الجمعة 19 / رمضان / 1445 - 29 / مارس 2024
(244) دعاء الريح " اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به"
تاريخ النشر: ٢٣ / محرّم / ١٤٣٦
التحميل: 1953
مرات الإستماع: 1641

الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله.

أما بعد: فهذا باب "دعاء الريح"، والريح معروفٌ، قالوا: الريح والرياح، وهو هذا الهواء حينما يقوى في هبوبه، فيكون ذلك سببًا بإذن الله -تبارك وتعالى- لسوق السَّحاب ونزول المطر، كما يكون سببًا لتلقيح هذا السَّحاب، ويكون سببًا لتلقيح النَّبات والشَّجر بأمر الله -تبارك وتعالى-، كما يكون سببًا للعذاب -كما هو معلومٌ.

والرياح والريح بمعنًى واحدٍ، أو مُتقارب، وإن كان كثيرٌ من أهل العلم يقولون: إنَّ الرياح تكون للخير والرحمة والمطر، والريح تكون للعذاب، وهذا ليس على إطلاقه؛ فإنَّ الله -تبارك وتعالى- يقول: حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ[يونس:22]، فعبَّر بالريح الطّيبة، وفي الأخرى: العاصف التي من شأنها أن تُغرق السفن، وما إلى ذلك مما يتخوّفه الناسُ في البرِّ والبحر، لكن الغالب في القرآن هو استعمال الريح في العذاب، والرياح فيما لا يكون كذلك.

ذكر المؤلفُ في هذا الباب حديثين:

الأول: ما جاء عن عائشةَ -رضي الله عنها- أنها قالت:"كان النبيُّ ﷺإذا عصفت الريحُ قال: اللهم إني أسألك خيرها، وخير ما فيها، وخير ما أُرسلت به، وأعوذ بك من شرِّها، وشرِّ ما فيها، وشرِّ ما أُرسلت به"، قالت:"وإذا تخيّلت السَّماء تغير لونه، وخرج ودخل، وأقبل وأدبر، فإذا أمطرت سري عنه، فعرفت ذلك في وجهه"، تقول:"فسألتُه، فقال:   لعله يا عائشة كما قال قومُ عادٍ  :فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا[الأحقاف:24]"[1]. أخرجه الشَّيخان: البخاري ومسلم.

قولها -رضي الله تعالى عنها-:"كان النبيُّ ﷺ إذا عصفت الريحُ قال: اللهم إني أسألك خيرها، وخير ما فيها"، "كان إذا عصفت الريحُ" يدلّ على أنَّ ذلك يتكرر منه إذا وجد مثل ذلك: "إذا عصفت الريح"، ومعنى "عصفت الريح" اشتدّ هبوبها، هنا وصف الريح حينما تعصف، هذهصفة كاشفة؛ لأنَّ الريح كذلك.

قال: اللهم إني أسألك خيرها، يعني: هذه الريح في ذاتها، في نفسها،وخير ما فيها يعني: من المنافع، وخير ما أُرسلت به يعني: في هذا الحين الذي جاءت هذه الريحُ به من سوق سحابٍ، أو غير ذلك مما لا يعلمه ولا يُحصيه إلا الله -تبارك وتعالى-.

فذكر هنا ثلاثة أشياء: سأله خيرها، وخير ما فيها، وخير ما أُرسلت به.

فقوله ﷺ هنا:اللهم إني أسألك خيرها هذه الريح قد تكون سببًا لكثيرٍ من الخير مما يتَّصل بالمطر، أو النبات، أو ما يتعلق بأحوال الناس العامَّة مما يتَّصل بالأوبئة والأمراض، ما يتَّصل بأشياء لا نُحصيها، ولا نعرفها، إنما نعرف بعضَها.

