الحمد لله، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
قال المؤلف -رحمه الله-:
الله -تبارك وتعالى- يقول: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا [البقرة:143] وأهل العلم يتكلمون على وسطية الإسلام بين الأديان في هذا الموضع، ويذكرونه في مواضع أخرى، كما ذكر شيخ الإسلام -رحمه الله- هنا، وكما ذكر أيضًا في العقيدة الواسطية، وغير ذلك من كتبه، فدين الإسلام وسط بين الأطراف المتجاذبة، وسط في التوحيد بين اليهود التي تصف الرب بالنقائص، ويشبهون الخالق بالمخلوق، وقد مضى الكلام على هذا يصفونه بالنقائص يعني: يقولون: الله فقير ونحن أغنياء، وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ [المائدة:64] فهم ينتقصون الخالق -جل جلاله-، ولا يتأدبون معه.
يقول: "ويشبهون الخالق بالمخلوق، وبين النصارى التي تصف المخلوق بصفات الخالق التي يختص بها، ويشبهون المخلوق بالخالق" فقد قالوا عن عيسى : إنه ابن الله، وقالوا: ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ [المائدة:73] اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ [التوبة:31] فهم يرفعون المخلوق حتى يصير بمنزلة الخالق، اليهود ينتقصون الخالق حتى ينزلون صفته إلى أوصاف المخلوقين، بل إلى أوصاف أدنى المخلوقين، يقول: "فالمسلمون وحدوا الله، ووصفوه بصفات الكمال، ونزهوه عن جميع النقص، ونزهوه عن أن يماثله شيء من المخلوقات في شيء من الصفات" هذا نموذج لوسطية الإسلام بين الأديان، وإلا فإن الأبواب التي تُذكر في هذا المقام كثيرة جدًا في وسطية الإسلام، فإذا نظرتَ إلى باب الطهارة مثلاً، فاليهود يقطعون الثوب الذي تصيبه النجاسة، ولا يغسلونه، ولا يواكلون الحائض، ولا يجالسونها، وإنما تعتزل في مكان دونهم، والنصارى لا يتنزهون من النجاسات، ولا يتطهرون منها، ولا يتطهرون للصلاة، ورهبانهم أقذر الناس، وكلما كان أبعد عن الطهارة، وأعظم ملامسة للنجاسة، كان ذلك مزية عندهم، ولا يطهرون أبدانهم ولا ثيابهم من النجاسات، ويشربون الخمر، ويأكلون الخنزير والميتة.
وأما اليهود فقط حرموا طيبات أحلها الله لهم، والنصارى يعاشرون الحائض ويجامعونها، بل أكثر من هذا -أكرمكم الله- فالواحد منهم لربما يلعق فرج الحائض في وقت حيضها، وهذا يصعب ذكره، فضلاً عن تصوره فضلاً عن فعله، وللأسف ونحن نقول: عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] يبدو من أسئلة بعض الناس أنهم يشاهدون بعض الممارسات فيحاكونها، حتى في هذا، فيسألون عن قضايا كهذه، فمثل هذا لربما يتنزه عنه الكلاب، وهؤلاء لا يتنزهون عنه، وهم أكثر الناس ملامسة للكلاب من كل وجه، نسأل الله العافية، هذا حال النصارى.
في النبوات اليهود يقتلون الأنبياء، ويستكبرون عن اتباعهم، قتلوا في يوم واحد سبعين نبيًا، وأذوا موسى ، فبرأه الله مما قالوا، واستعصوا عليه كثيرًا، حتى لما قال لهم: ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ [البقرة:58] فأمرهم بدخولها، أبوا وقالوا ما قالوا، حتى قالوا له: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ [المائدة:24] فقالوا له: اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة، وعبدوا العجل، وقال لهم السامري: هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ [طه:88] يعني: نسي موسى على هذا القول، فذهب يطلب ربه عند الطور، فعبدوا العجل معه، وأقاموا عليه، وهموا بقتل هارون لما أنكر عليهم عبادة العجل، فهم أهل استكبار، يستعصون على الأنبياء، ويقتلونهم، وفعلوا ما فعلوا مع عيسى ، واتهموه وأمه بما ينزهان عنه، وأخبارهم في هذا مشهورة، وكلامهم في الأنبياء أقبح ما يكون، تكلموا حتى على كبار أنبيائهم -عليهم الصلاة والسلام-، فقالوا عن موسى : إنه آدر، أو أبرص؛ لأنه ما كان يغتسل معهم؛ لأنهم كانوا يغتسلون عراة، وقالوا عن داود أمورًا لا يحسن حكايتها، إلى غير ذلك مما قالوه عن أنبياء الله الكرام -عليهم الصلاة والسلام-.
يقول: "والنصارى يجعلون من ليس بنبي، ولا رسول: نبيًا ورسولاً" كما قالوا عن الحواريين: بأنهم رسل، وعظموا الأحبار والرهبان، حتى أوجبوا طاعتهم كطاعة الأنبياء والمرسلين؛ ولهذا قال الله : اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ [التوبة:31] فصاروا ينقادون لهم في كل شيء، يطيعونهم في تحليل الحرام، وتحريم الحلال، فجعلوهم بمنزلة المرسلين، بل أعطوهم ما لا يصلح إلا لرب العالمين -تبارك وتعالى-، فهذا حال النصارى، وهذا حال اليهود، وأهل الإسلام وسطٌ في ذلك، فهم يعظمون الإنبياء التعظيم اللائق، ولا يعطون أحدًا من سوى الأنبياء من الخصائص والأوصاف ما لا يصلح إلا للأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-.
اليهود منعوا الخالق أن يبعث رسولاً بغير شريعة الرسول الأول؛ لماذا؟ لأنهم منعوا النسخ، وقالوا: إنه يستلزم البداء، يعني: أنه بدا لله أمرٌ كان خافيًا عليه، كما يبدو للبشر، يقول شيئًا، ثم يُغيّر بعد ذلك؛ لما طرأ عليه، وبدا له مما كان خافيًا عنه، والله منزه عن هذا، وأنما يشرع بعلم وحكمة، ويشرّع في وقت ما يصلح للناس في ذلك الوقت، ثم ينسخ الله ما شاء، ويدرجهم في هذا التشريع إلى مراتب الكمال حينًا بعد حين، حتى تبلغ الأمة ما قدره الله لها من الكمالات، وشمول الشريعة، فاليهود يمنعون من النسخ، ومن ثم قالوا: لا يمكن أن يُبعث رسول بغير شريعة الذي قبله؛ ولهذا قالوا: بأن الإسلام لا يمكن أن يكون ناسخًا لشريعة موسى ، بل منعوا النسخ من أصله، أو منعه بعض طوائفهم، مع أنهم يقرون بأن شريعة موسى ، أو شريعة يعقوب كانت ناسخة لشرائع الأولين، هم يقرون بهذا، ومع ذلك يناقضون أنفسهم، فإذا جاء نبي بعد ذلك قالوا: لا نؤمن بشريعة تنسخ شريعة موسى ، ونحن نعرف أن الأنبياء إخوة لعلات كما قال النبي ﷺ: أمهاتهم شتى، ودينهم واحد[1]، فهذا معنى قوله: "فاليهود منعوا الخالق أن يبعث رسولاً بغير شريعة الرسول الأول" ليس معناه: أنهم منعوا رب العالمين، كما يقول السائل هنا: فهم لا يستطيعون هذا، ولا غيرهم، وإنما المقصود بمنعوا، أنهم قالوا: لا يمكن، ولا يقع، ولا نؤمن، ولا يصح، ولا نقر، وهم أقروا أو ما أقروا، فهذا لا يغير من حقيقة الأمر شيء، منعوا يعني في حكمهم هم، وفي تصورهم واعتقادهم، وليس معناه: أنهم منعوا رب العالمين.
