الخميس 19 / جمادى الأولى / 1446 - 21 / نوفمبر 2024
(245) تابع دعاء الريح " اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها "
تاريخ النشر: ٢٤ / محرّم / ١٤٣٦
التحميل: 2159
مرات الإستماع: 1622

الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله.

أما بعد: ففي باب (دعاء الريح) أورد المؤلفُ حديثَ أبي هريرة  قال: سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول: الريحُ من روح الله، يقول سلمة:"فروح الله تأتي بالرحمة، وتأتي بالعذاب، فإذا رأيتُموها فلا تسبّوها، وسلوا الله خيرها، واستعيذوا بالله من شرِّها".

قد أوردها المؤلفُ بهذه الصِّيغة: "اللهم إني أسألك خيرَها، وأعوذ بك من شرِّها".

أخرجه أبو داود[1]، وابن ماجه[2]، وقد سكت عنه أبو داود، وما سكت عنه فهو صالحٌ، وصححه ابنُ حبان[3]، وحسَّنه النَّووي[4]، والحافظ ابن حجر قال:"حسنٌ صحيحٌ، ورجاله رجال الصَّحيح إلا ثابت بن قيس"[5]، كما صححه الشيخ ناصر الدين الألباني[6]-رحمه الله-.

قوله ﷺ: الريح من روح الله، من روحه، قالوا: المعنى أنه يُرسلها من رحمته لعباده، ولُطفه بهم.

ففسّر الروح هنا بالرحمة؛ يُريح بها عباده.

قالوا: ومنه قوله -تبارك وتعالى-:فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ[الواقعة:89]،والمقصود بهذه الإضافة: أنها من روح الله، أنَّ هذه إضافة خلقٍ، إضافة مخلوقٍ إلى خالقه، يعني: الروح التي خلقها الله -تبارك وتعالى-، فهذه إضافة خلقٍ، إضافة ملكٍ، لا إضافةَ وصفٍ.

وذلك كما قال شيخُ الإسلام[7]-رحمه الله- وغيره: بأنَّ كلَّ ما يُضاف إلى الله -تبارك وتعالى-، المضافات إلى الله على أنواع:

منها: أعيان قائمة بنفسها: كبيت الله، وناقة الله، فهذه إضافة مخلوقٍ إلى الخالق، تقول: أرض الله، وسماء الله، الناس هم خلق الله، فهذه إضافة مخلوقٍ إلى خالقه، هذه الأعيان المتشخصة في الخارج، تقول: المساجد بيوت الله، سواء كانت هذه الإضافة: إضافة تشريفٍ، أو إضافة خلقٍ مجرد، المهم أنَّها إضافة إلى المالك، إلى الخالق :نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا[الشمس:13]، النَّاقة هي التي خلقها الله، وهكذا بيت الله وأرضه، وما إلى ذلك، فهذا كلّه إضافة ملكٍ.

النوع الثاني: ما كان من قبيل الأوصاف، وما لا يقوم بنفسه، وإنما يقوم بغيره، فإن كان قائمًا بمخلوقٍ؛ فهذا المخلوق تكون إضافتُه أيضًا إضافةً إلى الخالق باعتبار الخلق أو الملك، قد تكون إضافةَ تشريفٍ، الله يقول في حقِّ عيسى ﷺ: وَرُوحٌ مِنْهُ[النساء:171] أي: مُبتدأة منه، خلقها -تبارك وتعالى-، وكذلك قال في خلق الإنسان:فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي[الحجر:29]، فهذه الروح المخلوقة التي تقوم بالإنسان هي لا تقوم بنفسها، ولكن تقوم بالإنسان.

فهذا الذي يقوم بغيره، لا يقوم بنفسه، وإنما يقوم بمخلوقٍ، هذه أيضًا إضافة خلقٍ.

