الأحد 22 / جمادى الأولى / 1446 - 24 / نوفمبر 2024
(167) أذكار الصباح والمساء "اللهم أنت ربي خلقتني وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت ..."
تاريخ النشر: ٢٥ / رجب / ١٤٣٥
التحميل: 2625
مرات الإستماع: 2444

الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله.

أما بعد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته،

سنُواصل الحديث في الكلام على الأحاديث الواردة عن النبي ﷺ في الصباح والمساء، ومن ذلك ما جاء عن شداد بن أوس ، عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أنَّه قال: سيد الاستغفار أن تقول: اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني، وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعتُ، أعوذ بك من شرِّ ما صنعتُ، أبوء لك بنعمتك عليَّ، وأبوء لك بذنبي، فاغفر لي، فإنَّه لا يغفر الذنوبَ إلا أنت، قال: مَن قالها من النَّهار مُوقنًا بها، فمات من يومه قبل أن يُمسي؛ فهو من أهل الجنَّة، ومَن قالها من الليل وهو مُوقِنٌ بها، فمات قبل أن يُصبح؛ فهو من أهل الجنَّة[1]. أخرجه الإمام البخاري -رحمه الله- في "صحيحه".

وقوله ﷺ: سيد الاستغفار السَّيد في كلام العرب يُقال للرئيس المقدّم الذي يُقصد في الحوائج، وهذا الحديث قيل له: سيد الاستغفار -والله تعالى أعلم- بالنَّظر إلى ما تضمّنه من المعاني العظيمة التي سيأتي الحديثُ عنها، فإذا ما قُورن بقول العبد: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، أو نحو ذلك؛ فإنَّ هذا الحديثَ أو ما جاء في هذا الحديث بلا ريبٍ أتمّ وأوفى من جهة المعنى والمضمون؛ لما فيه من الإقرار للمعبود -تبارك وتعالى- بجملةٍ من الأمور العظيمة، وكذلك أيضًا إقرار العبد بأمورٍ على نفسه، مع ذكر رجوعه إلى ربِّه، واعترافه بنعمته، كلّ هذا سيأتي بيانُه إن شاء الله.

فقوله: اللهم أنت ربي فـ(اللهم) يعني: يا الله، اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني، وأنا عبدك هنا يتذلل العبدُ لربِّه -تبارك وتعالى-، ويخضع، وينكسر بين يديه، فهو يُقرّ له -تبارك وتعالى- بربوبيَّته: أنت ربي، وإلهيته، فكأنَّه يقول: أنت ربي، لا ربَّ لي سواك، ولا خالقَ غيرك، فالربُّ هو السَّيد، المدبّر، المربِّي خلقه بما يغذوهم به من النِّعَم الظَّاهرة والباطنة، الحسيَّة والمعنوية، كلّ هذا داخلٌ فيه، فهو يصرفهم ويُدبّر شؤونهم.

فهذا العبد يعترف يقول: يا الله، أنت ربي، أنت سيدي ومولاي، أنت مُدبر شؤوني، أنت خالقي، أنت الذي تتصرف بي كيف شئتَ، فهذا إقرارٌ بتوحيد الربوبية، ثم أعقبه بعد ذلك بالإقرار بتوحيد الإلهية؛ لأنَّ مَن كان مُتصرفًا، مُدبِّرًا، خالقًا، مُحييًا، مُميتًا، رازقًا؛ فإنَّه ينبغي أن تتوجّه إليه القلوب والنُّفوس والأرواح بكُليتها، فتُقرّ له بالإلهية؛ أنَّه المعبود وحده دون مَن سواه، إذا كان الذي يملك هذا جميعًا لا ينبغي أن يتوجّه إلى أحدٍ سواه.

فهنا يقول: أنت ربي الذي خلقتني، ليس لي خالقٌ سواك، لا إله إلا أنت؛ ولذلك نجد كثيرًا في القرآن تقرير توحيد الربوبية، من أجل التَّوصل بذلك إلى الإلزام بتوحيد الإلهية الذي خالف فيه مَن خالف من أعداء الرسل، فهنا يقول: لا إله إلا أنت لا معبودَ بحقٍّ سواك، فأنت وحدك المستحقّ للعبادة، فهو يُعلن توحيدَ الإلهية؛ ولهذا قال بعده: وأنا عبدك أنا عابدٌ لك، مُتوجِّهٌ إليك بأعمالي مما أتقرّب به، فأنت المعبود بحقٍّ، لا معبودَ بحقٍّ سواك، أنت ربي، لا إله إلا أنت، لا معبودَ سواك، وأنا عبدك.

