الأحد 22 / جمادى الأولى / 1446 - 24 / نوفمبر 2024
حديث «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر..»
التحميل: 0
مرات الإستماع: 0

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فهذا باب تحريم إحداد المرأة على ميت فوق ثلاثة أيام إلا على زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام، يعني: أنه يرخص لها ثلاثة أيام فما دونها أن تحد على ميت من قريب وغيره في هذه المدة، وذلك أن هذه المدة عادة يحصل فيها سلوة للإنسان، يعني: يكون في حال من الحزن، ومشاعره في غاية التوقد والتأثر، ثم بعد الثلاثة أيام يسلو، هذه طبيعة في الإنسان؛ ولذلك نهى النبي ﷺ أن يهجر المسلم أخاه فوق ثلاثة أيام[1] والسبب أنه يكون مشحونًا في هذه الأيام الثلاثة، وبعد الثلاثة لا عذر له، يكون الإنسان قد ارتاضت نفسه، ورجع إلى حاله التي كان عليها قبل هيجان الغضب في نفسه، وهذا من لطف الله ورحمته، فالنفوس قد تصعب مغالبتها، وحملها على أمور قد لا تطيقها، فيغالب الإنسان مشاعره حينما يغضب، ويتغيظ على غيره، فأباح له الشارع أن يهجر ثلاثة أيام، وما فوقها لا يجوز، وكذلك في الحداد، وإنما خصت المرأة؛ لأن الحداد في الأصل إنما يكون من النساء لرقة قلبها، وضعفها، وإلا فلو أن ذلك وقع من رجل، ومعنى الحداد -كما سيأتي-: ترك الزينة، لو أنه وقع من رجل فلا إشكال ثلاثة أيام، فما دونها، ترك الزينة يعني، لكن الرجل يغالب مشاعره، ويكون عنده من قوة القلب، وثبات العزيمة ما لا يكون عند النساء، فرخص للنساء، جاءت التنصيص على هذا، وإن كان الرجل يدخل في هذا الحكم، يعني: لا حرج عليه لو وقع منه ذلك.

وهكذا اليوم في هذا العصر ما يقال من حداد على ميت من الزعماء، ونحو ذلك، فهذه الدول تعلن حالة الحداد مثلاً، هل هذا داخل فيه؟ هذا الحداد الذي رخص فيه النبي ﷺ تحد المرأة على ميت بسبب ما يحصل في قلبها من الحزن الشديد، وما إلى ذلك، وليس ذلك بسبب آخر.

على كل حال فوق ثلاثة أيام إلا على زوجها أربعة أشهر، وعشرة أيام، هذا لعظم حق الزوج، فتجتنب الزينة، والله -تبارك وتعالى- ذكر عدة الوفاة في سورة البقرة في آيتين:

الأولى: ذكر فيها الحول وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ تبقى سنة، والآية الأخرى التي قبلها، وهي الأربعة أشهر وعشرة أيام، وهو قوله -تبارك وتعالى-: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا أربعة أشهر وعشرة أيام يحسب من اليوم الذي توفي فيه، سواء علمت بوفاته، أو لم تعلم، يعني: لو علمت اليوم الأخير تبقى يومًا، لو علمت بعد انقضاء العدة ليس عليها عدة، وهكذا اليوم الذي توفي فيه، وليس اليوم الذي بلغها وفاته، تبدأ العدة من يوم الوفاة، فلو ما بلغها إلا في نصف المدة فإنها تبقى ما بقي فقط من العدة، فإذا علمت بعدها فلا عدة عليها، فإن كانت حاملاً فكما قال الله : وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُن فلو أنه مات زوجها، فوضعت الحمل بعده بساعة؛ انقضت العدة على الأرجح، وهو قول الجمهور؛ خلافًا لمن قال بأنها تبقى أطول الأجلين، يعني: إن كان باقي لها في الحمل ثمانية أشهر قلنا: اجلسي ثمانية أشهر، إن كان باقي لها في الحمل شهرًا واحدًا نقول لها: اجلسي أربعة أشهر، وعشرة أيام، هذا قال به بعض الصحابة وبعض أهل العلم، ولكن الأول أرجح، وهو الذي عليه عامة أهل العلم، أن الحامل تنقضي عدتها بوضع الحمل، طال أو قصر، لو كان باقي لها تسعة أشهر، باقي لها يوم واحد، فإذا وضعت الحمل، سواء وضعته تامًا، كامل الخلقة، مولود ولادة طبيعية، أو بعملية قيصرية، أو كان سقطًا، لكن يكون قد خلق، يعني: صور بصورة إنسان، شكل بصورة إنسان، وليس قطعة لحم فقط ليس فيها تصوير، وليست العبرة بنفخ الروح إنما العبرة بالتشكيل، والتصوير، فهنا يقال لها: نفساء، ويقال أيضًا بأنها قد وضعت حملها، كما قال الله عن الساعة: يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا معناها أنها تجهض الحمل، فسماه وضعًا.

