الأحد 22 / جمادى الأولى / 1446 - 24 / نوفمبر 2024
حديث «إن الله وتر يحب الوتر..» إلى «من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله..»
مرات الإستماع: 0

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فهذا باب الحث على صلاة الوتر، وبيان أنه سنة مؤكدة، وبيان وقته.

الوتر، ويقال: الوتر أيضًا بالفتح معروف، وهو يقابل الشفع.

والوتر عند الجمهور سنة مؤكدة[1] وذهب أبو حنيفة -رحمه الله- إلى أنه واجب[2] سئل الإمام أحمد -رحمه الله- عمن يواظب على ترك الوتر، لا يوتر؟ قال: إنه رجل سوء[3].

وعلى كل حال يستدل من يقول بالوجوب بحديث أبي أيوب الأنصاري : الوتر حق على كل مسلم...[4] الحديث، وكذلك أيضًا بحديث آخر، وهو حديث بريدة : الوتر حق، فمن لم يوتر فليس منا قاله ثلاثًا[5] فمثل هذا الحديث حسنه بعض أهل العلم، ومن ثم قالوا بالوجوب، ولكن عامة أهل العلم لا يقولون بوجوبه، وإنما يقولون ذلك يدل على تأكده، ويستدلون على عدم الوجوب بالأحاديث الواردة الأخرى التي يفهم منها أنه لا يجب على المسلم سوى الفرائض الخمس، كقوله هل عليّ غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوع [6] فقالوا: هذا يدل على أن الوتر ليس بواجب، وهذا هو الأقرب، ولكنه مؤكد، ولا يحسن بالإنسان أن يتركه، ومن واظب على تركه؛ فهو مقصر تقصيرًا كبيرًا، ومغبون.

والنووي -رحمه الله- هنا يقول: وبيان أنه سنة مؤكدة، وذكر حديث علي [7] قال: الوتر ليس بحتم كصلاة المكتوبة، ولكن سن رسول الله ﷺ قال: إن الله وتر يحب الوتر؛ فأوتروا يا أهل القرآن[8] فهنا قال بأن الوتر ليس بحتم، وهذا من كلام علي -رضي الله عنه وأرضاه- إن الله وتر يحب الوتر يحب الوتر يدخل في ذلك صلاة الوتر، ويدخل فيه أيضًا الوتر عمومًا، فالله -تبارك وتعالى- أقسم بذلك قال: وَالشَّفْعِ وَالْوَتْر ويدخل في هذا القسم بسورة الفجر يدخل فيه يوم عرفة، كما يدخل فيه أيضًا الوتر عمومًا، فإن الله يحبه؛ ولهذا فإن السعي بين الصفا والمروة يكون سبعًا، والطواف بالبيت يكون سبعًا، وهكذا إذا نظرت إلى التسبيح بعد الصلاة بثلاث وثلاثين، فكل هذا من الوتر.

قال: إن الله، وتر يحب الوتر، فأوتروا يا أهل القرآن بل قد استحبه بعض أهل العلم في غير العبادة، مثل إذا أكل تمرًا مثلاً أن يأكل وترًا، وقد جاء ذلك تحديدًا قبل صلاة العيد، عيد الفطر، وكذلك من تصبح بسبع تمرات، لكن هل يكون ذلك مطلقًا إذا أكل الإنسان في أي وقت من النهار؟ من أهل العلم من استحب ذلك قال: أن يقطع على وتر، وإذا شرب؛ شرب ثلاثًا، إلى غير ذلك.

وقوله هنا: فأوتروا يا أهل القرآن يمكن أن يقال: هذا أمر، والأصل أن الأمر للوجوب، وأن قول علي بأنه ليس بحتم هو فهمه -رضي الله عنه وأرضاه- وإن كان راو الحديث أدرى بما روى، لكن الذين قالوا: إنه لا يجب قالوا: خصه بأهل القرآن أوتروا يا أهل القرآن ما قال: فأوتروا يا أهل الإيمان مثلاً، ولم يقل ذلك بإطلاق، كأن يقول: إن الله وتر يحب الوتر فأوتروا، وإنما قال: يا أهل القرآن فخصه بهم؛ فدل ذلك على أنه لا يجب، وإلا لعممه لسائر طوائف الأمة، ولو أن أحدًا أراد أن يجيب عن هذا لما أعجزه، أوتروا يا أهل القرآن، كأنه يقول: يا أمة محمد ﷺ فأضافهم إلى القرآن؛ لأن الله -تبارك وتعالى- أنزله عليهم.

وذكر حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: ((من كل الليل قد أوتر رسول الله ﷺ- من أول الليل، ومن أوسطه، ومن آخره، وانتهى وتره إلى السحر))[9] متفق عليه.

