الجمعة 19 / رمضان / 1445 - 29 / مارس 2024
(179) أذكار الصباح والمساء "أصبحنا وأصبح الملك لله رب العالمين رب أسألك خير اليوم فتحه ونصره ونوره وبركته وهداه..."
تاريخ النشر: ٢٠ / شعبان / ١٤٣٥
التحميل: 2015
مرات الإستماع: 2004

الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله.

أما بعد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته،

نواصل الحديث عن الأذكار التي تُقال في الصَّباح والمساء، فمن هذه الأذكار ما جاء عن أبي مالكٍ الأشعري : أنَّ رسول الله ﷺ قال: إذا أصبح أحدُكم فليقل: أصبحنا وأصبح الملكُ لله ربِّ العالمين، اللهم إني أسألك خيرَ هذا اليوم: فتحه، ونصره، ونوره، وبركته، وهُداه، وأعوذ بك من شرِّ ما فيه، وشرِّ ما بعده، ثم إذا أمسى فليقل مثل ذلك[1].

هذا الحديث أخرجه أبو داود -رحمه الله-، وقال النَّووي: رواه أبو داود بإسنادٍ لم يُضعفه[2]. يعني: لم يُعقب عليه في السُّنن حينما أخرجه، وعلَّق ذلك الحافظُ ابن حجر -رحمه الله-: بأنَّ كون أبي داود لم يُضعفه عقب تخريجه في السُّنن، لكنَّه قد ضعَّفه خارجها[3].

والحديث قال عنه الحافظُ ابن القيم -رحمه الله-: حديثٌ حسنٌ[4]. وقال العراقي: بإسنادٍ جيدٍ[5]. وحسَّنه الألباني في بعض كُتبه[6]، وضعَّفه في بعضها[7]، وكذلك أيضًا حسَّنه الشيخ شُعيب الأرناؤوط[8]، والشيخ عبدالقادر الأرناؤوط -رحم الله الجميع[9].

قوله: بأنَّ النبي ﷺ قال: إذا أصبح أحدُكم يعني: إذا دخل في الصَّباح، وعرفنا أنَّ الصباح يدخل من طلوع الفجر، فإذا قال ذلك قبل طلوع الشمس، أو نحو ذلك، فإنَّ ذلك يصدق على هذا الوقت.

فليقل: أصبحنا وأصبح الملكُ لله ربِّ العالمين مضى الكلامُ على نحو هذه الجملة، يعني: يحتمل أن يكون المعنى: أصبحنا حال كون الملك قد أصبح لربِّه وخالقه .

ويحتمل أن يكون معنى "أصبحنا لله" يعني: نحن عبيدٌ له، وملكٌ له، والملك كلّه لله -تبارك وتعالى-، فهذا إقرارٌ من العبد بأنَّه عبدٌ لله ، وأنَّه مملوكٌ ومربوبٌ له، وأنَّ الملك جميعًا لله ، يذكر نفسَه بهذا في كل صباحٍ، فيتعلق قلبُه بربِّه ومولاه ، ويتوجّه إليه بالعبادة، فلا يلتفت قلبُه إلى مخلوقٍ يُزين له القول، أو العمل، أو يرجوه، أو يخافه، أو نحو ذلك مما تتعلق به الآمال، أو الرَّجاء، أو نحو ذلك، وإنما يكون توجّهه بقلبه وكُليته لربِّه وفاطره في كل صباحٍ، وفي كل مساءٍ.

فإذا كان العبدُ بهذه المثابة، فإنَّه يكون إخلاصه تامًّا، ويكون على حالٍ من الارتباط بالله، والتَّوجه إليه، والمراقبة لله ، ورجاء ما عنده، والخوف منه، فلا يصدر منه عجبٌ بنفسه، واتِّكالٌ على قوته، ولا يحصل منه اتِّكالٌ على أحدٍ من المخلوقين.

أصبحنا وأصبح الملك لله ربِّ العالمين، فهو المألوه، المعبود، وهو السيد، المالك، المربي، المتصرف بهذا الخلق.

