الجمعة 25 / جمادى الآخرة / 1446 - 27 / ديسمبر 2024
(84) أذكار الأذان
تاريخ النشر: ٠٦ / ربيع الأوّل / ١٤٣٥
التحميل: 2769
مرات الإستماع: 2879

إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شُرور أنفسنا وسيّئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضلَّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

هذا شروعٌ -أيّها الأحبّة- في الكلام على أذكار الأذان، والأذان معروفٌ، وهو الإعلام بالصَّلاة، ويُعبِّرون عنه كثيرًا بالإعلام بدخول وقت الصَّلاة، ولم أذكر هذا ابتداءً؛ لأنَّه يُوهم معنًى، وهو أنَّ الأذانَ لا يكون إلا للإعلام بدخول وقت الصَّلاة، والواقع أنَّ الصلاةَ يُؤذَّن لها ولو كان ذلك بعد دخول الوقت بمدَّةٍ: كالمسافرين مثلاً، فإنَّهم لو أذَّنوا بعد دخول الوقت بمدَّةٍ، كما في صلاة العشاء أخَّروها، فأذَّنوا بعد ذلك، بعد دخوله بساعتين، أو نحو هذا؛ فهذا لا إشكالَ فيه، وليس بلازمٍ أن يكون في وقت الدُّخول.

وهكذا أيضًا لو أنَّ هؤلاء أذَّنوا عند دخول الوقت، وهكذا، فإنَّ الأذانَ يكون واجبًا حيث يُؤذّن في البلد، وأمَّا بقية المؤذّنين فإنَّ أذانهم في هذه المساجد ليس بواجبٍ.

المقصود أنَّ البلدَ لا يخلو من الأذان، ومن ثَمَّ فإنَّ تقييده بالإعلام بدخول الوقت يُشْكِل من جهة أنَّه إذا تأخَّر فلم يُؤذِّن لسببٍ أو لآخر، فهل معنى ذلك أنَّه يترك الأذان؟

الجواب: لا؛ لأنَّه عبادةٌ مقصودةٌ بين يدي الصَّلاة، وهكذا أيضًا إذا كان وحده في فلاةٍ فإنَّه يُؤذّن، مع أنَّه ليس هناك مَن يدعوهم إلى حضورها، وإنما يشهد له كلُّ مَن سمعه من إنسٍ، وجنٍّ، وشجرٍ، وحجرٍ، يشهد لهذا المؤذّن يوم القيامة، فهذه عبادة مطلوبة، فهو إعلامٌ بالصَّلاة، والمشهور أنَّهم يقولون: إعلامٌ بدخول وقت الصَّلاة.

المؤلف هنا ذكر الأذكارَ التي تتعلّق بالأذان، ولكني رأيتُ أنَّه يحسُن أن أُشير بعض الإشارات إلى بعض المعاني التي يتضمّنها الأذان الذي نسمعه في كلِّ يومٍ وليلةٍ خمس مرَّات، حتى صار مألوفًا، ومن ثَمَّ لم يعد يُحرِّك في نفوسنا ساكنًا إلا ما شاء الله -تبارك وتعالى-، فهذا الأذان له شأنٌ عظيمٌ، ويتضمّن ألفاظًا ومعاني وهدايات، لو أنَّ الناسَ تأمَّلوها وتفكَّروا فيها لما وسعهم التَّخلُّفُ أو التَّأخر عن إجابته، وإنما يعرف المؤمنُ أثرَ فقده إذا غاب فسافر إلى بلادٍ لا يُسْمَع فيها الأذان، فإذا سمعه وجد وقعَه وأثرَه في قلبِه.

فنحن نحتاج إلى تأمّلٍ في معنى هذه الجُمَل التي نسمعها تُردّد على مسامعنا في كلِّ يومٍ وليلةٍ، فحينما يهتف المؤذِّن ويقول: "الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر"، فهذا تصريحٌ وإعلانٌ وإعلامٌ بأنَّ الله -تبارك وتعالى- أكبر من كل شيءٍ، فهو أكبر من العمل، وأكبر من الاختبار، وأكبر من الدِّراسة، وأكبر من البيع والشِّراء، وأكبر من الزَّوجة والأولاد، وأكبر من مجالس الأُنْسِ التي يقضي الناسُ أوقاتهم فيها، وهو أكبر من سائر الأعمال، والأشغال، والشَّهوات، واللَّذات.

