الأحد 22 / جمادى الأولى / 1446 - 24 / نوفمبر 2024
‏(54) من قوله تعالى " الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا " إلى قوله تعالى " وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ "‏
تاريخ النشر: ٢٣ / محرّم / ١٤٣٥
التحميل: 3214
مرات الإستماع: 2516

إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضلَّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: فلا زال الكلامُ -أيها الأحبة- متَّصلاً بهذه الآيات التي ختم اللهُ بها سورةَ آل عمران، هذا الدُّعاء، وهذا التَّفكر الذي تضمّنته هذه السّورة: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ [آل عمران:190]، مَن هؤلاء الذين هم أصحاب العقول الرَّاجحات؟

الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ [آل عمران:191]، فهؤلاء يذكرون الله دومًا بكل حالٍ، وفي كل وقتٍ، لا يفتؤون، ولا ينقطعون من ذكره، يذكرونه قائمين، وقاعدين، ومُضطجعين، فهم يذكرونه حال شغلهم، وحال فراغهم، فألسنتهم رطبة بذكره، وقد مضى الكلامُ على هذا المعنى، وهم مع هذا الذكر: يَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [آل عمران:191]، وهذا لونٌ من الذكر آخر، فهم في ذكرٍ بألسنتهم، وهم في ذكرٍ بجوارحهم؛ فهي عاملةٌ بطاعة ربِّهم ومليكهم -جلَّ جلاله-، وهم في ذكرٍ بعقولهم وقلوبهم بالتَّفكر، وذلك من أجلِّ العبادات، وأعظم القُربات -كما سبق-: وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قائلين: رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً ما خلقت هذا يعني: ما خلقت هذا الخلقَ باطلاً؛ أي: عبثًا، بل بالحق لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى [النجم:31].

فقولهم: رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً يحتمل أن يكون المرادُ: ربنا ما خلقتَ هذه الخلائق: هذه السَّماوات، وهذه الأرض، هذه المخلوقات العظيمة لم تخلقها عبثًا، فهذا معنًى، ويدلّ عليه قوله -تبارك وتعالى-: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ [الأنبياء:16].

قوله: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا [ص:27]، وفي الآية الأخرى: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ ۝ لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا [الأنبياء:16- 17].

لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا اللَّهو هنا العبث، واللَّعب، والباطل: لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ.

فخلق الله هذه المخلوقات من السَّماوات والأرضين وما فيهما لغايةٍ وحكمةٍ عظيمةٍ، هذا معنًى، وهو معنى صحيح يدل عليه القرآن.

ويحتمل أن يكون المرادُ: رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً يعني: ما خلقتَ هذا باطلاً ليس السَّماوات والأرض، وإنما هذا الخلق من الناس: من الجنِّ، من الإنس: مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً. هذا الذي اختاره كبيرُ المفسّرين أبو جعفر ابن جرير -رحمه الله-([1])، واستدلَّ عليه بما بعده، فإنَّهم يقولون في دُعائهم: رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ۝ رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ [آل عمران:191- 192].

إذًا ما خلقتَ هذا الخلق باطلاً، هذه أرحامٌ تدفع، وهذه أرضٌ تبلع بلا غايةٍ، ولا حكمةٍ، لا، خلقتَ ذلك لحكمةٍ وغايةٍ عُظمى من أجل الابتلاء: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً [الملك:2]، خلقهم من أجل عبادته: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، فهذه هي الغاية.

