الخميس 19 / جمادى الأولى / 1446 - 21 / نوفمبر 2024
(173) أذكار الصباح والمساء "اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة ..."
تاريخ النشر: ٠١ / شعبان / ١٤٣٥
التحميل: 2411
مرات الإستماع: 2641

الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله.

أما بعد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته،

نواصل الحديث عن الأذكار الواردة في الصباح والمساء، ومن ذلك ما جاء عن عبدالله بن عمر أنَّه قال: لم يكن رسولُ الله ﷺ يدع هؤلاء الدَّعوات حين يُمسي وحين يُصبح: اللهم إني أسألك العافيةَ في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودُنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي، ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أُغتال من تحتي.

هذا الحديث أخرجه أبو داود[1]، وابنُ ماجه[2]، وسكت عنه أبو داود، فهو صالحٌ للاحتجاج عنده، وقد صحَّحه الإمامُ النَّووي[3]، والشيخ أحمد شاكر[4]، والشيخ ناصر الدِّين الألباني[5]-رحم الله الجميع-، وقال الحافظُ ابن حجر: حسنٌ غريبٌ[6].

قوله: "لم يكن رسولُ الله ﷺ يدع هؤلاء الدَّعوات حين يُمسي وحين يُصبح" هذا يدلّ على أنَّه كان يُحافظ عليها مُحافظةً تامَّةً، لا يُخلّ بها في كل صباحٍ ومساءٍ.

يقول ﷺ في صدر هذا الدُّعاء: اللهم أي: يا الله، إني أسألك العافية، والعافية بمعنى: السَّلامة من الآفات الدِّينية والدُّنيوية، أي: أن يسلم الإنسانُ في بدنه، وأن يسلم في دينه.

وقد ذكر بعضُ أهل العلم في الكلام على هذه الجملة: أن يُلهم الصَّبر على ما ينزل به، ويرضى بقضاء الله -تبارك وتعالى-، فتكون هذه السَّلامة لما يحصل له من الصَّبر والرِّضا بالقضاء.

كأن هؤلاء نظروا إلى كون البلاء مما لا بدَّ من وقوعه، ولكن العبدَ يسلم إذا ألهمه الله الصَّبر، فإذا ارتقى إلى مرتبة الرِّضا؛ فذلك أكمل في عُبوديَّته، فإن بلغ مرتبةَ الشُّكر على البلاء فهذا هو الغاية، يعني: أن يعُدَّ البلاء نعمة؛ ولهذا كان بعضُ السَّلف يفرح بالبلاء، نعم، البلاء لا يتمنَّاه المؤمنُ، ولكن إذا وقع لا بدَّ من الصبر، فإن استطاع أن يرتقي إلى ما فوقه فهذا هو الأكمل والأفضل، إلا أنَّ الصبر واجبٌ، وما فوقه فهو مُستحبٌّ على الأرجح من أقوال أهل العلم.

والذي يظهر -والله تعالى أعلم- أنَّ هذا السؤال للعافية على ظاهره، وليس ما ذُكِر من قيدٍ يُفضي بالمعنى إلى ما قد سمعتُم من أن يكون ذلك بالصَّبر والاحتساب والرِّضا، بل هو سؤالٌ لله -تبارك وتعالى- العافية؛ لأنَّ العافية لا يعدلها شيءٌ، وقد يُبتلى المرء، ولكنَّه يُفارق الصَّبر إذا لقي ما يكره.

في الدنيا والآخرة الدُّنيا هنا تشمل أموره الدّنيوية كلّها، فيدخل في ذلك عافية البدن، ويدخل في ذلك ما يتَّصل بالمال، وما يتعلق بالزوج والولد، وما يتعلق بأعماله ومهنه ومُزاولاته، وما يتعلق بدراسته، بذهابه، بمجيئه، بأحواله التي يُعافسها ويُلابسها في هذه الحياة الدنيا، فإنَّ الإنسان يُبتلى في ذلك كلِّه، فهو بحاجةٍ إلى سؤالٍ للعافية.