فإذا سمع المؤمنُ: "الله أكبر" فإنَّه مُباشرةً يقع ذلك في قلبِه؛ فلا يُقدِّم شيئًا دونه عليه، الله أكبر من كلِّ شيءٍ، فكيف يُقدِّم عليه الاشتغالَ بالأولاد والأموال؟ أو يكون الإنسانُ في فراشه ويسمع الأذانَ ثم لا يُجِيب؟ فالله أكبر من النوم، أكبر من الرَّاحة، أكبر من كلِّ المتع، وما تهفو إليه النُّفوس وتتطلبه، إذا استشعرنا هذا بادرنا إلى الإجابة.

وقد كان السلفُ -رضي الله تعالى عنهم- مع هذا في حالٍ عجيبةٍ: تميم الدَّاري يذكر أنَّه منذ أسلم ما دخل وقتُ صلاةٍ إلا وقد تهيَّأ لها: "ما أذّن المؤذِّنُ منذ ثلاثين سنةً إلا وأنا في المسجد"[1]، ونحن كم نسمع من المواعظ والخُطَب، ونقرأ من الكتب، ونسمع من الصَّوتيات، ومع ذلك لا يُغيّر ذلك فينا كثيرًا؟ منذ أسلم وهو بهذه المثابة.

وهكذا أيضًا سعيد بن المسيّب -رحمه الله-، وأخباره في هذا مشهورة، لما أُوذِي وضُرِبَ وحُبِسَ في مسألةٍ معروفةٍ جاء وقد صلَّى الناسُ، جاء إلى المسجد مُباشرةً، قال: "هذه وجوهٌ ما نظرتُ إليها منذ خمسين سنةً"، يعني: لما استقبله الناسُ وهم خارجون من المسجد، يقول: "هذه وجوهٌ ما نظرتُ إليها منذ خمسين سنةً".

نحن كم يمضي على الواحد منا لا تفوته صلاةُ الجماعة: خمسة أيام، أو خمسة فروضٍ؟ هذا منذ خمسين سنةً ما نظر إلى هذه الوجوه.

وجاء عنه أنَّه قال: "ما نظرتُ إلى قفا مُصلٍّ منذ خمسين سنةً"[2]، يعني: ما صلَّى في الصفِّ الثاني.

وجاء عنه أنَّه ما فاتته تكبيرةُ الإحرام منذ أربعين سنةً[3]، تكبيرة الإحرام، هل يمضي علينا أربعةُ فروض أو خمسة فروض لا تفوتنا تكبيرةُ الإحرام؟ فلدينا من التَّأخر والضَّعف ما يحتاج معه إلى مُعالجةٍ، ومُجاهدةٍ، ومُصابرةٍ على الإجابة لهذه الصَّلاة.

في أولادنا، في تربيتنا لهم، هل يُبادرون إلى الصَّلاة منذ سماع المؤذّن، أو أنَّهم يتشاغلون بهذه الأجهزة التي في أيديهم، وفي غيرها، فتُقام الصَّلاة وهو يسمعها، وهو في البيت لم يخرج بعد، ثم يذهب ويتوضّأ، فما يصل إلى المسجد إلا وقد صلّوا، أو لربما أدرك التَّشهد، أو الركعة الأخيرة، ولربما كان فرحًا مُغتبطًا مسرورًا أنَّه أدرك الركوع الأخير، ويزعم بذلك أنَّه قد حصَّل أمرًا عظيمًا؛ حيث أدرك الجماعةَ بهذا الإدراك؟! فهذه مشكلة حقيقةً نُعاني منها.

متى نصل بتربية أولادنا إلى الحدِّ الذي نراهم يُؤذّن المؤذّن، وينطلقون إلى المسجد، ونأتي صلاةَ الفجر، ونجد أنَّهم قد استيقظوا وتهيَّئوا لها من أنفسهم، أو أنَّهم يُوقِظون أهلَهم بدلاً من المعاناة الطَّويلة المتكررة في كل يومٍ لإيقاظهم لهذه الصَّلاة، فالرجل لربما كادت الصلاةُ أن تفوته وهو لا زال يُعالج هؤلاء الأولاد؛ من أجل حفزهم ودفعهم إلى حضورها.

