الأحد 20 / جمادى الآخرة / 1446 - 22 / ديسمبر 2024
حديث «جاء رجل إلى النبي بناقة مخطومة.." إلى «إن الله يدخل بالسهم ثلاثة نفر الجنة..»
مرات الإستماع: 0

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فمما أورده المصنف -رحمه الله- في باب فضل الجهاد ما جاء عن أبي مسعود قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ بناقة مخطومة، فقال: هذه في سبيل الله، فقال رسول الله ﷺ: لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة،كلها مخطومة[1]، رواه مسلم.

جاء رجل إلى النبي ﷺ بناقة مخطومة، يعني فيها خطام، وهو الزمام، حبل يشد في رأس الدابة، يمنعها من الانفلات، ويمكن راكبها من التصرف والتحكم فيها، فقال: هذه في سبيل الله، أي للجهاد، فسبيل الله إذا أطلق في نصوص الكتاب والسنة فهو الجهاد، فقال رسول الله ﷺ: لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة، رواه مسلم.

سبعمائة ناقة يوم القيامة كما قال الله : مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ فهذا أنفق ناقة؛ فكان جزاؤه سبعمائة ناقة، بنفس الصفة من جهة أنها مخطومة، لكن شتان بين ناقة في الدنيا، وناقة في الجنة، وشتان بين خطام ناقة من ليف في الدنيا، وبين خطام ناقة في الجنة، فذلك لا يقادر قدره بحال من الأحوال.

ثم ذكر عن أبي حماد، ويقال: أبو سعاد، ويقال: أبو أسد، ويقال: أبو عامر، ويقال: أبو عمرو، ويقال: أبو الأسود، ويقال: أبو عبس عقبة بن عامر الجهني قال: سمعت رسول الله ﷺ وهو على المنبر يقول: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي[2]، رواه مسلم.

يقول، وهو على المنبر: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ألا أن القوة الرمي هذا من قبيل التفسير النبوي للقرآن، وقوله -تبارك وتعالى-: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ القوة هنا نكرة مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ فيصدق على كل قوة أيًا كان نوعها، وقد فسر ذلك النبي ﷺ بقوله: ألا إن القوة الرمي بهذا الأسلوب بهذه الجملة المفتتحة بأداة التنبيه ألا إن القوة الرمي حتى كأنه يشبه الحصر، وكرر ذلك ثلاث مرات، فهذا يدل -والله تعالى أعلم- على أن المراد أن أجلى صور القوة، وأعلى صور القوة الرمي، وليس ذلك للحصر، فإن قوله -تبارك وتعالى-: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ يشمل كل قوة ممكنة يدحر بها أعداء الله -تبارك وتعالى- ولكن النبي ﷺ ذكر أعلى هذه الصور، وأعظم هذه الصور، وأقوى هذه الصور تأثيرًا وفتكًا، وهو الرمي.

والرمي في زمانهم معروف، كان بالنشاب وما إلى ذلك، وأثره محدود، ومداه محدود، وإمكانياته محدودة، ومع ذلك قال النبي ﷺ عنه ما قال، فكيف بزماننا هذا الذي صار فيه الرمي قوة ضاربة كما لا يخفى، وله وسائله المتنوعة، سواء كان ذلك بالرمي بآلات يستعملها الأفراد، أو كان ذلك بما هو أكبر من هذا، من الوسائل، أو كان عن طريق الطيران، أو كان عن طريق المراكب البحرية، أو الغواصات، ونحو هذا، كل هذه من الصواريخ، وغيرها كله داخل في الرمي، فهذه قوة لا شك أنها مؤثرة، وتحول سير المعارك -كما هو مشاهد- فكان ذلك يعني توجيه الأمة إلى العناية بأسباب القوة، والأخذ بما أمكن منها، لاسيما ما كان أقوى، وأجدى، وأعظم في التأثير.

ثم بعد ذلك هذا يسأل، يقول: هل المقصود بالسبعمائة الناقة المخطومة يعني أجرها في الميزان، كالسبعمائة حبة، أم أنها نعيم في الجنة؟

الذي يظهر أنه على ظاهره، السبعمائة حبة ذاك مثل، هو ما أنفق حبة، فجوزي بسبعمائة حبة، وإنما ذاك تمثيل للإنفاق، فقال: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ فهذا مثل، أما هنا له بها سبعمائة ناقة مخطومة، فهذا على ظاهره، ولا حاجة لتأويله بأن يقال: له أجر سبعمائة ناقة مخطومة، والله تعالى أعلم.

وعلى كل حال ذكر حديثا آخر بعده، وهو قوله ﷺ من حديث أيضًا عقبة بن عامر : ستفتح عليكم أرضون جمع أرض ويكفيكم الله، فلا يعجز أحدكم أن يلهو بأسهمه[3]، رواه مسلم.

ستفتح عليكم أرضون ويكفيكم الله، يعني يحصل لكم غنى وسعة، فمثل هذا ينبغي ألا يقعدكم عن مثل هذا المطلوب فلا يعجز أحدكم أن يلهو بأسهمه فيكون اللعب بهذه الأمور التي فيها قوة للأمة، ولهذا قال النبي ﷺ: لا سَبَق يعني لا جائزة، وضبطه بعضهم هكذا لا سَبْق يعني لا سباق، ومسابقة لا سبق إلا في خف، أو نصل، أو حافر[4].