خذ على سبيل المثال مما لا يعرفه الحاضرون عادةً: نحن قد لا نتصور في الريح إلا نزول المطر، أو تلقيح النَّبات، وهذا إنما يعرفه أيضًا بعض الناس، لكن على سبيل المثال أهل البادية: الأغنام، المعز، والضَّأن، ونحو ذلك، ترعى في الصَّحراء، أهل الإبل يتأذّون بذلك، يتأذّون، والسَّبب هو كثرة أبوالها -أعزكم الله-، وما يحتفّ بذلك من دمها، فتُفسد عليهم المرعى، لاسيّما المعز؛ فإنها تقلع النباتَ من جذوره، هي لا ترعى كالضَّأن: تأخذ ما علا وتترك الجذور؛ ليخرج مرةً أخرى، المعز تقلعه من جذوره، وهذه البهائم من الضَّأن والمعز هي الأكثر، أكثر من الإبل، فإذا كانت في ناحيةٍ رأيت آثارها؛ فأفسدت المرعى على أهل الإبل بهذه الآثار، فتأتي الرياحُ فتدفن أثرها؛ فيفرح بذلك أهلُ الإبل، فيصير ذلك في حالٍ من العفاء بسبب الريح، يعني: تأتي طبقةٌ من الأتربة، وتكون الأرض جديدة، كأنَّ هذه الأغنام ما أتت عليها، فتُطيبها لهم، ويفرحون بهذا.

هذا مثالٌ يعرفونههم، ويُدركونه، لكن غيرهم لا يتفطن لذلك، هذا فضلاً عن أشياء كثيرةٍ جدًّا، لو بقيت رسوم الناس وآثارهم مما يكون في محال إقامتهم ومقارهم التي تقادم عهدها، أو فيما يكون طارئًا حينما يخرج الناسُ إلى البرية، ويتركون بعضَ الآثار، ونحو ذلك، اذهب بعد مدةٍ فإنَّك تجد هذه الناحية كأنَّه لم يأتِ عليها أحدٌ، كأنها بكرٌ.

هذه الأرض الممتدة التي نُشاهدها في الصَّحراء، هذه مرَّ عليها خلائق كثر، وبعض هؤلاء ما طال عهده حينما كان مُقيمًا فيها، أو كان طارئًا عليها، لكن تأتي الرياحُ وتمسح ذلك جميعًا، فكأنها أرضٌ نقيَّة ما أتى عليها إنسانٌ.

هذه أشياء قد لا يُدركها كثيرٌ من الناس، فتدفن هذه الأشياء، والأشياء التي يخلفها الناسُ ويتركونها مما يضرّ في بيئتهم، وعافيتهم، ودوابهم، وبهائمهم، أصحاب البهائم ليس لهم شغلٌ في الأوقات التي يخرج فيها الناسُ في أوقات الربيع إلى البرية إلا الجولان على هؤلاء المتنزهين، يتوسَّلون إليهم ألا يتركوا شيئًا من الآثار؛ لأنها تضرّ بدوابهم وبهائمهم، هذا معروفٌ، فتأتي هذه الرياحُ، ويكون لها هذا الغسل لهذه الأرض، حتى تكون كأنها قطعة فضّة، نظيفة، نقيَّة.

فهنا هذه الرياح قد تكون عاصفةً شديدةً،تحصل بسببها أضرار:تقلع الأشجار، تُفسد الزروع، تخرب الدِّيار، وهذا أمرٌ مُشاهَدٌ.

واليوم أصبحت هذه الأشياء تُصور في مشارق الأرض ومغاربها، يراها الناس، ويرون آثار الدَّمار بهذا الهواء اللَّطيف حينما يريد الله -تبارك وتعالى-، فيتحرّك، فيصير شيئًا آخر تمامًا؛ يُدمر ما أتى عليه بأمر الله ، وقد يكون في غاية النَّفع.

فهنا يسأل المؤمنُ خيرَها وخيرَ ما أُرسلت به، فقد تُرسل بالخير، وقد تُرسل بغيره، ويستعيذ من شرِّها، ومن شرِّ ما فيها، وماأُرسلت به، فهذا يشمل كلَّ الشُّرور التي يعرفها الإنسانُ، والتي لا يعرفها، هناك أشياء نجهلها،هناك أمراض قد تأتي مع الهواء، أوبئة تنتشر وتنتقل من ناحيةٍ لأخرى، وإذا كثر الموتُ-نسأل الله العافية- في الطَّواعين ونحوها تجد مَن يصفون ذلك يقولون: وفسد الهواء، يعني: يصير موبوءًاكالغرفة المغلقة التي يوجد فيها المحموم أو المريض؛ يفسد هواؤها، فينتقل ذلك إلى الآخرين، وكلّ ذلك بأمر الله وإرادته.