فهنا حينما يسمع المؤمنُ: "الله أكبر" مهما كان مُرهقًا، مُتعبًا، فالرجل كان يُهادَى بين الرَّجلين حتى يُقام في الصفِّ، كما قال ابنُ مسعودٍ : "وما يتخلَّف عنها إلا مُنافق"[4].

وقد ذكرتُ في مجلسٍ قديمٍ في الكلام على عبادة السَّلف، ذكرتُ من صلاتهم أشياء، فقد كان الواحدُ منهم وهو في مرض الموت يسمع الأذان، ثم يدعو مَن حوله إلى إنهاضه حتى يقوم، ثم يذهب إلى المسجد بين رجلين، ويقول حينما يُقال له: إنَّ الله قد عذرك. فيقول: أسمع النِّداء ثم لا أُجيب! وهكذا أيضًا بعضُهم كان في خبره وسيرته وترجمته أنَّه إذا كان على راحلته، فسمع النِّداء؛ برك في مكانه، لا يتقدّم خطوةً.

وأما نحن فللأسف الشَّديد أننا نمضي قدمًا في طريقنا ومشاويرنا، فإذا سمعنا النِّداء، سمعنا الأذانَ، أراد الواحدُ منا -بزعمه- أن يستغلّ الوقت، كأنَّ استغلالَ الوقت في الشُّرود عن المسجد، ألا يأتي إلا بعد الإقامة، فننطلق ونسير حتى نصل إلى أماكن لربما لا نجد فيها مسجدًا، وقد أُقِيمت الصَّلاةُ، فيتلفّت الواحدُ يمنةً ويسرةً، وأحيانًا يجد نفسَه في وسط الزِّحام، ويُحْبَس بين السَّيارات، لا يستطيع أن يتوقّف، ولا ينزل، ثم تبدأ المساجد من هنا وهناك، يسمع الإقامة، ثم بعد ذلك يسمع التَّكبير، ثم يسمع الركوع والرفع من الركوع، ثم الثانية، ثم الركعة الثالثة، ثم بعد ذلك يتوجّه إلى مسجدٍ، ويجد أنَّ الناسَ قد خرجوا، وينطلق إلى الثاني، ويجد أنَّ الناسَ قد خرجوا، ثم ينطلق إلى الثالث، فيجدها حسرةً.

من البداية إذن توقّف، هذا أهمّ من هذا الاستغلال المزعوم: أنَّ الإنسان يريد أن يقطع شوطًا في طريقه، فقطع الشّوط في طريق الآخرة أهمّ وأولى من هذه الدَّقائق التي تُعطِّل سيرك إلى الله والدار الآخرة.

هذه المعايير الصَّحيحة -أيّها الأحبّة- والمقاييس متى نُربِّي أنفسنا على هذا؟ متى نصل إلى هذا المستوى؟ كم مضى على الواحد منا من العمر وهو لا زالَ في نفس المربع من التَّأخر، والتَّباطؤ، والكسل، والتَّسويف؟ لا زالَ على نفس الحال.

فهنا -أيّها الأحبّة- "الله أكبر"، أكبر من كل شيءٍ، عندي مُذاكرة، عندي قراءة، عندي دراسة، الله أكبر من هذا، عندي مشروع، عندي اجتماع، الله أكبر، ونتوقّف، ويُرددها على المسامع أربع مرات، مَن بأذنه صمم يسمعها، شاء أم أبى، ولربما ما سمع الأولى، فيسمع الثانية، فإن لم، فالثالثة، فإن لم، فالرابعة ...، فإذا لم يسمع الرابعة ماذا عسى أن يسمع؟!

ثم بعد ذلك تأتي كلمةُ التوحيد: "أشهد أن لا إله إلا الله" التي هي أجلّ كلمةٍ، وأعظم كلمةٍ، فهذه الشَّهادة حينما يشهد أن لا إله إلا الله؛ يعني: لا معبودَ بحقٍّ إلا الله، فهذا أولاً يدعوه إلى الإخلاص، ألا يُرائي بصلاته وذهابه إلى المسجد وتبكيره، ولا يخطر له ذلك على بالٍ.

