الجمعة 19 / رمضان / 1445 - 29 / مارس 2024
حديث «يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم..»
مرات الإستماع: 0

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

ففي "باب فضل قيام الليل" مضى الكلام على قوله ﷺ حينما ذكر عنده رجل نام ليلة حتى أصبح قال: ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه، أو قال: في أذنه[1]، متفق عليه.

ثم ذكر حديث أبي هريرة ، أن رسول الله ﷺ قال: يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام، ثلاث عقد يضرب على كل عقدة عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدة، فأصبح نشيطًا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان[2]، متفق عليه.

أولاً: إيراد المصنف -رحمه الله- أعني النووي هذا الحديث في "باب فضل قيام الليل" يدل على أن ذلك إنما هو لصلاة الليل وليس لصلاة الفجر، بمعنى إنه إن لم يقم ولم يصل فإن هذه العقد تبقى، وأنه يصبح خبيث النفس كسلان، فالنبي ﷺ يقول: يعقد الشيطان، يحتمل أن يكون الشيطان إبليس.

ويحتمل أن يكون الذي يفعل ذلك شيطان من الشياطين، والشياطين كثر، وكل من بعد عن الخير فهو شيطان سواء كان من شياطين الإنس، أو كان من شياطين الجن.

والمقصود هنا شياطين الجن، يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم، قافية الرأس يعني مؤخر الرأس، ولماذا ذكر القافية؟ لأمر -الله أعلم- به، بعض أهل العلم يقولون: باعتبار أن ذلك الموضع من الرأس، هو المتصل بالأوهام، فعقل الإنسان أجزاء منه ما يتعلق بالكذب مثلاً، ومنه ما يتعلق بالتفكير، ومنه ما يتعلق بالوهم، ومنه ما يتعلق بأمور أخرى، فبعضهم يقول: إن هذا الموضع يتصل بالوهم، فإذا اختل هذا الموضع بدأت الأوهام والتصورات الفاسدة عند الإنسان تتوارد عليه، والشيطان يعمل على هذا الجانب؛ لأنه الأضعف، ولهذا تجد الكثير من الناس يتوهم أشياء فيحصل له استيحاش من الناس، أو من بعضهم، ولربما قاطع بعض أصحابه، أو بعض قرباته لأمور توهمها قد لا يكون لها حقيقة، وهكذا ما يحصل من التوهمات فيما يتعلق بالاعتقاد أو العمل، ويظن أن طهارته مثلاً قد انتقضت، قد يكون هذا هو السبب، وقد يكون لأمر الله يعلمه، لكن نحن نعلم يقينًا أن الشيطان يعقد على القافية ثلاثًا، وربما يكون ذلك باعتبار أن ذلك آخر الرأس كأنه يعقد على شيء يختمه به، كما يعقد على الصرة، أو غيرها.

وقوله: يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، إذا هو نام، وهذا النوم هنا في ظاهر هذه الجملة يصدق على نوم الليل ونوم النهار، ولكن المقصود به نوم الليل؛ لأنه القرينة التي بعده: عليك ليل طويل، فارقد، تدل على هذا أن هذا العقد لا يكون في النهار وإنما يكون في نوم الليل.

قال: إذا هو نام ثلاث عقد، ولو أنه بقي الليل يقظان لم ينم فيدل على أنه لا يعقد الشيطان هذه العقد.

يقول: يضرب على كل عقدة، يضرب هذه العقد، بعضهم يقول: هذا أمر مجازي؛ لتقريب تثبيط الشيطان لابن آدم عن قيام الليل، وعن ذكر الله، وعن الصلاة فهو يثقله، وأنه ليس هناك عقد حقيقي، قالوا: وهذا تقريب للمعنى، ولكن هذا حمل للفظ على غير ظاهره من غير دليل، كما مضى في بول الشيطان في أذنه، وأنه على ظاهره، ولكنه أمر غيبي قد لا نلمسه، ولكننا نجد أثره.

فهذا الحديث كذاك، الحديث نقول: هو على ظاهره فالشيطان يعقد حقيقة، وهذا العقد له أثر كما سيأتي، وذلك كعقد السواحر من شر النفاثات في العقد، النفث في العقد تعقد الساحرة عقدة ثم تنفث فيها تتكلم بكلام فينعقد ذلك السحر، فهذا يعقد عقدًا ثلاثًا، ويتكلم عند كل عقدة عليك ليل طويل فارقد، يقول: مثل هذا الكلام، ولذلك بعض الناس يحاول أن يقوم من الليل يحاول أن يصلي ويجد نفسه كأنه موثق في فراشه، فالشيطان يقعده عن هذا، وبين لنا النبي ﷺ الطريق قال: يضرب على كل عقدة عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله، انحلت عقدة، ذكر الله كأن يقول: لا إله إلا الله، فإن توضأ انحلت عقدة، يعني ثانية، لكن لو أنه استيقظ ولم يذكر الله وتوضأ تنحل واحدة، فإن صلى انحلت عقدة، فتكون العقد الثلاث تنحل بهذه الطريقة، لا تنحل العقد الثلاث بتمارين رياضية، ولا تنحل بأن يستحم الإنسان بالماء البارد مثلاً، ولا تنحل هذه العقد الثلاث بالمشي في أول النهار، أو نحو ذلك، لا، هذا لا تنحل إلا بذكر الله، والطهارة، والصلاة، قال: فإن صلى انحلت عقدة، فأصبح نشيطًا طيب النفس، أصبح يعني دخل في الصباح.

