الخميس 19 / جمادى الأولى / 1446 - 21 / نوفمبر 2024
الحديث عن آيات الباب (1-2)
مرات الإستماع: 0

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فهذا باب تغليظ تحريم الربا، الربا أصله في كلام العرب: هو الزيادة، وأما في معناه الشرعي فمعروف، وهو الزيادة في معاوضة مالية غير مشروعة، فيأخذ مقابل ذلك ما لا يحل له أخذه، قال الله تعالى: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ عبر بالأكل كما مضى في أكل مال اليتيم؛ لأنه أغلب وجوه الانتفاع، وإلا فإنه لو لم يأكل الربا لكنه أخذه، فبنى به دارًا، أو اتخذه في لهو، أو أنه اشترى به أثاثًا، أو أنفق به على أهله، أو أنفق به على غيرهم من قرابته، ونحو ذلك، أو أنه أعطاه هبة، أو هدية، أو نحو هذا، فكل ذلك داخل فيه الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ لا يقومون يعني من قبورهم يوم القيامة، فالناس في القيامة يقومون على أحوال شتى، وقد أخبر النبي ﷺ وأخبر الله عن أهوال ذلك اليوم، حيث يكون الناس فيه سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ يسرعون، كأنهم يسرعون إلى نصبهم، أو أنصابهم التي كانت في الدنيا يعبدونها من دون الله -تبارك وتعالى-.

وبعض الناس يأتي وهو يحمل بعيرًا، أو شاة، أو قد طوق من سبع أرضين، أو يحمل آلة، أو سيارة قد غلها وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

ومن الناس من يقوم، وهو يحلف كما قال الله عن المنافقين: يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ [المجادلة:18] فيقومون في القيامة، وهم يشتطون في الأيمان، والحلف الكاذب الذي يظنون أنه ينفعهم يوم القيامة، كما ظنوا أن تلك الأيمان قد انطلت على أهل الإيمان حينما كانوا يظهرون لهم صدقهم بها.

وهكذا يقوم أقوام، ويقعون، ويتخبطون، ويتلبطون، ويصرعون في القيامة، وهؤلاء هم أكلة الربا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ التخبط هو الضرب على غير استواء، ولا اهتداء، تقول: فلان يتخبط، فلان يدخل في مشروعات يتخبط فيها، يعني من غير تخطيط، ولا دراسة، ولا خبرة، ولا دراية، ولا معرفة، تقول: فلان يتصرف تصرفات يتخبط فيها، يحتاج إلى إرشاد، يحتاج إلى تعليم، يحتاج إلى توجيه، يتخبط بمعنى أنه لا يكون على اهتداء، وهؤلاء كالمصروع، أهل الربا يوم القيامة كالذي يتخبطه.

فحينما يحرك الإنسان يده لقصد معين، فيضعها في شيء، أو على شيء فإن ذلك لا يكون من قبيل التخبط، لكن الضرب على غير استواء، تقول: يخبط، خبط، فهذا الذي يقع، يصرعه الشيطان، يحصل له تخبط، ويتلبط، ويضرب بيديه، ورجليه، ويتحرك بجسده كله على غير اهتداء، من غير قصد، وهو يتصرف من غير إرادة، تتحرك أبعاضه، وأطرافه، وأعضاؤه من غير قصد منه.

كالذي يتخبطه الشيطان، وهذا يدل على أن الشيطان يتخبط بني آدم، ويتلبس بهم، فهذا دليل من القرآن على ذلك، خلافًا لمن يزعمون أن الشيطان لا يتسلط على الإنسان، ولا يتلبس به، فهذا القرآن يرد قولهم، وهذا الصرع الذي يحصل للإنسان، منه ما يكون بسبب الشيطان، يعني أنه يصرعه الشيطان، وهذا أمر مشاهد، ويظهر ذلك في الرقية، وتؤثر فيه الرقية غاية التأثير، ويتكلم ذلك الشيطان الذي يصرعه غالبًا إذا رقي.

وهناك نوع من الصرع يكون بسبب أورام في الدماغ -عافنا الله وإياكم وجميع المسلمين- وقد يكون ذلك بسبب أبخرة تتصاعد إلى الدماغ من المعدة، أو غير ذلك مما يذكره الأطباء، ويعرفونه.