والنصارى جوزوا لأحبارهم أن يُغيروا من الشرائع ما بعث الله به رسله، اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ [التوبة:31] يحلون الحرام، ويحرمون الحلال، فأعطوا هؤلاء الذين لا يمكلون هذا الحق ذلك، فصاروا ينسخون ما شاؤوا من شرائع الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-، فهذا طرف، وهذا طرف، طبعًا بالنسبة لأهل الإسلام في هذه القضية إن كان هذا قد يخفى على أحد، فالمسلمون يقرون بأن الشرائع تنسخ، وأن النسخ يقع في أمور جزئية من الشرائع، بصرف النظر عن القضايا التي لا يرد عليها النسخ، كالأخبار، وأصول الدين، وما أشبه ذلك من أصول الأخلاق، لكن تفاصيل الشريعة عمومًا يقع فيها النسخ، شريعة النبي الواحد، وكذلك الشرائع التي ينسخ بعضها بعضًا، ولا يحق لأحد أن يحلل أو يحرم من العلماء أو العباد.
فمن استسلم له ولغيره فهو مشرك، ومن لم يستسلم له فهو مستكبر، هذا بقية كلام شيخ الإسلام في هذه القضية، فهؤلاء في باب العبادات يقول: "النصارى يعبدونه بالبدع، واليهود معرضون عن العبادات" اليهود يقول شيخ الإسلام: حتى يوم السبت الذي جعلوه على أنفسهم، فإنهم يشتغلون به في الشهوات، ولا يشتغلون بالعبادة[2]، النصارى فيهم عبادة، وفيهم الرهبان، والرهبانية معروفة في النصارى، ولكنهم يتعبدون الله بغير ما شرع، يتعبدونه بالبدع والضلالات، فهم ينصبون ويتعبون، ولكن على ضلالة -نسأل الله العافية-، وأهل الإسلام يعبدون الله بما شرع، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ [الأعراف:43] فإذا نظر الإنسان في مثل هذه الأشياء فهذه نعمة عظيمة.
لو شاء ربك كنتَ أيضًا مثلهم | فالقلب بين أصابع الرحمن[3] |
وأعجب الأشياء أنك تسمع أن أحدًا من المسلمين تنصر، هذا الناقص، أهل الهداية والإيمان، الأمة الوسط، الشهداء على الناس، ثم بعد ذلك يتبع الضالين، أو يحاكيهم في قوانينهم، أو في أخلاقهم، أو في أعمالهم وأذواقهم، وما أشبه ذلك، يلتمس الهداية والكمال عندهم، وهم أضل الناس، حتى قال بعض أهل العلم: بأن النصارى وصمة في جبين البشرية، عار، حيث قالوا: إن الإله نزل وصلب ودفن، كل هذا فداء للخطيئة، وما أشبه ذلك من مقالتهم المعروفة.
مضت الإشارة إلى هذا، فهم لا يتطهرون، بل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يقول: حتى أنهم يتعبدون بالنجاسات، كالبول والغائط[4]، وهذا أمر مشاهد، ولربما إذا سافر بعض العقلاء إلى بلادهم وخالطوهم، رأوا ذلك، أو من سافر معهم سفرًا طويلاً بسيارة، لربما لم يطق المكان الذي هو فيه، ما يتنزهون عن النجاسات، وقليل الإشارة يكفي عن كثير من العبارة.
فهم -كما سبق- لا يغتسلون من الجنابة، ولا يتطهرون للصلاة، وعبادهم ورهبانهم أكثر الناس ملابسة للنجاسات؛ وذلك مزية في نظرهم، كلما كان أبعد عن الطهارة وأكثر ملابسة للنجاسة هذا ذكره شيخ الإسلام في أكثر من هذا الموضع، وهو من أعرف الناس بهؤلاء.
وفي قوله: "واليهود حرمت عليهم طيبات أحلت لهم" شيخ الإسلام له كلام جيد في هذا الموضع، في المجلد الخامس صفحة (172) حيث يقول: "واليهود حرمت عليهم طيبات أحلت لهم، فهم يحرمون من الطيبات ما هو منفعة للعباد، ويجتنبون الأمور الطاهرات مع النجاسات، فالمرأة الحائض لا يأكلون معها، ولا يجالسونها، فهم في آصار وأغلال، عُذبوا بها، فأولئك يتناولون الخبائث المضرة، مع أنّ الرهبان يحرمون على أنفسهم طيبات أحلت لهم، -يعني: يشبهون اليهود من هذا الوجه- فيحرمون الطيبات، ويباشرون النجاسات، وهؤلاء يحرمون الطيبات النافعة، مع أنهم من أخبث الناس قلوبًا -يعني: اليهود-، وأفسدهم بواطن، وطهارة الظاهر إنما يقصد بها طهارة القلب، فهم يطهرون ظواهرهم، وينجسون قلوبهم"[5]، كما قلنا لكم: النجاسة في الثوب يقرض بالمقراض -بالمقص- يقطع موضع النجاسة، ولا يغسل، وفي المقابل قلوبهم مليئة بالنجاسات، فهم من أقذر الناس قلوبًا.
هناك وسطية الإسلام بين الأديان، وهنا وسطية أهل السنة بين الطوائف والفرق، ويوجد في هذا كتابات، وفي رسالة علمية مطبوعة أسمها: (وسطية أهل السنة بين الفرق) للدكتور: محمد باكريم، في مجلد، جمع فيها ما تفرق من كلام شيخ الإسلام -رحمه الله- وغيره.
أهل السنة بالنسبة للفرق كأهل الإسلام بالنسبة لأهل الديانات، فكما أن أهل الإسلام وسط بين أهل الأديان، فكذلك أهل السنة وسط بين الطوائف المنتسبة للإسلام، فهذا في جميع الأبواب.
يقول: "فهم في علي وسط بين الخوارج والروافض" فالروافض غلوا فيه، وأضفوا عليه من أوصاف الإلهية، وقالوا: إنه معصوم، والخوارج كفروه وقاتلوه.
"وفي عثمان بين المروانية والزيدية" المروانية يقصد بني مروان، فبنو مروان من أهل الشام كانوا يفضلون عثمان على علي -رضي الله تعالى عنه-، ويقدمونه عليه، وهذا لا إشكال فيه، لكنهم كانوا أيضًا يبغضون عليًا، ويسبونه.
والزيدية يفضلون عليًا -رضي الله تعالى عنه-، ويقدمونه على عثمان، وأهل السنة وسط، يقدمون عثمان على علي ، ولكنهم لا يسبون عليًا، بل يتولونه ويحبونه، وهذه الطوائف كالمروانية كانوا يبغضون عليًا ويسبونه، لكن قد لا يصل الأمر إلى حد أنهم يحكمون بكفره، إنما فعل ذلك الخوارج، فكانوا يرون أن الحق معهم، ومع معاوية -رضي الله تعالى عنه-، وليس مع علي، وأما الغلاة من الطوائف كالرافضة مثلاً، فإنهم يغلون في علي ، والخوارج يغلون في بغضه ويكفرونه.