فقوله هنا: عليك ليل طويل، فارقد ثم ذكر فقال: فإن صلى لا شك أنه إن قام فصلى من الليل، ولو ركعتين خفيفتين مع ذكر الله ومع الوضوء والصلاة هذه أنها تنحل العقد الثلاث، هذا بلا إشكال، لكن من قام بعد أذان الفجر وذكر الله، وتوضأ وصلى الفجر، هل تنحل العقد الثلاث؟

إيراد المصنف لهذا الحديث في هذا الباب يشعر أنه يحمله على قيام الليل، وهنا قال: فإن صلى انحلت عقدة فأصبح نشيطًا، يعني دخل في الصباح نشيطًا، طيب النفس، والواقع أن هذا يحتمل فإن من صلى الصبح، توضأ وذكر الله وصلى الصبح، فإنه يصدق في حقه مثل هذا فيقال: أصبح نشيطًا، دخل في الصباح، والصباح ممتد فابتدأه في أوله بصلاة الفجر، فأصبح نشيطًا طيب النفس.

ويحتمل أنه صلى قبل طلوع الصبح، فدخل في الصبح وهو في هذه الصفة، قال: وإلا أصبح خبيث النفس كسلان، فهناك ذكر صفتين النشاط وطيب النفس، وهما أمران مختلفان النشاط يقابله الكسل، فيجد الإنسان وهنًا ضعفًا خمولاً، لا ينهض بشيء يذهب إلى عمله في غاية الكسل، يذهب إلى دراسته في غاية الكسل، واهن البدن، وطيب النفس قد يكون الإنسان فيه ضعف فيه مرض، ونحو ذلك، ولكنه طيب النفس، وقد يكون الإنسان في غاية النشاط ولكنه بخلاف ذلك، يعني أن نفسه منقبضة فيه ضيق شديد، فهنا قال النبي ﷺ: وإلا أصبح خبيث النفس كسلان، ذكر الصفتين وهما أسوأ ما يكون خبيث النفس ذاك وهن النفس، وتغير المزاج، وتحوله، فيسوء معه الخلق غالبًا، وذلك يؤثر في البدن تأثيرًا بينًا يظهر في الوجه، وفي تصرفات الإنسان وأفعاله.

فالدنيا أنا أعتبر أنها تبدأ من هنا يعني نقطة الانطلاق هي من هنا من الداخل، ولذلك قد تجد الإنسان يملك الدنيا يملك أشياء كثيرة فيها، يملك الأموال، يملك المراكب، ولكنه في غاية الضيق، وهو في غاية الضجر الملل السآمة الاكتئاب لأسباب متنوعة: منها هذا من معصية الله ، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا [طه:124]، هذا الضنك.

وأحيانًا قد يحصل هذا لبعض المؤمنين إما لذنوبهم، وإما لفعلهم بأنفسهم، يفعلونه بأنفسهم كيف؟ بعض الناس هو الذي يجلب هذا الضيق لنفسه، إما أنه يستجر شريط ذكريات سيئة، ويخطأ في التفكير فالمفروض أنه يتوجه التفكير لما يعمر باطنه وظاهره بما ينفعه، لا يجتر الذكريات السيئة فيجدد الأحزان، مواقف سيئة، أحداث سيئة فيكتئب، وقد يكون ذلك لفساد تصوراته ونظره في الأمور الحياتية، مثل بعض الناس، دائمًا لا يقع إلا على الأمور التي تجلب الهمّ، لا يقرأ إلا لبعض أصحاب الأعمدة الذين يخرجون الإنسان عن طوره بسخريتهم بالله ورسوله وعباده المؤمنين، ويقرأ مثل هذه الأشياء ويتتبعها، ويقرأ الأخبار السيئة، امرأة كذا متبرجة، وحصل كذا في المكان الفلاني، إلى آخره من تضييع حدود الله -تبارك وتعالى- فيكتئب، دعك من هذا الدخول في مثل هذه الأمور تفصيلاً فإن ذلك بهذه الصف يضر الإنسان، يكفي أن يعرف الإنسان مجمل هذه الأمور، ويفعل ما يستطيع تجاهها من الاحتساب والإنكار، وما إلى ذلك، لكن لا أن يترك شاردة ولا واردة كأن هذه الأمور تنحدر إليه وتتحول إليه تجتمع عنده ما الذي يحمل الإنسان على هذا؟ يفعل ذلك بنفسه؟

فيحصل له الضيق بسبب الغيرة، لكن الله ما أمره بهذا والله قال لنبيه ﷺ: فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ [الكهف:6].

