الأحد 22 / جمادى الأولى / 1446 - 24 / نوفمبر 2024
حديث «من غدا إلى المسجد أو راح..»، «من تطهر في بيته ثم مضى..»
مرات الإستماع: 0

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعدُ:

فهذا باب فضل المشي إلى المساجد.

عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: من غدا إلى المسجد أو راح، أعد الله له في الجنة نزلاً كلما غدا أو راح[1]، متفق عليه.

من غدا إلى المسجد أو راح الغدو: هو الذهاب في أول النهار يعني قبل الزوال، وهذا يصدق على صلاة الفجر، ويصدق أيضًا على كل مجيء إلى المسجد قبل زوال الشمس، كمن جاء إلى المسجد ليصلي نافلة كالضحى مثلاً، أو جاء إلى مجلس علم، أو نحو ذلك؛ لأنه ما قال هنا من غدا إلى المسجد أو راح، أي من أجل الصلاة، فما قيده، فيبقى على إطلاقه، فكل من قصد المسجد لصلاة فريضة، أو نافلة، أو لطلب علم، أو نحو ذلك، فهو داخل في هذا المعنى.

والرواح: يكون بعد زوال الشمس، ويدخل فيه صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ويدخل ما بين ذلك من الوقت، وما بعده، يعني: ما بعد العشاء، يعني ما بعد منتصف الليل إلى طلوع الفجر، فالفجر يعتبر من الغدو، والله تعالى أعلم.

فيدخل فيه كل قصد للمسجد، يعني معناها: أنه من قصد المسجد في أي ساعة من ليل أو نهار، أعد الله له في الجنّة نزلاً، كلما غدا أو راح، (أعد) هذه الكلمة تجدها في القرآن تتكرر، أعد الله لهم كذا وكذا، فهي تدل على عناية بالمعدّ، غير لما يقول: جعل الله له نزلاً في الجنة، تقول: أعددت لك كذا، يعني: مع عناية بهذا المعد.

أعد الله له نزلاً النزل هو ما يقدم للضيف، وما يقدم للناس في دارهم، أو نحو ذلك، يقال له: نزل، فالناس جرت عادتهم أن من قصد بيوتهم أنهم يكرمونه، ويهيؤون له الطعام، ونحو ذلك، والله -تبارك وتعالى- أكرم الأكرمين، وأجود الأجودين، فما ظنكم بما يعده من القِرى والضيافة لمن قصد بيته، وبيوت الله هي المساجد فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ [النور:36] أول النهار، وآخر النهار، فإذا كان الناس يكرمون من جاء بيوتهم، ويقدمون له الطعام، فالله -تبارك وتعالى- أكرم مِن خلقه! فمن قصد بيته أكرمه، وأعد الله له نزلاً، وجاء النزل هنا منكرًا، والتنكير أحيانًا يدل على التعظيم، يعني: نزلاً عظيمًا وكبيرًا، ونزلاً له قيمة، فإذا كان هذا يتكرر كلما غدا الإنسان إلى المسجد، فمعنى ذلك أن الإنسان يفرح إذا جاء إلى المسجد ويبتهج، قد جاء إلى بيت الله -تبارك وتعالى-، لربما الإنسان يفرح إذا جاء إلى بيت عظيم من العظماء، أو كريم من الكرماء، أو نحو ذلك، فالله أعظم عظيم، وأكرم كريم، والمساجد هي بيوت الله .

ومن ثم فإن الإنسان يغتبط، ويكثر من المجيء إلى المساجد، ولا يفقد من المسجد، قال: كلما غدا أو راح معناه: هذا أنه ليس في اليوم واحد نزل واحد فقط، لا، لو أنه جاء إلى المسجد خمس مرات، فهذا خمس ضيافات، ولو جاء أكثر من هذا، فبحسبه، فانظر إلى هذا المتخلف عن الصلاة، الذي لا يعرف ولا يرى في المسجد، وقد لا يكتشف أنه في الحي، أو من جيران المسجد، إلا بعد سنوات مصادفة، أو نحو من هذا، فكم يفوت هذا الإنسان من الخير والفضل والأجر والضيافة التي يعدها الله -تبارك وتعالى- لقاصدي بيته.

وذكر حديثًا آخر لأبي هريرة أن النبي ﷺ قال: من تطهر في بيته، ثم مضى إلى بيت من بيوت الله؛ ليقضي فريضة من فرائض الله، كانت خطواته إحداها تحط خطيئة، والأخرى ترفع درجة[2]، رواه مسلم.

من تطهر في بيته لاحظ هذا القيد، وهذا يدل على فضل الطهارة في البيت، سواء كانت الطهارة بالماء، أو بما يقوم مقامه لمن عجز عنه، حقيقة أو حكمًا، يعني: التيمم بالنسبة للمريض، أو فاقد الماء، أو نحو ذلك، المهم أن يتطهر في بيته، ويحسن بالإنسان أن يعود نفسه دائمًا أنه لا يخرج من بيته إلا وهو متطهر، يكون في حال من الطهارة، فإذًا الذي يتوضأ في بيته أفضل من الذي يتوضأ في المسجد، دل عليه هذا الحديث؛ لأنه قال: من تطهر -هذا شرط- في بيته، ثم مضى إلى بيت من بيوت الله؛ ليقضي فريضة من فرائض الله لاحظ هذه ثلاثة أمور:

الأول: تطهر في بيته.

الثاني: قصد بيتًا من بيوت الله، يعني: ما ذهب ليصلي في مكان آخر، في بيت جاره مثلاً، أو في بيت آخر له، أو نحو ذلك، لا، إلى بيت من بيوت الله.