فالخف الجمال، والنصل الرمي بالنشاب، ونحوها الحراب، والحافر السباق بالخيول، فهذه التي يجوز، أو يشرع المسابقة عليها، وأخذ الجعل، الجائزة، وما عدا ذلك من المسابقات قاس بعض أهل العلم المسابقات التي تنفع الأمة، مسابقات في القرآن والسنة، ونحو ذلك، فألحقوه بها، أما المسابقات التافهة من يأكل التفاحة أسرع، ومن يلتهم هذا الدقيق، أو ينفخه أكثر، أو من يشرب مثلاً هذا الصندوق من المشروبات العصير أو البيبسي، أو نحو ذلك، فهذه التفاهات لا قيمة لها، ولا يجوز إعطاء ولا أخذ الجعل عليها، وقل مثل ذلك بألوان اللهو التي لا تزيد الأمة إلا إغراقًا باللهو الباطل، والغفلة وأسبابها.

ثم ذكر حديثا آخر عنه أيضًا قال: قال رسول الله ﷺ: من علم الرمي، ثم تركه فليس منا أو قد عصى[5]، رواه مسلم.

علم الرمي، ثم تركه فليس منا يعني ليس على طريقتنا، ليس على سنتنا أو قد عصى وذلك أنه قد ترك نعمة أعطاه الله إياها، وأعرض عن سبب قد خصه الله به من أسباب قوة المسلمين، والدفع عنهم.

ثم ذكر حديثًا رابعًا أيضًا عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة، صانعه يحتسب في صنعته الخير يعني، وهو يصنع يحتسب أن يكون ذلك نفعًا للمسلمين والرامي به وهذا واضح ومنبله ليس الرامي، الرامي سبق، ومنبله فسره بعضهم بالذي يمده بالنبال، يجلس خلفه أو بجانبه، فكل ما رمى بسهم قال: اتفضل، هذا السهم الآخر، المساعد يعني، يقدم له النبال، وفسره بعضهم بالذي يدفع عنه النبال التي ترشق بها، ويرمي، ويرمى، فيأتي آخر بالترس، ويدفع عنه، فيرمي من ورائه، وبعضهم فسر ومنبله قال: هو المتبرع به، الذي يبذله للمقاتلين احتسابًا لما عند الله ومنبله.

ولا شك أن الإنسان إذا تبرع بمثل هذا، أو الآخر الذي يمد ذلك للرامي، كل هؤلاء الثلاثة، والصانع قد اشتركوا فيه، ويرجى أيضًا لمن اشتركوا في عمل من الأعمال الخيرة، الطيبة، الصالحة أنهم يشتركون في مثل هذه الأشياء، المشروعات الطيبة التي تنفع الأمة، هناك أناس يعملون في الواجهة، وهناك أناس يعملون في خطوط أخرى خلفية، من إعداد، من تجهيز ما يحتاج إليه، ولا يراهم الجمهور، فهؤلاء يشتركون معهم في الأجر، وقل مثل ذلك هذا يعد خطبة، وهذا يلقيها مثلاً، هذا يعد درسًا، وهذا يلقيه، أو هذا يكتب فتوى، وهذا يترجمها إلى لغات أخرى، أو هذا يطبعها، هذا ينزلها مثلاً في النت، فيشتركون بهذا العمل، فيصل إلى مدى بعيد، وينتفع الناس به، ويقال: يرجى أن يدخلوا في مثل هذا، أنه يدخل الجنة بالسهم الواحد ثلاثة نفر، الاشتراك في الأعمال الطيبة، الأعمال الخيرية، سواء كان ذلك بصورة مباشرة، أو غير مباشرة؟

ثم قال: وارموا، واركبوا يعني عليكم بالرمي، تعلموا الرمي، اشتغلوا بالرمي، واركبوا؛ تأديبا للدواب، وتعليمًا، تعلمًا لركوب الخيل، وما أشبه ذلك اركبوا، وأن ترموا أحب إليّ من أن تركبوا لأن الرمي أبلغ أثرًا ومن ترك الرمي بعدما علمه رغبة عنه؛ فإنها نعمة تركها أو قال: كفرها[6]، رواه أبو داود.

هذا تفسير لما سبق من علم الرمي، ثم تركه فليس منا أو قد عصى فيكون هنا الترك مقيدًا بما ذكر في هذا الحديث بعدما علمه رغبة عنه لكن لو أنه تركه؛ لأنه شغل، أو نحو ذلك، فهذا غير مؤاخذ، والله تعالى أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

  1. أخرجه مسلم، كتاب الإمارة، باب فضل الصدقة في سبيل الله وتضعيفها، برقم (1892).
  2. أخرجه مسلم، كتاب الإمارة، باب فضل الرمي والحث عليه، وذم من علمه ثم نسيه، برقم (1917).
  3. أخرجه مسلم، كتاب الإمارة، باب فضل الرمي والحث عليه، وذم من علمه ثم نسيه، برقم (1918).
  4. أخرجه أحمد في مسنده، برقم (10138) وقال محققه: إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير نافع بن أبي نافع، فقد روى له أبو داود والترمذي والنسائي، وهو ثقة.
  5. أخرجه مسلم، كتاب الإمارة، باب فضل الرمي والحث عليه، وذم من علمه ثم نسيه، برقم (1919).
  6. أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الجهاد، باب في الرمي، برقم (2513)، وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود (2/304).

مواد ذات صلة