أما النوع الثاني: فالتحاليل جميعًا سليمة ليس هناك مشكلة، وغاية ما هنالك أنهم يعطونه بعض الأدوية التي لربما تصيبه بشيء من الوهن، فيكون صرع ذلك، وأثره عليه فيه ضعف، ولربما يرجعون ذلك إلى كهرباء المخ، أو نحو ذلك في أمور قد لا تكون كما فسروها.

فالشاهد هنا: لَا يَقُومُونَ أي من قبورهم إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ الإنسان المصروع -نسأل الله العافية- يكون في حال، ومرأى لا يحب أحد من الناس أبدًا أن يكون في ذلك الموقف، حتى هذا المصروع لربما تمنى أن يموت، ولا يحصل له هذا الموقف في محفل عام، ولذلك فإنه في الغالب لربما إذا وقع له ذلك في صالة أفراح، أو في مكان مع الآخرين، في مجمع عام، أو نحو هذا، لربما كان ذلك يوهنه، ويمرضه، ويؤذيه أضعاف ما يقع له من الأذى بسبب هذا التخبط، مع أن هذا التخبط يؤذي كل جزء من بدنه، يعني يبقى هو بعد هذا الصرع -نسأل الله العافية- اليومين، والثلاثة على فراشه، وهو مريض، ويشعر بتعب شديد، لا يستطيع الحراك معه، ثم بعد ذلك يبدأ يعاود عافيته.

فهذا مشهد لا يتمناه أحد، يخرج الزبد من فمه، ويعض لسانه، ويبدأ يتصرف بطريقة يعني هذا الإنسان الرزين، الوقور، صاحب الهيئة الحسنة تسقط عنه بعض ثيابه، ولربما يتكشف، ولربما يكون في وضع يرثى له، والزبد يخرج من فيه، وأنفه، ففي القيامة يكون أشد فضيحة، الناس يقومون، يقوم الأشهاد، ثم هذا يتخبط ويصرع، وهذا يتخبط ويصرع، وهذا يتخبط ويصرع، هؤلاء أكلة الربا -نسأل الله العافية- هؤلاء هم المرابون.

لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ قوله: مِنَ الْمَسِّ له احتمالان في متعلقه، يحتمل أنه يتعلق بقوله: يَقُومُونَ يعني لا يقومون من المس إلا كقيام الذي يتخبطه الشيطان، ويحتمل أن يعود إلى ما قبله الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس، يتخبطه الشيطان من المس يعني: إلا كما يقوم الممسوس، كيف يقوم الممسوس؟

يتخبط، ويتلبط، ويضطرب، ويضرب بيديه، ورجليه، ذلك السبب، لماذا عوقبوا بهذه العقوبة؟ هذه عقوبة أول ما يخرجون من القبور، لكن باقي أكلة الربا، وما أدراك ما أكلة الربا، النبي ﷺ ذكر في الرؤية التي رآها الرجل الذي يسبح في بحر من دم، ثم يأتي فيلقي عليه الرجل القائم على شاطئه يلقي عليه حجرًا، فيفغر فاه، ثم يرجع، ثم يأتي مرة أخرى، ثم يلقي عليه حجرًا آخر[1] وهكذا، فهذا آكل الربا.

هنا قال: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا هؤلاء لشدة مكابرتهم قالوا: إِنَّمَا الْبَيْعُ وجاؤوا بثاني أقوى صيغة من صيغ الحصر، أقوى صيغة النفي، والاستثناء، لا إله إلا الله، الصيغة الثانية في قوة الحصر إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا الحصر له عدة صيغ، هذه من أقواها، لشدة المكابرة يقولون: إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا هنا قاسوا المختلف المتفق عليه في الحل الذي هو البيع على المختلف فيه الذي هو الربا، والأصل في القياس أن يجعل المتفق عليه هو الأصل، وأن يقاس عليه الشيء الذي اختلف الناس فيه، فيقال الربا مثل البيع الذي وافقتم على حله، هذا الأصل أن يقال هكذا للإقناع في القياس، لكن هؤلاء لشدة المكابرة كأنهم جعلوا الربا لا غبار عليه، فقاسوا عليه البيع، قالوا: إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا فهذا قياس باطل، مقلوب، معكوس، وهذا يدل على غاية المكابرة إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا.

