الأحد 20 / جمادى الآخرة / 1446 - 22 / ديسمبر 2024
(180) أذكار الصباح والمساء "أصبحنا على فطرة الإسلام وعلى كلمة الإخلاص وعلى دين نبينا محمد صلى الله عله وسلم وعلى ملة أبينا إبراهيم حنيفا مسلم وما كان من المشركين"
تاريخ النشر: ٢١ / شعبان / ١٤٣٥
التحميل: 2386
مرات الإستماع: 2032

الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله.

أما بعد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته،

نواصل الحديث -أيّها الأحبّة- في هذه الليلة عن الأحاديث الواردة في الأذكار التي تُقال في الصَّباح والمساء، فمن ذلك: ما جاء عن عبدالله بن عبدالرحمن بن أبزى، عن أبيه -رضي الله عنهما- قال: كان النبيُّ ﷺ إذا أصبح قال: أصبحنا على فطرة الإسلام، وكلمة الإخلاص، ودين نبينا محمدٍ ﷺ، وملّة أبينا إبراهيم حنيفًا مسلمًا، وفي روايةٍ: وعلى دين نبينا محمدٍ، وعلى ملَّة أبينا، وفي آخره: وما كان من المشركين، وفي روايةٍ: أصبحنا على الفطرة والإخلاص، ودين نبينا محمدٍ، وملَّة أبينا إبراهيم حنيفًا مسلمًا، وما أنا من المشركين.

هذه الألفاظ جاءت روايات الحديث بها، وقد أخرجه الإمامُ أحمد[1]، والدَّارمي[2]، والنَّسائي في "السنن الكبرى"[3]، هذا الحديث صححه النَّووي[4]، والعراقي[5]، ومن المعاصرين الشيخ عبدالعزيز بن باز[6]، والشيخ ناصر الدين الألباني -رحمه الله-[7]، فكل هؤلاء حكموا بصحّته، وقال الحافظُ ابن حجر: رجاله مُحتجٌّ بهم في الصَّحيح، إلا عبدالله بن عبدالرحمن، وهو حسن الحديث[8].

"عن عبدالله بن عبدالرحمن بن أبزى، عن أبيه"، عبدالرحمن بن أبزى أدرك النبيَّ ﷺ، وصلَّى خلفه، فهو معدودٌ في الصَّحابة، وابنه عبدالله من التَّابعين.

قال: "كان النبيُّ ﷺ إذا أصبح"، وقلنا: بمعنى: دخل في الصَّباح.

"قال: أصبحنا على فطرة الإسلام" يعني: دخلنا في الصَّباح على فطرة الإسلام.

والفطرة في أصلها تُقال: للخلقة، ومنه الفطر، يُقال: الفطرة من الفطر، والخلقة من الخلق، ثم صار ذلك يُستعمل للخلقة القابلة لدين الحقِّ، والتي لم يحصل لها تغيُّرٌ أو دنسٌ بالشِّرك، أو تحولٌ إلى دينٍ غير دين الإسلام، أو ما يُكدر هذه الفطرة ويُغيرها، والله يقول: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا [الروم:30]، هي الدِّين الحقّ، والتوحيد الخالص لله ربِّ العالمين، والنبي ﷺ يقول: كل مولودٍ يُولَد على الفطرة، فأبواه يُهودانه، أو يُنصرانه، أو يُمجِّسانه[9]، ولم يقل: بأن أبويه يجعلناه مسلمًا؛ لأنَّه يُولد على الفطرة، والفطرة هي الإسلام، فهذا هو الأصل، فيحصل الانحرافُ لمن انحرف، وسلك طريقًا غير الإسلام، فيكون قد خرج من مُقتضى الفطرة.

والحافظ ابن القيم -رحمه الله- يُفسّر الفطرة بنحو هذا: بأنها ما فطر اللهُ عليه عبادَه من محبَّته وعبادته وحده لا شريكَ له، والاستسلام له عبوديةً وذلاً وانقيادًا وإنابةً، فهذا هو توحيد خاصَّة الخاصَّة[10]، يعني: هذا التوحيد الخالص الذي مَن رغب عنه فهو من أسفه السُّفهاء، كما قال الله : وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ [البقرة:130]، فهذا هو دين إبراهيم -عليه الصَّلاة والسلام-، قال الله: وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [البقرة:130-131]، فدينه هو الإسلام.

وكلمة الإخلاص وهي كلمة التوحيد: شهادة أن لا إله إلا الله، التوحيد الخالص من شوائب الشِّرك بجميع أنواعه.