ثم يقول: اللهم أي: يا الله، إني أسألك خيرَ هذا اليوم يعني: ما فيه من الخير الذي تُقدره وتقضيه، والظَّفر بما في هذا اليوم من خير ديني أو دُنيوي، فإنَّ هذا الخير لم يُقيد بقيدٍ، فيبقى على إطلاقه، وفسَّره بقوله بعده: فتحه، ما يحصل فيه من الفتح في العلم، والهدايات، والرزق، والرحمة: مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا [فاطر:2]، فما يفتح الله فيه للعباد من الخيرات والمسرَّات والهدايات والأرزاق، فإنَّ العبد يسأل ربَّه ذلك، ويتوجّه إليه في طلبه.

فتحه، وأيضًا: نصره، هذا كلّه تفسيرٌ لخير هذا اليوم، ما هذا الخير؟ قال: فتحه، ونصره يعني: الغلبة على الأعداء.

ونوره والنّور يُقال للهداية، ويُقال للعلم الصَّحيح، فيُقال: هذا الكلام عليه نورٌ، وكلام فلانٍ عليه نورٌ، وهذا الكلام عليه أنوار النُّبوة: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِه [النور:35]، فسَّره الجمهور بهداه في قلب المؤمن، فالهدى يُقال له: نور، ويُقابله الظَّلام، فالله مثَّل أحوال الكافرين وأعمالهم وقلوبهم بالظُّلمات، كما مضى في الكلام على الأمثال المضروبة في القرآن، كما في سورة النور: أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ [النور:40]، اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [البقرة:257]، من ظُلمات الجهل والضَّلال والكفر إلى نور العلم والهدى والإيمان، فنور اليوم هو العلم والإيمان، فكلّ ذلك داخلٌ فيه طاعة الله، وطاعة رسوله ﷺ، والتَّوفيق لمحابِّه -تبارك وتعالى-.

وبركته البركة: كثرة الخير ونماؤه، فهنا يحصل له الرزق الحلال الطَّيب المبارك، فإنَّ العبرةَ ليست بالكثرة، وإنما العبرة بالبركة، فبعض الناس قد تكون مكاسبُهم قليلةً من حيث العدّ، ولكنَّها مُباركة، فتفي بحاجاتهم وحاجات مَن يحتفّ بهم، وتكفي أيضًا لأشياء أخرى من مُتطلبات الحياة، ولا تحصل لغيره ممن تكون مكاسبُهم أضعاف مكاسب هذا الذي حصلت له البركة، وهذا شيءٌ مُشاهَدٌ، فإنَّ الإنسان قد يأتيه المالُ الكثير، ثم يذهب دون أن يشعر كيف ذهب هذا المال؟! وهو لا يجد شيئًا أمامه من مُقتنيات ومُشتريات وأشياء واضحة يراها أمامه أنَّه صرف هذا المال في هذا، لكنَّه يطير من بين يديه دون أن يشعر، فالعبرة بالبركة.

والبركة أيضًا تكون في الوقت، فإنَّ الوقتَ هو الحياة، وهو العمر، فقد يمضي اليوم كاملاً على الإنسان، ولكنَّه لا يقضي فيه شيئًا يُذكر، ولا يُنجز فيه عملاً يُذكر، فإذا بارك الله في الوقت، فإنَّه يستطيع أن يُنجز فيه من مطالبه الشَّيء الكثير، سواء كان ذلك في باب العلم، أو العمل مما يتَّصل بالعبادة، أو ما يتَّصل بمُزاولات الأعمال الدُّنيويَّة.

ولا شكَّ أنَّ أبرك الأوقات هو أول اليوم، والنبي ﷺ يقول: اللهم بارك لأمتي في بكورها[10]، فإذا استغلَّ المسلمُ هذا الوقت -أول اليوم؛ البكور- فإنَّه لا شكَّ قد أدرك بركةً عظيمةً من بركات ذلك اليوم، بل أدرك أعظم بركةٍ فيه، فبركة اليوم تحصل في الوقت.

