السبت 19 / جمادى الآخرة / 1446 - 21 / ديسمبر 2024
(85) أذكار الأذان قوله " يقول مثل ما يقول المؤذن ..."
تاريخ النشر: ٠٧ / ربيع الأوّل / ١٤٣٥
التحميل: 2673
مرات الإستماع: 2436

إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضلَّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: نُواصل الحديث -أيها الأحبّة- عمَّا يقوله المسلمُ من الأذكار المتَّصلة بالأذان، يقول مثلما يقول المؤذنُ إلا في "حي على الصَّلاة، وحي على الفلاح"، فيقول: لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله.

وهذا جاء عن النبيِّ ﷺ، جاء على سبيل الإطلاق[1]، يعني: أن يقول كما يقول المؤذنُ، وجاء عند ذكر الحيعلتين: "حي على الصَّلاة"، و"حي على الفلاح" أنَّه يقول: لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله[2]، هذا في عددٍ من الأحاديث.

وجاء من قوله ﷺ كما جاء من فعله، ففي حديث أبي سعيدٍ الخدري : أنَّ النبيَّ ﷺ قال: إذا سمعتُم النِّداء فقولوا مثلما يقول المؤذِّنُ[3]، أخرجه الشَّيخان.

هنا أطلق في ذلك، ولم يُقيّد بعض الأذان بقولٍ على خلافٍ، أو بقولٍ مُغايرٍ لم يقُله المؤذِّن: فقولوا مثلما يقول المؤذِّن، فظاهره أنَّه إذا قال: "حيَّ على الصَّلاة" أنَّ السَّامع يقول: "حيَّ على الصَّلاة"، وإذا قال: "حيَّ على الفلاح" فإنَّه يقول: "حيَّ على الفلاح".

يقول يحيى -وهو أحد رُواته، وهو يحيى ابن أبي كثير-: وحدَّثني بعضُ إخواننا -يقصد علقمة ابن أبي وقَّاص- أنَّه قال: لما قال: "حيَّ على الصَّلاة" قال: لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله. وقال: هكذا سمعنا نبيّكم ﷺ يقول[4]. هذا في البخاري، يعني أنَّه عند الحيعلتين يقول: لا حولَ ولا قوَّةَ إلا بالله.

ويدل على ذلك صراحةً حديثُ عمر : أنَّ النبيَّ ﷺ قال: إذا قال المؤذِّنُ: الله أكبر، الله أكبر. فقال أحدُكم: الله أكبر، الله أكبر. ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله. قال: أشهد أن لا إله إلا الله. ثم قال: أشهد أنَّ محمدًا رسول الله. قال: أشهد أنَّ محمدًا رسول الله. ثم قال: حيَّ على الصَّلاة. قال: لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله. ثم قال: حيَّ على الفلاح. قال: لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله. ثم قال: الله أكبر، الله أكبر. قال: الله أكبر، الله أكبر. ثم قال: لا إله إلا الله. قال: لا إله إلا الله من قلبه؛ دخل الجنَّة[5]. رواه مسلمٌ.

فالـمُطلَق محمولٌ على المقيَّد، يعني: ما جاء فيه الإطلاقُ بأنَّه يقول مثلما يقول، يُحْمَل على هذا المقيّد أنَّه يقول عند الحيعلتين: "لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله"، وهذا الذي عليه عامَّةُ أهل العلم سلفًا وخلفًا، هذا الذي عليه الجمهور.

وهذا مُقتضى الصِّناعة الأصولية كما هو معلومٌ من حمل الـمُطْلَق على الـمُقيّد.

والعجيب: أنَّ هذه المسألة فيها خلافٌ كثيرٌ بين أهل العلم، حتى زادت أقوالهم في ذلك على عشرة أقوالٍ فيما يقوله مَن سمع المؤذّن، لكن هذا القول الذي ذكرتُه آنفًا هو الذي عليه عامَّة أهل العلم، وهو الذي تدل عليه هذه الأحاديث الصَّحيحة؛ خلافًا لمن أخذ بظاهر حديث عبدالله بن عمرو -رضي الله تعالى عنهما-: إذا سمعتُم المؤذِّن فقولوا مثلما يقول[6]، باعتبار أنَّه يُردِّد مثله سواءً، فهذا يُبيِّنه الحديثُ الآخر، فيقول مثلما قال إلا في الحيعلتين، وهذا قال به جماعةٌ من السَّلف، وبه قال الإمامُ أحمد[7]، والشَّافعي[8]، وطائفة من الحنفية[9] والمالكية[10].