ثم أيضًا "أشهد أن لا إله إلا الله" حينما تُنازعه النفس والهوى إلى النوم، والدّعة، والراحة، والقعود، والتَّأخر، والتَّباطؤ، فأيّهما يتبع: داعي النَّفس والهوى والشَّيطان، أم داعي الله -تبارك وتعالى-؟ فإنَّ المألوه هو المعبود، فهل يكون عبدًا لهواه، أو يكون عبدًا لربِّه وخالقه ؟

وهو يسمع "أشهد أن لا إله إلا الله" هنا تتحقق العبودية فعلاً، هل هو عبدٌ لله، أو عبدٌ للهوى؟

والهوى كما قال ابنُ عباسٍ -رضي الله عنهما-: "إلهٌ يُعْبَد[5]، فالذي يُقدِّم طاعةَ الهوى يكون قد عبده: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ [الجاثية:23]".

"أشهد أن لا إله إلا الله"، وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18]، فتكون العبادةُ لله، لا يخطر في باله قبل الصَّلاة، ولا أثناء الصَّلاة، ولا بعد الصَّلاة أن يتوجّه قلبُه إلى أحدٍ سوى الله -تبارك وتعالى-، مَن يسمع هذا كيف يمكن أن يُزيّن صلاتَه من أجل نظر زيدٍ أو عمرو؟!

ثم يسمع الشَّهادة الأُخرى: "أشهد أنَّ محمدًا رسول الله، أشهد أنَّ محمدًا رسول الله"، إذًا هو القُدوة والأُسوة، الشَّهادة الأولى: أنَّ الله هو المعبود وحده؛ فيُجافي كلّ مَن سواه، وكلّ مَن يرتبط بمَن سواه، هنا يأتي موضوع الولاء والبراء: "لا إله"، و"إلا الله"، فالبراء يتعلَّق بالنفي، الشِّق الأول: نفيٌ للمعبودات وللعابدين ولكلِّ ما يرتبط بذلك بوجهٍ من الوجوه.

و"إلا الله" إثبات العبودية: لا معبودَ بحقٍّ إلا الله، إثبات العبودية الحقَّة لله وما يتَّصل بذلك ويرتبط به من تقريب ما قرَّبه الله ، وإبعاد ما أبعده، فيُوالي أولياء الله، ويُحبّهم، ويُقرّبهم بحسب طاعتهم، وتوحيدهم، وعبادتهم.

وإذا قال: "أشهد أنَّ محمدًا رسول الله"، فمعنى ذلك أنَّه يُطيعه في كلِّ ما أمر، ويترك ما نهاه عنه، وكذلك أيضًا يكون هو القُدوة له في كل شيءٍ؛ في صلاته هذه التي يذهب ليُصلِّي، يتعرَّف كيف يُصلي كما صلَّى النبي ﷺ؛ لأنَّه قال: صلُّوا كما رأيتُموني أُصلِّي[6].

وكذلك أيضًا في سائر شؤونه وأعماله: ابتداءً من مظهره وهيئته، إلى ما يتَّصل بقلبه وأعمال القلوب، وما إلى ذلك، كلّ ذلك يقتدي فيه برسول الله ﷺ؛ لأنَّه المتبوع، والقُدوة، والأسوة الكاملة: "أشهد أنَّ محمدًا رسول الله"، وإلا فما معنى هذه الشَّهادة إذا كان لا يُطيعه، ويقتدي بغيره، ويُعظِّم أعداءه، ويتولاهم، ويُقرِّبهم، ويُثني عليهم، ويُطريهم؟!

هذا لم يُحقق شهادة "أنَّ محمدًا رسول الله"، بل لم يُحقق شهادة "أن لا إله إلا الله".

ومن هنا يكون هديه الظَّاهر والباطن على وَفْق هذه الشَّهادة التي يسمعها، وليس يسمعها فقط -كما سيأتي في أذكار الأذان-، هو يُردد معه هذه الكلمات؛ لتستقرّ، وترسخ، وتتعمّق؛ فيتشرّبها قلبُه؛ فتظهر على جوارحه؛ فيُعْجَن بهذه الهدايات والمعاني؛ فيكون ذلك في سمته الظَّاهر، وهديه الباطن.