وهذان المعنيان صحيحان: رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا يعني: جميع هذا الخلق، بما فيه هذه الأجرام العلوية، وكذلك أيضًا هذه المخلوقات السُّفلية من الأرض، والجبال، والبحار، والناس، كل هذا ما خلقه اللهُ عبثًا، وباطلاً، وإنما خلقه من أجل الحقِّ، وللحقِّ، وبالحقِّ، ومن هنا يُنزِّهونه ويقولون: سُبْحَانَكَ يعني: عن أن تخلق شيئًا عبثًا، وأنت مُنَزَّهٌ عن ذلك، نُنزِّهك، ونُقدِّسك، ونُعظِّمك، هكذا يكون أهلُ الإيمان، بخلاف ذاك الذي لا يدري من أين جاء؟ وإلى أين سينتهي؟ الشَّاعر الجاهلي المعاصر الذي يقول:

جئتُ لا أعلم من أين ولكني أتيتُ ولقد أبصرتُ قدامي طريقًا فمشيتُ([2])

يتساءل من أين جاء؟ وإلى أين ينتهي؟ وما الغاية التي يصير إليها؟ ولماذا جاء؟

ويُجيب في كلِّ هذه السّؤالات: لستُ أدري. فهذا تائهٌ، حيرانٌ، لا يعرف لماذا خُلِقَ؟ ولا يعرف الطَّريق التي يسلكها في هذه الحياة، فهو أضلّ من البهائم.

أهل الإيمان يعرفون: سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، يا مَن خلق هذا الخلق بالعدل.

ونحن نحتاج أن نُوضِّح هذه المعاني على سبيل التَّقريب والتَّيسير؛ لأنَّه كما مضى في كلام الأوزاعي -رحمه الله- لما سُئل عن التَّفكر فيها: ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكَّر فيها))([3])، فكان يقول: أدنى ذلك، أقلّ ما يصدق عليه هو أن يعقل، يتعقّل معانيها، أقلّ ما يمكن أن يخرج به من التَّبِعَة([4]).

فالحاصل أنَّ هؤلاء يقولون: فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، يا مَن خلق هذا الخلق بهذه الحكمة العظيمة، خلقه بالعدل وبالحقِّ، يا مَن هو مُنزَّهٌ عن النَّقائص، والعبث، واللَّهو، والباطل، قِنَا عذابَ النار، قيضنا للأعمال الصَّالحات، والبرِّ، ووفقنا لطاعتك وطاعة رسولك؛ لتتحقق لنا النَّجاة، اهدِ قلوبنا، وأصلح أعمالنا وجوارحنا، وسدد ألسنتنا، واسلك بنا الصِّراط المستقيم الذي رسمته لعبادك، وارتضيتَه لهم من أجل سلوكه: فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

فهنا حينما يدعون بهذا الدُّعاء فهو مُضمَّنٌ أيضًا سؤال الجنة؛ لأنَّه إذا وقاهم عذابَ النار فإنَّهم يصيرون إلى الجنَّة؛ لأنَّه في الآخرة ليس إلا ثمّة الجنة أو النار.

لكن السؤال الذي قد يرد: ما العلاقة بين هذا التَّفكر في خلق السَّماوات والأرض، ثم هذه القفزة التي تقفزها أذهانهم فيدعون بهذا الدُّعاء، فتلهج ألسنتُهم قائلةً: فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ؟ هم يتفكَّرون بخلق السَّماوات والأرض، ويُنزِّهون اللهَ عن كونها قد خُلقت للعبث من غير غايةٍ ولا حكمةٍ.

إذًا ما العلاقة بين هذا وبين سُؤالهم أن يقيهم الله عذابَ النار؟ ما وجه الارتباط؟ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، هؤلاء حينما أدركوا هذه الغاية: هذا الكون المنتظم بهذه الطَّريقة العجيبة، هذه الشَّمس التي تجري وفق طريقةٍ دقيقةٍ مُحكمةٍ، سيَّرها الله بها، وهذا القمر الذي يتبعها، وما يحصل من اختلاف الليل والنهار، وتنوع الفصول، وما يحصل بسبب ذلك من حياة الأرض، والنَّبات، والحيوان، وما يحصل بسبب ذلك من ألوان المصالح للخلق بهذا الانتظام العجيب، وهذه الرِّياح التي تُساق، ثم بعد ذلك تجمع السّحاب، فينضمّ بعضُه إلى بعضٍ، وتلقحه، ثم ينزل المطر، ثم يخرج النَّبات، ثم يتغذَّى عليه الحيوان والإنسان، فيحصل به هذا النَّفع العام.

