الجمعة 10 / شوّال / 1445 - 19 / أبريل 2024
حديث "لعن رسول الله المخنثين من الرجال.." إلى "لعن رسول الله الرجل يلبس لبسة المرأة.."
مرات الإستماع: 0

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فهذا باب تحريم تشبه الرجال بالنساء، وتشبه النساء بالرجال في لباس، وحركة، وغير ذلك، يعني مما يكون به الاختصاص، وإلا فإن تشبه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال في العمل الصالح، والمسارعة في الخيرات، والتنافس في أعمال البر والتقوى، هذا أمر لا إشكال فيه، بل أمر الله بذلك وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ وإنما كان ذلك فيما يختص به الرجل أو ما تختص به المرأة.

والله -تبارك وتعالى- خلق الإنسان في أحسن تقويم، وذلك يرجع إلى وصفه الباطن، ويرجع إلى وصفه الظاهر، ففي الباطن خلقه على الفطرة، وكذلك أيضًا في وصفه الظاهر خلقه بهذا الخلق السوي، رأسه إلى أعلى، يأكل بيده، جمّل الرجل باللحية، وجعل للمرأة ما يصلح لمثلها، فهو في حقها أحسن تقويم، والرجل جمله بما يصلح لمثله، فإذا كان الرجل يميل عما رسم له، وعما جبل وفطر عليه في الخلق فإن ذلك يكون خروجًا عما فطره الله عليه، وقد يكون ذلك زينة بالنسبة للمرأة.

فالرجل حينما يضع الحناء في يديه ورجليه، أو ينتقش بالحناء، ثم بعد ذلك يجمل نفسه بألوان الأصباغ في وجهه، ويضع الحلي في يديه، وفي رقبته، وفي أذنيه، وما إلى ذلك، فإن ذلك يكون شينًا، وقبحًا في حقه، وهو في حق المرأة جمال، وهكذا إذا كانت المرأة تظهر في حال من الجفاف، والخشونة، وما إلى ذلك من أوصاف الرجل فإن ذلك يكون نقصًا في حقها.

هكذا فطر الله  خلقه، وعباده على مثل هذه الأمور، فإذا مال أحد الجنسين إلى الآخر فإن ذلك يكون انتكاسة في فطرته، وخروجًا عما خلق له، فيكون من تغيير خلق الله .

ذكر هنا حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: لعن رسول الله ﷺ المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء[1].

فهذا اللعن يدل على أن ذلك من كبائر الذنوب، لعن رسول الله ﷺ المخنثين من الرجال، وذلك يقال لمن يتشبه بالنساء في اللباس، الحركة، المشية، طريقة الكلام، وما إلى ذلك مما يكون من أوصاف النساء، يكون فيه تكسر، يكون فيه ضعف، يكون فيه شيء من الميوعة، ويتشبه بالنساء في زيه، في مظهره، في لباسه، في طريقة كلامه، ومخاطبته للآخرين، في طريقة تعجبه، في طريقة استنكاره كالمرأة، فهذا هو المقصود.

وقد يكون منه بعض المزاولات فوق ذلك، أو من وراء ذلك، من الفواحش، ونحو هذا، فهذا أشد، وقد لا يكون، لكنه يكون بهذه الصفة، وهذا الفعل، هذه الصفة التي ذكرها النبي ﷺ قد تكون خلقة، وجبلة خلق الإنسان عليها، يعني بعض الناس خلق هكذا، نشأ هكذا، جبل هكذا، فيه رخاوة، فيه ضعف، فيه لين، فيه من أوصاف النساء، فهذا يحتاج إلى مدافعته، ومغالبته، والعمل على تغييره، لكنه غير مؤاخذ عليه، وإنما الذنب فيمن كان يتصنع ذلك، وهؤلاء -أعزكم الله- هم الذين يقال لهم: الجنس الثالث.

وقد يكون الإنسان حصل له هذا الوصف بسبب النشأة والتربية، ومن أبرز ما يسبب ذلك أن الولد ينشأ في بيئة، في وسط نسائي، بمعنى أنه لا يكون عند هؤلاء إلا هذا الولد الواحد، والباقي بنات، سبع بنات، ثمان بنات، وهذا الولد هو الوحيد، فهذه أخت تحمله هنا، وهذه أخت تلاعبه هنا،، وهذه أخت تجلسه بجنبها، وهو لا يعرف إلا بيئة من النساء، فمثل هذا ما ظنكم، هو بحاجة إلى أن يتقمص شخصيات هؤلاء البنات، أو يحاول أن يضع الحمرة على شفتيه، وعلى خديه، وأن يحمل حقيبة كما تحملها أخته، ويصر على هذا، ويطالب به، ويظهر عليه من حركات البنات، وعبارات البنات، وما أشبه ذلك ما لا يخفى على من له أدنى نظر، فمثل هذا يرجع إلى التربية والتنشئة، فهو أمر يجب التفطن له، ومعالجته منذ بدايته، قبل أن يستفحل.