فهو يُضيف الربوبية إلى الربِّ، ويُعلن أنَّه مربوبٌ، وأنَّ الله هو الذي خلقه؛ فيصرف طاعته وعبادته إلى مَن خلق ورزق وأعطى وأنعم، فهذا توحيد الإلهية؛ ولذلك كان الشركُ بالله أظلم الظُّلم؛ لأنَّه يصرف عبادته وشُكره إلى غير مَن خلقه؛ ولذلك نجد كثيرًا في القرآن الرَّبط بين العبادة والخلق، أول أمرٍ في القرآن: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21]، هذا أول أمرٍ، ولو تتبعتَ ذلك في القرآن لوجدتَه كثيرًا يأمر بالعبادة، ويُضيف ذلك ويُعلل هذا الأمر بأنَّ الخالقَ هو الذي ينبغي أن تُصرف له العبادة دون مَن سواه؛ يخلق، ويرزق، ويُعطي، ويُنعِم، ثم يُصرف الشُّكر لغيره، فهذا لا يليق بحالٍ من الأحوال، وهو أظلم الظُّلم: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13].

ثم يقول بعد ذلك: وأنا على عهدك ووعدك يعني: أنا على عهدك، أي: مُقيمٌ على الوفاء بعهدك، ما هذا العهد؟

بعض أهل العلم قال: عهد الميثاق: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ [الأعراف:172]، وقد استخرج اللهُ من صُلب آدم ذُريته كهيئة الذَّر، وأشهدهم، وأخذ عليهم الميثاق، فبعض أهل العلم حمله على هذا: أنا على عهدك ووعدك، وفسَّروا الوعدَ بيوم الحشر والبعث والنُّشور، هكذا قال بعضُ أهل العلم.

وأحسن من هذا ما قاله الحافظُ ابن القيم -رحمه الله-: بأنَّ المقصودَ بالعهد والوعد أنَّ ذلك يعني إعلانه أنه مُلتزمٌ بشرعه وأمره ودينه، وهو عهده الذي عهده إلى عباده، وهو مُصدِّقٌ بوعده، وهو جزاؤه وثوابه، فتضمّن ذلك التزام الأمر، والتَّصديق بالموعود؛ وهو الإيمان بهذا العهد والاحتساب، وذلك بالنَّظر إلى الوعد، ويحتسب جزاء ذلك من الثَّواب والجنَّة، وما إلى ذلك.

ثم لما علم العبدُ أنَّه لا يستطيع أن يُوفي هذا المقام حقَّه الذي يصلح له بما يليق بالمعبود علَّق ذلك بالاستطاعة والقُدرة، فقال: ما استطعت يعني: بقدر طاقتي، بقدر جهدي، بقدر إمكاني، فأنا مقيمٌ على ذلك من الإيمان والإخلاص بما أستطيع، مُتمسِّكٌ بذلك، مُحتسبٌ الأجر والثَّواب والجزاء عندك، لكن هو في ضمن ذلك يعترف بعجزه وضعفه عن القيام بحقِّ ربِّه ومالكه ومعبوده ، ويقول: أنا لا أقدر أن أعبدك حقَّ عبادتك، لكن بقدر طاقتي.

وهذا المعنى الذي ذكره الحافظُ ابن القيم[2] أوضح مما قاله ابنُ الأثير[3] -رحم الله الجميع-؛ من أنَّ المقصودَ من قوله: ما استطعت يعني: ما جرى به القدر ألا يقع ولا يتحقق فذلك لا يكون، فاستثنى ذلك، والأول أحسن.

ومثل الذي قال الحافظُ ابن القيم -رحمه الله- ذكر شيخُ الإسلام ابن تيمية[4] -رحمه الله-؛ يقول: "أنا أقوم بذلك بقدر استطاعتي، لا بقدر ما تستحقّ، فأنا لا أُطيق هذا، ولا أُوفي حقَّك مهما بذلتُ، ومهما عملتُ، ومهما اجتهدتُ".

يقول: أنا على عهدك، أنا مُقيمٌ على عهدك ووعدك ما استطعتُ، قدر استطاعتي.

ثم يقول: أعوذ بك من شرِّ ما صنعتُ، والعوذ بمعنى الالتجاء إلى مَن يحتمي به، مَن يعتصم بالله -تبارك وتعالى- من شرِّ الذي صنع؛ من شرّ مغبَّته وسُوء عاقبته، من حلول نقمته، يعوذ بالله من ذلك كلِّه، كما أنَّه يعوذ بالله -تبارك وتعالى- من الرجوع إلى ذلك ومُعاودته، أو الاستمرار والإصرار عليه.

هو يستعيذ بذلك من هذه الأمور والمدنِّسات والمساوئ التي تصدر منه، يستعيذ بالله منها؛ لأنَّها تهبط بالعبد في الدنيا، وتهبط بمرتبته في الآخرة، وقد تكون سببًا للتَّسليط عليه في الدنيا، كما تكون سببًا أيضًا للعذاب في الآخرة، فيستعيذ بالله من ذلك.