وعلى كل حال هذا واضح، إلا على زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام، الحول الذي ذكر في آية البقرة الثانية من أهل العلم كشيخ الإسلام من يقول إنه ثابت، ولكن الآية الأخرى الأربعة أشهر وعشرة أيام هذه رخصة، فالأول على سبيل الاستحباب أنها تبقى سنة كاملة، والثاني أربعة أشهر وعشرة أيام، هذه رخصة لها، يعني: نسخ من سنة إلى أربعة أشهر وعشرة أيام، ليس نسخ أصل الحكم، وإنما التحويل من الوجوب إلى الاستحباب فقط، يعني: الحول كاملاً هذا قول شيخ الإسلام ابن تيمية.

والذي عليه عامة أهل العلم أن الآية منسوخة من أصلها، يعني: آية الحول منسوخة بآية الأربعة أشهر وعشرة أيام، فلا تبقى حولا كاملاً، لا استحبابًا، ولا وجوبًا، وهذا الموضع الوحيد في كتاب الله التي جاءت فيه الآية الناسخة قبل الآية المنسوخة، الأربعة أشهر وعشرة أيام جاءت قبل، والحول جاءت بعدها، هذه المنسوخة.

ذكر حديثًا واحدًا، وهو حديث زينب بنت أبي سلمة -رضي الله عنها- قالت: دخلت على أم حبيبة -رضي الله عنها- زوج النبي ﷺ حين توفي أبوها، أبو سفيان بن حرب وكانت وفاته قريبة من سنة 32 للهجرة، فدعت بطيب فيه صفرة خلوق، أو غيره، صفرة، يعني: مادة ملونة كانوا يضعونها مثل الورس والزعفران، وذلك أكثر طيب النساء؛ لأنه له لون، وليس له رائحة، والمرأة إذا خرجت لا يجد الرجال ريحها، ولا تتطيب إذا خرجت، فيه صفرة خلوق، أو غيره، خلوق يعني: ما تتخلق به المرأة من الطيب، فدهنت منه جاريةٌ هنا هكذا، دهنت منه جاريةٌ، والظاهر أنه فدهنت منه جاريةً، يعني: عندها، دهنت جاريتها، ثم مست بعارضيها، ثم قالت: والله ما لي بالطيب من حاجة، غير أني سمعت رسول الله ﷺ يقول على المنبر: لا يحل لامرأة تؤمن بالله، واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليالي[2] يعني: هي امتثالاً لذلك، أرادت أن تطبق ذلك عمليًا؛ فمست الطيب، والمرأة في الحداد لا تمس الطيب، ولا تتزين، قال: إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا، قالت زينب: ثم دخلت على زينب بنت جحش -رضي الله عنها- هذه زينب بنت أبي سلمة، تقول: دخلت على زينب بنت جحش -رضي الله عنها وهي أم المؤمنين أيضًا- حين توفي أخوها، فدعت بطيب، فمست منه، ثم قالت: أما والله ما لي بالطيب من حاجة، غير أني سمعت رسول الله ﷺ يقول على المنبر: لا يحل لامرأة تؤمن بالله، واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهرًا، وعشرًا[3] متفق عليه.