فالخوارج والمعتزلة يقولون: إن فاعل الكبيرة مخلد في النار، هذا باب يسمونه باب الوعيد (باب الأحكام)، وفي باب الأسماء، الخوارج يقولون: كافر، والمعتزلة يقولون: فاسق ملي، فيسلبقون عنه اسم الإيمان، والمرجئة من الغلاة يقولون: لا يضر مع الإيمان ذنب، وفي باب الإسماء المرجئة يقولون: هو كامل الإيمان، فأهل السنة وسط، فيقولون: إن العصاة ليسوا بمخلدين في النار، ولا يحكم بكفرهم، ولا يسلب عنهم اسم الإيمان أو مطلق الإيمان، ويرجى لهم المغفرة، أو الشفاعة، أو غير ذلك من الأمور التي تغفر بها ذنوبهم، وتكفر سيئاتهم، كما سبق في المكفرات العشرة للذنوب، ويخاف عليهم من معاصيهم وذنوبهم، وأهل السنة وسط، فلا يقولون: هذه المعاصي لا تضر، بل يقولون: تضر، وتنقص الإيمان، ولكنه لا يكفر بها، ولا يخلد في النار.
القدرية في باب القدر من المعتزلة، فهم يقولون: بأن الله لم يقدر أفعال العباد، وأن العبد يخلق فعله، والجبرية يقولون: بأن الله خلق أفعال العباد، وأجبرهم عليها، فالعبد عندهم كريشة في مهب الريح، ليس له قدرة ولا مشيئة ولا إرادة، هؤلاء المجبرة، وأهل السنة يقولون: بأن الله خلق أفعال العباد، وأعطاهم قدرة ومشيئة وإرادة، ولكن -كما قال-: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:29].
لاحظ هنا عبّر بالممثلة، وهذا أدق من التعبير بالمشبهة، وسط بين الممثلة الذين يقولون: إن صفات الخالق مثل صفات المخلوق، والمعطلة الذين نفوا أوصاف المعبود ، فرارًا من التمثيل، أرادوا التنزيه فعطلوه، فأهل السنة أثبتوا ما وصف به نفسه، أو وصف به رسوله ﷺ، ولكن قالوا: على الوجه الذي يليق بجلاله وعظمته، فليست كأوصاف المخلوقين، ولا أيضًا نعطل هذه الصفات بحجة أن ذلك يقتضي مماثلة المخلوقين، فهم وسط.
كلامه هذا له بقية مفيدة في صفحة 172 يقول فيها: "والمقصود أن كل طائفة سوى أهل السنة والحديث"[6] اسمعوا هذا الكلام، واعتزوا بما عندكم، فأهل السنة هم أهل الحق، وهم الذين يحتكرون الحق، لا كما يقول بعض المفتونين اليوم: لا يوجد طائفة تحتكر الحق، الحق موزع عند الطوائف، فخذ من هؤلاء الصواب الذي عندهم، ومن هؤلاء الصواب الذي عندهم، ومن هؤلاء الصواب الذي عندهم، وإلا ستكون محتكر للحقيقة، هذا يدرسونه في البرمجة العصبية، فيبرمجون الناس على هذا، وهذا من أبطل الباطل.
يقول بعد هذا: "والمقصود أن كل طائفة سوى أهل السنة والحديث، المتبعين آثار رسول الله ﷺ فلا ينفردون عن سائر طوائف الأمة، إلا بقول فاسد، لا ينفردون قط بقول صحيح، وكل من كان عن السنة أبعد كان انفراده بالأقوال والأفعال الباطلة أكثر، وليس في الطوائف المنتسبين إلى السنة أبعد عن آثار رسول الله ﷺ من الرافضة"[7]؛ لأن مخالفات الرافضة فجة، وخلافهم لأهل السنة مقصود، يتعمدون مخالفتهم، فهذا الكلام في غاية النفاسة والأهمية، فلا يوجد عند أحد شيء ينفرد به عن أهل السنة، إلا وهو باطل فاسد، فالحق عند أهل السنة، نعم قد يوجد عند بعض الطوائف الصواب، لكن هذا الصواب الذي عندهم موجود عند أهل السنة بأكمل الصور وأوفاها، فهذا الذي نعتقده، وندين الله به، إذًا ما الحاجة أنك تنظر إلى هؤلاء ماذا عندهم؟ وهؤلاء ماذا عندهم؟ فيأتي الإنسان كأنه متهوك فيها، يبحث عن الحق عند الطوائف المنحرفة الضالة، بحجة أنه لا توجد طائفة تحتكر الحقيقة والحق، بفلسفات يروجونها على من لا بصر له، فيصدق ذلك ويعتقده، ثم يذهب ويقرأ عند هؤلاء وهؤلاء وهؤلاء، ويقول: يمكن عندهم حق، هؤلاء ما عندهم حق، هم على باطل، وما وجد عندهم من حق، فهو موجود عند أهل السنة، إذًا ما الحاجة للقراءة في كتبهم وسماع كلامهم وخطبهم ودروسهم ومحاضراتهم؟!
ولهذا كانت الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- كأبي بكر الصديق، وابن مسعود، إذا اجتهد الواحد منهم قال: أقول فيها برأيي، كما قال أبو بكر في الكلالة[8]، وكما قال ابن مسعود في المفوضة التي مات زوجها، ولم يسمِّ لها صداقًا، قال: أقول فيها برأيي، فإن كان صوابًا فمن الله، وإن كان خطأً فمني، ومن الشيطان[9].
فأهل السنة الحق الذي معهم والصواب، كل ذلك من جهة الرسول ﷺ، ولا ننكر أن يقع الخطأ لآحاد العلماء، فكل يُؤخذ من قوله ويرد، وهم مقرون بذلك، وينهون عن تقليدهم، ويعلمون أنهم يصيبون ويخطؤون، فإذا كان كبارهم، كأبي بكر وابن مسعود يقول: أقول فيها برأيي، فإن كان صوابًا فمن الله، وإن كان خطأً فمني ومن الشيطان، فهذا أمان بإذن الله من الزيادة في الشريعة، ومن تغييرها وتبديلها وتحريفها، فهؤلاء الذين رفع الله قدرهم، سواءً كانوا من الأفراد من الأئمة والعلماء الذين يُقتدى بهم، أو كان ذلك في الطوائف أو الدول، فإنما كان ذلك بقدر موافقتهم لما جاء به الرسول ﷺ، ونصرتهم للحق الذي تلقوه عنه، أما الأشياء التي أنحرف فيها من أنحرف، فأنهم لم يرتفعوا فيها قط، كالعلوم الكلامية، وفلسفات البدع والضلالات، والتصوف، وما أشبه ذلك، فبقيت هذه أشياء منكرة ومرفوضة لدى العلماء المحققين، وهنا له كلامٌ في هذه القضية، في صفحة (182) أيضًا هو في غاية الأهمية، وكلامه -رحمه الله- في هذه القضايا، ينبغي أن يُعتنى به، وأن يقيد، وأن يردد كثيرًا، بحيث إن الإنسان يعقله ويضبطه، يقول -رحمه الله-: "فإن المقصود أن الحق دائمًا مع سنة رسول الله ﷺ، وآثاره الصحيحة[10]، يقول: وإن كان كل طائفة تضاف إلى غيره إذا انفردت بقول عن سائر الأمة لم يكن القول الذي انفردوا به إلا خطأ، بخلاف المضافين إليه -يعني أهل السنة والحديث- فإن الصواب معهم دائمًا، ومن وافقهم كان الصواب معه دائمًا؛ لموافقته إياهم، ومن خالفهم فإن الصواب معه دونهم، في جميع أمور الدين، فإن الحق مع الرسول، فمن كان أعلم بسنته، وأتبع لها كان الصواب معه"[11]، هذا الكلام يُؤذي أصحاب الفلسفات قديمًا؛ ولهذا قاموا عليه -رحمه الله-، ويُؤذي أيضًا المعاصرين منهم؛ ولهذا بعضهم يردد في المجالس بأنه لن يمكن التخلص من التكفير، حتى نتخلص من ثلاثة: الإمام أحمد، وابن تيمية، وابن عبد الوهاب، هكذا يقول، فهو شجن في حلوقهم -رحمه الله-.