هذا في وقت الوتر، فدل على أنه جائز، فوقته بعد صلاة العشاء، فلو أن الناس جمعوا جمع تقديم؛ المغرب والعشاء في وقت المغرب، فلهم أن يوتروا، للإنسان أن يصلي الليل ما كان يعتاده، ثم يوتر، أو من لم يكن له عادة من صلاة الليل، وإنما يقتصر على الوتر له بعد أن يجمع المغرب والعشاء في وقت المغرب أن يوتر بعد ذلك، ولو كانوا مثلاً في رمضان، فجمعوا في سفر، أو لمطر، أو نحو ذلك، جمعوا بين المغرب والعشاء لهم أن يصلوا التراويح بعدها إذا جمعوا جمع تقديم؛ لأن وقته بعد العشاء.

وانتهى وتره إلى السحر، والسحر يكون قبيل طلوع الفجر، ويمكن للإنسان إذا كان في السحر أن يوتر، أو يوتر قبيل السحر، يوتر إذا خشي الفجر، ولكن الله -تبارك وتعالى- قال: كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ۝ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ فيصلي الإنسان من الليل، ثم بعد ذلك إذا جاء السحر يستغفر حتى يؤذن لصلاة الفجر، ووقت التنزل الإلهي لا يختص بالسحر، وإنما يكون بثلث الليل الآخر.

وهذا يدل أيضًا على أن ما يظنه، أو يتوهمه بعض الناس من قيام الليل أنه يحتاج إلى استيقاظ من نوم، ونحو ذلك، فيشق عليهم مع السهر، أن هذا غير صحيح، وللإنسان أن يصلي من الليل قبل أن ينام، فلو كان من عادته مثلاً أن ينام الثانية عشرة، فيمكن أن يبدأ بقيام الليل من العاشرة، أو العاشرة والنصف، أو الحادية عشرة، قبل أن ينام يخصص له وقتًا يصلي فيه، فذلك قيام الليل.

ومن كان ينام مبكرًا، فالأفضل أن يصلي من آخر الليل.

وذكر حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي ﷺ قال: اجعلوا آخر صلاتكم بالليل، وترًا [10] متفق عليه.

آخر صلاتكم، يعني: صلاة الليل تكون وترًا، بمعنى: أن الإنسان يجعل الوتر آخر ما يصلي من صلاة الليل، لكن لو أنه كان يصلي مع الإمام مثلاً التراويح في أول الليل، ويريد أن يصلي في آخر الليل، فيمكن أن يشفع، يصلي مع الإمام فإذا جلس الإمام للتشهد في الوتر؛ جلس معه، وتشهد، فإذا سلم الإمام؛ قام، وجاء بركعة، فقطع على شفع، ثم يصلي بعد ذلك، ثم يوتر في آخر الليل، لكن لو كان الإنسان لا يدري هل يقوم، أو لا يقوم؟ هل يتيسر له ذلك؟ فصلى في أول الليل، فإنه يوتر، فإذا قام صلى شفعًا، لا يوتر اجعلوا آخر صلاتكم بالليل، وترًا [11].

وذكر حديث أبي سعيد الخدري أن النبي ﷺ قال: أوتروا قبل أن تصبحوا [12] رواه مسلم لأن الوتر يكون في آخر صلاة الليل، فإذا طلع الفجر يكون قد انقضى وقته، وانتهى.

وجاء عن جماعة من الصحابة كعلي أنهم أوتروا -يعني: فاتهم- أوتروا بعد طلوع الفجر، بعد الأذان، ولذلك يقال: لا بأس أن يصلي الإنسان من فاته الوتر في الليل، أن يصليه بعد أذان الفجر، ويصلي وترًا، لا يشفع، وجاء عنه أنه قال: نعم الوقت، أو كما قال -رضي الله عنه وأرضاه-[13].

وجاء من حديث عائشة -رضي الله عنها- كما أورد المصنف -رحمه الله- أن النبي ﷺ كان يصلي صلاته بالليل، وهي معترضة بين يديه[14] يعني: نائمة بين يديه، وهذا يدل على أنه يجوز الصلاة إلى النائم، وقد ورد النهي عن ذلك، فيكون النهي هناك للكراهة، والعلة فيه -والله تعالى أعلم- أنه قد يبدو من هذا النائم من التصرفات ما يشغل المصلي عن صلاته، فالشاهد أن هذا يدل على أنه يجوز أن يصلي، وبين يديه امرأة، وأن الصلاة إلى المرأة طبعًا هي امرأته أن الصلاة إليها لا تؤثر في الصلاة، إنما الذي يؤثر هو مرورها بين يدي المصلي، أما أن يصلي إليها فذلك لا إشكال فيه لا يقطع عليه صلاته، ولا يفسدها.