على كل حال هذا فيه مسألة الحداد، وهو ترك الزينة، وتجتنب جميع أنواع الزينة في اللباس، والحلي، والأصباغ كالحناء في الرأس، واليدين، والرجلين، وغير ذلك، والحمرة، ونحو ذلك الكحل، والطيب، هذه أنواع الزينة ينضاف إلى ذلك عدم الخروج إلا لحاجة لا يقوم غيرها مقامها بها، أما ما يسأل عنه كثير من الناس، هل يجوز لها أن تنظر إلى التلفزيون؟ هل يجوز أن تخرج في ضوء القمر؟ هل تمشي في السطح، أو الحوش حافية؟ هل ترد بالتلفون على الرجال الأجانب؟ هذا الكلام كله لا قيمة له، ولا أدري هؤلاء العوام من أين يخترعون هذه الأشياء، ومن الذي يتولى الفتيا لهم بهذه الخرافات، هذه القضايا لا أصل لها إطلاقًا في الشرع، تمشي في الحوش، وتمشي في السطح حافية، وعلى نعليها، وتخرج في ضوء الشمس، وفي ضوء القمر، وفي ضوء النجوم ما المشكلة في هذا؟

أما مكالمة الرجال فهي كغيرها من النساء لا تكلم كلامًا فيه ريبة، لا تخضع بالقول، ومشاهدة التلفاز بحسب ما فيه كغيرها، تشاهد مسلسلات سيئة، تشاهد رقص، وغناء لا يجوز لا لها، ولا لغيرها، وإذا كانت تشاهد أشياء طيبة فلا فرق في المرأة بالحداد بين هذا، وهذا.

أما مسألة استعمال الطيب في المأكول والمشروب، يعني: الزعفران مثلاً في القهوة، أو في الطعام، أو بعض الأكلات التي فيها زعفران، وكذلك الأشياء طيبة الرائحة العطرية التي توضع في الشاي مثلاً، هل تشرب الماء الذي يوضع فيه ماء ورد؟ هل تشرب هذا، أو لا؟ كثير من أهل العلم، وعليه فتوى عامة العلماء المعاصرين أنها تجتنب ذلك، كما يقولون في المحرمة أيضًا، أو المحرم، يقولون: لأنها مأمورة باجتناب الطيب، هكذا يقولون، فالأحوط أن تجتنب هذا، لكن لو أن امرأة جاءت وقالت: أنا محرمة، أو رجل قال: أنا محرم، أو واحدة في الحداد قالت: أنا شربت قهوة فيها زعفران، هل تعتبر هذه تطيبت؟

الجواب: لا، وما المقصود بالطيب هل المقصود به الأكل، أو المقصود رائحته حينما يوضع في البدن، ويجدها الناس؟ هذا هو المقصود، وهذا الذي يؤثر في الحكم في مسألة الحداد، ومسألة الإحرام، أما الأكل، والشرب فلا قيمة له، لو أنه أخذ زعفران، وأكله هل يقال إنه تطيب؟

الجواب: لا، لكن الأحوط أن يبتعد الإنسان عن هذا خروجًا من خلاف كثير من أهل العلم، هذا بالنسبة لهذا الباب، وفيه عظم حق الزوج، يعني: إذا مات أبوها لا يجوز أن تحد عليه أكثر من ثلاثة أيام، مات ولدها ما تحد عليه أكثر من ثلاثة أيام، مات أحب الناس إليها ما تحد عليه أكثر من ثلاثة أيام، مات زوجها أربعة أشهرًا وعشرة أيام، تجتنب فيها كل أنواع الزينة، المرأة التي سألت النبي ﷺ عن عينها، وأنها مريضة، وتحتاج إلى كحل، وكذا من أجل العلاج نهاها، حتى للعلاج، وذكر لها النبي ﷺ حال المرأة في الجاهلية، يعني: يقول لها: احمدي الله كيف كنتم في الجاهلية؟ ماذا كانوا في الجاهلية؟ تبقى المرأة سنة كاملة ليس فقط لا تخرج، ولا تمس طيبًا، ولا تلبس زينة، ولا، ولا، لا، ولا تمس ماء في الجاهلية، دعاة تحرير المرأة كما يسمونهم، هؤلاء الجاهليون، هكذا حال المرأة في الجاهلية، حتى الماء ما تمس ماء، فيصيبها من ألوان القذر ما الله به عليم، وتجلس وحدها في حجرة، في بيت، في مكان، منفردة ما تخالط الآخرين، ورائحة، ثم إذا انتهت العدة ماذا تفعل؟