ثم بعد ذلك يسمع النِّداء إلى الصَّلاة: "حي على الصَّلاة، حي على الفلاح"، يسمع "حي على الصلاة" مرتين، و"حي على الفلاح" مرتين، فيُناديه إلى الصَّلاة: هلمُّوا إلى حضورها، والإقبال عليها، إلى المساجد حيث يُنادى بهنَّ، كما جاء عن ابن مسعودٍ -رضي الله تعالى عنه- لما ذكر سُنن الهدى، وأنَّ هذه الصَّلوات من سُنن الهدى، وأنها إنما تكون هذه الصَّلاة حيث يُنادى بها، وأين يُنادى بها؟ في المساجد.

وأثر ابن مسعودٍ هذا قد أخرجه الإمامُ مسلم في "صحيحه"[7]، فهو مما يُستدلّ به على وجوب صلاة الجماعة حيث يُنادى بهنَّ، وذلك في المساجد.

ثم بعد ذلك حينما يسمع "حي على الصَّلاة، حي على الفلاح"، الفلاح هو إدراك المطلوب، والنَّجاة من المرغوب، هذا أصله في كلام العرب، إذًا الفلاح بماذا؟

بحضور هذه الصَّلاة، هي ليست تعطيلاً، ليست إشغالاً، ليست إعاقةً عن إنجاز الأعمال، إنما هي الفلاح الحقيقي، فمَن رام إدراك الفلاح فعليه بهذه الصَّلاة يكون مُفلحًا، ومَن ضيَّع هذه الصَّلاة؛ ضيَّع حبلَ الفلاح، وطريقَ النَّجاة؛ فصار أمره فُرطًا، صار ضائعًا، مُضيعًا، لا يهتدي إلى سبيلٍ ولا طريقٍ يكون سببًا لخلاصه ونجاته بحالٍ من الأحوال.

ثم بعد ذلك يسمع مرةً أُخرى التَّكبير مرتين: "الله أكبر، الله أكبر"، فمَن فاته الأول تذكّر في الثاني، ثم يسمع الشَّهادة مرةً أخرى: "لا إله إلا الله".

فكل هذا يبعث في النفس ألوان الهدايات والمعاني التي ينبغي للعبد أن يستحضرها، وأن يفتح سمعه وقلبَه من أجل استجلائها، والتَّفكر فيها؛ فيظهر أثرُ ذلك عليه مُتجددًا في كل يومٍ وليلةٍ خمس مرات، فهذا لا يمكن أن يظهر بصورة أعداء الله في لباسه، وشعره، وهيئته، ولا يمكن أن يصدر منه ما يُنافي هذه الكلمات، أو أن يكون مُعطّلاً من هذه الصَّلاة -نسأل الله العافية-، عفيف الجبهة، لا يسجد لله سجدةً أو يُصلي مع امرأته في بيته، لا يخرج إلى المسجد، لا يمكن لمن يفقه هذه الكلمات الهاديات أن يحصل له هذا التَّلكؤ، والتَّباطؤ، والتَّراجع.

هذا، وأسأل الله أن يُلهمنا رُشدنا، وأن يُعيننا على أنفسنا، وأن يُعيننا وإياكم على ذكره، وشُكره، وحُسن عبادته.

اللهم ارحم موتانا، واشفِ مرضانا، وعافِ مُبتلانا، واجعل آخرتنا خيرًا من دنيانا، والله أعلم.

وصلَّى الله على نبينا محمدٍ، وآله وصحبه.

  1. انظر: "الزهد" للإمام أحمد (ص310).
  2. انظر: "موسوعة الأخلاق والزهد والرقائق" لياسر عبدالرحمن (1/138).
  3. انظر: "قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد" لأبي طالب المكي (2/168).
  4. أخرجه مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصَّلاة، باب صلاة الجماعة من سُنن الهدى، برقم (654).
  5. انظر: "تفسير الطبري" (22/76).
  6. أخرجه البخاري: كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم، برقم (6008).
  7. أخرجه مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب صلاة الجماعة من سُنن الهدى، برقم (654).

مواد ذات صلة