الخميس 19 / جمادى الأولى / 1446 - 21 / نوفمبر 2024
شرح مقدمة الباب
مرات الإستماع: 0

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فهذا "باب تحريم وصل الشعر والوشم والوشر" وهو تحديد الأسنان، تحريم وصل الشعر وذلك بأي طريق كان؛ سواء كان هذا الوصل بما يسمى الباروكة تلبس شعرًا كاملاً، أو كان ذلك بربط جزء من الشعر مصنوعًا، أو كان من شعرها الذي قصته، أو كان من شعر غيرها من الآدميين؛ لتطوله مثلاً، أو تضع فيه ما يكثره من شعر أو ما يكثره من غيره في داخل الشعر، مما يسأل عنه الناس عادة تضع أشياء في داخل الشعر؛ ليبدو كثيفًا كثيرًا فهذا كله من التدليس، وهو داخل في حكم الوصل إلا أنه من أهل العلم من قال بأن ذلك إن كان لعلة بحيث إن هذه المرأة قد زال شعرها فلا يرجع فإنه يجوز لها أن تضع شعرًا مصنوعًا، تلبس الباروكة مثلاً.

ويقال لمثل هذه المرأة التي أصابها الصلع مثلاً زال شعرها بالكلية بأنها تزرع شعرًا طبيعيًا يعني بمعنى أنها تزرع بصيلات فيكون لها شعر ينبت شعر طبيعي فهذا لا إشكال فيه، وأما زراعة شعر صناعي فالأصل أن هذا لا يجوز، لكن إن كان شعرها قد زال بالكلية بحيث لا يرجى له أن يرجع فمن أهل العلم من قال: إن هذا يكون من قبيل إصلاح العيوب، وأن إصلاح العيوب لا إشكال فيه فيما يتعلق بأمور الزينة، وجعلوا ذلك على نوعين:

الأول: ما قصدت به المرأة زيادة التجمل؛ لتكثر شعرها، ونحو ذلك فهذا لا يجوز وهو الذي ورد فيه ما سيأتي: لعن الله... -وذكر- الواصلة والمستوصلة[1].

الثاني: إن كان ذلك لإصلاح عيب، والعيب هو أن يكون قد زال الشعر، ولا يرجى أن يرجع، فقالوا: هذا يجوز أن تلبس الباروكة مثلاً، أو أن تضع شعرًا صناعيًا بأي صفة كانت، وذلك أن النبي ﷺ لما قطعت أنف رجل من أصحابه فوضع له أنفًا من فضة، ثم بعد ذلك أنتن فأذن له النبي ﷺ أن يضع أنفًا من ذهب[2]، فهذا الأنف صناعي فهل يقال: هذا من قبيل الوصل؟ هل يقال هذا من قبيل تغيير خلق الله ؟!

هذا لإصلاح عيب، وما كان من هذا القبيل فلا إشكال فيه، فهذا دليل، وهي فتوى نبوية تدل على أن إصلاح العيوب في باب الزينة لا إشكال فيه، وإصلاح العيوب هذا مثل ما يقال في حالات كثيرة؛ لأنه سيأتي في الحديث: الواشرة والفالجة، يعني التي تضع، أو تصنع ذلك في أسنانها، تفرق أسنانها، أو أنها تبرد الأسنان بحيث تكون متساوية، فالشاهد أنه سيأتي الكلام على هذا لكن هذه العمليات التجميلية في الجملة يقال: إنها على نوعين:

النوع الأول: وهو المحرم؛ وهو ما كان تغييرًا لخلق الله طلبًا للتجمل فقط زيادة الزينة، فهذا يقال فيه: كل خلق الله حسن كما قال النبي ﷺ للرجل الذي قال: "إني أحمش الساقين".

فمثل هذا لا يجوز للإنسان أن يعمل فيه عملية تجميلية سواء كان ذلك في الأنف أو في الشفة أو كان ذلك فيما يتصل بالأسنان، ما يسمى بتقويم الأسنان، فهذا على نوعين:

نوع يكون لإصلاح عيب ولأغراض طبية فهذا لا إشكال فيه، فهو من باب العلاج، آثار حروق آثار حوادث، آثار مثلاً هذا يرضع أصبعه مدة طويلة فصارت أسنانه بارزة إلى الخارج، هذا قال له الأطباء: إن أسنانك في حال تحتاج إلى تنظيم وإلا فإنها سيركب بعضها بعضًا مثلاً، أو أن ذلك سيؤدي إلى أشياء تتعلق بالكلام، ووضوح الكلام، أو ما يتعلق بالمضغ والأكل، ونحو ذلك فهذا ما كان من قبيل إصلاح العيوب فلا إشكال فيه.

ونوع ما كان من قبيل التجمل فقط والتزين فهذا لا يجوز، وهو من تغيير خلق الله ؛ لأنه في الحديث: المغيرات خلق الله، وجاء في رواية في الحديث الذي سيأتي في لعن الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة قيده: إلا لعلة[3]، وهي زيادة صححها الشيخ ناصر الدين الألباني، والشيخ أحمد شاكر -رحمهم الله-.