الثالث: ليقضي فريضة من فرائض الله، فهذا الحديث مقيد بالفرائض، والحديث الذي قبله مطلق، فذاك يهيئ الله له نزلاً، وهنا قال: كانت خطواته والخطوات: جمع خطوة، وهي ما يكون بين رجلي الماشي، يقال للصغير مثلاً: يخطو، يعني: يمشي، فما يكون بين رجلي الماشي يقال له: خطوة، والواحدة منها يقال لها: خَطوة، نقول: خَطوة، وتجمع على خطوات.

قال: إن كانت خطواته إحداها تحط خطيئة، والأخرى ترفع درجة والمقصود بذلك غير الكبائر، يعني: الصغائر، ولا يكون ذلك من حقوق الآدميين، فإذا انمحت سيئات الإنسان، من هذه الأعمال، ومن غيرها كالطهارة، ونحو ذلك، فإن هذا الإنسان يبقى في زيادة من الحسنات، فتصور الآن لو الواحد منا يمشي إلى المسجد فقط، لو كان يمشي خمسين خطوة، مسافة قريبة فقط التي مشاها إلى المسجد، فاضرب هذا في خمسة، كم يطلع؟ فهل يذنب الإنسان 250 ذنبًا في اليوم الواحد؟ مَن الذي يذنب 250 ذنبًا؟ لاحظ إلا إذا كان عاكف على الإنترنت، وجالس ينظر في مواقع سيئة، ويرى مشاهد سيئة، مئات المشاهد، أو أمام القنوات، وكل شوية يطالع واحدة من النساء من الفاتنات والمتبرجات.

الشاهد: أن هذا العدد من السيئات تحط عنه، وترفع له درجات، يعني: قل: أقل الأحوال أنه يرفع له كل يوم 250 درجة، وما مقدار الدرجة عند الله ؟ شيء لا يمكن أن نتصوره، فلذلك أقول: بأن الإنسان إذا سمع مثل هذا، فإنه لا يستثقل الذهاب إلى المسجد، وما يتكاسل، وينشط، ولا أيضًا يثقل عليه المجيء إذا كان بيته بعيدًا من المسجد، بالعكس يغتبط، كما تدل عليه أحاديث أخرى في هذا الباب؛ لأنه يزيد رصيده في الحسنات، ويحط عنه أكثر من السيئات، لكن هل هذا يعني أن الإنسان يتقصد الذهاب إلى مكان بعيد؟ ويترك المسجد القريب من غير عذر؟ ويذهب إلى مسجد بعيد من أجل الخطوات؟ الجواب: لا، ليس له ذلك، إنما يصلي في المسجد القريب من بيته، إلا لعذر شرعي، كأن يكون هذا الإنسان الذي يصلي مقصر أو صاحب بدعة، أو عليه فسق ظاهر، أو أنه مثلاً لا يحسن قراءة الفاتحة، أو نحو هذا؛ فيذهب إلى غيره، فمثل هذا أقول: ينشط المؤمن ويحفزه على المجيء إلى المساجد، وفقد هذا هو في الواقع خسارة وغبن كبير جدًا، فالأجور وحط السيئات، ورفع الدرجات، تحصل بأيسر الأمور، والله -تبارك وتعالى- يقول: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ [يس:12] ومن الآثار التي تكتب الخطى إلى المساجد، يموت وتبقى خطواته، لكن كل خطوة مكتوبة، اليوم مشى مائة، اليوم الثاني مشى أربعمائة، خمسمائة، لكن الشيطان ما يترك أحد -أيها الأحبة- وقد لاحظ هذا، فالناس حينما يقال لهم في الحج أو في المواسم: تطوفون من السطح، يستعظمون هذا جدًا، ويعتبرونه أمر خارج عن طاقتهم، وصعب، ويتثاقلون، وأصعب شيء عندهم إذا أخطأ في شوط، أو شك في شوط، يريد أن يأتي بشوط جديد، مع أن هذه عبادة، لكن انظر إليهم إذا كانت المسألة مشي رياضة، الواحد يفتخر، ويقول: أنا أمشي كل يوم عشرة كيلو، وتجده يدور على مكان طويل، رجال ونساء واختلاط، وهؤلاء يقابلون هذا، وهذا يستعرض بلباسه القصير، وهذا بفتوته وعضلاته، أمام الرائحات والغاديات، ولا يستثقل، وفي حر ورطوبة وبرد، وما يستثقل، وما يأتي إليه الشيطان ويقول له: كيف تمشي المسافة هذه، بعيدة امش ربعها، إذا مشيت ربع هذا الميدان ارجع، وما يحتاج تكمل الباقي، لا، هو يعد هذا من المآثر والمفاخر والكمالات، أنه يدور هذه ست سبع ثمان عشر مرات، بلا كلل ولا ملل، لكن قل له: تمشي إلى المسجد، يقول: وأين المسجد؟ نحتاج إلى سيارة، حتى نصل إليه، ويستثقل الإنسان مثل هذا.

فأقول: الإنسان يفرح ويغتبط ويبادر، فإذا كانت الطهارة تغسل الذنوب، والصلوات الخمس تغسل الذنوب، وتحط الخطايا، والخطى أيضًا تحط الخطايا فتصور من يتوضأ ويذهب، وكلما قارف بأعضائه من المعاصي، ويصلي وتكون أوزاره على عاتقه، أو على رأسه، فإذا ركع أو سجد تحاتت، وفي خطواته كذلك، وجاء ما يدل على أنه في رجوعه أيضًا يكتب له ذلك.

والله تعالى أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب فضل من غدا إلى المسجد ومن راح برقم (662) ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب المشي إلى الصلاة تمحى به الخطايا، وترفع به الدرجات برقم (669).
  2. أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب المشي إلى الصلاة تمحى به الخطايا، وترفع به الدرجات برقم (666).

مواد ذات صلة