النوع الآخر من المضافات: ما كان من قبيل الأوصاف؛ ما لا يقوم بنفسه، ولا يقوم بغيره من المخلوقين، فهذا يكون من قبيل إضافة الصِّفة: كرحمة الله، وقُدرة الله، وعزَّة الله، وما إلى ذلك من أوصاف الكمال التي أضافها -تبارك وتعالى- إلى نفسه.

فهذه الروح قال: "تأتي بالرحمة"، يقول سلمة -هو أحد رواته-:"روح الله تأتي بالرحمة، وتأتي بالعذاب"، تأتي بالرحمة لمن أراد الله رحمته.

أنواع الألطاف تارةًتكون مما يسوق السَّحاب، أو يلقحه، أو كانت هذه مما يُلقح النبات، أو كانت هذه مما يكون به النَّصر على الأعداء، كما قال النبي ﷺ:نُصرتُ بالصّبا[8]،والصّبا: هي الريح التي تأتي من قِبَل المشرق، فهذا من ألطافه -تبارك وتعالى-، هذا من رحمته: نصر المؤمنين، أن تُرسل هذه الرياح على الكافرين فتكون عذابًا على أقوامٍ، ورحمةً لأقوامٍ؛ رحمة لأهل الإيمان، وعذاب على هؤلاء المجرمين، فهي تأتي بالرحمة، وتأتي بالعذاب.

قال:"فلا تسبُّوها"، يعني: إذا وقع منها ضررٌ، أو نحو ذلك،"فإنها مأمورة"، مقهورة، مُسيرة، مُدبّرة لله -جلَّ جلاله-، ولا يصحّ سبّ الريح، فهذا من العظائم؛ لأنَّ سبَّها يرجع إلى مُرسلها -تبارك وتعالى-.

من الناس مَن تكون له مصالح؛ فيجزع ويتسخّط إذا نزلت الألطافُ الربانية،وبعض الناس قد يكون له زرعٌ قد يفسد من المطر قبل أوانه، أو نحو ذلك، فإذا رأى السَّحاب كره ذلك، وإذا نزل المطرُ وفسد عليه زرعه، فهو لا ينظر إلا إلى مصلحته، لا ينظر إلى المصالح العامَّة، فيكره ذلك، وربما سبَّ المطر،وربما كان ذلك سببًا لخراب عُمرانه، أو بُنيانه، أو كان خرابًا لتجارةٍ لم يحترز لها؛ فيتسخط ويصدر منه من سبِّ المطر، أو سبِّ هذه الألطاف والريح ونحو ذلك ما لا يحلّ له بحالٍ من الأحوال، فيكون ذلك من كبائر الذُّنوب، من الكبائر.

وكذلك ما يفعله بعضُ السُّفهاء إذا نزل المطرُ، ثم بعد ذلك رأى أنَّ سيارته قد تلطخت بالوحل، أو علقت بالوحل، أو أنَّ مسالك الدَّار أو نحو ذلك قد تعطلت؛ فإنَّه قد يسبّ المطر، ويكره المطر، ويسبّ مَن استسقى، فهذا يقع من بعض السُّفهاء، وتصدر منهم كلمات لا تليق بحالٍ من الأحوال، فهي مُرسلة.

فهذه التي قد تأتي بالعذاب، هي أيضًا من روح الله -تبارك وتعالى-، مع أنها جاءت بالعذاب، باعتبار أنَّ العذاب لهؤلاء القوم من الظَّالمين المجرمين هو رحمة لأهل الإيمان، ويُؤيد ذلك قول الله -تبارك وتعالى-:فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[الأنعام:45]، فحمد نفسه بعدما ذكر هلاك هؤلاء وقطع دابرهم.

وقل مثل ذلك حينما نزَّه نفسه في أول سورة الحشر، وتمدح بذلك: هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ[الحشر:2]، بعدما ابتدأ السورةَ بالتَّسبيح، وذكر الأسماء الكاملة من العزّة والحكمة؛ أنَّ ذلك لم يكن ظلمًا منه -تبارك وتعالى-، فقطع دابر المجرمين والكافرين والظَّالمين لا شكَّ أنه نعمة ورحمة؛ ولهذا حمد نفسَه على ذلك.