يقول: "وهؤلاء الذين لا ينتصرون إلا لقوله، ولا يضافون إلا إليه، -أهل السنة- وهم أعلم الناس بسنته، وأتبع لها، وأكثر سلف الأمة كذلك، لكن التفرق والاختلاف كثير في المتأخرين، والذين رفع الله قدرهم في الأمة، هو بما أحيوه من سنته ونصرته"[12]، وذكر الكلام الذي سمعتم، فيحسن مراجعة ذلك، والوقوف عنده.
255- "وأداء الواجب له مقصودان:
أحدهما: براءة الذمة، بحيث يندفع عنه الذم والعقاب المستحق بالترك، فهذا لا تجب معه إعادة الصلاة التي ترك الخشوع فيها، فإن الإعادة يبقى مقصودها حصول ثواب مجرد، وهو شأن التطوعات، لكن حصول الحسنات الماحية للسيئات، لا يكون إلا مع القبول الذي عليه الثواب، فبقدر ما يكتب له من الثواب، يكفر عنه به من السيئات الماضية، وما لا ثواب فيه لا يُكَفِّر، وإن برئت به الذمة".
هذا الكلام ذكره شيخ الإسلام -رحمه الله- استطرادًا، حيث تكلم عن عمر ، وأنه ملهم ومحدث، وذكر له مزايا ومناقب وفضائل كثيرة جدًا، وفي ثنايا هذا ذكر حديث: إن العبد ليصلي الصلاة ما يكتب له منها إلا عشرها، تسعها، ثمنها، سبعها، سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها[13]، فهذا فيه جواب عن سؤال أو سؤلات لربما ترد وتتكرر، منها: هذه الصلاة التي يصليها الإنسان، أو العبادة، كالصيام مثلاً التي قال النبي ﷺ: رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع[14]، فقد يخرج الإنسان من الصلاة، ولم يكتب له منها شيء، ومثل ما جاء في الجمعة: ومن مس الحصى فقد لغا[15]، وقال: ومن تكلم فلا جمعة له[16] هل معنى ذلك أنه يصليها ظهرًا أو يقضي؟ الجواب: لا، وهذا الإنسان الذي يقول: صليتُ ولم أحضر قلبي، أو أنه صام وحصلت في صيامه من المعاصي والغيبة، وما إلى ذلك، ما قد يرجع معه بمثل هذا: رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع[17]، فيقول: هل أقضي هذا اليوم؟ وماذا يقال لمثل هذا؟
شيخ الإسلام -رحمه الله- بيّن هذه المسألة، يكون أداء الواجب له مقصودان:
الأول: براءة الذمة، بحيث يندفع عنه الذم والعقاب المستحق بالترك، فهذا لا تجب معه إعادة الصلاة، فالمطالبة تسقط، بمعنى أن هذا الإنسان قد صلى فسقطت عنه المطالبة، وصام فسقطت عنه المطالبة، ما لم يأت بما يبطل هذه الصلاة، أو بما يبطل هذه العبادة، كالصيام مثلاً، بالأكل والشرب، والجماع، وما إلى ذلك، وإلا فإن صلاته أو عبادته تكون مجزئة، بمعنى: تسقط معها المطالبة؛ لأنه: عندنا مراتب، كما يقول في المراقي.
كفاية العبادة الإجزاءُ | وهو أن يسقط الاقتضاءُ[18] |
هذا تعريف الإجزاء: أن يسقط الاقتضاء، يعني: اقتضاء الشارع وهو الطلب، فعندنا الإجزاء، هذا أقل مرتبة، بحيث نقول للمكلف: ليس عليك قضاء، ولا إعادة، هذه كفاية العبادة، أعلى من هذا درجات، مثل القبول، يعني عندنا مثلاً: الصحة، والإجزاء، والقبول، فالصحة -كما يقولون-: موافقة ذي الوجهين للشرع بدون مينِ، يعني الذي يقع على وجهٍ صحيح، ووجه فاسد، فالذي يقع على وجه صحيح مثل ماذا؟ قراءة القرآن، وذكر الله ، والذي يقع على وجه صحيح وفاسد مثل الصوم الصلاة، إلى آخره، فيقولون: موافقته للشرع هذا هو الصحة، طبعًا هذا كلام الأصولين، ويتبعه كلام الفقهاء؛ لأنهم يتبعونهم في الكلام على قضية الصحة والفساد والإجزاء، وما إلى ذلك؛ ولهذا لا يتكلمون عن قضية الإخلاص، يقولون: هذه لأرباب السلوك، فلا تجدون في كتب الفقه في الكلام في شروط الصلاة والعبادة يتحدثون عن قضية الإخلاص لله ، لكن تجدون الإخلاص والرياء ونحوه ذلك في كتب السلوك.
على كل حال -بصرف النظر- الآن عندنا الصحة، وعندنا إجزاء -سقوط الاقتضاء- وفوق ذلك: القبول، والقبول هذا عند الله ، ونحن لا نعلم هي مقبولة أو لا؟ ولهذا كان ابن عمر وغيره يقولون: لو علمت أن الله تقبل مني سجدة واحدة، أو صدقة درهم، لم يكن غائب أحب إِلَيّ من الموت، تدري ممَّن يتقبَّل الله؟ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة:27][19]؛ ولهذا بعض الناس مثلاً قد يحتج ببعض الأحاديث: كالذي يعصي ويصلي ركعتين، إلى آخره، أو: والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة[20]، أو ورمضان إلى رمضان[21] إلى آخره، من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه[22]، نقول: وما يدريك أصلاً أن هذا قد قُبِلَ منك، إذا كان ابن عمر يقول: لو علمت أن الله تقبل مني سجدة واحدة، أو صدقة درهم، لم يكن غائب أحب إِلَيّ من الموت، تدري ممَّن يتقبَّل الله؟ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة:27][23]، فما يدري الإنسان؟ فالقبول عند الله، ولا يستطيع أحد أن يحكم أن عبادته مقبولة أو غير مقبولة، إنما يكون ذلك من قِبَل الوحي، فنحن نرجو ثواب الله، ونخاف، كما قال الله : وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ [المؤمنون:60] وفسّرها النبي ﷺ لعائشة -رضي الله عنها-: الذين يصومون ويصلون ويتصدقون، وهم يخافون أن لا تقبل منهم[24]؛ لأن القبول يتوقف على تحقق شروط، وانتفاء موانع، فإذًا عندنا القبول مرتبة هذه لا أحد يستطيع أن يحكم بها، لكن الفقيه يستطيع أن يحكم أن هذه العبادة صحيحة أو فاسدة، طيب هذا الذي لم يعقل من صلاته شيئًا، معنى ذلك أنه لا يُؤجر عليها، ولا تكون مكفرة، فهذا الذي قال فيه النبي ﷺ: من مس الحصى فقد لغا[25]، لا ينطبق عليه حديث: من توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة، فاستمع وأنصت، غفر له ما بينه وبين الجمعة، وزيادة ثلاثة أيام[26]؛ لأنه قد لغا، طلّع الجوال وجلس يقرأ رسالة، أو يغلق الجوال، أو غير ذلك.