فأخذ منها أن الوصل إن كان لعلة كهذه التي أصابها حريق مثلاً فذهب شعرها ولا يرجى أن يرجع، أو أصابها مرض فذهب الشعر ولا يرجى أن يرجع أو نحو ذلك وما استطاعت أن تزرع شعرًا طبيعيًا فهذه يجوز لها أن تلبس الباروكة، ونحو هذا، إما إن كان لزيادة تجمل فلا، وقل مثل ذلك فيما يتصل بتكبير الثديين، أو بتصغيرهما، أو ما يتعلق بالشفه، أو ما يتعلق بالأنف، يعني الأنف مثلاً عمليات التجميل في الأنف إن كان هذا يتعلق بسبب حوادث كسر إصابة نحو ذلك صار الأنف مائلاً صار منحنيًا فلا بأس أن يعمل عمليات تجميلية لتصليحه، أو كان ذلك خلقة لكنه يتأذى منه بالنفس، أو إذا نام فمثل هذا يجوز أن يعمل عملية تجميلية.

وبعض أهل العلم ألحق به الأذى النفسي، مثل ماذا؟

بعض الناس قد يكون أنفه كبيرًا ضخمًا، هذه امرأة تشتكي تقول: إن أنفها كبير ضخم تحرج مع زوجها، أو لا يتقدم لها الخطاب، أو أنها حينما تقابل أي إنسان فإنه مباشرة يتجه نظره إلى أنفها، فبعض أهل العلم قال: إن الأثر النفسي كالأثر الجسدي الحسي، وأن التأذي النفسي كالتأذي الجسدي، فبعضهم قال: يجوز أن يعمل عملية تجميلية لهذا الغرض، أما ما عدا ذلك فلا يجوز، عمليات التجميل اليوم توسع الناس فيها جدًا، وصاروا يعملون عمليات بالذات النساء يعملن عمليات في كل أجزاء الجسم بلا استثناء، فمثل هذا فيه هذا التفصيل الذي سبق.

أما أشياء أحيانًا لا حاجة لها إلا مجرد التجمل، وأحيانًا حتى لا يكون من عيب كما قرأت مرة مقابلة مع رجل في أحد البلاد العربية يعمل عمليات تجميلية، يقول: يأتي فتيات في ريعان الشباب، وليس فيها عيوب ومع ذلك تطلب عمليات تجميلية، تدوير الفخذين، تصغير الأرداف، تكبير الأرداف، أشياء تتعلق بالصدر، أشياء تتعلق بالشفه، أشياء تتعلق بكذا، فمثل هذا لا يجوز، لكن العلماء قالوا: لو كانت هذه المرأة لها ثدي كبير بحيث إنه يسبب لها متاعب، ويثقلها ويؤذيها، أو نحو ذلك فلها أن تعمل عمليات تجميلية لتصغر الثديين.

أما إن كان ذلك لترهل مع تقدم السن، ترهل في الوجه، ترهل في الرقبة، ترهل في الصدر، ونحو ذلك، فبعض الناس تقول: إن صدرها مثل الشراب الذي فيه تراب، وأنها تحرج أمام الزوج ماذا تفعل؟

نقول: وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر، هذا لا يجوز هذا حرام، هذا تغيير لخلق الله بأي صفة كان، يعني سواء كان يضعون مواد سيلكون، أو مواد أخرى بطرق معينة يعرفونها.

أما ما كان من قبيل الأصباغ وما إلى ذلك فهذا على نوعين:

النوع الأول: الذي يكون دائمًا لا يزول الوشم بأي طريق كان بالتشريط ويضعون فيه مثل: الكحل، أو يضعون مثل: النيلة، أو يضعون أشياء من هذا القبيل أو بغرز الإبر أو غير ذلك من الآلات الحديثة فمثل هذا لا يجوز هذا الذي ورد فيه اللعن إلا لعلة كما جاء تقييده في الرواية التي أشرت إليها، العلة ما هي؟

ذكر بعض أهل العلم فيما لو ذهب حاجبها بسبب حادث أو غير ذلك ذهب حاجبها فماذا تصنع؟ فوضعت وشمًا كأنه حاجب، فهذا قالوا: لا إشكال فيه؛ لأنه لعلة الآن.

النوع الثاني: يسأل الناس عنه كثيرًا وهو ما يسمونه: بالتاتو، والتاتو هي كلمة أعجمية هي ترجمة: للوشم، لكنهم يصنعون في هذا العصر أشياء جديدة بآلات، وأحيانًا بغير آلات في أشياء جاهزة مهيأة بزخارف، أو رسومات، أو نحو ذلك، فمنها ما يبقى ستة أشهر، ومنها: ما يبقى أكثر من ذلك، لكنها ليست على سبيل الدوام، فهذا يلاحظ فيه عدة أمور:

الأول: ألا يكون تشبهًا بالكفار: فإن من الناس من يفعل ذلك تشبهًا يضعون في العضدين، ويضعونه في الفخذين، ويضعونه في الساقين، ويضعونه في البطن، وفي الظهر، وما أشبه ذلك، فهذا التشبه لا يجوز إن كان تشبهًا.