ثم يقول: أبوء لك يعني: أرجع وأُقرّ وألتزم، أبوء لك بنعمتك عليَّ، وأبوء بذنبي هنا يعترف أولاً بأنَّ الله مُنعِمٌ عليه، فهو خاضعٌ له -تبارك وتعالى-، لا ينسى إنعامَ الله -تبارك وتعالى- عليه، ونِعَم الله كثيرةٌ لا تُحصى ولا تُعدّ، وكما جاء عن بعض السَّلف: "إن أردتَ أن تعلم قدر ما أنعم الله عليك فَغَمِّضْ عينيك"[5]، يعني: حتى تستحضر بعض هذه النِّعَم انظر إلى البصر وحده: وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ [النحل:53].

فهنا يعترف بأنَّ الله أنعم عليه، ولم يُقيد ذلك: أبوء لك بنعمتك، والنِّعمة مفردٌ مُضافٌ، فهذا للعموم، يعني: يشمل جميع النِّعَم، مُقرٌّ بجميع النِّعَم الظَّاهرة والباطنة، ما علمتُ، وما لم أعلم، أبوء لك بنعمتك عليَّ، وأيضًا هذا يتضمن الاعتراف بالتَّقصير؛ لكونه لا يُؤدي شُكرها.

وكذلك أيضًا: وأبوء بذنبي يعترف بذنوبه، مع أنَّ الله -تبارك وتعالى- أكرمه، وأعطاه، وأولاه، وأنعم عليه، وهو ربّه، ومولاه، وخالقه، ومع ذلك تقع منه الذنوبُ بأنواعها؛ بفعل المعاصي، وكذلك أيضًا بالتَّقصير في أداء الطَّاعات، لا يأتي بها على الوجه اللَّائق بجلال الله وعظمته، فهو يقول: يا ربّ، أنا مُعترفٌ لك بإنعامك عليَّ، وأني أنا المذنب، فمنك الإحسان، ومني الإساءة، فأنا أحمدك على نعمك، وأنت أهلٌ لأن تُحْمَد، وأستغفر ذنبي.

تصور الإنسان يشهد هذه المعاني والحقائق، وتقوم بقلبه في كل صباحٍ، وفي كل مساءٍ، كيف يكون حالُه مع ربِّه -تبارك وتعالى-؟! كيف يكون هذا الإنسانُ في سلوكه وعمله؟! كيف يكون قلبُه؟! كيف يكون لسانُه؟! كيف يكون بصرُه؟! كيف يكون تعامُله مع هذه النِّعَم؟!

هذا لا يمكن أن يصدر منه الأشرُ، ولا البطرُ، ولا يمكن أن يحصل منه البغيُ، ولا يمكن أن يُجاهر بمعصية الله -تبارك وتعالى-، ولا يمكن أن يحصل عنده تعاظمٌ، أو التفاتٌ إلى عمله؛ فيحصل له العُجب بالعمل، أو يحصل عنده الكِبر، أو يحصل عنده الزَّهو، أو نحو ذلك، يقول: أنا المقصّر، أنا الضَّعيف، أنا العاجز، أنا المذنب، وأنت الربّ المنعِم المتفضّل، كلّ ذلك يستحضره بقلبه.

فمتى شهد العبدُ هذين الأمرين كما يقول شيخُ الإسلام[6] ابن تيمية -رحمه الله- استقامت له العبودية، وترقَّى في درجات المعرفة والإيمان، وتصاغرت إليه نفسُه، وتواضع لربِّه -تبارك وتعالى-، وهذا هو كمال العبوديَّة، به يبرأ من العُجب، والالتفات إلى النَّفس، والتَّزين بالعمل، والكِبر، والتَّعاظم، وما إلى ذلك.

ثم يقول بعد أن يبوء ويعترف بهذه النِّعَم، ويرجع من ذنوبه، وهذه توبة، يقول: فاغفر لي، فبعد هذه المقدّمة كلّها الاعتراف بالتوحيد، وبإنعام الله وإفضاله، وتقصير العبد، والإخبار عن نفسه أنه مُقيمٌ على عهده ووعده بقدر استطاعته، والاعتراف بالنِّعَم، والاعتراف بالذُّنوب.

ثم يقول: فاغفر لي والفاء هنا تدلّ على ترتيب ما بعدها على ما قبلها، أنا مُعترفٌ بهذا كلِّه، أنا مُقصِّرٌ، أنا مُقيمٌ على طاعتك، أنا أُوحدك، أنا أعبدك، أنت ربي، أنت إلهي، فاغفر لي، اغفر جميع الذُّنوب، فإنَّ رحمتك واسعة، أنت صاحب العفو، لا يتعاظمك ذنبٌ، أنت الغفور، الرَّحيم، الرؤوف.