فهنا هذه العبادة التي لم يُؤجر عليها لا تكون مكفرة، ولا رفعة في الدرجات، لكن يكفيه أن تسقط المطالبة، لا يقال: إنه ما صلى، فتنطبق عليه أحكام الذي لم يصل، تركها حتى خرج الوقت، لا، أجزأته، فقد تكون هذه الصلاة لا له ولا عليه.
فهذه مسألة يُجاب فيها على قضية الإعادة: هل أعيد هذه الصلاة أنا ما خشعت فيها؟ يقال: لا تعيد؛ لأن هذه الإعادة طلب للأجر والثواب؛ وذلك يمكن أن يحصل بالنوافل والتطوعات، وإنما يقع ذلك فرضًا إذا كانت العبادة وقعت على وجهٍ يُحكم بأنها صحيحة، بعض الناس يقول: حجت أول حجة، وما كانت كما ينبغي، وما كان معنا طلاب علم، وما كنت في تلك الحالة التي أرتضيها، وما كنت أعمل الأشياء التي ينبغي، وما كنتُ أحفظ لساني، وكان معي رفقة لا يعينون، نتكلم ونضحك، فأنا لا أريد تلك تكون حجة الإسلام، أنا أريد أن أحج حجة تكون موافقة من جهة العمل والاتباع، واضبط بها لساني وعملي، نقول له: خلاص تلك التي وقعت أجزأت طالما أنه ما وجد ما يبطلها، فقد أجزأت على ما فيها، تريد الأجر والثواب باب التطوع مفتوح، وهكذا هذه الصلاة التي صلاها يقول: أنا أريد أن أعيدها؛ لأنني ما خشعت فيها، أو صليت العصر منفردًا، ونفسي ما تطيب بهذا، فأريد أن أعيدها، سأذهب إلى المسجد البعيد الذي يتأخر في الإقامة الآن، وأصلي معهم العصر، نقول: إن صليت معهم العصر فتلك نافلة، فالجديد تُعتبر نافلة لك، والأولى وقعت؛ صليتها وأنت منفرد.
هذا الكلام مهم، فالإنسان قد يقول بدعة، أو يقول كفرًا، أو يتكلم بكلام يكون مخالفًا، لكن لا يلزم أن يحكم عليه بأنه مبتدع، أو بأنه كافر، أو نحو ذلك، فإن هذا لا بد فيه من تحقق الشروط، وانتفاء الموانع، ولكننا ننكر هذا القول، ونمنع منه، ونحذر الناس من مثل هذه الأشياء، كما كان يفعل السلف -رضي الله تعالى عنهم-؛ حتى لما وقعت الفتنة بخلق القرآن ما كان اشتغالهم واختلافهم فيما بينهم: هل هذا كافر وإلا ليس بكافر؟ والثاني والثالث الرابع والعاشر، والذي وافقهم ظاهرًا، والذي وافقهم خوفًا، ما أشبه ذلك، واشتغلوا ببعضهم، لم يحصل ذلك، ولكن كانوا يحذرون، حيث أفتى خمسمائة من العلماء: بأن من قال: بأن القرآن مخلوق فهو كافر، لكن ما تحولت معركة في الداخل: هل فلان كافر أو ليس بكافر؟ وبدؤوا يشتغلون بالمعينين، وهذا ينبغي أن يكون جادة، نُحذِّر الناس من الكفر، ومن أسبابه، ومن الشرك، ومن البدع والضلالات، لكن ليس ذلك يعني أن كل من صدر منه شيء من ذلك أن نحكم عليه بمقتضاه، فإن هذا يتوقف على وجود شروط، وانتفاء موانع، ولسنا مطالبين أن نأتي ونحقق مع كل واحد: تعال حتى نشوف هل تحققت فيه الشروط، وانتفت الموانع أو لا؟ أو نحكم غيابيًا، حتى نقول: إنه كافر أو ليس بكافر؟ لماذا؟ وما الحاجة إلى هذا؟ لكن نحذر الناس من مغبة هذه الأمور، ومن مواقعتها، وكلام شيخ الإسلام في غاية الأهمية في هذا الموضوع، وهو كثير متفرق؛ ولذلك فإن هذه القضية التي ذكرها هنا، يتبعها كلامه الآخر هناك، في جملة من هذه القواعد والفوائد والضوابط التي بعدها، كلها مترابطة، تدور حول هذه القضايا، ولا بأس حتى أنظم ذلك في سلك واحد، إلى صفحة (261) كل هذا مترابط، ويرجع إلى هذه القضايا التي ذكرها هنا، ولا بأس أن أذكر عبارات متفرقة من كلامه -رحمه الله- تنتظم هذه القضايا جميعًا، إلى الرقم الذي أشرتُ إليه، فهو يقول: "واعلم أنه لا منافاة بين عقوبة الإنسان في الدنيا على ذنبه، وبين الصلاة عليه، والاستغفار له"[27]، فانظر إلى هذه الرحمة، وانظر إلى الفرق بين حالنا والمفهوم الصحيح للإسلام.
يقول: "فإن الزاني والسارق والشارب، وغيرهم من العصاة، تُقام عليهم الحدود، ومع هذا فيُحسن إليهم بالدعاء لهم في دينهم ودنياهم"[28]، هذا دين الرحمة، وهذه الرحمة التي جاء بها الرسول ﷺ، تُقام عليهم الحدود، ويُدعى لهم، فالمسألة ليست تشفي ممن خالفنا.
يقول: "فإن العقوبات الشرعية إنما شُرعت رحمة من الله بعباده"[29]، لاحظ تقطع يده، ويُدعى له، كما قال شيخ الإسلام في موضع آخر: "ويعطى من بيت المال ما يكفيه"[30].
يقول: "فهي صادرة عن رحمة، وإرادة الإحسان إليهم؛ ولهذا ينبغي لمن يعاقب الناس على الذنوب أن يقصد بذلك الإحسان إليهم، والرحمة لهم، كما يقصد الوالد تأديب ولده، وكما يقصد الطبيب معالجة المريض"[31]، لو نتعامل مع الناس ومع المخالفين بهذه الطريقة، أننا نقصد الإحسان إليهم، والرحمة بهم، فإننا لا يمكن أن يكون مع ذلك بغي وعدوان، وتجاوز الحد الشرعي في هؤلاء، فإنهم وإن أخطؤوا، فإنه لا يجوز أن نظلمهم.