وعلى دين نبينا محمدٍ ﷺ وهذا أخصّ مما قبله، يعني: دين الإسلام هو الدِّين الذي كان عليه جميعُ الأنبياء -عليهم الصَّلاة والسلام-، وأمَّا دين نبينا محمدٍ ﷺ فهذا أخصّ مما قبله، فهي الشَّريعة التي جاء بها؛ إذ إنَّ شرائع الأنبياء مُتعددة، وأصل الدِّين التوحيد (واحد)؛ ولهذا قال الله : إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ [آل عمران:19]، وقال عن إبراهيم ﷺ: إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [البقرة:131]، وكذلك أيضًا: وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ۝ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ [البقرة:132-133] ... الآية، فدين الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- هو الإسلام، هو التوحيد لله -تبارك وتعالى-.

فما جاء به النبيُّ ﷺ من عند الله قولاً وعملاً واعتقادًا هذا دين نبينا ﷺ.

وعلى ملَّة أبينا إبراهيم إبراهيم هو أبونا؛ لأنَّ العربَ من ذُرية إسماعيل ، وإسماعيل بن إبراهيم ، فهو أبو العرب؛ لأنَّه من نسل إسماعيل.

وحينما يُعلَّم المسلمون أن يقولوا: "على ملَّة أبينا إبراهيم"، والأعاجم قد لا يكونون كذلك، وإنما الذين من ذُرية إبراهيم هم العرب وبنو إسرائيل، فإذا قال قائلٌ من المسلمين ممن لم يكن ينتسب إلى إبراهيم ، فإنَّ ذلك يكون هنا من باب التَّغليب: وعلى ملَّة أبينا، فهو أبو العرب في النَّسب، وغيرهم من الهنود والفرس ونحو ذلك لا ينتسبون إلى إبراهيم ، بل ليس كل العرب ينتسبون إلى إبراهيم ، كما هو معلومٌ.

وعلى كل حالٍ، هذا من باب التَّغليب، أو باعتبار أنَّ الأنبياء -عليهم الصَّلاة والسَّلام- هم بمنزلة الأب لأُممهم وأقوامهم، كما قال الله : النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ [الأحزاب:6]، وفي قراءةٍ غير مُتواترةٍ: "وهو أبٌ لهم"[11]، وفي القراءة الأخرى غير المتواترة: "النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وهو أبٌ لهم، وأزواجه أُمَّهاتهم"[12]، والقراءة غير المتواترة إذا صحَّ سندُها فإنَّها تُفسِّر القراءة المتواترة، كما هو معلومٌ.

فعلى كل حالٍ الأنبياء هم بمنزلة الوالد لأقوامهم، وبهذا فُسِّر على أحد الأقوال قولُ لوطٍ لقومه حينما استضاف الملائكة، يظنون أنَّهم من البشر؛ فأرادوا بهم المنكر، فقال: هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ [هود:78]، فمن أشهر الأقوال في تفسيرها: أنهنَّ بنات القبيلة، فهو بمنزلة الأب لهنَّ.

فملة أبينا إبراهيم يمكن أن تُفسّر بهذا، أو هذا، والمقصود: أنَّ إبراهيم هو أبونا الثالث، فأبونا الأول هو آدم ، وأبونا الثاني هو نوح ، فكل مَن جاء بعد نوحٍ فهو من ذُرية نوحٍ على وجه الأرض؛ لأنَّ الناس أُغرقوا، والله يقول: وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ [الصافات:77]، فلم يبقَ أحدٌ إلا وهو من نسل نوحٍ ، والأب الثالث لنا، وليس لجميع البشر: هو إبراهيم ، إمام الحُنفاء، وأهل الكتاب يُسمونه: عمود العالم، وهو أبو الأنبياء -عليهم الصَّلاة والسَّلام-؛ لأنَّ جميع الأنبياء الذين جاءوا بعده كانوا من ذُريته، من أنبياء بني إسرائيل، ونبينا ﷺ من ولد إسماعيل، وجميع أهل الملل متَّفقة على تعظيمه، وتوليه، ومحبَّته، وادِّعائه، واليهود يقولون بأنَّ إبراهيم كان على اليهودية، والنَّصارى يقولون: كان على النَّصرانية. فردّ الله  عليهم ذلك: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا [آل عمران:67]، فكان على الإسلام والتوحيد الخالص، وأمَّا اليهودية والنَّصرانية فذلك مما ابتدعه أصحابُها بعده، وإلا فدين الأنبياء كموسى وعيسى -عليهما السلام- هو الإسلام، وليس اليهودية، ولا النَّصرانية.