وبعض أهل العلم قال: مُخيَّرٌ بين أن يقول مثلما قال في جميع الأذان، أو أن يقول في الحيعلتين: لا حول ولا قوة إلا بالله[11]. كأنَّهم أرادوا أن يجمعوا بين الأحاديث، ولكنَّ الأحسنَ في طريقة الجمع بين الأحاديث -كما هو معلومٌ- هو حمل الـمُطلَق على المقيّد، هذا هو الصَّحيح، مع أنَّ هذه الأقاويل قال بها أئمَّةٌ، يعني: مَن قال بأنَّه مُخيَّرٌ مثلاً، مثل: ابن جرير الطَّبري -رحمه الله-[12]، فهؤلاء الكبار قالوا ببعض هذه الأقوال.

وعلى كل حالٍ، هنا قوله ﷺ: إذا سمعتُم النِّداء فقولوا مثلما يقول المؤذِّن[13]، قولوا إذا سمعتُم النِّداء، إذا سمعتُم النِّداء هنا فقولوا، هذا أمرٌ مُعلَّقٌ على شرطٍ، ونحن عرفنا في بعض المناسبات أنَّ تعليقَه على الشَّرط لتكرره يدل على التَّكرار؛ أننا كلّما سمعنا المؤذّن قلنا مثلما قال، فهذا واضحٌ في كلِّ أذانٍ لصلاةٍ، يعني: سمعنا الظّهر نقول، العصر نقول، المغرب، وهكذا.

لكن إذا سمع أكثر من مُؤذِّن في وقتٍ واحدٍ فهل يُردِّد مع هؤلاء جميعًا؟

هو يُردد مع الأقرب على قول طائفةٍ من أهل العلم مما يليه، يعني: الأقرب، المسجد المجاور له، طيب، لو أذَّن مُؤذنٌ قبله، وهو يسمعه، لكنَّه ليس هو الأقرب؟

بعض أهل العلم يقولون: إنَّه يُردِّد خلف الأول. طيِّب، لو أراد أن يُردِّد خلف كلِّ مُؤذِّنٍ من هؤلاء المؤذِّنين، فهذا لا إشكالَ فيه؛ لأنَّه ينطبق عليه: إذا سمعتُم المؤذِّنَ فقولوا مثلما يقول[14]، سمعنا المؤذِّن فقلنا مثلما قال.

إذا سمعتُم المؤذِّنَ، لو أنَّه سمع المؤذِّن بواسطةٍ: سمع أذانَ الحرم على الهواء مباشرةً في الإذاعة، أو في التِّلفاز، فكذلك يقول مثلما قال؛ لأنَّه سمعه، ولا إشكالَ في هذا، وينطبق عليه ما جاء في بعض الأحاديث: أنَّ له مثل أجره[15]، أي: إذا ردَّد معه.

والمؤذن صحَّ عن النبي ﷺ: أنَّ له مثلَ أجر مَن صلَّى معه[16]، باعتبار أنَّه دعاهم إلى هذا الخير: مَن دعا إلى هُدًى كان له من الأجر مثل أجور مَن تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا[17].

إذًا إذا سمع الحرم، سمع المسجد النبوي يُؤذّن على الهواء مُباشرةً، يقول مثلما يقول؛ فيحصل له مثل هذا الأجر؛ لأنَّ المؤذِّن له مثل أجور مَن تبعه، مَن أجابه وصلَّى معه، فإذا قال مثلما قال كان له مثل أجر هذا المؤذّن -والله تعالى أعلم-.

ثم إنَّ قولَه ﷺ: إذا سمعتُم النِّداء فقولوا مثلما يقول المؤذِّن[18] هذا أمرٌ، فهل هذا الأمر للوجوب، يجب على الإنسان أن يقول ذلك، أو أنَّه للنَّدبِ؟

الذي عليه عامَّة أهل العلم أنَّ ذلك للنَّدب، وليس للوجوب، خلافًا لبعض الظَّاهرية، لا يجب عليه أن يقول ذلك، فهو مُستحبٌّ[19].