فهذا استحلال، واليوم يوجد من يستحل الربا، يوجد من يستحل، وينظر، ويتبجح، ويخرج في بعض القنوات، أو يكتب، ويقول: ماذا فيها؟ ويتكلم بشبهات ساقطة، ويوجد من يستحلون الربا بالحيل، وسمعتم هذه الحيلة التي قص الله في سورة الأعراف، وقد قرأتها من غير قصد، لكن جاء ذلك اتفاقًا مع هذا الباب، هؤلاء الذين يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ يوم السبت حرموا على أنفسهم العمل، فصارت الحيتان، الأسماك تستعرض عند الشواطئ يوم السبت، فتنة لهؤلاء وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ في غير يوم السبت تغور في البحر، فلما رأوا هذا، وغلب عليهم الطمع، والجشع، وضعفت نفوسهم؛ صاروا يضعون الشباك يوم الجمعة، ويسحبونها يوم الأحد، ويوم السبت يقولون: لم نحرك ساكنًا، نحن جلوس، ما عملنا يوم السبت، ولا هتكنا حرمته.

انظر إلى هذه الحيلة، وقارن بينها، وبين كثير مما يتعاطاه الناس اليوم مما يسمونه معاملات إسلامية، تورق إسلامي، قروض مرابحة، قروض إسلامية، قروض ميسرة، إلى آخر الكلام الذي نسمعه كثيرًا، وهي في الواقع حيل على الربا، ترجع إلى الربا، استغلال لهؤلاء الناس، استغلال لضعفهم، لحاجتهم لمسكنتهم، لفقرهم، فيأتون، ومذبوح على الطريقة الإسلامية، سمك مذبوح على الطريقة الإسلامية، هي هكذا، سمك، أرأيتم سمك مذبوح على الطريقة الإسلامية؟

وجد هذا في بعض العلب مكتوب عليه: مذبوح على الطريقة الإسلامية؛ لأنهم يتصورون أن هناك ناس أغبياء كثير، أهم شيء مكتوب مذبوح على الطريقة الإسلامية، فصاروا يكتبون على الأسماك، وجدت، وصورت.

وهكذا كثير من هذه المعاملات على الطريقة الإسلامية، فصارت توجد أنواع من التعاملات لا يمكن أن توصف عند الفقهاء بتوصيف شرعي، إيجار منتهي بالتمليك، تورق إسلامي، وهي كلها حيل على الربا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا هذا حكم الله .

ولاحظوا هذا الجواب العجيب، ما جلس يحتج عليهم بأنواع الحجج العقلية، والإقناع العقلي، والبراهين، تقول: أقنعني، قارع الحجة بالحجة، ما يلزم، أنت عبد لله وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا تنقاد وإلا لا؟ حتى لو لم يدرك عقلك هذا فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا فهذه طريقة في تقرير الأحكام، وتربية القلوب على العبودية لله والتسليم، والانقياد، أما كثير من الناس اليوم لا يقبل عن الله ولا يقبل الأحكام بزعمه حتى يرجع ذلك إلى عقله، يقول: اعرض هذا على عقلك أولاً، وانظر صار العقل حاكمًا على الشرع، ما يلزم.

انظروا هذا الرد، ما جاب لهم حجج عقلية وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا عندك استعداد تقبل، وإلا لا، ما عندك استعداد تقبل فأنت كافر، خارج من الملة، وانتهينا، وحكمك أنك مخلد في النار، إلى آخر ما يقال لهذا.

فهنا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ ما سلف من ماذا؟

الآن هذه الآية نزلت، وبعض هؤلاء الناس لهم أموال عند آخرين، ربا، قروض، مستحقات عند الآخرين، وأشياء أخذوها، التي أخذوها قبل نزول الآية هل يطالبون بإرجاعها؟

الجواب: لا فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ فالأشياء الباقية اتقوا الله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ.

فهنا الأشياء المتبقية عند الآخرين هذه لا يجوز له أن يأخذها، أعني الربا، هذا عند نزول الآية؛ لأنه لا يلزمهم شيء قبل نزول الحكم الشرعي، بعد ذلك، بعدما نزلت الآية، الآن إنسان يتعامل بالربا، بعد ما نزلت الآية، وبعد ما تقرر حكمها، ولم يبلغه ذلك، فما الحكم؟

هذه الصورة الثانية: ما بلغه، عايش في مكان بعيد ما كان يدري، نقول له مثل هذا فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ لكن لا يأخذ شيئًا بعدما علم الحكم، قبل أن يعلم له ما سلف، إذا كان غير مفرط.

الصورة الثالثة: إنسان أسلم الآن، وعنده أموال ربوية، مكاسب ربوية، عنده ثروة من الربا قبل إسلامه، وعنده مستحقات لم يستلمها بعد ربوية، فنقول الذي أخذته من قبل عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ والإسلام يجب ما قبله[2] والذي لم تأخذه لا يجوز لك أخذه.