ولهذا فإنَّ أهل الإيمان يفرحون لما يقع لأعداء الله من النَّكبات والكوارث التي يُرسلها الله بالرياح المدمرة، والأعاصير، والزلازل، والطّوفان، ونحو ذلك، فإنَّ هذا يكون روحًا لأهل الإيمان، ويكون روحًا لأهل الأرض من الدَّواب والحيوان، وغير ذلك؛ لأنَّ ما ينزل من البلاء والعذاب إنما هو بسبب ذنوب الخلق، وكفرهم وعتوهم على الله -جلَّ جلاله، وتقدَّست أسماؤه-.

أمَّا أولئك الذين يرفعون عقيرتهم إذا وقع للكافرين المكروه: من زلزالٍ، أو طوفانٍ، أو غير ذلك، وبدأوا يتعاطفون معهم، ويُنكرون على مَن أظهر الاستبشار والفرح بهذا؛ فهؤلاء -للأسف- قد جنَّدوا أنفسَهم في الذَّبِّ عن أعداء الله -، ثم لا يألون جهدًا في الشَّماتة والوقيعة في أهل الحقِّ، وأهل الصَّلاح والإيمان، يسلقونهم بألسنةٍ حدادٍ، وإذا تحدَّثوا عن الكافرين ففي مُنتهى الرحمة والرِّقة، واللُّطف والعطف، والحنو والشَّفقة، هذا لا يكون بحالٍ من الأحوال من أهل الإيمان، فنسأل الله العافية من تلك الحال.

وفيقوله:فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَإيذانٌ-كما قال بعضُ المفسرين- بوجوب الحمد عند إهلاك الظَّلمة، وهو من أجلِّ النِّعَم وأجزلها، هكذا يذكر المفسّرون.

وجواب آخر في كونها من روح الله هذه التي تأتي بالعذاب: أنَّ ذلك باعتبار أنَّ من الأشياء التي تجيء بأمر الله -تبارك وتعالى- هذه الريح: فتارةً تجيء بالرحمة، وأخرى بالعذاب، ولا يجوز سبّها بحالٍ من الأحوال، وإنما ينبغي أن يُحمد الله -تبارك وتعالى-، وأن يُجلّ ويُعظّم، فهو العليم الحكيم، يُري خلقَه آياته، هذه الريح، لا تسبّوا الريح أيًّا كان نوعها، يعني: سواء كانت رحمةً، أو كانت عذابًا.

والمتبادر أنَّ التي تُسبّ عادةً هي ريح العذاب، لكن بعض السُّفهاء قد يسبّ الريح التي تأتي بالرحمة، لما ذكرت التي تأتي بالمطر والخصب بإذن الله فيسبّها؛ لأنَّ مصلحته الشَّخصية الضّيقة تُخالف ذلك؛ عنده مواد بناء، عنده أسمنت مكشوف، عنده زرع مُعرَّض للضَّرر، أو نحو هذا؛ فيضيق ذرعًا.

وقد جاء في القرآن أنواع من الريح، ذكر بعضُ أهل العلم أنَّ للرحمة أربعًا، وأنَّ للعذاب أربعًا، فذكروا ما للرحمة: النَّاشرات، والذَّاريات، والمرسلات، والمبشرات، وذكروا للعذاب: العاصف، والقاصف، قالوا: هما في البحر. والصّرصر، والعقيم، وهما في البرّ.

وأمَّا في كلام العرب ولغة العرب -كما أشرتُ سابقًا-فهي واسعة جدًّا، وفيها أسماء لكل شيءٍ، أسماء كثيرة لكل شيءٍ، بل يذكرون ذلك بأدقّ ما يكون، يعني: يذكرون كل جزءٍ من الإنسان، كل موضع أنملةٍ: ما اسمه؟ وما اسمه في أنواع الحيوانات؟ وما قيل فيه من الشعر، لغة واسعة، مرنة، لا توجد لغة تُقاربها، فضلًا عن أن تُضاهيها، أو تتفوق عليها، لا توجد لغة مُقاربة، لغة واسعة شاسعة مثلًا.