وكذلك أيضًا ما يحصل للإنسان فيه من الفتوح التي يفتح اللهُ بها عليه من العلم الكثير بجهدٍ قليلٍ، ومُزاولات قليلة؛ يحصل له من الحفظ السَّريع، ويحصل له من تحصيل العلوم الكثيرة بجهدٍ أقلّ، هذا من البركة في باب العلم، فالبركة في أبوابٍ كثيرةٍ، ولا تنحصر في شيءٍ واحدٍ.

وهُداه الهدى: ما يحصل للإنسان من التوفيق للحقِّ، ومعرفته، ولزومه، والعمل به، والثَّبات عليه، وكلّ ذلك من الهدايات، فإذا عرف الإنسانُ الحقَّ فهذه هداية، وإذا وُفِّق للعمل به فهذه هداية، ومن الناس مَن لا يُوفَّق، وكذلك حينما يعرف أفضلَ الأعمال في غير الواجبات من أجل أن يشتغل به؛ لأنَّ العمرَ قصيرٌ، والأعمالَ كثيرةٌ، فيشتغل بالفاضل عن المفضول، فهذا كله من الهدى، وكذلك الثَّبات على ذلك إلى الممات، فهذا من الهدى، فكلّ ذلك هدايات من الله -تبارك وتعالى-.

وأعوذ بك من شرِّ ما فيه، فإذا سأل خيرَ ما فيه، فشرّ ما فيه يشمل جميع الشُّرور بأنواعها مما يتَّصل بالأمور الدِّينية، أو الأمور الدُّنيوية، فالأمور الدِّينية كالضَّلالات والشُّبهات، وكذلك أيضًا الأمور الدنيوية من الشُّرور والآفات التي تلحق البدن، والتي تلحق المال، والتي تلحق ولده، أو أهله، أو نحو ذلك مما يصل إليه من شياطين الإنس والجنّ، وغير ذلك، فكلّ هذا من الشُّرور، فيتعوّذ من شرِّ ما فيه، وشرِّ ما بعده.

ثم إذا أمسى فليقل مثل ذلك يعني: يقول: "أمسينا وأمسى الملكُ لله ربِّ العالمين، اللهم إني أسألك خيرَ هذا المساء: فتحه، ونصره، ونوره، وبركته، وهُداه، وأعوذ بك من شرِّ ما فيه، وشرِّ ما بعده"، هكذا يقول.

وبعض أهل العلم يقول: إذا أمسى فليقل مثل ذلك، يعني يقول: هذه الليلة، يعني يقول: أسألك خيرَ هذه الليلة: فتحها، ونصرها، ونورها، وبركتها، وهُداها، وأعوذ بك من شرِّ ما فيها، وشرِّ ما بعدها.

هذا ما يتعلق بهذا الحديث.

والله تعالى أعلم، وصلَّى الله على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه.

  1. أخرجه أبو داود: كتاب الأدب، باب ما يقول إذا أصبح، برقم (4421)، والترمذي: كتاب الدَّعوات، باب ما جاء في الدُّعاء إذا أصبح وإذا أمسى، برقم (3313)، وضعَّفه الألباني.
  2. "الأذكار" للنووي، ت: الأرناؤوط (ص81).
  3. "نتائج الأفكار" لابن حجر (2/389).
  4. "زاد المعاد" (2/337).
  5. "تخريج أحاديث إحياء علوم الدين" (2/843).
  6. "صحيح وضعيف الجامع الصغير" (1/353) (353).
  7. في "الضعيفة" ( 5606)، و"ضعيف سنن أبي داود" (ص2).
  8. "سنن أبي داود" ت: الأرناؤوط (7/417).
  9. في هامش "جامع الأصول" (4/250).
  10. أخرجه أبو داود: كتاب الجهاد، بابٌ في الابتكار في السَّفر، برقم (2239)، وابن ماجه: كتاب التِّجارات، باب ما يُرجى من البركة في البكور، برقم (2227)، والترمذي: كتاب البيوع، باب ما جاء في التَّبكير بالتِّجارة، برقم (1133)، وصححه الألباني.

مواد ذات صلة