يقول: "ولهذا قال تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ.. [آل عمران:110] الآية، قال أبو هريرة: "كنتم خير الناس للناس، تأتون بهم في الأقياد والسلاسل، تدخلونهم الجنة"[32]،[33].
يقول: "أخبر أن هذه الأمة خير الأمم لبني آدم، فإنهم يعاقبونهم بالقتل والأسر، ومقصودهم بذلك الإحسان إليهم، وسوقهم إلى كرامة الله، ورضونه، وإلى دخول الجنة، وهكذا يكون الرد على أهل البدع من الرافضة، وغيرهم: إن لم يُقصد فيه بيان الحق، وهدى الخلق، ورحمتهم، والإحسان إليهم، لم يكن عمله صالحًا"[34].
إذا كانت المسألة تشفي، ولاحظ هذا في الرافضة، فكيف بأهل السنة الذين يختلف معهم في اجتهاد؟! ولذلك ثقوا ثقة تامة -أيها الإخوة- أن الذي يريد أن يصلح، أو يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، أو ينكر البدع والأهواء والضلالات، إذا كان ينطلق من قلبٍ أسود، وحقد على إخوانه، وكراهية وضغينة، وقلبه يمتلئ ضغينة عليهم، وعامر مجالسه في غيبتهم، والوقيعة بهم، هذا لا يمكن أن يكون مصلحًا، ولا يكون عمله صالحًا، ولا يمكن أن يكون له قدم صدق في الأمة، ولا يمكن أن يكون له قبول عندهم، بل يكون بغيضًا مقيتًا، تبغضه القلوب، وقد لا يعرفون حقيقة حاله وعمله.
فالنصيحة شأن آخر، فالناصح كالوالد، يحب لهم النصح، ويريد لهم الهداية، ويرحمهم، ويفرح بتوبتهم، فلا يقول: هؤلاء وإن تابوا فإنهم لا يمكن أن يُقبل منهم، كما يقول بعضهم: وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا [التوبة:84] نسأل الله العافية، الله يقول عن الكفار: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ [التوبة:5] ويقول: فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ [التوبة:11] وهذا يقول: وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ [التوبة:84] هذا من الذين خالفوه في الاجتهادات، فإذا ترحم على زيدٍ أو عمرو، أو أثنى على زيدٍ أو عمرو، تنشطر الطائفة إلى طوائف، ويضلل بعضها بعضًا، ويلعن بعضها بعضًا، ويرميه بأقبح الأوصاف، هل هذا الدين الذي جاء به الرسول ﷺ؟! وهل هذا العمل الصالح الذي يحبه الله ويرضاه؟!
يقول: "وإذا غلّظ في ذم بدعة ومعصية، كان قصده بيان ما فيها من الفساد؛ ليحذرها العباد، كما في نصوص الوعيد وغيرها، وقد يُهجر الرجل عقوبةً وتعزيرًا، والمقصود بذلك ردعه، وردع أمثاله، للرحمة والإحسان، لا للتشفي والانتقام"[35].
فهذا كلام يُكتب بماء الذهب، يحتاج الإنسان أن يضعه عند سريره، أو عند فراشه، ويكتب، ويتصبح عليه، ويتمسى، حتى لا يقع في شيء من الظلم والبغي، ويُفرق الصف، ويشتت الشمل، ويصير أهل السنة سُبةً لدى أهل الأهواء والبدع.
يقول: "كما هجر النبي ﷺ أصحابه الثلاثة"[36].
إلى أن قال: "وهذا مبنيٌ على مسألتين:
إحداهما: أن الذنب لا يوجب كفر صاحبه، كما تقوله الخوارج، بل ولا تخليده في النار، ومنع الشفاعة فيه، كما يقوله المعتزلة.
الثاني: أن المتأول الذي قصده متابعة الرسول ﷺ لا يكفر، بل ولا يُفسّق، إذا اجتهد فأخطأ، وهذا مشهور عند الناس في المسائل العملية، وأما مسائل العقائد، فكثير من الناس كفّر المخطئين فيها"[37]، كثير من الناس، لم يقل: أهل السنة.
يقول: "وهذا القول لا يعرف عن أهل السنة من الصحابة، والتابعين لهم بإحسان، ولا عن أحد من أئمة المسلمين، وإنما هو في الأصل من أقوال أهل البدع، الذين يبتدعون بدعة، ويكفرون من خالفهم، كالخوارج والمعتزلة والجهمية، ووقع ذلك في كثير من اتباع الأئمة، كبعض أصحاب مالك، والشافعي، وأحمد، وغيرهم.
وقد يسلكون في التكفير ذلك، فمنهم من يُكفّر أهل البدع مطلقًا، ثم يجعلون كل من خرج عليه -يعني كل من خالفه- من أهل البدع، وهذا بعينه قول الخوارج والمعتزلة والجهمية، وهذا القول إيضًا يوجد في طائفة من أصحاب الأئمة الأربعة، وليس هو قول الأئمة الأربعة، ولا غيرهم، وليس فيهم من كفّر كل مبتدع، بل المنقولات الصريحة عنهم تناقض ذلك، ولكن قد يُنقل عن أحدهم أنه كفّر من قال ببعض الأقوال، ويكون مقصوده: أن هذا القول كفر؛ ليحذر، ولا يلزم إذا كان القول كفرًا أن يُكفّر كل من قاله مع الجهل والتأويل، فإن ثبوت الكفر في حق الشخص المعين، كثبوت الوعيد في الآخرة في حقه؛ وذلك له شروط وموانع، كما بسطناه في موضعه"[38].
فالمسألة ليست سهلة، لا سيما مع قلة العلم، وغلبة الأهواء، فما الذي يجعل الإنسان يقتحم أمورًا لم يطالب فيها، ولا يستطيع أن يحيط بها، ولم يكلفه الله بذلك؟!
ويقول: "وإذا لم يكون في نفس الأمر كفارًا، لم يكونوا منافقين"[39]، لاحظ الآن يتكلم عمن؟ عن أهل البدع، "فيكونون من المؤمنين، فيُستغفر لهم، ويُترحم عليهم، وإذا قال المؤمن: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ [الحشر:10] يقصد كل من سبقه من قرون الأمة بالإيمان، وإن كان قد أخطأ في تأويل تأوله، فخالف السنة، أو أذنب ذنبًا، فإنه من إخوانه الذين سبقوه بالإيمان، فيدخل في العموم، وإن كان من الثنتين والسبعين فرقة؛ فأنه ما من فرقة إلا فيها خلق كثير ليسوا كفارًا، بل مؤمنين، فيهم ضلال وذنب، يستحقون به الوعيد، كما يستحقه عصاة المؤمنين، والنبي ﷺ لم يخرجهم من الإسلام، بل جعلهم من أمته، ولم يقل: إنهم يخلدون في النار، فهذا أصل عظيم"[40].
لاحظوا الفوائد والضوابط التي يذكرها، نحن نأتي عليها.