يقولون: البليل، والبليلة، هذه ريح باردة مع ندى، عندهم الجاملة، والدّروج، هذه ريح سريعة في هبوبها ومرورها؛ تمرّ مرورًا سريعًا، عندهم الجنوب؛ لأنَّها تموج من جهة الجنوب إلى الشَّمال، عندهم الحاصبة، والحصباء، والحاصب: التي تأتي بالحصباء، تحمل معها حجارة صغيرة، وكذلك عندهم الحرجف، وهي باردة، شديدة الهبوب والبرودة، عندهم الحرور والبارح أيضًا، فهذه حارَّة، تهبّ في الليل، كل واحدةٍ لها اسم.

وكذلك عندهم أيضًا الحنون المهداج، هذه الحنون يقولون: لها مهداج، فمثل هذه تستدبر السَّحاب وتلقحه؛ فيُمطر بإذن الله -تبارك وتعالى-.

عندهم أيضًا الخريق، هذه شديدة، كأنها خرقت، وعندهم أيضًا السجسج؛ هذه ما كان فيها الهواء مُعتدلًا بين الحرِّ والبرد، ويقولون لها أيضًا: ريدة، وريدانة، وعندهم السَّموم؛ هذه ريح حارَّة، وبعضهم يقول: هذه باردة ليلًا أو نهارًا، لكن المشهور أنها الحارَّة.

وهكذا عندهم السّمهج، يعني: السّهل، وهذه على كل حالٍ بمعنى أنها سهلة، والصّبا -كما ذكرتُ- هذه التي تهبّ من جهة المشرق، والدَّبور هي التي تهبّ من جهة المغرب، وعندهم الصرصر، والخازم، هذه هي ريح باردة.

وكذلك أيضًا عندهم اللَّواقح؛ هي التي تحمل النَّدى، ثم تمجّه في السَّحاب، فإذا اجتمع في السَّحاب صار مطرًا، فهذه يُقال لها: لواقح: وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ[الحجر:22].

وعندهم العقيم أيضًا، فهذه بعضُهم فسَّرها بالدَّبور التي أُرسلت على عاد:وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ[الذاريات:41]، قيل لها: عقيم؛ لأنَّها لا مطرَ فيها، هم ظنّوا أنها تحمل المطر، لكن تبين أنها تحمل العذاب، ولا تُلقح سحابًا، ولا تُلقح نباتًا، وإنما تأتي بالعذاب.

وعندهم أيضًا المناوحة، وهي تهبّ من جهات مختلفة، لا يُدرى من أي جهةٍ بالتَّحديد.

وعندهم النَّسيم والنّسم، هذه إذا كانت ضعيفةً، خفيفةً، بطيئة الحركة، يُقال لها: نسيم.

وكذلك عندهم النَّكباء، وهي كل ريحٍ من الرياح الأربع انحرفت ووقعت بين ريحين، يعني: بدلًا من أنها مثلًا شرقية، أو جنوبية مثلًا، فوقعت شرقيةً جنوبيةً، أو شرقيةً شماليةً، أو غربيةً جنوبيةً، أو غربيةً شماليةً، بين ريحين.

وكذلك عندهم المعجاج، والهبوة، والغبرة، هذه التي تحمل التراب الدَّقيق، يُقال: عجاج، وعجّ، وعجّة، تحمل أتربةً وغبارًا.

وعندهم أيضًا الهجوم، وهي الشَّديدة التي تقتلع الخيام.

وعندهم الهيف الهوجاء أيضًا، ويُقال لها أيضًا: الهوف، فهي ريح حارَّة تأتي من قِبَل اليمن. وبعضهم يقول: هي النَّكباء التي تجري بين الجنوب والدَّبور.