وهكذا الناس يُوجدون شيئًا فشيئًا: من نطفةٍ، ثم يكون علقةً، ثم يكون مُضغةً، ثم بعد ذلك يتحوّل إلى عظامٍ، إلى خلقٍ آخر، ثم يُولد، يخرج إلى الدنيا ضعيفًا، ثم بعد ذلك ما يفتأ أن يقوى ويشبّ فيصير فتًى، ثم بعد ذلك يصير شابًّا قويًّا، ولم يزل يكتمل حتى يصير إلى حدِّ التَّمام، بعد ذلك يبدأ بالانكماش والضَّعف على نحوٍ من التَّدرج، حتى يصير ضعيفًا، لا يقوى على شيءٍ، فتتلاشى قواه العقلية، وقواه البدنية، ويضعف، فينسى حتى الأولاد، والزوجة، يتساءل: مَن هؤلاء؟ ويسأل عن الشَّيء الواحد مرَّات ومرَّات في المجلس الواحد، بعدما كان أذكى الناس، وأحفظ الناس.

هذا ما يمكن أن يكون هذا الخلقُ بهذه الطَّريقة المحكمة، العجيبة، أن يكون على سبيل الباطل والعبث، فإذا أدركوا هذا فإنَّ ذلك يقتضي، فإنَّ ذلك يعني أنَّ هناك غاية، أنَّ هناك حياة أخرى يُقام بها الحقّ والعدل، يُجازى الناس فيها على الأعمال، وأنَّ هذه المرحلة التي هم فيها هي مُزدرع لتلك المرحلة الآخرة، وأنها طريقٌ إليها لا بدَّ أن يصير الناسُ إليه.

هذا الخلق الدَّقيق العجيب في سيره، وحركته، وتدبيره، لا يمكن أن يأتي هكذا مُصادفةً من غير خالقٍ، أو يكون على سبيل العبث، بل كلّ ذلك يدل على وجود خالقٍ، قادرٍ، عليمٍ، حكيمٍ، وهو الإله المعبود وحده دون ما سواه، هو الذي يستحقّ أن يُعبد وحده دون ما سواه، وأنَّه خلق هذا الخلق بالحقِّ والعدل، وأنَّه لا بدَّ فيه من إقامة الحقِّ والعدل: وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ [الجاثية:22]، لا بدَّ من المجازاة والمحاسبة، لا بدَّ من الثَّوابِ والعقابِ.

ومن هنا أدركوا هذا المعنى بهذا التَّفكر فقالوا: فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، وهذا يدل على قدرٍ من التَّواضع أيضًا؛ لأنهم يعلمون أنَّهم مهما عملوا، ومهما عبدوا، ومهما فعلوا؛ فإنَّ عملَهم لن يستقبل بإدخالهم الجنّة: لن يدخل أحدُكم الجنةَ بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمَّدني اللهُ برحمةٍ))([5]).

فأعمالهم هذه لم يترفَّعوا بها، ويحصل لهم بسبب ذلك العجب والالتفات إلى النَّفس، إنما غاية ما هنالك أنَّهم قالوا: {فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}، فدعوا الله طالبين للسَّلامة والنَّجاة، وكل هذا أدركوه بهذا التَّفكر: أنَّه لا بدَّ من دارٍ أخرى يُجازى فيها المحسنُ على إحسانه، والمسيء على إساءته، ومن هنا استعاذوا بالله من النار.

ثم قالوا: رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ هم يُردِّدون: ربنا، ربنا، يا خالقنا، ويا سيدنا، يا مُدبر شؤوننا، يا مُصرف أحوالنا، يا مُربينا بالنِّعَم الظَّاهرة والباطنة: فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ، الذي يدخل النَّار هذا الخزي الذي ما بعده خزي، أهنته، أظهرتَ خزيه لأهل الجمع.