ونُقِلَ عن بعض السَّلف: كالحسن البصري -رحمه الله-، وجاء أيضًا عن إسحاق بن راهويه[20] أنَّه كان يتحدَّث والمؤذِّن يُؤذِّن، فلا يقطع حديثَه، ولا يُجيبه، جاء هذا عن الحسن، ونُقِل مثل هذا أيضًا عن إسحاق -رحم الله الجميع.

لكن لا شكَّ أنَّ الأولى بالمسلم، والأكمل، والأفضل: ألا يدع الإجابةَ للمُؤذِّن، لا يدع التَّرديد خلفه، وقد ثبت عن ابن مسعودٍ أنَّه قال: "من الجفاء ألا يقول مثلما يقول المؤذّن"، هذا الأثر جاء مرفوعًا إلى النبي ﷺ، لكنَّه لا يصحّ[21]، وإنما هو من قول ابن مسعودٍ : من الجفاء أن يسمع الأذانَ ولا يُردد معه.

من المسائل المتعلِّقة بهذا: أنَّ قولَ النبي ﷺ: إذا سمعتُم النِّداء فقولوا مثلما يقول المؤذِّن[22]، هذا يشمل الرِّجال والنِّساء، ولا فرق، فالمرأة كالرَّجل في ذلك، والنِّساء شقائق الرِّجال إلا لدليلٍ، وإذا جاء الخطابُ للمُذَكَّر في القرآن أو في السُّنة -كما هو الغالب- فإنَّ النِّساءَ يدخلن فيه، وإنما جاء بصيغة التَّذكير؛ لأنَّ ذلك رُوعي فيه الأكمل والأشرف الذي هو الرَّجل، وإلا فالنِّساء داخلات في ذلك إلا لدليلٍ، أو ما جاء من بعض الصِّيغ الخاصَّة بالرِّجال مما لا يشترك فيه الرجالُ والنِّساء، ولا يدخلن فيه على سبيل التَّبع، كلفظة: الرِّجال، فإنَّ النِّساء لا يدخلن فيها.

هنا أيضًا قول النبيِّ ﷺ: إذا سمعتُم النِّداء[23]، المؤذِّن يسمع أذانَه، أو لا يسمع؟ وهو يُؤذِّن يسمع نفسَه، أو لا يسمع؟ يسمع، فهل هو مُخاطَبٌ بهذا؟ يعني: المؤذِّن يحتاج أن يُردِّد مع نفسه، ويحصل له هذا الثواب والأجر، فيكون مع السَّامع سواء في هذه القضية؟ هل يُردِّد مع نفسه؟ يُجيب نفسَه؟

هذا موضع اختلافٍ بين أهل العلم، فمنهم مَن قال: إنَّه يُجيب؛ لأنَّه داخلٌ في ذلك، فهو يسمع نفسَه.

وجاء عن الإمام أحمد -رحمه الله-: أنَّه كان إذا أذَّن يفعل ذلك[24]، يعني: يُردِّد خلف العبارات التي يقولها، وقاسوا ذلك أيضًا على تأمين الإمام إذا قرأ الفاتحة؛ فإنَّه يقول: "آمين"، والمأموم يقول: "آمين"، لكن هذا قياسٌ مع الفارق؛ لأنَّ هذا التَّأمينَ من قِبَل الإمام مأمورٌ، أو جاء ذلك مُصرَّحًا به، بخلاف الأذان، ووردت النُّصوص بأنَّ الإمام يقول: "آمين".

وعلى كل حالٍ، ظاهر قوله ﷺ: إذا سمعتُم النِّداء[25] أنَّ المؤذنَ غيرُ داخلٍ في ذلك؛ لأنَّه هو المنادي، فعلى السَّامعين، على المخاطبين، مَن يتوجّه إليهم ذلك أن يُجيبوه بهذه الإجابة، أن يُردِّدوا معه، فالمؤذّن غير داخلٍ فيه -والله تعالى أعلم-.