الثاني: ألا يشتمل على محرم: كصور ذوات الأرواح، أو صور محرمة، مثل: الصليب، رسم الصليب، أو نجمة داود كما يقال، أو يضعون أشياء صور لعبدة الشيطان، أو شعارات عبدة الشيطان، أو غير هذا من الصور التي يضعونها فهذا لا يجوز، ألا يشتمل على محرم التصوير محرم.

الثالث: ألا يكون هذا أيضًا في موضع العورات المغلظة: وللأسف أماكن من المشاغل وغيرها حتى في بلاد المسلمين حتى في بعض المشاغل هنا يضعونها في أماكن في العورة المغلظة وهؤلاء، إنما نقل إلينا من الكفار، فهذا لا يفعله من له دين وحياء وخلق ومروءة وإنما فعل من  لا خلاق له، نسأل الله العافية، لكن لو أنه وضعه زوجها أو وضعتها هي لنفسها أو نحو ذلك تتجمل لزوجها فهذا يمكن أن يقال، أما أن تذهب إلى المشغل، وتقول: وضعته امرأة، وأحيانًا يضعه رجل، يُوضع في الأوراك، ويوضع في أماكن أخرى عند القبل، ونحو هذا فهذا فعل من لا خلاق له، ويوجد بعض الحالات طلقت المرأة ليلة الزفاف، لما أراد زوجها أن يدخل بها فرأى هذه الرسومات في عورتها المغلظة طلقها، وعرف أن هذه المرأة لا شمة لها، ولا مروءة، ولا حياء، ولا دين، فطلقها مباشرة وهذا رجل عنده غيرة، وحر كريم، كيف المرأة تفعل هذا وهي بكر؟ فما بعد البكارة ماذا ستفعل إذن؟!

إذا كان هذا الحياء قد ترحل منها وهي بكر، والبكر يضرب بحيائها الوصف، فبعد البكارة حينما تكون ثيبًا كيف ستكون؟! ماذا سيبقى عندها؟! فهذا لا يكون في العورة المغلظة.

الرابع: ألا يضر: مع أن كلام الأطباء أن هذا غالبًا يكون بمواد كيماوية، يعني إن ما كان بالحناء، يعني الأشياء تدوم تجلس مدة طويلة ستة أشهر وسنة ونحو هذا هذه في الغالبة بمواد كيمائية، هذه المواد الكيميائية الأطباء يقولون: إنها تتسلل من تحت الجلد من مسامه، ثم بعد ذلك تخالط الدم، وتجري مع الدورة الدموية، وتؤثر في عافية الإنسان، وتكون سببًا لبعض العلل والأمراض، فهذا إن كان يضر هذا الضرر فإنه لا يجوز الذي يقول الأطباء: إن هذا النوع يضر فهو محرم لا يجوز؛ لأن الشريعة جاءت برفع الضرر والأدلة على ذلك كثيرة.

هذا يقول: تحريم وصل الشعر والوشم وعرفنا معنى الوشم والوشر الوشر قال: وهو تحديد الأسنان، تحدد الأسنان بمبرد أو نحو ذلك تكون الأسنان متساوية، وكذلك التفلج بحيث تبقى مسافات بين كل سن وسن تظهر كأنها شابة جميلة، تفرق أسنانها فهذا لا يجوز، المغيرات خلق الله للحسن، الفالجة، والمتفلجة، والواشمة، والمستوشمة، وهكذا الواصلة، والمستوصلة، وسيأتي الكلام على هذه الأنواع في تعليق على الأحاديث، هذا والله تعالى أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه البخاري، كتاب اللباس، باب المتفلجات للحسن، برقم (5931)، وبرقم (5939)، في باب المتنمصات، ومسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم فعل الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة والنامصة والمتنمصة والمتفلجات والمغيرات خلق الله، برقم (2125).
  2. أخرجه أبو داود، كتاب الخاتم، باب ما جاء في ربط الأسنان بالذهب، برقم (4232)، والترمذي، أبواب اللباس عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، باب ما جاء في شد الأسنان بالذهب، برقم (1770)، وقال: "هذا حديث حسن"، والنسائي، كتاب الزينة، من أصيب أنفه هل يتخذ أنفا من ذهب، برقم (5161)، وضعفه الألباني في إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (3/ 308)، برقم (824).
  3. لم أقف عليه بهذا اللفظ، وأخرجه النسائي بلفظ: ((إِلَّا مِنْ دَاءٍ))، أخرجها النسائي، كتاب الزينة، الموتشمات وذكر الاختلاف على عبد الله بن مرة والشعبي في هذا، برقم (5104)، وأحمد في المسند، برقم (3945)، وقال محققوه: "إسناده قوي"، وقال الشيخ أحمد شاكر في تحقيق المسند: "إسناده صحيح"، وقال الألباني: "وإسناده صحيح على شرط مسلم"، في غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام (ص: 74)، برقم (93).

مواد ذات صلة