وأمَّا الآخرة فيكون ذلك بسلامة العبد، وتخليصه من أهوال وشدائد الموقف، فيُخفف ذلك عليه، وما يكون عند الحساب، ثم يُعافيه الله من النار، ويُسلّمه، ويُنجيه منها، وهذا هو الفوز الأكبر والأعظم: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ۝ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا [آل عمران:185-186].

فهذا حال هذه الحياة الدنيا، ولكن الفوز الكبير هو ما ذكره الله : فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ.

فعلى العبد أن يسعى في هذه الحياة الدنيا، وأن تكون مُزاولاته في يومه وليلته، وما يتكلَّم به، ويلهج لسانُه، وما يخطّه بيده، وما يمشي إليه برجله، وما ينظر إليه بطرفه، وما إلى ذلك مما يُدخله جوفه، أو يكتسبه، أو نحو ذلك؛ أن يُفضي ذلك به في تلك النِّهاية إلى أن يُزحزح عن النار، وأن يدخل الجنَّة، هذا هو الفوز الكبير: أن يأخذ كتابَه بيمينه، فيصيح بين الخلائق: هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ ۝ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ ۝ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ ۝ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ ۝ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ ۝ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بماذا؟ بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ [الحاقة:19-24] من الأعمال الصَّالحة، وطاعة الله، وخشيته، ومُراقبته في السرِّ والعلانية، وليس بالتَّخبُّط والتَّهوُّك في هذه الحياة، ثم بعد ذلك يكون ما يجنيه من الحصاد مُرًّا؛ لأنَّه قد زرع الحنظل، فأعماله حنظل، وأقواله حنظل، ومُزاولته لا تُشرف، ولا تُرضي، ولا تسرّ، أحواله كلّها، هذا حال سيئ، فماذا يرجو؟ وماذا يُؤمّل؟

فهذا سؤالٌ مُجملٌ: اللهم إني أسألك العافيةَ في الدنيا والآخرة أطلق، فكل ما يدخل في العافية في الدنيا، وكل ما يدخل من العافية في الآخرة، فهو داخلٌ فيه.

ثم بعد ذلك أعاده على سبيل التَّفصيل؛ لأهمية هذه المذكورات، مع أنها داخلةٌ فيما سبق، فقالها وزيادة، يعني: سأل في البداية العافيةَ في الدنيا والآخرة، ثم قال: اللهم إني أسألك العفو والعافية، والعفو: أن يتجاوز الله عن العبد، ويمحو ذنوبَه وخطاياه وسيِّئاته، أن يعفو عنه من عفت الريحُ الأثرَ إذا مسحته؛ فتُذْهِب آثاره.

فإذا عفا الله عن العبد معنى ذلك أنَّ ذنوبَه قد تلاشت وذهبت وانتهت، هذا هو العفو، وعفو الله ليس كعفو غيره، ومن أسمائه: العفو، والعفو أبلغ من الغفر، وإن كان الغفرُ فيه زيادة على العفو، فإنَّ العفو يعني: المحو بالكُلية، وأمَّا الغفر فهو الوقاية من شُؤم الذَّنب وجرائره وآثاره وتبعاته، مع السَّتر، لكنَّ العفو محوٌ، مُحيت تمامًا.

فهنا: اللهم إني أسألك العفو والعافية، فالعافية تعني: أنَّ الإنسان يُسلَّم ويُخلص ويُنجى من المكروه أصلاً، فإذا وقع في شيءٍ من ذلك: كالذَّنب والمعصية والتَّقصير، وما إلى ذلك، فيحتاج إلى العفو، لكن العافية ألا يقع له شيءٌ من هذا أصلاً، وأن يسلم في دينه، ويسلم من الجرأة على الله ، والإساءة في حقِّه، ويسلم من الموبقات والمدنسات، ويسلم من جرائرها في الدنيا من العقوبات المعجَّلة، فكلّ ما يقع لنا في هذه الحياة مما نكره فهو ببعض ذنوبنا: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ [النساء:79].