والنِّداء إذا ذُكِرَ والأذان فإنَّ ذلك قد يُراد به أيضًا الإقامة؛ لأنَّها أيضًا إعلامٌ، فهل يُردِّد أيضًا خلف المؤذّن، إذا أقام الصَّلاة يُقيم؟ هل نقول معه هذه العبارات كما نقول في الأذان، أو لا؟

بعض أهل العلم يقولون: يُشْرَع للسَّامع أن يقول ذلك كالأذان سواء. وهذا ذهب إليه أكثرُ الحنابلة[26]، وهو ظاهر مذهب الشَّافعي[27] -رحم الله الجميع-؛ أخذًا من قوله ﷺ: إذا سمعتُم المؤذِّن[28]، قالوا: المؤذّن هنا الأذان، يدخل فيه الأذان والإقامة، فكلاهما نداءٌ إلى الصَّلاة: إذا سمعتُم النِّداء[29]، فهذا نداءٌ، وهذا نداءٌ، كل ذلك صدر من المؤذّن.

وذهبت طائفةٌ من أهل العلم إلى أنَّ ذلك لا يُشرع أن يُقال معه ذلك؛ لأنَّه لم يثبت عن النبي ﷺ، وقد نُقِلَ عن الإمام أحمد -رحمه الله-: أنَّه كان إذا أخذ المؤذّن في الإقامة رفع يديه ودعا[30]. يعني: أنَّه لا يُردِّد معه، وهذا هو الأقرب -والله تعالى أعلم-.

أمَّا ما جاء من قول: "أقامها اللهُ وأدامها" عند قول المؤذّن في الإقامة: "قد قامت الصَّلاة"[31]، فإنَّ ذلك لا يصحّ، لا يثبت فيه شيءٌ، فلا يُقال ذلك، لكن بالنسبة للأذان يُردِّد معه كما يقول إلا في "حي على الصلاة، حي على الفلاح"، يعني: حتى في الفجر إذا قال: "الصَّلاة خيرٌ من النوم"؛ فإنَّ السامعَ يقول: "الصلاة خيرٌ من النوم"، يُردد معه كما يقول.

لكن لو سمعه وهو يُصلي؟ يعني: أنت تُصلي النَّافلة أو الفريضة، وسمعت النِّداء، دخلت المسجدَ قبل الأذان، فجعل يُؤذّن.

نحن نقول: إذا دخل قبل الأذان، والمؤذّن يُوشِك أو شرع في الأذان، فإنَّه ينتظر، ويُردِّد معه، ثم بعد ذلك يُصلي تحية المسجد، أو الراتبة، إلا في الجمعة، فإنَّه إذا دخل والمؤذن يؤذّن الأذان الثاني؛ فإنَّه لا ينتظر حتى يُردِّد معه، وإنما يشرع في الصَّلاة؛ من أجل أن يستمع الخطبة، فاستماع الخطبة أولى من التَّرديد مع المؤذن؛ لأنَّ ذلك أعلق به، والله يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة:9]، وذكر الله يشمل الخطبة والصَّلاة؛ لأنهم إذا سمعوا هذا النِّداء فإنَّ هذا إبان قيام الخطيب، فهم مأمورون بالذَّهاب للاستماع إلى الذِّكْر الذي هو الخطبة، وما يتلوه من الصَّلاة، فكل ذلك داخلٌ فيه.

فإذا كان الإنسانُ يُصلِّي، فأذَّن المؤذّن، هل يُجيب، أو لا؟

الآن قول النبي ﷺ: إذا سمعتُم النِّداء[32]، "إذا سمعتُم" فهذا ظاهره العموم، والعموم ذكرنا في بعض المناسبات أنَّه يتوجّه إلى عموم الأفراد -عموم الأشخاص- وعموم الأمكنة، وعموم الأزمنة، بقي الرابع، وهو عموم الأحوال، في أي حالٍ، فهذا لكل فردٍ، وفي أي مكانٍ: في المسجد، وخارج المسجد تُردِّد معه، في أي زمانٍ، وفي أي مكانٍ، ولأي فردٍ من الأفراد، بقيت الأحوال، طيب، لو كان يُصلي؟ هذه حال، لو كان مُتلبِّسًا بالصَّلاة، فهل تدخل فيه الأحوال في العموم، أو لا تدخل؟

