الخميس 18 / رمضان / 1445 - 28 / مارس 2024
حديث «رحم الله رجلًا قام من الليل..» إلى «إذا قام أحدكم من الليل..»
مرات الإستماع: 0

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

ففي "باب فضل قيام الليل" أورد المصنف –رحمه الله- حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: رحم الله رجلاً قام من الليل، وصلى وأيقظ امرأته فإن أبت نضح في وجهها الماء، رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت، وأيقظت زوجها فإن أبى نضحت في وجهه الماء[1]، رواه أبو دواد بإسناد صحيح.

قوله ﷺ: رحم الله رجلاً قام من الليل، هذا دعاء له بالرحمة.

فصلى وأيقظ امرأته، قام من الليل يصدق ذلك على أدنى ما يكون من القيام، يعني لو صلى ركعتين ولو خفيفتين فإن ذلك يصدق عليه؛ لأن المطلق يبقى على إطلاقه ولا يقيد إلا بدليل.

قال: فصلى وأيقظ امرأته، أيقظها يعني من أجل أن تصلي وليس ذلك الإيقاظ لصلاة الفجر؛ لأنه متصل بما قبله قام من الليل، فإن أبت نضح في وجهها الماء، النضح بمعنى أنه يصيب بوجهها الماء، ولكن ذلك لا يكون كثيرًا فإن كثر فذلك الذي يقال له: النضخ، إنما هو شيء يسير من أجل أن يذهب عنها الكسل والنوم.

وهذا يدل على أن مثل هذا التصرف نضح الماء النائم الماء اليسير بعد الإيقاظ أن ذلك لا إشكال فيه، وأنه لا يتسبب عن لربما أضرار نفسية أو نحو ذلك مما يحصل بسبب المفاجأة بهذا، يعني بالنضح، فالنبي ﷺ ذكر الإيقاظ أولاً فإن أبت نضح في وجهها الماء لكنه لا يبدأ بالماء فينضح به النائم فإن ذلك قد يحصل له فزع، ونحن منهيون عن ذلك في حق المسلم.

رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت، وأيقظت زوجها -يعني لقيام الليل- فإن أبى نضحت في وجهه الماء، إذا كان هذا في صلاة قيام الليل وينضح أحدهم الماء في وجه صاحبه فما بالك بصلاة الفجر صلاة الفرض حيث ينام الزوج وتشكو الزوجة أنه لا يستيقظ، فيتنضح في وجهه الماء من باب أولى، وكذلك هو إن أبت أن تستيقظ لصلاة الفجر فإنه ينضح في وجهها الماء من باب أولى بلا شك، ولكن ذلك يراعى فيه الحال، فإذا كان الزوج مثلاً سريع الغضب لربما يطلق لأتفه الأسباب، فمثل هذا التصرف من شأنه أن يقلب عليها الحال، فيطلقها، ولربما ضربها فتتلطف في إيقاظه، ولا تستعمل هذه الطريقة إذا عرفت من زوجها أنه لا يحتمل ذلك، إنما ذلك للعقلاء وإلا فنحن نسمع أشياء هائلة وعجيبة وغريبة، هذا تقول: أيقظته لصلاة العيد من أجل أن يأكل صنعت له طعامًا ليأكل قبل الخروج إلى صلاة عيد الفطر فقام وضربها، وقلب الطعام وشتمها، وطلقها، هذه هدية العيد فقط من أجل أنها أيقظته؛ ليصلي العيد، صنعت طعامًا وجاءت لتوقظه ومع ذلك صنع بها هذا كله، -نسأل الله العافية-، إلى غير ذلك من أمثلة نسمع بها كثيرًا بين حين وآخر بسبب لربما سرعة الغضب فإذا عرفت أنه بهذه المثابة فإنها لا تنضح في وجهه الماء، فإنها في وجهها النار.

وذكر بعده حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله ﷺ: إذا أيقظ الرجل أهله من الليل فصليا، أو صلى ركعتين جميعًا كتبا في الذاكرين والذاكرات[2]، رواه أبو دواد بإسناد صحيح.

إذا أيقظ الرجل أهله من الليل، هناك دعا له بالرحمة إذا صلى ثم أيقظها للصلاة، وهنا: فصليا أو صلى ركعتين جميعًا، يحتمل أن يكون المراد أنهما صليا جماعة هذا احتمال فيؤخذ منه جواز صلاة قيام الليل جماعة لكن من غير اتفاق وتواطؤ فيجتمع الناس من أجلها، يعني يتوفقون في غير رمضان أنهم يلتقون في المسجد في يوم معين، أو في أسبوع معين، أو في كل ليلة كما يفعل بعض الناس في بعض البلاد طول السنة فيجتمعون في المسجد من أجل قيام الليل جماعة هذا غير مشروع، وهو من ذرائع البدع، لكن في مثل هذا الرجل في بيته أيقظها فاتفقا أنه استيقظا في وقت واحد فأراد أن يصلي معها فهذا لا إشكال فيه، أو ائتمت به فهذا لا إشكال فيه، وفرق بين هذا وما سبق.