"وإذا تخيلت السَّماء"يعني: تغيَّمت، تخيّل منها المطرُ، هذا السَّحاب الذي يكون فيه رعدٌ وبرقٌ، يُخيل إلى ناظره أنه ممطرٌ، فيُقال: "أخالت السَّماء" إذا حصل لها مثل هذا النوع من السَّحاب، ولا زال الناسُ يستعملون هذا إلى اليوم، يُقال: السَّماء عليها خيال، يقصدون السَّحاب الذي يكون ممطرًا عادةً بإذن الله -تبارك وتعالى-، فهذا كثيرٌ في كلام الناس واستعمالهم وتعبيراتهم.

فكان النبي ﷺ إذا تخيلت السَّماء لم يكن يفرح ويُسرّ ويقول: جاء الخيرُ والمطر، وإنما يتغير وجهه ﷺ من الخوف؛ الخوف من الله -تبارك وتعالى-، خشية أن يكون ذلك عذابًا، وهو أتقى الأُمَّة لله -جلَّ جلاله-؛ فيُقبل ويُدبر، أقبل وأدبر خائفًا، قلقًا، يدخل ويخرج، يتطلع، لا يكون هذا عذابًا، ما هذا الذي جاء؟

فإذا أمطرت سُرّي عنه ﷺ، سُرِّي عنه يعني: يذهب ذلك الأثر في وجهه، والقلق من نفسه،حتى إنَّ عائشة -رضي الله تعالى عنها- كانت تعرف ذلك فيه، يرتفع عنه الخوفُ، وترتفع عنه آثاره.

فلمَّا سألته عن ذلك قال:   لعله يا عائشة كما قال قومُ عادٍ،   لعلَّ هذا المطر، أو لعلَّ هذا السَّحاب الذي نراه مثلما قال قومُ عادٍ، فإنَّ المؤرخين يذكرون خبرهم: بأنَّهم أصابهم الجدبُ، وبقوا في حالٍ من القحط، فصاروا ممحلين، فكانوا يتطلعون إلى المطر، ويذكرون في خبرهم أشياء هي من قبيل الرِّوايات الإسرائيلية، فالله أعلم بها.

والحافظ ابن كثير[2]-رحمه الله- ذكر في "تاريخه" جملةً منها، وذكر أيضًا كذلك أبو جعفر ابن جرير في "تاريخه"[3] في الكلام على عادٍ.

كذلك يذكره بعضُ المفسرين عند تفسير هذه الآيات التي يذكر الله  فيها خبرهم، فهم لما رأوا هذا السَّحاب -وقد كانوا يتطلعون إلى المطر-عارضًا مُستقبل أوديتهم: قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا، رأوه عارضًا، رأوا السَّحاب –يعني- مُعترضًا في السَّماء، مُستقبل أوديتهم، النَّواحي التي كانوا يرجون أن تمتلئ بالمطر، وفيها الزروع، فإنَّ المزارع تكون قِبَل الأودية، وفي تلك النَّواحي والمظانّ؛ لوجود المطر والماء.

فهنا ظنّوا أنَّه سحابٌ مُمطِرٌ:قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا، هكذا كانوا واثقين بحال هذا المطر، هذا السَّحاب عرض ليُمطر.

فقال الله ردًّا عليهم: بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ *تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا[الأحقاف:24-25]، كل شيءٍ أتت عليه مما جاءت لتدميره، مما سِيقت لتدميره،فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ[الأحقاف:25]؛ لأنَّ مساكنَهم لم تكن مما سِيقت لتدميره، وإنما سِيقت لإهلاك هؤلاء المجرمين المكذّبين -نسأل الله العافية-، فقد كانوا يستعجلون بالعذاب، يقولون لنبيِّهم -عليه الصَّلاة والسَّلام-:فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا[الأعراف:70]، فهذا قوله -تبارك وتعالى-:بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ،تُدَمِّرُتخرب كل شيءٍ من تلك البلاد والنَّاحية بِأَمْرِ رَبِّهَا.

مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ[الذاريات:42]،والرَّميم: الشَّيءالمكسَّر، الرميم: الشيء البالي الذي لا ينتفع به، جعله رميمًا، هذه الأشياء نحن لا نتصورها، لكن إذا أردتَ أن تتصور الآن تجد هذا في صور كثيرة مُوثقة بمواقع عبر الشَّبكة: تجد بيوت الناس، تجد زروعهم، تجد كهشيم المحتضر، تجد البيوت حينما يأتي عليها هذا العاصفُ أو نحو ذلك، أو يأتي عليها هذا الطوفان تتحول إلى قطعٍ صغيرةٍ تطفو فوق الماء، أمَّا الناس فلا تسأل عن حالهم، فهم أضعفمن أن يظهر لهم أثرٌ -نسأل الله العافية-.

فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ، أهلكهم الله -تبارك وتعالى-،كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ[الأحقاف:25]، فهذا بأس الله .

وكان النبي ﷺ يُدرك هذا، فكان يخاف، فهو أعلم الأُمَّة بالله ، حتى قال بعضُ أهل العلم فيمَن ذكر خبر عاد، قالوا: كانت تلك الريح ترفع الرَّاعي مع غنمه إلى السَّماء. وهذا أمرٌ لا يُستغرب، نحن نرى المركبات الكبيرة كيف تصنع بها الرياحُ؟ كيف تقلعالدُّور؟ وكيف تقلع الأشجار؟وكيف تعصف؟

والنبي في القصّة المعروفة في السيرة النبوية: مقفله من غزوةٍ، لما هبَّت ريحٌ شديدةٌ، وأمر النبي أصحابَه، الشَّاهد: أنَّ رجلاً خرج ولم يأتمر بأمر النبي ؛ فأخذته وألقته في ناحية طيء[4]، هناك في تلك النَّاحية، يعني: على بُعد مئات الكيلومترات.

فالحاصل أنَّ من السُّنة إذا هبَّت الريحُ أن يقول الإنسانُ:اللهم إني أسألك خيرها، وخيرَ ما فيها، وخيرَ ما أُرسلت به، وأعوذ بك من شرِّها... إلى آخره.

وفي هذا أيضًا الاستعداد: أن يكون الإنسانُ دائمًا يُراقب ربَّه -تبارك وتعالى-، ويخاف، فإذا رأى أمارات يتخوّف منها؛ فهنا يفزع إلى الله -تبارك وتعالى- حال اختلاف الأحوال: أشياء غير عادية في رياحٍ، في غبارٍ غير عاديٍّ،يمشي مثل الجبل الذي يزحف على المدن بصورةٍ مخيفةٍ جدًّا، ما هذا؟ هل هذا من الرحمة، أو أنَّ هذا من العذاب الذي يُخوِّف الله به عباده؟

فينبغي على العبد أن يفزع إلى الله -تبارك وتعالى- في مثل هذه الأحوال، ولا يأمن مكر الله، ولا يكون ذلك سببًا لغفلةٍ وإعراضٍ ومزيدٍ من التَّمادي في المعاصي.

واليوم أصبح الناسُ في حالٍ لا يتَّعظون فيها بما يقع لهم، أو ما يقع لغيرهم، يعني: تقع الزلازل، يقع هذا الطُّوفان ويُشاهده العالم مُصورًا، وتقع أيضًا الخسوف، والكسوف، والرياح العاتية، إلى غير ذلك مما يُشاهده الناس، ويخرج الناسُ للشَّواطئ وغيرها، معهم المكبرات التي يُشاهدون بها الشمس حال كسوفها، من غير أدنى اتِّعاظ، أو خوفٍ، ويخسف القمر ولا تكاد تجد خوفًا في القلوب، حتى الذين يُصلون صلاةَ الخسوف؛ فإنَّ الغالب أنَّ الإنسان يأتي من باب تطبيق السُّنة، أمَّا الخوف فلا تجد خوفًا يملأ القلب، إلا مَن رحم الله -تبارك وتعالى-.

وهكذا سائر النُّذر والآيات ما عادت تُؤثر في الناس، وصار ذلك يُفسّر للناس بتفسيرات ماديّة: الخسوف، والكسوف، والطُّوفان الذي يُدمر ويُهلك يفسّر بتفسيرات ماديّة، ويُعرض عن السبب الحقيقي الذي تغير به هذا النِّظام الذي أجراه الله في هذا الكون.

قبل سنين قيل عن جزيرة العرب بأنها آمنة من الزلازل، فوقع زلزالان، ثم وقع الثالثُ قبل نحو ثلاث سنوات، زلزال وقع في اليمن، وكان مُدمرًا، هائلاً، ومَن أدرك هذا قبل أكثر من عشرين سنة، هذا كان بعد هذا التَّصريح بمدةٍ بسيطةٍ، والزلزال الآخر وقع في البحر الأحمر، والآن قبل نحو ثلاث سنوات زلازل متكررةفي بعض نواحي الحجاز، فالله على كل شيءٍ قدير.