هذا محل خلافٍ بين أهل العلم، فمَن قال: إنَّ الأحوالَ داخلةٌ في العموم -هذا الشّق الرابع، أو القسم الرابع- قالوا: إنه يُجيب مع المؤذّن وهو يُصلي؛ لأنَّ هذا من الذكر. وقالوا: إنَّ قوله -تبارك وتعالى-: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ [الأنفال:24]، فالنبي ﷺ لما دعا بعضَ أصحابه وهو يُصلي، واعتذر إليه بأنَّه يُصلي حينما لم يُجب؛ احتجَّ عليه النبيُّ ﷺ بهذه الآية: ألم يقل الله: اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ[33]؟ يعني: وهو يُصلِّي أنَّ ذلك عامٌّ، فيدخل في حال الصَّلاة، فهو مأمورٌ بالإجابة إذا دعاه النبيُّ ﷺ وهو يُصلي، أو في خارج الصَّلاة، كل هذا على أي حالٍ كان، هذا هو المقصود.

وعلى كل حالٍ، هذا ليس محل اتِّفاقٍ، وإنما قال به بعضُ المالكية: أنَّ ذلك يكون في الصَّلاة، سواء في الفريضة، أو في النَّافلة. وفرَّق بعضُهم بين النَّفل والفرض، وهو منقولٌ عن الإمام مالك -رحمه الله-[34]، والأكثر على أنَّه لا يُجيب في حال الصَّلاة، مع أنَّ الإجابة، ما يُردده وما يقوله هو من جنس الذكر؛ ولهذا قالوا: إنَّ صلاتَه لا تبطل لو ردَّد، سواء كان في الفريضة، أو في النَّافلة. فقالوا: صلاة هذا لا تبطل. إلا أنَّهم استثنوا فيما لو أنَّه قال مثلما يقول في الحيعلتين، حينما يقول: "حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح"، إذا ما قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله"، كأنَّهم جعلوا ذلك ليس من جنس الذكر، فقالوا: تبطل الصَّلاة؛ لأنَّه كلامٌ أجنبي[35]، أما "الله أكبر، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمدًا رسول الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله" فكل هذا من الذكر، فهو لا يبطل الصَّلاة.

ولذلك العلماء تكلموا فيما لو أنَّه خاطب أحدًا وهو يُصلِّي بآيةٍ، يعني: عنده إنسانٌ مثلاً يريد منه أن يأخذ الكتاب، أو يريد منه أن يأخذ شيئًا، واسمه موسى مثلاً، فقال: "يا موسى، خذ الكتاب"، أو اسمه أيّ اسمٍ آخر، فقال: "خذ الكتاب"، باعتبار أنَّها من القرآن.

قالوا: إن قصد بها القرآن وأراد تنبيهه أيضًا أنَّ صلاته لا تبطل. هكذا قال بعضُ الفقهاء، وليس هذا محلّ البحث الآن، المقصود الكلام الأجنبي عن الصَّلاة إذا قاله عمدًا، لكن إذا صدر ذلك بالخطأ، والسَّهو، والذُّهول؛ فإنَّ ذلك لا شيء فيه، الكلام إذا قاله عمدًا، فهل تبطل؟

ولهذا فرَّقوا هنا بين قوله: "حي على الصلاة، حي على الفلاح"، إذا قال هذا، ولم يقل: "لا حول ولا قوة إلا بالله" بدلاً منها، ذهبت طوائفُ من أهل العلم إلى أنَّ صلاته لا تصحّ.

على كل حالٍ، الذين قالوا: لا تُستحبّ الإجابة بحالٍ من الأحوال، لا في الفريضة، ولا في النَّافلة؛ لقول النبيِّ ﷺ: إنَّ في الصَّلاة لشُغُلاً[36]، هذا مذهب الشَّافعي[37]، ومذهب أيضًا الحنابلة[38]، وهو قول أيضًا الحنفية[39]، وذهب إليه بعضُ المالكية[40]، وهذا هو الأقرب -والله أعلم-؛ لأنَّه مشغولٌ في الصَّلاة عن إجابة المؤذن.