تقول -رضي الله عنها-: "كان يصلي صلاته بالليل، وهي معترضة بين يديه، فإذا بقي الوتر أيقظها؛ فأوترت" رواه مسلم[15].

إذا بقي الوتر أيقظها فأوترت، على كل حال، وفيه أن الرجل يوقظ أهله لشيء من صلاة الليل، ولو الوتر، وفي رواية: فإذا بقي الوتر قال: قومي فأوتري يا عائشة[16].

وكذلك أيضًا جاء عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي ﷺ قال: بادروا الصبح بالوتر [17] يعني: قبل أن يخرج وقته، والحديث السابق، حديث عائشة -رضي الله عنها- لا يدل على أنها ما كانت تصلي الليل، ما كانت تقوم الليل، فقد تكون قامت الليل في أوله، تصلي في أول الليل، ثم تنام، وتترك الوتر في آخر الليل، حيث يوقظها رسول الله ﷺ.

والحديث الأخير، وهو حديث جابر قال: قال رسول الله ﷺ: من خاف ألا يقوم من آخر الليل؛ فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخر الليل؛ فليوتر آخر الليل، فإن الصلاة آخر الليل مشهودة، وذلك أفضل[18] رواه مسلم، مشهودة تشهدها الملائكة، وكذلك أيضًا هو وقت التنزل الإلهي، فالله يشهدها، والملائكة تشهدها، وذلك وقت لإجابة الدعاء.

ولكن على كل حال، من كان ينام متأخرًا لاسيما الشباب، فإنه قد يتعذر عليه القيام في آخر الليل؛ فلا داعي بأن الإنسان يمني نفسه، ثم بعد ذلك لا يخرج بطائل، لا هو الذي أوتر، ولا هو الذي قام الليل، ومن ثم فإما أن ينام الإنسان مبكرًا، ثم يقوم في آخر الليل، وإما أن يوتر، ويصلي في أول الليل، فإذا قام في آخر الليل؛ صلى ما بدا له شفعًا، والله تعالى أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية (27/289).
  2. انظر: النتف في الفتاوى، لأبي الحسن السُّغْدي (1/47).
  3. انظر: المغني، لابن قدامة (2/118).
  4. أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب كم الوتر؟، برقم (1422)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح، برقم (1265).
  5. أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب فيمن لم يوتر، برقم (1419)، ورواه الحاكم في "المستدرك"، وصححه، وقال: أبو المنيب ثقة، ووثقه ابن معين أيضا، قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: هو صالح الحديث، وأنكر على البخاري إدخاله في الضعفاء، وتكلم فيه النسائي. وابن حبان. والعقيلي، وقال ابن عدي: هو عندي لا بأس به. انظر: نصب الراية لأحاديث الهداية، للزيلعي (2/112).
  6. أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب: الزكاة من الإسلام، برقم (46)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الصلوات التي هي أحد أركان الإسلام، برقم (11).
  7. انظر: المجموع شرح المهذب، للنووي (4/19).
  8. أخرجه الترمذي في سننه، كتاب أبواب الوتر، باب ما جاء أن الوتر ليس بحتم، برقم (453)، وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح، برقم (1266).
  9. أخرجه البخاري، كتاب الجمعة، باب ساعات الوتر، برقم (996)، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الليل، وعدد ركعات النبي -صلى الله عليه وسلم- في الليل، وأن الوتر ركعة، وأن الركعة صلاة صحيحة، برقم (745).
  10. أخرجه البخاري، كتاب الجمعة، باب: ليجعل آخر صلاته وترا، برقم (998)، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الليل مثنى مثنى، والوتر ركعة من آخر الليل، برقم (751).
  11. أخرجه البخاري، كتاب الجمعة، باب: ليجعل آخر صلاته وترا، برقم (998)، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الليل مثنى مثنى، والوتر ركعة من آخر الليل، برقم (751).
  12. أخرجه مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الليل مثنى مثنى، والوتر ركعة من آخر الليل، برقم (754).
  13. انظر: السنن الكبرى، للبيهقي (2/674).
  14. أخرجه مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الليل، وعدد ركعات النبي -صلى الله عليه وسلم- في الليل، وأن الوتر ركعة، وأن الركعة صلاة صحيحة، برقم (744).
  15. أخرجه مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الليل، وعدد ركعات النبي -صلى الله عليه وسلم- في الليل، وأن الوتر ركعة، وأن الركعة صلاة صحيحة، برقم (744).
  16. أخرجه مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الليل، وعدد ركعات النبي -صلى الله عليه وسلم- في الليل، وأن الوتر ركعة، وأن الركعة صلاة صحيحة، برقم (744).
  17. أخرجه مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الليل مثنى مثنى، والوتر ركعة من آخر الليل، برقم (750).
  18. أخرجه مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب من خاف ألا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، برقم (755).

مواد ذات صلة