وما حول المدينة فقط -المدينة النبوية- يذكر العارفون بعلوم الأرض أنَّه يوجد أكثر من ثلاثمئة فوهة بركانية، وانظر بالطَّائرة، وحينما تقترب من المدينة انظر إلى الأسفل في الحرّة، ستجد الفوهات البركانية في الجبال كثيرة جدًّا، والأرض كلّها سوداء، وهذا السَّواد ما هو؟ هذه حجارة بركانية: منها القديم، ومنها الجديد، الجديد هو الذي كان في القرن السَّابع الهجري، وذكره المؤرخون، ووصفوا تلك النار التي خرجت، ولا زالت آثارها موجودة قِبَل الحرّة الشَّرقية، على طريق القصيم، قريبًا من المطار -مطار المدينة- تجد كالنَّهر تلك الحجارة.

وأمَّا الحرَّة الغربية والشَّرقية والجنوبية فهذه كلّها حجارة بركانية قديمة، يقول بعضُ مَن درسها وحللها: بأنَّ الغربية لها أكثر من أربع آلاف سنة، والشَّرقية لها أكثر من ثلاثة آلاف سنة، يمكن أن تعود هذه الأشياء إذا أراد الله -تبارك وتعالى-.

والنبي ﷺ أخبر عن النار التي تخرج من المدينة وتُضيء أعناق الإبل ببُصرى، وخرجت،وتاب الناسُ، وخرجوا من المظالم، وصاروا يدعون، ويتضرَّعون، ويتصدَّقون.

أمَّا اليوم فيمكن أن تقع أشياء من هذا القبيل -نسأل الله العافية-، ويخرج الناسُ يتفرجون، ويُصورون، ويرون أنَّ هذا من الأشياء التي يتسلون برؤيتها، ويتندرون بها.

فإذا كان فرعون وقومه كانوا يلجؤون إلى الضَّراعة والدُّعاء، يقولون:يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ[الزخرف:49]إذا أصابهم القحطُ، ونزل بهم البلاء، لما أرسل الله عليهم الجراد والقمل والضَّفادع والدَّم كانوا يتضرَّعون ويخافون.

والمشركون في مكّة لما أمحلوا وأصابهم القحطُ سبع سنين،دعا عليهم النبيُّ أن يجعلها اللهُ عليهم سنين كسني يوسف ، وأصابهم القحطُ الشَّديد، فكانوا يُناشدون النبيَّ بالله وبالرحم أن يدعو لهم، وهم كفَّار!

فأهل الإيمان أولى أن يخافوا إذا رأوا شيئًا من هذه الآيات والعِظات والعِبَر، فإذا رأى الريحَ خاف.

للأسف الشديد لما صار الناسُ يُعْطَون إجازةً إذا تغيرت الأحوال بسبب سيولٍ مُدمرةٍ، أو بسبب غبارٍ شديدٍ، أو نحو ذلك، رأينا كثيرًا من هؤلاء التلاميذ يتباشرون بإقبال هذه الظَّواهر: وجود الغبار، واستمرار الغبار؛ أن يستمرّ أيامًا من أجل ألا يذهبوا إلى المدارس، هكذا صار نظرُ الناس لمثل هذه القضايا.

نسأل الله العافية والهداية للجميع، وأن يُحيي قلوبنا بالإيمان، وأن يعمرها بالتَّقوى، إنه سميعٌ مجيبٌ.

والله أعلم، وصلَّى الله على نبينا محمدٍ، وآله وصحبه.

 

 

  1. متفق عليه:أخرجه البخاري: كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في قوله: {وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} [الفرقان:48]، برقم (3206)، ومسلم: كتاب صلاة الاستسقاء، باب التَّعوذ عند رؤية الريح والغيم، والفرح بالمطر، برقم (899).
  2. انظر: "البداية والنهاية" ط. هجر (1/295-296).
  3. انظر: "تاريخ الطبري" (1/222)، (1/225).
  4. أخرجه البخاري: كتاب الزكاة، باب خرص الثّمر، برقم (1481).

مواد ذات صلة