تصور لو أنَّ أحدًا في الدنيا، إنسان أمام الناس، أمام الآخرين، أمام أصحابه، أمام زُملائه، ضُرِبَ أمامهم، أُهِينَ أمامهم، بل لو قيل له كلامٌ فيه جرحٌ لمشاعره، وإساءة إلى شخصه؛ لم ينم تلك الليلة، ولو أنَّ هذا الإنسان حصل له شيءٌ من هذا الأذى أمام الآخرين، هؤلاء الحدود الشَّرعية والتَّعزيرات أمام الناس، هؤلاء الذين تُقام عليهم الحدود، يتمنى الواحدُ منهم لو أنَّه ضُرِبَ أضعاف هذا الحدّ، لكن في مكانٍ لا يراه أحدٌ، لكنَّه حينما يُضرب أمام الناس بالسُّوق، في مكانٍ عامٍّ، لا يستطيع بعد ذلك أن يخرج بوجهه، ويُطالع هؤلاء، وينظر إليهم؛ لأنَّه يعتبر أنَّه أصابه خزيٌ، ثم يرتدع الآخرون فلا يفعلون فعله، هذه عقوبة رادعة: وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [النور:2]، فكيف بعذاب النار: رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ؟ صارت خزيته لأهل الجمع، أهنته غاية الإهانة: وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ، لا مُجيرَ لهم، ولا محيدَ لهم عمَّا نزل بهم وأراده الله -تبارك وتعالى- من العذاب لهؤلاء.

كما قال الله -تبارك وتعالى-: وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا ما أحدٌ ينفع أحدًا: وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ ما في وساطات: وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ لا يُوجد فداء، يقول: نُعطيك فدية. يفتدي بأولاده، لا يوجد: وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ [البقرة:48]، نفى عنهم هذه الأمور جميعًا؛ يعني: لا يأتي أحدٌ يُخلِّصهم بالقوة من عذاب الله -تبارك وتعالى-، كل هذه الأمور مُنتفية، إذن هو مأسورٌ بعمله: وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ.

فلاحظوا هذه الكلمات، وهذه الجمل، وما حوت، وما جمعت، حينما يقولون: رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ۝ رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ.

رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً نفي الباطلية -كما يقول الحافظُ ابن القيم- هنا يستجمع كلّ ما يمكن أن يذهب إليه الذهنُ من الاحتمالات الفاسدة والباطلة: العبث بأنواعه وأشكاله وصُوره([6])، فهذا النَّفي للباطلية أوغل في المعنى المقصود، لا يمكن بيان جميع الحكمة، ولو بيّن بعضها لظُنَّ أنَّ ذلك هو المراد وحده، يكفي: رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

هذا، وأسأل الله أن يقينا وإيَّاكم عذابَ النار، وأن يغفر لنا ولوالدينا ولإخواننا المسلمين.

اللهم ارحم موتانا، واشفِ مرضانا، وعافِ مُبتلانا، واجعل آخرتنا خيرًا من دُنيانا.

والله أعلم، وصلَّى الله على نبينا محمدٍ، وآله وصحبه.

([1]) انظر: "تفسير الطبري" (7/476).

([2]) انظر: "موسوعة الغزو الفكري والثقافي وأثره على المسلمين" للشحود (3/202).

([3]) أخرجه ابن حبان في "صحيحه": كتاب الرقائق، باب التوبة، برقم (620)، وصححه الألباني في "التعليقات الحسان"، برقم (619).

([4]) انظر: "تفسير ابن كثير" (2/190).

([5]) أخرجه البخاري: كتاب الرقاق، باب القصد والمداومة على العمل، برقم (6463)، ومسلم: كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب لن يدخل أحدٌ الجنةَ بعمله بل برحمة الله تعالى، برقم (2816).

([6]) انظر: "مفتاح دار السعادة" لابن القيم (2/85).

مواد ذات صلة