لكن على كل حالٍ، مضى الكلامُ على بطلان الصَّلاة، وعدم البطلان، والإمام مالك -رحمه الله- يرى أنَّ مَن أجابه في حال الصَّلاة يكون مُسيئًا، وأنَّ صلاته تامَّة.

وهنا أيضًا إذا فاته الأذانُ، انتهى الأذانُ وهو مشغولٌ، أو في ذهولٍ، لم ينتبه، كانت معه مكالمة، أو نحو ذلك، هل يُردِّد بعدما ينتهي، أو لا يُردِّد؟

نحن ذكرنا في مُقدِّمات الأذكار أنَّه إذا فات المحلُّ فإنَّ الذكرَ يكون قد فات على قول طائفةٍ من أهل العلم، ومن ثم فإنَّه لا يُقضى، فمثل هذه الكلمات يقولها بعد كل جملةٍ من الأذان، إلا ما يُقال بعد الأذان بكامله، مثل أن يقول: "اللهم ربّ هذه الدَّعوة التَّامة.." إلى آخره، فهذا لا إشكالَ فيه إذا لم يطل الفصل.

فهنا إذا لم يُردد معه: فذهب بعضُ أهل العلم إلى أنَّه لو كان يُصلي مثلاً، ففرغ من صلاته، والمؤذن فرغ من الأذان، بعض أهل العلم يقول: هذا معذورٌ، فيُردد بعده، إلا إذا طال الفصل. وذهب إلى هذا بعض الشَّافعية، وفرَّق بعضُهم بين المتعمّد وغير المتعمّد، فإذا كان الإنسانُ مُقَصِّرًا، مُهملاً، مُفَرِّطًا؛ فإنَّه لا يُردد، إلا أنَّ بعض أهل العلم قالوا: إذا كان ذلك عن قُربٍ فلا بأس، أما إذا طال الفصلُ فلا.

على كل حالٍ، الأصل أنَّه يُردد بعد كل جملةٍ، هذا هو الأصل، فلو أنَّه قضى الأذان ولم يُردد معه؛ فالظَّاهر أن المحلَّ قد فات، والله أعلم.

هذا ما يتعلق بهذه الجملة -والله تعالى أعلم-، وصلَّى الله على نبينا محمدٍ، وآله وصحبه.