"ينبغي مراعاته، فإن كثيرًا من المنتسبين إلى السنة فيهم بدعة، من جنس بدع الرافضة والخوارج، وأصحاب النبي ﷺ، علي بن أبي طالب، وغيره لم يكفروا الخوارج، الذين قاتلوه، بل أول ما خرجوا عليه، وتحيزوا بحروراء، وخرجوا عن الطاعة والجماعة، قال لهم علي : إن لكم علينا: أن لا نمنعكم من مساجدنا، ولا حقكم من الفئ، ثم أرسل إليهم ابن عباس، فناظرهم، فرجع نحو نصفهم، ثم قاتل الباقي، وغلبهم، ومع هذا لم يسبِ لهم ذرية، ولا غنم لهم مالاً، ولا سار فيهم سيرة الصحابة في المرتدين، كمسيلمة الكذاب، وأمثاله، بل كانت سيرة علي والصحابة في الخوارج مخالفة لسيرة الصحابة في أهل الردة، ولم ينكر أحد على علي ذلك، فعُلم اتفاق الصحابة على أنهم لم يكونوا مرتدين عن دين الإسلام"[41]، لاحظ مع أن الخوارج أصحاب بدعة غليظة، وقال فيهم النبي ﷺ: يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية[42].
ثم نقل بعض الآثار عن علي ، هذا واحد منها: "لما فرغ من قتال أهل النهروان قيل له: أمشركون أهم؟ قال: من الشرك فروا، قيل: فمنافقون؟ قال: المنافقون لا يذكرون الله إلا قليلاً، قيل: فما هم؟ قال: قوم بغوا علينا، فقتلناهم"[43].
فقط قوم بغوا علينا، فقتلناهم، هذا في الخوارج، مع شدة ضلالتهم، وبدعتهم، والنصوص الواردة فيهم لا تخفى على أحد منكم.
يقول شيخ الإسلام: "قلتُ: الحديث الأول، وهذا الحديث صريحان في أن عليًا قال هذا القول في الخوارج الحرورية أهل النهروان، الذين استفاضت الأحاديث الصحيحة عن النبي ﷺ في ذمهم، والأمر بقتالهم، وهم يكفرون عثمان وعليًا، ومن توالهما، فمن لم يكن معهما كان عندهم كافرًا، ودارهم دار كفر، فإنما دار الإسلام عندهم هي دارهم"[44]، يعني: دار الصحابة المدينة، وبلاد الشام، هذه عندهم دار حرب، ودار الإسلام هي دار الخوارج؛ لأنهم يرون هم أهل الإسلام، والباقي كفار، نسأل الله العافية.
إلى أن يقول شيخ الإسلام -رحمه الله-: "ومع هذا، فالصحابة ، والتابعون لهم بإحسان، لم يكفروهم، ولا جعلوهم مرتدين، ولا اعتدوا عليهم بقول، ولا فعل، بل اتقوا الله فيهم، وساروا فيهم السيرة العادلة، وهكذا سائر فرق أهل البدع والأهواء، من الشيعة والمعتزلة، وغيرهم، فمن كفّر الثنتين والسبعين فرقة جميعًا فقد خالف الكتاب والسنة، وإجماع الصحابة، والتابعين لهم بإحسان، مع أن حديث الثنتين والسبعين فرقة ليس في الصحيحين، وقد ضعفه ابن حزم، وغيره، لكن حسنه غيره، أو صححه"[45] إلى آخره، وذكر الشاطبي نحوًا من هذا، وهو أن حديث الثنتين والسبعين فرقة لما قال الرسول ﷺ: كلها في النار[46]، لا يعني أنهم يخلدون في النار[47]؛ ولم يقل أحد من أهل العلم المحققين: إنه على سبيل الإطلاق، لكنهم من أهل الوعيد.
يقول: "ومع هذا فلا نشهد لمعين بالنار لإمكان أنه تاب، أو كانت له حسنات محت السيئات، أو كفّر الله عنه بمصائب، أو غير ذلك، كما تقدم، بل المؤمن بالله ورسوله باطنًا وظاهرًا، الذي قصد اتباع الحق، وما جاء به الرسول، إذا أخطأ، ومن لم يعرف الحق، كان أولى أن يعذره الله في الآخرة، من المتعمد العالم بالذنب، فإن هذا عاصٍ مستحق للعذاب بلا ريب، وأما ذلك فليس متعمدًا للذنب، بل هو مخطئ، والله قد تجاوز لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان"[48].
إلى أن يقول: "فمن عيوب أهل البدع تكفير بعضهم بعضًا، ومن ممادح أهل العلم: أنهم يخطؤون، ولا يُكفّرون، وسبب ذلك أن أحدهم قد يظن ما ليس كفرًا كفرًا، وقد يكون كفرًا؛ لأنه تبين له أنه تكذيبٌ للرسول، وسبٌ للخالق، والآخر لم يتبين له ذلك، فلا يلزم إذا كان هذا العالم بحاله يكفر إذا قاله، أن يكفر من لم يعلم بحاله"[49].
ثم تكلم في اضطراب الناس، واختلافهم فيما يكون فيما يكفر به، وتكلم عن قضية الحلم والرفق في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، يقول: " فالعلم قبل الأمر، والرفق مع الأمر، والحلم بعد الأمر، فإن لم يكن عالمًا لم يكن له أن يقفو ما ليس له به علم، وإن كان عالمًا ولم يكن رفيقًا كان كالطبيب الذي لا رفق فيه، فيغلظ على المريض، فلا يُقبل منه، وكالمؤدب الغليظ، الذي لا يقبل منه الولد"[50]، فالذي يريد أن ينصح الناس، ويعلمهم السنة، ويحذر الناس من البدع والأهواء والضلالات، ينبغي أن يحمل الرحمة في قلبه، ومحبة الخير لهم، ولا يكون قلبه مليئًا بالغل على هؤلاء الناس، فلا يقبلوا منه بحال من الأحوال.
والشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- إمام في هذا الزمان، يحبه طلاب العلم والعامة، ويجمع الناس على محبته وفضله، فما الذي جعله بهذه المرتبة؟ وتجد هذا وهذا من المختلفين ينتسبون إليه، ويعتزون به، ويثنون عليه، وكل واحد يقول: أنا على طريقته، فما الذي جعله بهذه المثابة؟ سأله أحد تلامذته: ما الذي جعلك بهذه المرتبة؟ فذكر أمرين: حيث قال: "ما علمتُ خصومة بين اثنين إلا سعيت في الإصلاح" فهو يجمع ولا يفرق بين أهل السنة، وأهل الإيمان والمسلمين، يحب لهم ما يحب لنفسه، يقول: "ولا أحمل في قلبي غلاً على أحد من المسلمين" ولو كنتُ معه لقلت: هذه التي بلغت بك، وهي التي لا نطيق، فأجمع الناس على محبته، وصارت كلمته سائرة ومقبولة، فمن يقول: بأنه على طريقته، فليكن يحمل للمسلمين قلبًا ناصحًا، محبًا مشفقًا، كما سمعتم في هذا الكلام النفيس.