فعلى كل حالٍ، كل الطَّوائف تدَّعي إبراهيم ؛ اليهود والنَّصارى وأتباع النبي ﷺ، والله يقول: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا [آل عمران:68]، فهم أولى الناس به.

حنيفًا الحنيف يُفسّر أحيانًا بلازم المعنى، فيقولون: المائل عن الأديان الباطلة، فالحنف بمعنى: الميل، مائلٌ عن الأديان المنحرفة إلى دين الإسلام، وهو التوحيد، ويُقابل ذلك الإلحاد، فاللّحد يُقال للميل، لكنَّه الميل عن الحقِّ والدِّين الصَّحيح.

وبعض أهل العلم: كالحافظ ابن القيّم -رحمه الله- يقول: بأنَّ ذلك من قبيل التَّفسير باللَّازم[13]، وأمَّا التفسير بالمطابق؛ يعني: في أصل المعنى للحنيف، فهو المقبل على الله، المعرِض عمَّا سواه، وأنَّ مَن فسَّره بالمائل لم يُفسّره بموضوع لفظه، وإنما فسَّره بلازم معناه؛ إذ إنَّ الحَنَفَ في أصل المعنى هو الإقبال، فمَن أقبل على شيءٍ مال عن غيره، ومن هنا كان الحنفُ في القدمين؛ يكون بإقبال إحداهما على الأخرى، ويلزم من ذلك ميلها عن جهتها.

والأحنف بن قيس كان من أجود العرب، ومن أهل السَّماحة والحلم، كان فيه حنف، وهو ميلٌ في إحدى القدمين إلى الأخرى، فلُقِّب بالأحنف، فكانت أمُّه تُرقّصه وهو صغيرٌ، وتقول:

والله لولا حَنَف في رجله  
ودقّة في ساقه من هُزْلِه  
ما كان في فِتْيَانِكم مِنْ مِثْلِه[14]  

فهذا أصل الحنف: حَنِيفًا مُسْلِمًا أي: مُنقادًا، مُستسلِمًا، بحيث لا يلتفت إلى غير ذلك، وليس في قلبه التفاتٌ إلى غير الله، ولا عبادةٌ لغير ربِّه وفاطره وخالقه ، وقد جاء عن النبي ﷺ: بُعثتُ بالحنيفية السَّمحة[15].

وما أنا من المشركين هذا ردٌّ على المشركين من العرب الذين يدَّعون أنَّهم على دين إبراهيم ، فلم يكن يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وتأمّل في هذه الألفاظ، كما يقول الحافظُ ابن القيم -رحمه الله-: كيف جعل الفطرةَ للإسلام: أصبحنا على فطرة الإسلام؟ فهو دين الفطرة، وهو فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا [الروم:30][16].

ثم قال: وكلمة الإخلاص هي شهادة: أن لا إله إلا الله، وجعل الملّة لإبراهيم ، فإنَّه صاحب الملّة، وهي التوحيد وعبادة الله تعالى وحده لا شريكَ له، ومحبّته فوق كل محبةٍ[17].

فهذا إبراهيم الخليل؛ خليل الرحمن، والخُلَّة أعلى مراتب المحبّة، وجعل الدين للنبي ﷺ، وهو دينه الكامل، وشرعه التامّ الجامع لذلك كلِّه، والله -تبارك وتعالى- سمَّى إبراهيم إِمَامًا، وأُمَّةً، وقَانِتًا، وحَنِيفًا[18].

فهذا يُردده المسلمُ كلما أصبح: أصبحنا على فطرة الإسلام، وكلمة الإخلاص، ودين نبينا محمدٍ ﷺ، وملَّة أبينا إبراهيم حنيفًا مسلمًا، وما كان من المشركين، يُردد هذا التوحيد الخالص، فكيف بمَن يكون بهذه المثابة، كيف يقع منه إشراكٌ؟! وكيف يقع منه التفاتٌ إلى مخلوقٍ يُرائيه بعمله، أو يُسمّع بعمله؛ ليحصل له إطراءٌ ومدحٌ وثناءٌ من المخلوقين؟! وكيف يصرف شيئًا من العبادة لغير بارئه وخالقه، وهو يُردد هذا الكلام: أصبحنا على فطرة الإسلام؟! وكيف بمَن كان كذلك، ثم بعد ذلك يتشبَّه بأعداء الله من اليهود والنَّصارى؛ فيكون مُضيِّعًا، مُفرِّطًا، مُكذِّبًا بهذه الدَّعوى؟! يقول: أصبحنا على فطرة الإسلام وهو يُغير الفطرة بارتكاب ما يُناقضها ويُخالفها! ويتشبّه بمَن انتكست فطرهم، وتحوَّلت تلك الفطرةُ إلى ألوانٍ من الضَّلالات والانحرافات والشِّركيات! فهذا يُناقض الإنسانُ فيه نفسه حينما لا يكون كذلك.