تأخذ طائر، أو نحو ذلك، فتمسح به جسدها، يقول العلماء: هذا لا يكاد يعيش، يموت من شدة القذر، والرائحة السيئة، تمسح به جسمها إيذانًا بخروجها من العدة، فيموت هذا الطائر من العفن، والرائحة، والقذر، والأذى، يعني: هكذا كانت في الجاهلية، الإسلام لا، تغتسل، تتنظف، تجلس مع الآخرين، تلبس ثيابًا نظيفة، ومغسولة، تستطيع أن تغير ملابسها كل ساعة، لكن تبتعد عن الزينة، والطيب، ولا تخرج إلا لحاجة لا يقوم غيرها مقامها بها.

بعض الناس يسألون يقول: أمي في الحداد، وتحتاج أن تروح عن نفسها، نخرج بها، نذهب بها عمرة، نذهب بها بيتي زيارة، فتجتمع اجتماع العائلة كل أسبوع، كل أربعاء كل جمعة، نذهب بها، وتجلس معنا؛ من أجل أن تغير، نقول: لا يجوز، فهذه أحكام الله وحدوده.

لكن لو كانوا يعيشون بيت في سور واحد له باب، هؤلاء في سور واحد فلل، سور واحد مفتوحة على بعض، لها أن تتنقل -والله تعالى أعلم- في الداخل، ما تخرج إلى الخارج، عبارة عن فلل في سور واحد، أو عمارة لها باب واحد فيها شقق مفتوحة على بعض، يعني: هي لهم فقط، ففي هذه العمارة ممكن أنها تنتقل شقة الولد هذا، والولد هذا، والولد هذا، يعني: بعض الناس يسكنون عبارة عن شقق، أو أجنحة، فلها أن تذهب إلى هذا الجناح، أو هذه الشقة التابعة لهم، أين تجلس؟

في الحداد تجلس في المكان الذي بلغها وفاته، وهي فيه، بعض الناس يسألون يقولون: هو عنده زوجتان، والأخرى في المكان الفلاني، أو في البلد الفلاني، أو العزاء عندها، عند الكبيرة، عند الزوجة الأولى، تنتقل عندها، ما تنتقل عندها، تجلس في مكانها، هذا الأصل.

أحيانًا يسأل الناس عن أشياء كثيرة، تخرج من أجل أن تراه -كما يقولون- أن تودعه، قبل الدفن، لما غسل، وكذا تريد أن تلقي نظرة عليه، فالأصل أنها لا تخرج، ولا تصلي عليه، ما تخرج لمسجد، هذا الأصل، لكن في بعض الحالات قد يؤذن لها بالخروج متى؟

بعض النساء قد يصيبها حالة من الانهيار، فإذا رأته سكنت، وإذا ما رأته انهارت، وبقيت تولول، وفي حال من الانزعاج، تفقد سيطرتها على نفسها بحيث أنها تشعر أنها تتمنى أن تراه، وأنها ألقت نظرة عليه، أو كانت بجواره حين توفي، أو نحو ذلك، فهذا يكون من الذهاب إلى الطبيب، يقال: إذا كانت في هذه الحال اذهبوا بها تلقي نظرة عليه، تسكن، فهذا مثل العلاج، لا إشكال في هذا، لكن امرأة واثقة بالله ومتوكلة عليه، وصابرة، ومحتسبة، تقول: أذهب ألقي نظرة عليه؟

نقول: لا، اجلسي، أطيعي الله ببقائك في بيتك، والله أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب ما ينهى عن التحاسد والتدابر، برقم (6065)، ومسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الهجر فوق ثلاث بلا عذر شرعي، برقم (2561).
  2. أخرجه البخاري، كتاب الطلاق، باب تحد المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا، برقم (5334).
  3. أخرجه البخاري، كتاب الجنائز، باب إحداد المرأة على غير زوجها، برقم (1281)، ومسلم، كتاب الطلاق، باب انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها، وغيرها بوضع الحمل، برقم (1486).

مواد ذات صلة