فهنا قال: فصليا، ويحتمل أن قوله: فصليا أو صلى ركعتين جميعًا، يعني كل واحد صلى ركعتين على حدة، يعني ليس المراد الجماعة كتبا في الذاكرين والذاكرات، فهنا هذه الصلاة ما قال طويلة، ما قال يحييون الليل أو يصلون إحدى عشرة ركعة، وإنما قال: صلى ركعتين، يعني لو قرأ في الركعة الأولى: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النصر:1]، وفي الركعة الثانية: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ[الكوثر:1]، فإنه يصدق عليهما ما جاء في هذا الحديث، وهذه الصلاة قد لا تستغرق ثلاث دقائق، ففضل الله واسع.

يكتبان في الذاكرين والذاكرات، الذي يقول مثلاً: أنا عندي عمل طويل، أنا لا أستطيع أنا كذا، ركعتين بهذه الطريقة يكتب في الذاكرين والذاكرات.

ثم ذكر حديث عائشة -رضي الله عنها-، أن النبي ﷺ قال: إذا نعس أحدكم في الصلاة فليرقد حتى يذهب عنه النوم، فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لعله يذهب يستغفر فيسب نفسه[3]، متفق عليه.

إذا نعس أحدكم في الصلاة فليرقد هذا في صلاة الليل لا إشكال فيه وهو مظنته أن يكون الإنسان في قيام الليل يغالب النوم فليرقد من أجل أن لا يقع هذا المحظور، ثم إن هذا الذي يغالب النعاس كما قال النبي ﷺ: لا صلاة بحضرة الطعام، ولا هو يدافعه الأخبثان[4]، فقاس الفقهاء عليه الأمور المشوشة للذهن التي تشوشه جدًا فلا يدري ما صلى، فمن ذلك مغالبة النعاس، النعاس يكون مقدمة للنوم فيحصل للإنسان من فتور النوم وخثورتها بحيث أنه يضعف معه الإدراك، لكن الإنسان يحاول أن يدافعه إلا أنه ما غاب إدراكه بالكلية وإنما ضعف وفي حال من يعني خفت بحيث إنه لا يدرك تمام الإدراك ولم ينعدم إدراكه، يشعر بما حوله، ولكنه يصارع النوم يدافعه، فمثل هذا قد يعمد إلى الدعاء لنفسه ولكنه يدعو عليها، فهذه مقدمة النوم، هذا إذا كان في صلاة نافلة، أو قيام ليل.

لكن لو كان في صلاة فريضة يحاول أن يدفع ذلك قبلها مثلاً بأن يذهب يتنشط يعمل بعض الأشياء الجري المشي الرياضة إذا عنده آلة للرياضة، أو نحو ذلك من أجل أن ينشط يغسل وجهه من أجل أن يصلي الفرض، لكن لو افترضنا أن هذا الإنسان في حال من لا يستطيع ولا يدري ما صلى فيمكن لهذا الإنسان بهذه الحال الاستثنائية أن يترك صلاة الجماعة، ولكنه لا يترك الصلاة حتى يخرج الوقت، إنما يقضي وطره من هذا النوم كما يعبر العامة بطرد هذا النعاس لو أنه استراح قليلاً، لو أنه نام نومة ربع ساعة، أو نصف ساعة، أو نحو ذلك يكون قد استعاد بعض النشاط بحيث يستطيع أن يصلي، لكنه لا يترك الصلاة حتى يخرج الوقت.

ثم ذكر الحديث الأخير في الباب، وهو حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: إذا قام أحدكم من الليل فاستعجم القرآن على لسانه فلم يدر ما يقول؛ فليضطجع[5]، رواه مسلم.

هذا مقيد بصلاة الليل: إذا قام أحدكم من الليل فاستعجم القرآن على لسانه بمعنى أنه يغالب النوم في حال من النعاس، فأصبحت الصلاة أو القراءة في حقه في حال من الاستعجام لا يدري ما قرأ، أو لا يحسن يقرأ، فإنه في هذه الحال يضطجع، فكيف يصلي وهو لم يعقل؟!

ولهذا بعض الناس يقول: صليت الفرض وأنا في حال من الإرهاق والتعب، ومغالبة النوم، ولا أدري ما صليت، فمثل هذا هل تصح صلاته بهذه المثابة؟

ليست القضية أنه سهى، لا، وإنما الإدراك عنده في حال من التلاشي والضعف، فيخشى أن مثل هذه الصلاة لا تصح.أسأل الله أن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

  1. أخرجه أبو داود، أبواب قيام الليل، باب قيام الليل، برقم (1308)، والنسائي، كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب الترغيب في قيام الليل، برقم (1610)، وابن ماجه، أبواب إقامة الصلوات والسنة فيها، باب ما جاء فيمن أيقظ أهله من الليل، برقم (1336)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، برقم (1182).
  2. أخرجه أبو داود، أبواب قيام الليل، باب قيام الليل، برقم (1309)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، برقم (1182).
  3. أخرجه البخاري، كتاب الوضوء، باب الوضوء من النوم، ومن لم ير من النعسة والنعستين، أو الخفقة وضوء، برقم (213)، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب أمر من نعس في صلاته، أو استعجم عليه القرآن، أو الذكر بأن يرقد، أو يقعد حتى يذهب عنه ذلك، برقم (786).
  4. أخرجه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله في الحال وكراهة الصلاة مع مدافعة الأخبثين، برقم (560).
  5. أخرجه مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب أمر من نعس في صلاته، أو استعجم عليه القرآن، أو الذكر بأن يرقد، أو يقعد حتى يذهب عنه ذلك، برقم (787).

مواد ذات صلة