فإنَّه لا يغفر الذنوبَ إلا أنت، اغفر لي فإنَّه لا يغفر الذنوبَ إلا أنت، الفاء هذه تدلّ على التَّعليل، هذا الذي يُسمَّى بدلالة الإيماء والتَّنبيه عند الأصوليين، بما أنَّه لا يغفر الذنوبَ إلا أنت فاغفر لي، إنَّه لا يغفر الذنوبَ إلا أنت.

والله -تبارك وتعالى- يقول: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:135]، فهؤلاء هم الذين وعدهم بالمغفرة: أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ [آل عمران:136]، فنكَّر المغفرة هنا للتَّعظيم.

فهنا فإنَّه لا يغفر الذنوبَ إلا أنت، يقول: مَن قالها من النَّهار يعني: في بعض أجزائها من النَّهار، والنَّهار يبدأ من طلوع الشَّمس إلى غروبها، كلّ هذا يُقال له: نهار، وينقسم إلى قسمين: صباح ومساء، اليوم يبدأ من طلوع الفجر شرعًا، وينتهي بغروب الشمس، وليلته تسبقه، فاليوم والليلة: اليوم يبدأ من الفجر إلى غروب الشمس، والليلة تسبقه: من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، يعني: نحن اليوم انصرم يوم الاثنين، لا يصحّ أن نقول: "يوم الاثنين" بعد العشاء الآن، وإنما نقول: "ليلة الثلاثاء"، يوم الاثنين طُوِيَ بغروب الشَّمس هذا اليوم، وليلته هي التي مضت، فابتدأت ليلةُ الثلاثاء من غروب الشمس، فإذا طلع الفجرُ فهذا يوم الثلاثاء، فإذا طلعت الشمسُ فهذا النَّهار، فيستمرّ اليوم إلى غروب الشمس، والنَّهار من طلوعها إلى غروبها.

فهنا يقول النبيُّ ﷺ: مَن قالها من النَّهار، قال سيد الاستغفار هذا من النَّهار، من طلوع الشمس إلى غروبها، فهذا بأي جزءٍ من أجزائه، يعني: يُقال في أول النَّهار، في وسطه، بعد الظهر، بعد العصر، فهذا أعمّ من أن يكون من أذكار الصَّباح والمساء، وإنما يصلح أن يكون من أذكار اليوم والليلة، هذا يصلح مثالاً على أذكار اليوم والليلة.

وهناك فرقٌ بين أذكار الصَّباح والمساء، وأذكار اليوم والليلة على ما ذكرنا في الكلام على المساء في مبدئه ومُنتهاه.

فهنا يقول: مَن قالها من النَّهار يعني: في أي جزءٍ من أجزائه، مُوقِنًا بها بما تضمّنته من أنواع التوحيد، والتَّوبة، والإقرار بالذَّنب، والاعتراف بالتَّقصير في شُكر النِّعمة من الله -تبارك وتعالى-، فاعتقد جميع مدلول هذه الكلمة إجمالاً وتفصيلاً: فمات من يومه يعني: قبل غروب الشمس، فهو من أهل الجنَّة، هذا وعدٌ من الصَّادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى ﷺ.

ومَن قالها من الليل وهو مُوقِنٌ بها، فمات قبل أن يُصبح؛ فهو من أهل الجنَّة، فالليل يبدأ من غروب الشمس، وإذا قلتَها بعد المغرب، قلتَها بعد العشاء، قلتَها الساعة الثانية عشرة، السَّاعة الواحدة، لكن يحرص الإنسانُ على أن يقولها من أول الليل؛ لأنَّه لا يدري في أي لحظةٍ يموت، ويقولها من أول النَّهار؛ لأنَّه لا يدري بأيِّ لحظةٍ يموت.

فإذا حافظ المؤمنُ على مثل هذا، فلا شكَّ أنَّ ذلك من التَّوفيق للعبد، وهذا الجزاء المرتّب على ذلك.

وللحديث بقية في الكلام على كون هذا سيد الاستغفار.

أسأل الله أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، وأن يجعلنا وإياكم هُداةً مُهتدين.

والله أعلم، وصلَّى الله على نبينا محمدٍ، وآله وصحبه.

  1. أخرجه البخاري: كتاب الدَّعوات، باب أفضل الاستغفار، برقم (6306).
  2. "الوابل الصيب من الكلم الطيب" (ص7)، و"طريق الهجرتين وباب السعادتين" (ص95).
  3. "النهاية في غريب الحديث والأثر" (3/324).
  4. "مجموع الفتاوى" (10/88)، وانظر: "الوابل الصيب من الكلم الطيب" (ص7).
  5. أخرجه ابن أبي الدنيا "الشكر" (182)، والبيهقي "شعب الإيمان" (4151)، عن بكر بن عبد الله المزني.
  6. انظر: "مجموع الفتاوى" (14/32).

مواد ذات صلة