وبعض الناس قد يحصل له هذا أيضًا بسبب سوء نظره وذلك لما يتخوفه من أمور مستقبلية قد تقع وقد لا تقع، بعض الناس يحصل له هذا، فيبدأ دائمًا يعيش في قلق وكآبة في أمور هي في علم الغيب عند الله -تبارك وتعالى- لا يدري عنها، فلماذا يحمل الإنسان همها؟ فيبقى الإنسان يعيش دائمًا في ضجر وضيق بين أمور مضت وأمور ستأتي لا يعلم هل ستقع وإلا ما تقع؟ فتغيب عليه لحظته الحاضرة وما فيها من راحة، وهو معافى فيها من أنواع البلاء، فتضيع هذه اللحظة التي يعيشها فلا يجد للراحة طعمًا فيكون بين هم مضى، وبين هم يتوقعه وينتظره، وهذا خطأ فهذا قد يقع لبعض أهل الإيمان بسبب هذه الأمور أو بسبب ذنوبهم.

لكن هذا الحديث فيه أصل في هذا الباب يغفل عنه كثير من الناس، بعض الناس يظن أنه يحصل له الأنس والانشراح بالاستحمام مثلاً في كل صباح.

وبعضهم يظن أنه يحصل له ذلك بالرياضة وهو لا يصلي الفجر أصلاً، وأنى له الراحة وهو بهذه المثابة؟ قد قرأت مرة عمودًا لإحدى الخائبات من إناث المنافقين، لا تكاد تجد لها مقالة إلا وتسخر فيها من المصلحين والمصلحات، ولها لسان ذرب في الوقيعة في أهل الخير عليها من الله ما تستحق، قرأت لها مقالاً خارجًا عن عادتها وليس لي عادة في قراءة مثل هذا، لكن أحيانًا أنظر إلى العنوان وأحمد الله على العافية، فكانت تذكر كيف الإنسان يعني ينتعش هي المقالة النادرة التي لا تسخر فيها من أهل الإيمان كيف ينتعش؟!

فتقول: إني في الصباح إذا أردت أن أذهب إلى عملي أجلس أمام المرآة وأحاول أن أبتسم، وأكبر الابتسامة، مثل: المجنونة يعني تقف تمثل وتحاول تضحك مع نفسها أمام المرآة لتخرج إلى الحياة وهي تضحك وتبتسم، هذه الحياة هذه السعادة عند تلك الكئيبة، وآخر من هؤلاء المأفونين كتب ويكتب مقالات ساخرة، وأحيانًا أقرأ للفاكهة أتفكه أضحك، يعني فيذكر أشياء أنه يقف أمام المرآة وينظر إلى أنفه وود لو أنه قد قرم أنفه، وأنه لربما جعل يضحك على نفسه، وكذا من أجل أنه يحصل شيئًا من الاسترواح والسرور، ونحو ذلك أنا أقول: هؤلاء لا يحصلونه بهذه الطرق السخيفة التي يتبعونها وهي ضرب من تصرفات المجانين، لكن النبي ﷺ أخبرنا عن هذا الطريق وهو ذكر الله، والصلاة، والطهارة، هذه الأمور يحصل بها ولذلك تجد الإنسان ينطلق، وأرجو أن من صلى الفجر واستيقظ لصلاة الفجر وصلى مع الجماعة أنه يحصل له مثل هذا، ويحصل له نشاط وانشراح وراحة وسرور، فإذا فاته ذلك، فإنه يكون في حال من الانقباض والضيق والكسل.

كيف بمن لا يصلي أصلاً؟! -نسأل الله العافية-، ولا يتوضأ ولا يعرف الله -تبارك وتعالى-، فهؤلاء لا شك أنهم في حسرة في كآبة في ضيق في كسل، فشتان بين حال هؤلاء، وبين حال المصلين الذاكرين المتطهرين.فأسأل الله أن يعيننا وإياكم على ذكره، وشكره، وحسن عبادته، وصلى الله على نبينا محمد.

  1. أخرجه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده، برقم (3270)، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب ما روي فيمن نام الليل أجمع حتى أصبح، برقم (774).
  2. أخرجه البخاري، كتاب التهجد، باب عقد الشيطان على قافية الرأس إذا لم يصل بالليل، برقم (1142)، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب ما روي فيمن نام الليل أجمع حتى أصبح، برقم (776).

مواد ذات صلة