فإذًا يسلم العبدُ من هذا كلِّه، ويسلم من الفضيحة والخزي في الدنيا، فإنَّ الإنسان قد يفتضح في الدنيا، فيحتاج إلى هذا السُّؤال للعافية في هذا كلِّه، فيما يتَّصل بحقِّ الله ، كما أنَّه يحتاج إلى سؤال العافية فيما يتعلق بدُنياه، لكنَّه قدَّم الدِّين لأنَّه هو الأهمّ، والعافية فيه أعظم المطالب، لكن فيما يتَّصل بالدنيا لا بدَّ للعبد من دنيا يُزاولها، وأعمال يتكسَّب بها، وما إلى ذلك، فهو بحاجةٍ إلى أن يسأل ربَّه العافية في دُنياه، فيُعافى في ماله وولده ونفسه وزوجه ومهنته، وما إلى ذلك: في ديني ودُنياي.

وانظروا كيف هذه الأذكار والأدعية النَّبوية جوامع في هذه المعاني العظيمة: في ديني، ودنياي، وأهلي، ومالي، مع أنَّ دُنياه يدخل فيها الأهل والمال، ولكنَّه خصَّ المالَ والأهلَ لأنها أعظم مطالب الناس الدُّنيوية، فالأهل يدخل فيهم الزوجة والأولاد، فهؤلاء أهل الرجل، فهو يطلب العافيةَ لهم على سبيل التَّخصيص، مع أنهم يدخلون فيما سبق، وإلا فما معنى سؤال العفو والعافية في دُنياه، ثم يقول: وأهلي ومالي؟ ذكر المال، فالمال أعلق بالدُّنيا.

والله قال: الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [الكهف:46]، زينة الحياة الدنيا أشياء كثيرة، وذُكر في سورة آل عمران جُمل منها: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ [آل عمران:14]، فهذه كلّها زُيِّنت للناس، لكن في قوله تعالى: الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا هذا أعظم هذه الزينة، يعني: هي أعظم من غيرها من متاع الحياة الدنيا.

وقد يُقال: إنَّ الخيلَ المسوّمة والحرث كلّ ذلك داخلٌ في المال: الْمَالُ وَالْبَنُونَ، لكن الزوجة في أي النَّوعين تدخل: بالمال أو بالبنين؟

مما يدلّ -والله أعلم- على أنَّه ذُكر الأهم من هذا المتاع في الحياة الدنيا: الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، لم يقل: البنات؛ لأنَّه ذكر أعظم ما يعلق في قلوبهم، وليس ذلك حطًّا أو غضًّا في حقِّ البنات، لا، ولكنَّ الله يُخاطبهم بحسب مداركهم، والذين خُوطِبوا بالقرآن في ذلك الوقت، ونزل عليهم القرآنُ عندهم التَّزين بالأبناء، والتَّكثر والتَّقوي بهم، لا شكَّ أنَّه حاصلٌ ومُتحقِّقٌ، فخاطبهم بما يعهدون ويعقلون ويتنافسون فيه.

فالمقصود -أيّها الأحبّة- هنا أنَّ الله -تبارك وتعالى- خصَّ هذه الأشياء، وأنَّ النبي ﷺ أيضًا خصَّ هذه الأشياء: أسألك العفو والعافية في ديني ودُنياي وأهلي ومالي، هذا أقرب شيءٍ إلى الإنسان، وأعظم ما يُؤثر فيه سلبًا أو إيجابًا، فإذا حصلت له العافية استراح قلبُه، واطمأنت نفسُه، وانقشعت عنه ألوان المخاوف والقلق والأحزان، وما إلى ذلك.

ثم قال بعد ذلك: اللهم استر عوراتي، والعورة أصلها ما يُستحيا منه، وكل شيءٍ يُحتاط من جهته، ويُتخوَّف من ناحيته؛ ولهذا البلاد المتاخمة للعدو يُقال لها: عورات (الثغور)، فهذه عورات البلاد؛ لأنَّه يتخوَّف العدو من ناحيتها، مُتاخمة له.