قال: "والمترجلات من النساء" المترجلات من النساء هكذا قد يكون ذلك جبلة، البنت فيها صفات أولاد من الصغر، وتجد هذه البنت تميل إلى ألعاب الأولاد، ولا تميل إلى اللعب أيضًا مع البنات، بل تميل إلى اللعب مع الأولاد منذ صغرها، ولربما يكون عندها من القدرة على بعض الممارسات في الألعاب التي يحسنها الأولاد، بل يحسنها بعض الأولاد الذين يتميزون بقدرات غير عادية في اللعب، فتجيد هذه الألعاب منذ صغرها من غير تدريب، فمثل هذه البنت هي خلقة تميل إلى طبع الأولاد، فينبغي أن يعالج هذا عندها، وأن تدافعه، فإذا زاد على ذلك بحيث تصير هذه البنت تلعب مع الأولاد، وتخالط الأولاد فإن هذا يكون زيادة في تحقق هذه الأوصاف حتى يتحول ذلك إلى لون من الشذوذ قد يعقبه ذلك ممارسات مشينة من الفواحش، وما إلى هذا، فتتصرف كأنها رجل فتسمي نفسها باسم الولد، أو باسم الرجل، وتظهر بصفاتهم، وتقص شعرها، بحيث يكون قصيرًا كالرجل، ولربما لبست في بعض الأوقات بين بعض صواحباتها لباس الرجل، ولربما خرجت، وقادت سيارة، ولربما خرجت في مكان عام، وهي تلبس لباسًا رياضيًا، أو تلبس ثوبًا، وغترة، ونحو هذا، وتتبجح بهذا، وتفخر به، ولربما اتخذت خدينة، وخليلة قد تستضعفها، وتلك لربما تخضع لها بدافع الحياء، فتسايرها، وتعرف بأنها من صواحباتها، وأنها كأنها بالنسبة إليها زوجة، وهذا للأسف يوجد هذا الذي يعرف الآن بـ "البويات"، لا كثرهن الله، وهدى الله الجميع، وأصلح حالهم.

فهذا من كبائر الذنوب، والأهل قد يعرفون هذا من وقت مبكر، ويعالجون مثل هذه القضايا، وقد تتأثر بعض البنات بزميلات لها في المدرسة، في التعليم العام، أو في الجامعة، وبعض النفوس تميل إلى الأخلاق الشاذة، والتصرفات الشاذة، والأوصاف الشاذة؛ من أجل أن تكون ملفتة للأنظار، فتجتمع مع شلة في الكلية مثلاً، يظهرن بمظهر الرجل، ويحاكين الرجال، ويتصرفن بتصرفات غير لائقة، فهؤلاء داخلات في اللعن.

قال: وفي رواية "لعن رسول الله ﷺ المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال"[2] رواه البخاري.

المتشبهين إذًا بأوصاف النساء التي تختص بهن، فهنا في الحديث الأول لعن المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء، وهنا المتشبهين، فقد يكون هذا التشبه من غير ترجل، ولا أيضًا ذلك الوصف في الرجال، وإنما قد يكون هذا التشبه بصفة واحدة، قد يتشبه بالنساء بصفة واحدة، في اللباس مثلاً فقط، أو قد يتشبه بالزينة، والحلي، أو قد يتشبه بطريقة الكلام فقط، فيكون داخلاً في هذا اللعن، بمعنى ألا تكون أوصافه بأوصاف المرأة من كل وجه، ويكون ملعونًا، فكيف بمن يجري عمليات جراحية، أو يتعاطى بعض الهرمونات؛ من أجل أن يظهر بمظهر المرأة، أو العكس.

وإذا طمست البصائر فإن الإنسان قد يستروح، ويستحسن القبيح، وهو لا يشعر، وقد قيل لواحد من هؤلاء يمشي في مكان عام، وجموع الشباب يمشون خلفه، وقد تزيى بزي لا يليق، وظهر بهيئة لا تصلح إلا للنساء، وجموع الشباب، فلما نصح قيل له: يا هذا اتق الله، قال: ماذا في ماذا؟ وحركات اليد بطريقة معينة، في ماذا؟

فقيل له: هذا ما يجوز، هذا تشبه بالنساء، هذا كذا، فلما وعظ، وقيل له: كلام يذكره، كلام رقيق، وما أشبه هذا، طيب ادع لي يا شيخ، ادع لي معك، يعني حتى يعرف يتكلم، ولا هو عارف يقول: ادع لي، والعجيب، أنه لا يعرف أنه منحرف، فقيل له: هؤلاء الذين يجرون خلفك، يجرون خلفك لماذا؟ هؤلاء الشباب، الجموع الذين يسيرون وراءك لماذا اجتمعوا؟ وهو لا يشعر بعلته، يقول: في ماذا؟ ما في شيء.

فالمقصود: أن هذا قد يتحول إلى ارتكاس في الفطرة، وانطماس في البصيرة، فلا يشعر الإنسان بانحرافه، بل يرى أن ذلك من الحسن، وقد قرأت بعض المقابلات لأمهات بعض هؤلاء في بعض البلدان المجاورة، فذكرت أنها هي التي تزين الولد، وهي التي تحليه، وهي التي تفعل له ذلك، أحيانًا تستملح الولد، أحيانًا ما يكون عندها أولاد ذكور، فتتعامل مع الولد على أنه بنت، تتمنى أنها يأتيها بنت، فتتعامل معه بهذه الطريقة، وأحيانًا لشدة التدليل ترى فيه ميلاً إلى التأنث، فتزيده إيغالاً في هذا الانحراف، وكلما يطلب تحقق له، فإذا قال: ضعي لي كذا، أعطيني كذا، أريد كذا، فتفعل له كل هذه الأشياء، وتسرح شعره بالطريقة التي يريد، ويطول شعره، وتضع له مما يوضع للنساء في شعورهن، وما إلى ذلك، فهذا كله -نسأل الله العافية- انحراف، وانتكاس في الفطر.

فنسأل الله العافية، وألا يطمس بصائرنا إنه سميع مجيب، والله أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه، وسلم.

  1. أخرجه البخاري، كتاب اللباس، باب إخراج المتشبهين بالنساء من البيوت، برقم (5886).
  2. أخرجه البخاري، كتاب اللباس، باب: المتشبهون بالنساء، والمتشبهات بالرجال، برقم (5885).

مواد ذات صلة