الصورة الرابعة: هي محل الخلاف، وهو إنسان مسلم يعلم حكم الربا، ويتعامل بالربا، وعنده مكاسب ربوية، أموال من الربا الآن، وأشياء لم يأخذها، التي لم يأخذها بالاتفاق لا يجوز له أخذها، لكن الذي أخذها، وقال: أنا الآن تائب، لكن كل هذه الثروة التي أنا كونتها من هذه المعاملات المحرمة ما الحكم؟

بعض أهل العلم يقول: فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ترغيبًا له بالتوبة، وتخفيفًا على المكلفين، وأنهم داخلون في هذا العموم، والقول الآخر: أن ذلك لا يحل له، وهذا هو الأقرب -والله أعلم- لأن هذا كان يعلم الحكم، ومن توبته أن يتخلص من الحرام، هذا اكتسب مكاسب محرمه، وعنده هذه الأموال، ثم يقول: تبت، وهو يعلم الحكم سابقًا، ويتعامل بالربا، فبقيت هذه الأموال عنده، فنقول: هذه الأموال لا تحل لك.

مثل إنسان باع مخدرات، وعنده هذه الأموال، قال: أنا عندي عشرة ملايين من المخدرات، والآن تائب، فما الحكم؟

نقول: هذه الأموال ما تحل لك، تتخلص منها، فالشاهد: هنا قال: وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ وإذا قيل: أصحاب النار يعني أصحاب النار أهل الخلود فيها يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ عاقبهم بضد قصدهم، ما مقصود هؤلاء من المرابين؟

مقصودهم تكثير المال، والجشع، والطمع، فعاقبهم بالضد يمحق، وهذا المحق على الراجح ينتظم أقوال السلف التي قالوها فيه، يدخل فيه محق البركة في الدنيا، ولذلك اسألوا هؤلاء المرابين، واسألوا الذين يعملون في البنوك الربوية، يقول: ما يجي نصف الشهر إلا وأنا ما أدري، أين تروح أموالي، راتبي ثلاثين ألفًا، راتبي أربعين ألفًا، راتبي خمسة وأربعين ألفًا، ما يجي نص الشهر، وما عندي شيء، ولا أدري، أين تذهب هذه الأموال، ما أرى أشياء اشتريتها، ما رأيت أثاثًا ضخمًا اشتريته، ما رأيت كنبًا غاليًا اشتريته، ما في شيء في البيت، ما دخل علينا في البيت شيء يذكر حتى أقول: والله اشترينا هذا الجهاز الغالي، واشترينا هذا الكنب الغالي، وغرفة نوم غالية، وشرينا كذا، وشرينا كذا، ما في، ولا أدري أين المال يذهب.

نقول: هذا اسمه محق، يمحق، إذهاب البركة، ليست العبرة كم الرقم الذي يدخل عليك، العبرة كم يبقى عندك؟ كم يبارك لك فيه؟ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا ويدخل في هذ المحق أن الله لا يقبل منه صدقة، ولا زكاة، ولا صلة، ولا معروف، ولا إحسان؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، فأعمال هذه كلها التي في هذا الربا تبطل، ويمحقه في الآخرة، فلا يجد له أثرًا من ثواب، وجزاء، وحسنات، التي أراد بها وجه الله بهذا العمل، لا يؤجر عليها يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ يعني يربيها، وينميها كما جاء في الحديث: كما يربي أحدكم فلوه[3] فلوه يعني ولد الفرس، ينميها، ويربيها، والتمرة تكون بمنزلة الجبل، أو كجبل أحد، فيربي الصدقات، فهذا عكس، هذا الذي يتصدق يريد ما عند الله، يخرج المال الذي في يده، يريد ما عند الله، وهذا المرابي يأخذ الذي عند الناس بطرق لا تحل له، ثم قال: إلى قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا.

  1. أخرجه البخاري، كتاب التعبير، باب تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح، برقم (7047).
  2. أخرجه ابن كثير في جامع المسانيد والسنن الهادي لأقوم سنن، برقم (8263)، وصححه الألباني إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، برقم (1279).
  3. أخرجه البخاري، كتاب الزكاة، باب الصدقة من كسب طيب لقوله: {وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ، وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ، إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ، لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:277]، برقم (1410)، ومسلم، كتاب الزكاة، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها، برقم (1014).

مواد ذات صلة