وكذلك عندهم الريح الشَّمالية، ريح الشَّمال، إذا هبَّت بالسَّحاب هذه يقولون: لم يلبث أن ينحسر ويذهب.

وعندهم الزَّوبعة -هذه معروفة- التي تدور في الأرض، وترتفع إلى السَّماء، وتحمل معها التراب والغُبار، ونحو ذلك، وهي قويّة، تقتلع أحيانًا ما في طريقها، لربما المراكب والسَّيارات، ولربما البيوت أحيانًا إذا كانت قويةً، وأحيانًايكون فيها إعصارٌ فيه نار، هذه التي يُقال لها: الإعصار، إذا كانت قويةً جدًّا، فهي على مراتب، لكن يُقال لها: الزَّوبعة.

وكذلك أيضًا الرادّة، وهي الريح الهوجاء التي تذهب بكل اتجاهٍ، والإعصار مثل هذه الزَّوبعة، لكنَّها تكون عنيفةً جدًّا، وقد تحمل النَّار، وعرضتُ في الكلام على الأمثال في القرآن عند الكلام على قوله تعالى: إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ[البقرة:266] نماذج من هذا موجودة، هبَّت قبل سنين، فيها نارٌ تحرق كلَّ شيءٍ أمامها.

وكذلك عندهم أيضًا السينهوج، والسّيهج، والسّيهجة، وهي ريحٌشديدةٌ.

وكذلك الزعزاع، والزعزعان: التي تُحرِّك وتُزعزع أغصان الشَّجر بشدَّةٍ، بل تقلع الأشجار.

وكذلك أيضًا عندهم أسماء أخرى، لكن هذه جملة ما يذكره العربُ في أسمائها، يُوصلون ذلك إلى نحو ثلاثين نوعًا، أو ثلاثين اسمًا، وكلّ اسمٍ من هذه الأسماء التي ذكرت، أو عامَّة الأسماء لها أسماء أخرى أيضًا، نفس النوع له أسماء أخرى، وقد يتداخل بعضُها، هذا كلّه من سعة لغة العرب، كل شيءٍ عندهم له أسماء.

هذا ما يتعلق بالريح، وسبِّ الريح.

فالمؤمن يستبشر إذا رأى الريح التي جاءت بالمطر ونزل المطر، ولا يسبّها، ولكنَّه إذا هبَّت الريح، ورأى السَّحاب عارضًا في السَّماء؛ يخاف أن يكون ذلك عذابًا، ويقول كما علَّمنا النبيُّ ﷺ: يسأل خيرها وخير ما أُرسلت به، ويعوذ بالله من شرِّها وشرِّ ما أُرسلت به، ولا يصدر منه ما لا يليق، ويعلم أنها جندٌ من جند الله -تبارك وتعالى-، وقد سخَّرها الله -تبارك وتعالى- لسليمان:غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ[سبأ:12]، يعني: تذهب به من بلاد الشَّام إلى اليمن في أول النَّهار مسيرة شهر كاملٍ، والرَّواح بعد مُنتصف النَّهار، يعني: العودة،تكون مسيرة شهرٍ كامل، الجيش بكامله يُحْمَل على هذه الريح التي سخَّرها الله -تبارك وتعالى- له، هذا كلّه بأمر الله .

والريح التي تُسير هذه السُّفن، هذه من رحمة الله ، وإلا لبقيت: إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ[الشورى:33]، يعني: هذه السُّفن لا تمشي بالناس، ولا تنتقل.

وكذلك هذه الطَّائرات بأنواعها: ما الذي يحملها في الهواء؟ لو بقيت الريحُ مُعطّلة لما تماسك شيءٌ، وهذه الطّيور التي تتقلب في جو السَّماء وتتنقل، كلّ هذا من رحمة الله -تبارك وتعالى- بعباده.

فالمؤمن يظهر منه ما يدلّ على تعظيم المعبود، والخوف، والرَّجاء عند رؤية هذه الآيات، لا أن يكون الإنسانُ في حالٍ من الغفلة والإعراض.

