عليه.
وفي رواية قال: قيل للنبي ﷺ: الرجل يحب القوم، يعني من أهل الصلاح والدين والفضل، يحبهم، ولمّا يلحق بهم، يعني في العمل، هو مقصر، ومرتبته دون مرتبتهم، فليس له من التشمير ما لهم في طاعة الله ، فقال النبي ﷺ: المرء مع من أحب، وهذا من أعظم الأحاديث المبشرة بسعة فضل الله ، ورحمته على عباده المؤمنين، فالإنسان قد لا يعمل الأعمال الكثيرة، ولكنه يحب أهل الفضل والدين والصلاح فيلحقه الله بهم.
أن أعرابيًّا -والأعراب: هم من سكن البادية- قال لرسول الله ﷺ: متى الساعة؟ يعني متى قيام الساعة، القيامة؟، فقال النبي ﷺ: ما أعددت لها؟، يعني أنت تسأل عن وقت الساعة ولكن السؤال الذي ينبغي أن تعيده على نفسك هو ماذا أعددت لهذا اليوم؟، ماذا قدمت وهيأت لتلك الساعة؟، فقال: حب الله ورسوله، يعني يقول: ما عندي أعمال كثيرة إلا أني أحب الله ورسوله، قال: أنت مع من أحببت.
وفي رواية لهما: "ما أعددت لها من كثير صوم ولا صلاة ولا صدقة ولكني أحب الله ورسوله"[2].
وجاء أيضاً في:
فهذه الأحاديث جميعاً تدل على هذا المعنى، ولذلك أقول: الذي قد لا تعينه نفسه على كثير من الأعمال الطيبة الصالحة لا أقل من أن يحب الخير ويحب الصالحين، ويحب مجالسهم، ولا يحب الشر ولا الأشرار، فالمرء مع من أحب، الإنسان قد لا يعمل بعمل الأشرار، ولكنه يحبهم ويؤثرهم على غيرهم، ويحب مجالستهم، فمثل هذا يلحق بهم، المرأة المسلمة حينما تكون قدوتها الممثلات والمطربات، وعارضات الأزياء، وما أشبه ذلك من الفاجرات فإنها قد تلحق بهم، ولو لم تعمل هي بعملهم، وإذا كان قدوتها أمهات المؤمنين والصالحات من المؤمنات القانتات التقيات فإن الله يلحقها بهم، ولو قصرّت عن عملهم، فهذا يحرص الإنسان عليه، ولذلك فإن الإنسان قد يبلغ المراتب في الآخرة بشيء تعلق بقلبه وإن قصّر عنه عمله.
فنسأل الله أن يبلغنا وإياكم المراتب العالية من الجنة، وأن يلهمنا رشدنا، ويقينا شر أنفسنا، وأن يجعلنا ممن يحبه ويحب أولياءه، وأن يلحقنا بركابهم، وأن يحشرنا تحت لواء رسوله ﷺ، وأن يسقينا شربة من حوضه لا نظمأ بعدها أبداً، وأن يغفر لنا ولوالدينا ولإخواننا المسلمين.
اللهم ارحم موتانا، واشفِ مرضانا، وعافِ مبتلانا، واجعل آخرتنا خيراً من دنيانا، وأحسن لنا العاقبة في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.
وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.