والمرأة قيل لها: عورة؛ لأنَّه يُحترز لها، فهذا ليس بنقصٍ في حقِّها، وبعض النِّساء قد تجد غضاضةً إذا وجهت بهذا الخطاب، وقيل لها: المرأة عورة، فالعورة: كل شيءٍ يُحترز له، ويُحتاط له، ويُحافَظ عليه، ويُصان، فالمرأة عورة لأنَّه يُحترز لها، وتُصان غاية الصِّيانة، ولا تضيع، ولا تهمل.

فهنا: اللهم استر عوراتي يدخل فيها العيوب والنَّقائص، ويدخل فيها العورات والذُّنوب أن يسترها اللهُ ، فلا يفتضح، كلّ ما يسوء صاحبه أن يُرى فهو من العورات: استر عوراتي عيوبي، وخللي، وتقصيري، وكلّ ما يسوؤني كشفه، ويدخل في هذا العورة.

فالرجل عورته من السُّرة إلى الركبة، والمرأة كلّها عورة أمام الرجال الأجانب، لا يُستثنى من ذلك شيءٌ.

وقوله: إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور:31] هذا ما لا يمكن إخفاؤه؛ كظاهر العباءة غير المزينة، وما ظهر من أسافل الثِّياب من غير قصدٍ، وإلا فالمرأة عورة، هذا أمام الرجال الأجانب، أمَّا أمام النِّساء فإنَّ الذي يظهر منها هو ما يظهر عادةً من المرأة المحتشمة في بيتها: كالكفَّين، وموضع السِّوار، وموضع القلادة، والشعر، والوجه، والقدمين، وما أشبه ذلك، فهذا الذي يظهر منها عادةً، فهذا لا إشكالَ فيه.

أمَّا أن تبقى مُتعريةً في بيتها؛ تلبس القصير وما يُبدي مفاتنها في أعلى الجسد وأسافله وفي وسطه، فهذا لا يليق بالمرأة المؤمنة بحالٍ من الأحوال، فكيف إذا ذهبت تستعرض بهذا الجسد أمام حفلٍ قد جمع خلقًا قد لا تعرف أكثرهم؟! فهذا لا يليق بحالٍ من الأحوال، فهذه من العورات.

فحينما تقول المرأةُ المسلمة: استر عوراتي يدخل فيه العورات المعنوية، والعورات الحسيَّة.

فإذا كانت المرأةُ تطلب أن يستر اللهُ عورتها، فعليها أن تخرج بالحجاب الكامل، ومن أعظم الفتنة الوجه؛ لأنَّه مجمع الحُسن، وهو الذي يُتعرَّف بالنَّظر إليه إلى أخصّ صفات المرأة الدَّاخلية، فبالوجه وملامحه وعلاماته تُعرَف الصِّفات التي يُريدها الرِّجال، فالوجه مجمع الحُسن، فإذا أظهرت وجهها، وبدا للناس فيه ما يعافون وما يكرهون نفروا منها، وإذا كان وجهها في حالٍ من الحُسن، فإنَّ النفوسَ تنجذب إليها؛ ولذلك يجب على المرأة أن تستر وجهها، ويجب على الرجال أن يقوموا على بناتهم وزوجاتهم ومن تحت أيديهم بأن يستروا وجوههم، ولا يجوز لهم بحالٍ من الأحوال التَّكشف والتَّهتك.