واليوم استسقى الناسُ، وللأسف تجد الإقبالَ على الاستسقاء ضعيفًا، وكأنَّ الأمر لا يبدو مهمًّا لدى أكثر الناس، بل حتى الذين يستسقون في كثيرٍ من الأحيان –للأسف- لا تجد حالًا تسرّ من التوبة، والاستغفار، والضَّراعة إلى الله، حتى الذي في الغالب يخطب في الناس، إنما كأنَّ هذه الخطبة والصَّلاة تحلّت قسم؛ خُطبة مُقتضبة، مُبتسرة، يستحي المؤمنُ وهو يسمعها، يستحي من الله؛ ما فيها ضراعة، وناسٌ يفتقرون إلى الله ، ويُظهرون حاجتهم الشَّديدة، بينما النبي ﷺ حينما استسقى وهو على المنبر ما نزل إلا والمطر يتحادر على لحيته .

وهكذا في أخبار العُلماء والصُّلحاء من هذه الأُمَّة عبر التاريخ، وفي العصر الحديث كذلك الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمة الله عليه- المفتي الأسبق استسقى، ويقول لي بعضُ مَن حضر الاستسقاء: السَّماء ما فيها شيء، وجدب، فجعل يستسقي، وجعل يتضرع ويدعو في صلاة الاستسقاء بعد الصَّلاة، ويدعو ويُلحّ على الله بالدُّعاء. يقول: حتى أطال جدًّا، وشقَّ على الناس، وهو يتضرَّع إلى الله. يقول: فما ترك الدعاء حتى نزل المطر.

هذا يحكيه لي مَن حضر، أحد العُلماء المعاصرين كان حاضرًا هذه الواقعة، فهذا حسن الرَّجاء.

الشيخ عبدالرحمن ابن سعدي -رحمة الله عليه- كان في وقت جدبٍ، تأخّر نزول المطر، فذهب يُصلح الميزاب، يُطين ما حول الميزاب، ويُصلحه.

وكان الشيخُ يشتغل في بيته، وزوجته -رحمة الله عليها- كانت تذكر ما كان يصنع في البيت: يُصلح أشياء في البيت، ويُرمم ويُصلح بعضَ ما اختلَّ.

فكان يُصلح الميزابَ، فقيل له: أين المطر؟! فقال: سنستقي وسينزل المطر، يعني: انظر إلى حُسن الرَّجاء: سنستقي وسينزل المطر، يعني: فهو يستعد بإصلاح الميزاب؛ لأنَّ يقينَه بالله وثقتَه بالله قويَّة.

أمَّا نحن فبقينا سنوات نستسقي ويأتي الغُبار، بقينا سنوات على هذا، أليس كذلك؟!

فنسأل الله ألا يجعلنا من المحرومين، يعني: حتى هذه الصَّلاة التي نُصليها في الغالب هي لا تليق بأهل الفقر والحاجة والضَّراعة إلى الله ، والله المستعان.

أسأل الله أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، وأن يجعلنا وإياكم هُداةً مُهتدين.

والله أعلم، وصلَّى الله على نبينا محمدٍ، وآله وصحبه.

 

 

  1. أخرجه أبو داود: أبواب النوم، باب ما يقول إذا هاجت الريح، برقم (5097).
  2. أخرجه ابن ماجه: أبواب الأدب، باب النَّهي عن سبِّ الريح، برقم (3727).
  3. أخرجه ابن حبان في "صحيحه"، برقم (1007).
  4. "رياض الصالحين" ت: الفحل (ص481)، برقم (1728).
  5. "نتائج الأفكار" (5/120).
  6. "صحيح الجامع"، برقم (3564).
  7. "مجموع الفتاوى" (9/290).
  8. متفق عليه:أخرجه البخاري: أبواب الاستسقاء، باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم- ((نُصرتُ بالصّبا))، برقم (1035)، ومسلم: كتاب صلاة الاستسقاء، بابٌ في ريح الصَّبا والدّبور، برقم (900).

مواد ذات صلة