فمثل هذه الأذكار كما ترون -أيّها الأحبّة- لو أننا نعقل ما نقول، ونُحافظ عليها في كل صباحٍ ومساءٍ، ونعقل هذه العبارات؛ لبقينا على الصِّراط المستقيم، فلا يحصل انحرافٌ عن ذلك: لا في الظَّاهر، ولا في الباطن، فما بالنا نرى جموعًا من الشَّباب والفتيات يتشبَّهون بأعداء الله في رجسهم وضلالهم؛ فيلبسون أزياءهم، ويفعلون أفعالهم، ويتشبَّهون بهم في عاداتهم، وفي خصائصهم الدِّينية، وأفراحهم، ومُناسباتهم، وغير ذلك؟! كيف يكون هذا؟!

فهو يقول: أصبحنا على فطرة الإسلام، وكلمة الإخلاص، وأولئك قد انتكست فطرُهم، بل للأسف الشَّديد لم يعد التَّشبه باليهود والنَّصارى، والنبي ﷺ يقول: لتتبعنَّ سنن مَن كان قبلكم شبرًا بشبرٍ، وذراعًا بذراعٍ، حتى لو دخلوا جُحر ضبٍّ تبعتُموهم[19]؛ ولما سُئل النبي ﷺ عن هؤلاء الذين تُتبع سُننهم وعاداتهم: اليهود والنَّصارى؟ قال: فمَن؟[20]، يعني: فمن الناس إذًا، فالتَّشبه يحصل باليهود والنَّصارى، لكن اليوم لم يعد ذلك يقتصر على اليهود والنَّصارى، بل أصبح التَّشبه بالوثنيين: بأكلة القطط والكلاب الذين لا دينَ لهم، الذين يعبدون الأصنامَ من البوذيين، من التَّافهين، ممن لا يعرفون أديان الأنبياء -عليهم الصَّلاة والسَّلام-، ولو كانت مُحرَّفةً.

هل تعلمون أنَّه يُوجد الآن –للأسف- بعض المسلمين وبعض أهل هذه البلاد ممن نسأل الله الهداية لهم وجميع المسلمين؛ مَن يذهب ويعمل عمليات تجميلية؟! هي عمليات تقبيح، يُغير أنفه ليُشبه هؤلاء الشَّرقيين من الكوريين؛ ليكون أفطس الأنف، ويُصغر عينيه، ويبدو بهيئته وصورته الظَّاهرة كأنَّه من أهل تلك البلاد، وإذا سُئل: من أين عرفتم هذه الثَّقافة؟ ومن أين تعلَّمتم هذا العلم؟ قالوا: من المسلسلات الكورية المدبلجة والمترجمة، والفتيات يعجبن بأذواق أولئك، وبلباسهم، وأزيائهم، ولربما كانت الجيدةُ التي تسأل وتقول: ما حكم التزين بأزياء ولباس الكوريين؟

فما بقي إلا هؤلاء؟! عدمت الدُّنيا! ما بقي إلا أكلة الكلاب والقطط والحمير -أعزكم الله-؟!

هؤلاء يأكلون ما هبَّ ودبَّ ودرج، حتى أمّ حبين، كل شيءٍ يأكلونه، يأكلون الحشرات، ولما أُقيمت عندهم بعض الألعاب الأولمبية العالمية قبل سنوات أُجري لقاءٌ مع أحد المسؤولين عن الرياضة هناك، فقال: هذه فرصة أن نُعرّف العالم بثقافتنا. يعني: هؤلاء الأراذل والضُّلال أكلة هذه الأنتان يفتخرون ويعتزّون ويقولون: نُعرِّف العالم بثقافتنا! فما بال الحُنفاء أتباع الأنبياء الكبار: محمد ﷺ، وإبراهيم ، الذي كلَّما أصبح قال: أصبحنا على فطرة الإسلام، وكلمة الإخلاص، ودين نبينا محمدٍ ﷺ، وملَّة أبينا إبراهيم، ثم هو بعد ذلك يتشبَّه بهؤلاء الأراذل من الناس، ممن لا دينَ لهم؟! -نسأل الله العافية- يعبدون الأصنام، يعني: هذا أمرٌ لا يمكن أن يُتصور: كيف يقع لإنسانٍ عرف الحقَّ، وعرف هذه الملّة، وعرف هذه النِّعمة الكبرى التي أنعم اللهُ علينا بها؟!