والآن بدأت تظهر كثيرًا هذه الوجوه، ويحصل تساهلٌ من كثيرٍ من الأولياء والنِّساء، بدعوى أنَّ المسألة فيها خلافٌ، أيُّ خلافٍ الذي يتحدَّثون عنه؟! فهذا رجوعٌ إلى الوراء، وتظنّ الواحدةُ ربما أنَّ هذا لونٌ من التَّحضر والتَّمدن، وأنها امرأة عصرية، والواقع أنَّ التَّهتك هو صفةٌ من صفات الجهل والجاهلية، فالله قال عن إبليس: يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا [الأعراف:27]، هذا الذي حصل بعد المعصية، وكذلك أيضًا قال الله: وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب:33]، فالحشمة حضارةٌ ورُقيٌّ وذوقٌ، وأمَّا التَّهتك فهذا من صفات أهل الجهل والجاهلين، والله المستعان.

فيسأل الإنسانُ ربَّه: استر عوراتي، وفي بعض ألفاظه: عورتي[7]، والعورة مُفرد مُضاف، فهو للعموم، بمعنى: عوراتي، فتدخل في ذلك هذه المعاني جميعًا.

وآمن روعاتي يعني: مخاوف الإنسان، وما يحصل له من الفزع، فالأمن يُقابل الخوف، ويدخل في ذلك على سبيل التَّبع: الحزن؛ لأنَّه خلاف الأمن.

ففي هذا سؤالٌ من العبد لربِّه -تبارك وتعالى- أن يُجنِّبه ويقيه كلَّ أسباب المخاوف، وما يُوقعه في الأحزان، أو يُقلقه، أو يُزعجه.

وذُكرت بصيغة الجمع: آمن روعاتي لكثرتها، فالإنسان بين مخاوفَ كثيرةٍ، ويحتاج إلى مثل هذا السؤال؛ أن يسأل ربَّه -تبارك وتعالى- الأمن، فيكون في حالٍ من الطُّمأنينة والسَّكينة؛ فتهدأ نفسُه وتطمئنّ، وإلا فما هي حال العبد من غير ألطاف الله ؟ مخاوف من كل ناحيةٍ.

فهذا الدُّعاء له أثرٌ بالغٌ في تحقيق مثل هذه المطالب؛ ولذلك انظر إلى عامَّة ما يعصف بالخلق اليوم؛ كالقلق، فالقلق مرض العصر، وكثيرٌ من الناس قد لا يتكلم، ولا يشكو، ولكن القلق يملأ قلبَه، القلق على أمورٍ كثيرةٍ، وكلما كان العبدُ أبعد عن الإيمان؛ كان القلقُ في قلبه أكثر.

وانظر إلى الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر في الغرب ما حالهم مع القلق؟ حياتهم كلّها قلق؛ ولذلك تكثر عندهم المصحّات النَّفسيَّة؛ لأنَّهم لا يعرفون الله، ولا يذكرونه، ولا يرجون له ثوابًا، ولا يُؤمِّلون عائدةً، ولا أجرًا، فبأي شيءٍ يتعزّون؟! وبأي شيءٍ يصبرون؟! فتفري نفوسهم وتطحنهم رحى الحياة، نسأل الله العافية.

بقيت بقيةٌ في الحديث أتركها إلى ليلةٍ آتيةٍ، ونترك الجوابَ عن الأسئلة إلى ما بعد الانتهاء من الكلام على الحديث، إن شاء الله.

والله أعلم، وصلَّى الله على نبينا محمدٍ، وآله وصحبه.

 

  1. أخرجه أبو داود: أبواب النوم، باب ما يقول إذا أصبح، برقم (5074)، وصححه الألباني.
  2. أخرجه ابن ماجه: كتاب الدُّعاء، باب ما يدعو به الرجلُ إذا أصبح وإذا أمسى، برقم (3871)، وصححه الألباني.
  3. "الأذكار" للنووي، ت. مستو (ص152).
  4. في تعليقه على "مسند أحمد"، برقم (4785).
  5. "صحيح الترغيب والترهيب"، برقم (659).
  6. "نتائج الأفكار" لابن حجر (2/382).
  7. أخرجه أبو داود: أبواب النوم، بابٌ في التَّسبيح عند النوم، برقم (5074)، وصححه الألباني.

مواد ذات صلة