  1. متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب الأذان، باب ما يقول إذا سمع المنادي، برقم (611)، ومسلم: كتاب الصَّلاة، باب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه ثم يُصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم يسأل له الوسيلة، برقم (383).
  2. أخرجه مسلم: كتاب الصَّلاة، باب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه ثم يُصلي على النبي -صلى الله عليه وسلَّم- ثم يسأل له الوسيلة، برقم (385).
  3. متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب الأذان، باب ما يقول إذا سمع المنادي، برقم (611)، ومسلم: كتاب الصَّلاة، باب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه ثم يُصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم يسأل له الوسيلة، برقم (383).
  4. أخرجه البخاري: كتاب الأذان، باب ما يقول إذا سمع المنادي، برقم (613).
  5. أخرجه مسلم: كتاب الصَّلاة، باب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه ثم يُصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم يسأل له الوسيلة، برقم (385).
  6. أخرجه مسلم: كتاب الصَّلاة، باب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه ثم يُصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم يسأل له الوسيلة، برقم (384).
  7. انظر: "المغني" لابن قُدامة (1/309).
  8. انظر: "الأم" للشافعي (1/108).
  9. انظر: "تحفة الفقهاء" للسمرقندي (1/116)، و"بدائع الصنائع في ترتيب الشَّرائع" للكاساني (1/155).
  10. انظر: "النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات" للقيرواني (1/166)، و"بداية المجتهد ونهاية المقتصد" لابن رشد الحفيد (1/117).
  11. انظر: "المدونة" للإمام مالك (1/159).
  12. انظر: "تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك" (11/549).
  13. متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب الأذان، باب ما يقول إذا سمع المنادي، برقم (611)، ومسلم: كتاب الصَّلاة، باب القول مثل قول المؤذّن لمن سمعه ثم يُصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم يسأل له الوسيلة، برقم (383).
  14. أخرجه مسلم: كتاب الصَّلاة، باب القول مثل قول المؤذّن لمن سمعه ثم يُصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم يسأل له الوسيلة، برقم (384).
  15. أخرجه الطَّبراني في "المعجم الكبير"، برقم (802)، وضعَّفه الألباني في "ضعيف الجامع"، برقم (5633).
  16. أخرجه النَّسائي في "سننه": كتاب الأذان، باب رفع الصَّوت بالأذان، برقم (646)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع"، برقم (1837).
  17. أخرجه مسلم: كتاب العلم، باب مَن سَنَّ سنةً حسنةً أو سيئةً ومَن دعا إلى هدًى أو ضلالةٍ، برقم (2674).
  18. متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب الأذان، باب ما يقول إذا سمع المنادي، برقم (611)، ومسلم: كتاب الصَّلاة، باب القول مثل قول المؤذّن لمن سمعه ثم يُصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم يسأل له الوسيلة، برقم (383).
  19. انظر: "المحلى بالآثار" لابن حزم (2/18).
  20. انظر: "فتح الباري شرح صحيح البخاري" لابن رجب (5/250-251).
  21. انظر: "فتح الباري شرح صحيح البخاري" لابن رجب (5/251).
  22. متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب الأذان، باب ما يقول إذا سمع المنادي، برقم (611)، ومسلم: كتاب الصَّلاة، باب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه ثم يُصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم يسأل له الوسيلة، برقم (383).
  23. متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب الأذان، باب ما يقول إذا سمع المنادي، برقم (611)، ومسلم: كتاب الصَّلاة، باب القول مثل قول المؤذّن لمن سمعه ثم يُصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم يسأل له الوسيلة، برقم (383).
  24. انظر: "فتح الباري" لابن رجب (5/257).
  25. متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب الأذان، باب ما يقول إذا سمع المنادي، برقم (611)، ومسلم: كتاب الصَّلاة، باب القول مثل قول المؤذّن لمن سمعه ثم يُصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم يسأل له الوسيلة، برقم (383).
  26. انظر: "المغني" لابن قُدامة (1/310).
  27. انظر: "المجموع شرح المهذب" للنووي (3/122).
  28. أخرجه مسلم: كتاب الصَّلاة، باب القول مثل قول المؤذّن لمن سمعه ثم يُصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم يسأل له الوسيلة، برقم (384).
  29. متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب الأذان، باب ما يقول إذا سمع المنادي، برقم (611)، ومسلم: كتاب الصَّلاة، باب القول مثل قول المؤذّن لمن سمعه ثم يُصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم يسأل له الوسيلة، برقم (383).
  30. انظر: "فتح الباري شرح صحيح البخاري" لابن رجب (5/259).
  31. أخرجه أبو داود في "سننه": كتاب الصَّلاة، باب ما يقول إذا سمع الإقامة، برقم (528)، وضعَّفه الألباني في "مشكاة المصابيح"، برقم (670).
  32. متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب الأذان، باب ما يقول إذا سمع المنادي، برقم (611)، ومسلم: كتاب الصَّلاة، باب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه ثم يُصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم يسأل له الوسيلة، برقم (383).
  33. أخرجه البخاري: كتاب تفسير القرآن، باب ما جاء في فاتحة الكتاب، برقم (4474).
  34. انظر: "فقه العبادات على المذهب المالكي" للحاجّة كوكب عبيد (ص127).
  35. انظر: "الشرح الكبير على متن المقنع" لابن قُدامة (1/418).
  36. أخرجه البخاري: كتاب فضل الصَّلاة في مسجد مكة والمدينة، باب لا يرد السلام في الصَّلاة، برقم (1216).
  37. انظر: "المهذب في فقه الإمام الشافعي" للشيرازي (1/114).
  38. انظر: "المغني" لابن قدامة (1/310).
  39. انظر: "حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح" للطحطاوي (ص136).
  40. انظر: "البيان والتَّحصيل والشَّرح والتَّوجيه والتَّعليل لمسائل المستخرجة" لابن رشد (17/587).

مواد ذات صلة