ثم انظروا كيف تُمسخ الفِطَر؟! نحن أحيانًا نقول: هذا خلق الله، لكن لا شكَّ أنَّ هذا الخلقَ يتفاوت؛ فهيئة هؤلاء في الصُّورة الظَّاهرة ليست كهيئة العرب، ولا تُقاربها بوجهٍ من الوجوه، فيأتي هذا ويعمل عمليات تقبيح من أجل أن يكون مُشابهًا لهم في خلقتهم! الذي نعرفه أنَّ الفتنةَ في بلاد الغرب عند هؤلاء الشَّرقيين، وأكثر عمليات التَّجميل التي تُجرى في الغرب؛ أنها تُجرى من قبيل هؤلاء الشَّرقيين؛ ليكونوا مُحاكين للغرب، وأكثر ما يعملون عمليات التَّجميل في آنافهم، يُقيمون الأنف ليكون مثل الغربيين، فإذا أراد أن يفعل شيئًا زائدًا وسَّع عينيه قليلاً، هذا ديدنهم هناك في بلاد الغرب.

وسمعتُ ممن عاشوا في تلك البلاد، وممن ذهبوا إليها، يقولون: فتنة الشَّرقيين بالغرب عارمة، يعملون عمليات تجميلية، الرِّجال والنِّساء؛ ليُحاكي الغرب، فيلبس عدسات زرقاء، وتصبغ المرأة شعرها بالشّقرة من أجل أن تظهر بصورة امرأةٍ غربيَّةٍ من كل وجهٍ، فتجري هذه العملية لأنفها، ولمعالم وجهها، ويأتي من أبناء الحُنفاء، وأتباع أشرف الأنبياء، ومَن اصطفى الله لهم الإسلام دينًا، ويتشبَّه بهؤلاء بأشكالهم، وأذواقهم، وألبستهم! فهذا أمرٌ لا ينبغي إطلاقًا، فانظروا أثر هذه الأذكار، وعُمق معناها، لو كنَّا نعقل هذه الأشياء التي نُرددها.

هذا، وأسأل الله أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، ويجعلنا وإياكم هُداةً مُهتدين.

والله أعلم، وصلَّى الله على نبينا محمدٍ، وآله وصحبه.

 

  1. أخرجه أحمد في "المسند" ط. الرسالة، برقم (15364)، وقال محققو "المسند": "إسناده صحيحٌ على شرط الشَّيخين".
  2. أخرجه الدَّارمي: كتاب الاستئذان، باب ما يقول إذا أصبح، برقم (2688).
  3. أخرجه النسائي في "الكبرى": كتاب عمل اليوم والليلة، ذكر ما كان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يقول إذا أصبح، برقم (9745).
  4. "الأذكار" للنووي، ت. الأرناؤوط (ص82).
  5. "تخريج أحاديث الإحياء = المغني عن حمل الأسفار" (ص389).
  6. "مجموع فتاوى ابن باز" (30) جزءًا (26/33).
  7. "صحيح وضعيف الجامع الصغير" (18/450) (8803).
  8. "نتائج الأفكار" لابن حجر (2/402).
  9. متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب الجنائز، باب ما قيل في أولاد المشركين، برقم (1296)، ومسلم: كتاب القدر، باب معنى "كل مولودٍ يُولد على الفطرة"، وحكم موت أطفال الكفَّار وأطفال المسلمين، برقم (4803).
  10. "مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين" (3/446).
  11. "تفسير عبدالرزاق" (3/32)، و"تفسير الطبري = جامع البيان" ت: شاكر (15/414).
  12. "تفسير عبدالرزاق" (3/31)، و"تفسير القرطبي" (14/123)، و"الدر المنثور في التفسير بالمأثور" (4/457).
  13. "مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة" (1/174).
  14. "معاني القرآن وإعرابه" للزجاج (1/214)، و"البحر المحيط في التفسير" (1/634).
  15. أخرجه أحمد في "المسند" ط. الرسالة، برقم (22291)، وقال محققو "المسند": "إسناده ضعيفٌ".
  16. "جلاء الأفهام" (ص268).
  17. "جلاء الأفهام" (ص268).
  18. "جلاء الأفهام" (ص268).
  19. أخرجه البخاري: كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لتتبعنَّ سنن مَن كان قبلكم))، برقم (6775).
  20. أخرجه البخاري: كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لتتبعنَّ سنن مَن كان قبلكم))، برقم (6775).

مواد ذات صلة