الخميس 18 / رمضان / 1445 - 28 / مارس 2024
(172) أذكار الصباح والمساء "حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم ..."
تاريخ النشر: ٣٠ / رجب / ١٤٣٥
التحميل: 1934
مرات الإستماع: 2188

الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله.

أما بعد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته،

نُواصل الحديثَ -أيّها الأحبّة- عن الأذكار التي تُقال في الصَّباح والمساء، فمن ذلك ما جاء عن أبي الدَّرداء قال: مَن قال إذا أصبح وإذا أمسى: حسبي الله، لا إله إلا هو، عليه توكلتُ، وهو ربّ العرش العظيم، سبع مراتٍ؛ كفاه الله ما أهمَّه، صادقًا كان بها، أو كاذبًا.

هذا الحديث أخرجه ابنُ السُّني مرفوعً[1]، وأخرجه أبو داود موقوفًا[2]، وسكت عنه، ومثل هذا له حكم الرَّفع؛ لأنَّ ذلك لا يُقال من جهة الرأي، وهذا ظاهرٌ، وذلك أنَّه حصر هذا الذكر في الصباح والمساء من جهةٍ، كما حصره أيضًا بعددٍ معينٍ: سبع مرَّاتٍ، ثم رتَّب عليه هذا الحكم: كفاه الله ما أهمَّه، وقال: صادقًا كان بها، أو كاذبًا، مثل هذا لا يُقال من جهة الاجتهاد؛ فله حكم الرَّفع إلى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-.

المقصود أنَّ أبا داود حينما رواه موقوفًا سكت عنه، وذلك أنَّه صالحٌ للاحتجاج عنده كما عرفنا، والمنذري -رحمه الله- قال: لا ينزل عن درجة الحُسن، وقد يكون على شرط الصَّحيحين أو أحدهما[3]. وقال سماحةُ الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- عن الموقوف: بأنَّ إسناده جيدٌ[4]. لكن الألباني -رحمه الله- ضعَّف الموقوف، وقال عنه في "ضعيف الترغيب": ضعيفٌ، موقوفٌ[5]. وقال في "ضعيف أبي داود": موضوعٌ[6]. وقال في "السلسلة الضَّعيفة": مُنكر[7].

على كل حالٍ، بعض أهل العلم -كما رأينا- حسَّن الحديث، أو جوَّد إسناده، أو صححه، وبعضهم ضعَّفه.

قوله: مَن قال إذا أصبح إذا دخل في الصَّباح، وإذا أمسى يعني: دخل في المساء، حسبي الله، "حسبي" أي: كافيني، أي: الله كافٍ لي في جميع ما أهمَّني، والحسب بمعنى: الكفاية، يعني: أنَّ اعتمادي على الله، وهو الذي يكفيني، ويكفي مَن اعتمد عليه.

لا إله إلا هو يعني: لا معبودَ بحقٍّ سواه، عليه توكلتُ أي: اعتمدتُ، وفوَّضتُ أمري، وألجأتُ ظهري إليه -تبارك وتعالى- في جلب ما ينفع، ودفع ما يضرّ، يقول: أنا مُعتمدٌ على الله، أنا مُفوِّضٌ أمري إلى الله -تبارك وتعالى-، فهذا هو التَّوكل.

عليه توكلتُ، وهو ربُّ العرش العظيم العرش هو أعظم المخلوقات، وخصَّه بالذكر لكونه أعظم هذه المخلوقات، فإذا كان هو ربّ العرش الموصوف بالعظمة، فربوبيَّته -تبارك وتعالى- لما دونه من باب أولى.

إذًا هو ربّ كل شيءٍ، ومليكه، فإذا فوَّض العبدُ أمرَه إليه، واعتمد عليه، فإنَّ الله -تبارك وتعالى- يكفيه ما أهمَّه.

ولاحظ أنَّه أضاف العرشَ هنا: ربّ العرش، أضاف ذلك إليه، وهذا يدلّ على التَّعظيم، والتَّشريف، والتَّكريم لهذا العرش.

كفاه الله ما أهمَّه يعني: من أمر دُنياه وآخرته، كما قال شيخُ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-[8]، والإنسان ليس له همٌّ ثالثٌ، يعني: هموم الإنسان إمَّا دُنيوية، وإمَّا أُخروية. أُخروية ما يتعلق بالمصير الذي يصير إليه، يخاف من عذاب الله ، يخاف من النار، يخاف من الحساب.

وكذلك أيضًا في الدنيا ما أهمَّه من الفقر، ومن المرض، ومن غير ذلك مما يُقلقه، ويُزعجه، ويشغل قلبَه، هذا إذا قال ذلك سبع مراتٍ في الصباح، وفي المساء، فهذا شيءٌ يسيرٌ، ويترتَّب عليه هذه الكفاية.

ولا شكَّ أنَّ مَن توكّل على الله -تبارك وتعالى- فهذا بنصِّ القرآن، بصرف النَّظر عن صحَّة هذا الحديث: وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق:3]، يعني: كافيه، فجعل جزاء التَّوكل هو الكفاية مُباشرةً، جعله هو النتيجة والجزاء: وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ، يكفيه، يكفي من ماذا؟ يكفيه من كلِّ ما أهمَّه، يكفيه من كل شيءٍ، والمؤمن ليس له إلا هذا: أن يتوكّل على ربِّه، ومليكه، وخالقه -جلَّ جلاله، وتقدَّست أسماؤه-.

فنسأل الله أن يجعلنا وإياكم جميعًا ممن توكّل عليه حقَّ توكّله، وأن يُعيننا وإياكم على ذكره، وشُكره، وحُسن عبادته.

والله أعلم، وصلَّى الله على نبينا محمدٍ، وآله وصحبه.

 

  1. أخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة"، برقم (71).
  2. أخرجه أبو داود في "سننه": كتاب الأدب، باب ما يقول إذا أصبح، برقم (5081)، وقال الألباني في نفس الكتاب: موضوعٌ.
  3. انظر: "الترغيب والترهيب" للمنذري (1/38).
  4. انظر: "مجموع فتاوى ابن باز" (26/65).
  5. انظر: "ضعيف الترغيب والترهيب" للألباني، برقم (382).
  6. انظر: "سنن أبي داود"، برقم (5081).
  7. انظر: "السلسلة الضَّعيفة" للألباني، برقم (5286).
  8. انظر: "مجموع الفتاوى" لابن تيمية (1/193).

مواد ذات صلة