يقول شيخ الإسلام: "ثم إذا أمر ونهى فلا بد أن يُؤذى في العادة، فعليه أن يصبر ويحلم"[51] إلى أن قال: "وقد أمر الله نبيه بالصبر على أذى المشركين"[52]، إلى أن قال: "فإن الإنسان عليه أولاً أن يكون أمره لله، وقصده طاعة الله فيما يأمر به، وهو يحب صلاح المأمور، أو إقامة الحجة عليه، فإن فعل ذلك لطلب الرياسة لنفسه، أو لطائفته، وتنقيص غيره، كان ذلك حمية لا يقبله الله، وكذلك إذا فعل ذلك لطلب السمعة والرياء، كان عمله حابطًا، ثم إذا رُد عليه ذلك وأوذي، أو نُسب إلى أنه مخطئ، وغرضه فاسد، طلبت نفسه الانتصار لنفسه، وأتاه الشيطان، فكان مبدأ عمله لله، ثم صار له هوى، يطلب به أن ينتصر على من آذاه، وربما اعتدى على ذلك المؤذي"[53]، فيفتعل الناس اليوم معارك طاحنة في الأنترنت، وفي غيره على أي شيء؟!
يقول: "وهكذا يصيب أصحاب المقالات المختلفة، إذا كان كل منهم يعتقد أن الحق معه -يعني هذه الأمور تقع لهم- وأنه على السنة، فإن أكثرهم قد صار لهم في ذلك هوى: أن ينتصر جاههم، أو رياستهم، وما نُسب إليهم، لا يقصدون أن تكون كلمة الله هي العليا، وأن يكون الدين كله لله، بل يغضبون على من خالفهم، وإن كان مجتهدًا معذورًا، لا يغضب الله عليه، ويرضون عمن يوافقهم، وإن كان جاهلاً، سيء القصد، ليس له علم، ولا حسن قصد، فيفضي هذا إلى أن يحمدوا من لم يحمده الله ورسوله، ويذموا من لم يذمه الله ورسوله، وتصير مولاتهم ومعاداتهم على أهواء أنفسهم، لا على دين الله ورسوله، وهذا حال الكفار الذين لا يطلبون إلا أهواءهم، ويقولون: هذا صديقنا، وهذا عدونا"[54] إلى آخر ما قال.
ثم قال: "من هنا تنشأ الفتن بين الناس، قال الله تعالى: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ [البقرة:193] فإذا لم يكون الدين كله لله، كانت فتنة، وأصل الدين أن يكون الحب لله، والبغض لله، والمولاة لله، والمعاداة لله، والعبادة لله، والاستعانة بالله، والخوف من الله، والرجاء لله، والإعطاء لله، والمنع لله"[55] إلى أن قال: "وصاحب الهوى يعميه الهوى ويصمه، فلا يستحضر ما لله ورسوله في ذلك، ولا يطلبه، ولا يرضى لرضا الله ورسوله، ولا يغضب لغضب الله ورسوله، بل يرضى إذا حصل ما يرضاه بهواه، ويغضب إذا حصل ما يغضب له بهواه، ويكون مع ذلك معه شبهة دين: أن الذي يرضى له ويغضب له: أنه السنة، وأنه الحق، وهو الدين، فإذا قُدّر أن الذي معه هو الحق المحض دين الإسلام، ولم يكن قصده أن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا، بل قصد الحمية لنفسه وطائفته، أو الرياء؛ ليعظم هو، ويُثنى عليه، أو فعل ذلك شجاعة وطبعًا، أو لغرض من الدنيا، لم يكن لله، ولم يكن مجاهدًا في سبيل الله، فكيف إذا كان الذي يدعي الحق والسنة هو كنظيره، معه حق وباطل، وسنة وبدعة، ومع خصمه حق وباطل، وسنة وبدعة، وهذا حال المختلفين الذين فرقوا دينهم، وكانوا شيعًا، وكفّر بعضهم بعضًا، وفسّق بعضهم بعضًا؛ ولهذا قال الله تعالى: وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة:4-5]"[56].
هذا كلام كثير لشيخ الإسلام، يُحسن مراجعته.
ويقول: "ومن هذا الباب قوله تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ [البقرة:113] -في خصوماتهم واختلافهم- يقول: واختلاف أهل البدع من هذا النمط، فالخارجي يقول: ليس الشيعي على شيء، والشيعي يقول: ليس الخارجي على شيء، والقدري النافي يقول: ليس المثبت على شيء، والقدري الجبري المثبت يقول: ليس النافي على شيء، والوعيدية تقول: ليست المرجئة على شيء، والمرجئة تقول: ليست الوعيدية على شيء، بل ويُوجد شيء من هذا بين أهل المذاهب الأصولية والفروعية، المنتسبين إلى السنة، فالكلابي يقول: ليس الكرامي على شيء، والكرامي يقول: ليس الكلابي على شيء"[57]، إلى أن قال: "وكذلك أهل المذاهب الأربعه، وغيرها، لا سيما وكثير منهم قد تلبّس ببعض المقالات الأصولية، وخلط هذا بهذا، فالحنبلي والشافعي والمالك يخلط بمذهب مالك والشافعي وأحمد شيئًا من أصول الأشعرية والسالمية، وغير ذلك، ويضيفه إلى مذهب مالك والشافعي وأحمد، وكذلك الحنفي يخلط بمذهب أبي حنيفة شيئًا من أصول المعتزلة والكرامية والكلابية، ويضيفه إلى مذهب أبي حنيفة، وهذا من جنس الرفض والتشيع، لكنه تشيع في تفضيل بعض الطوائف والعلماء، لا تشيع في تفضيل بعض الصحابة"[58].
ثم ذكر الواجب على كل مسلم: أن يكون أمره لله، إلى آخره، وقصده الحق، واتباع الرسول ﷺ، فيحسُن مراجعة هذا الكلام في هذا الموضع، وإن كان طويلاً، هذا يكفينا عن قراءة هذه التي بعدها؛ لأن ذلك مضى في مضامين الكلام، وزيادة، فما يحتاج قراءة، أو أنك تقرأ سردًا، وتمر كما جاءت.
257- "والنبي ﷺ لم يخرج الثنتين والسبعين فرقة من الإسلام، بل جعلهم من أمته، ولم يقل: إنهم يُخلّدون في النار.
258- ومع مروق الخوارج وبدعتهم، وضرورهم العظيم، واتفاق الصحابة على وجوب قتالهم، ومع هذا فقد صرح علي بأنهم مؤمنون، ليسوا كفارًا، ولا منافقين، وكان الصحابة يصلون خلفهم، فمن كفّر الثنتين والسبعين فرقة كلهم، فقد خالف الكتاب والسنة، وإجماع الصحابة والتابعين لهم بإحسان.
259- والعقوبة في الدنيا تكون لدفع ضرره عن المسلمين، وإن كان في الآخرة خيرًا ممن لم يُعاقب، وأيضًا فصاحب البدعة يبقى صاحب هوى، يعمل لهواه، لا ديانة، ويصد عن الحق الذي لا يتابع هواه، فهذا يعاقبه الله على هواه، ومثل هذا يستحق العقوبة في الدنيا والآخرة.
260- فمن عيوب أهل البدع تكفير بعضهم بعضًا، ومن ممادح أهل العلم أنهم يخطؤون، ولا يكفرون، وسبب ذلك أن أحدهم قد يظن ما ليس بكفر كفرًا، وقد يكون كفرًا؛ لأنه تبين له أنه تكذيب للرسول، وسب للخالق، والآخر لم يتبين له ذلك، فلا يلزم إذا كان هذا العالم بحاله يكفر إذا قاله أن يكفر من لم يعلم بحاله.
261- والواجب على كل مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله: أن يكون أصل قصده توحيد الله بعبادته وحده، لا شريك له، وطاعة رسوله، يدور على ذلك، ويتبعه أين وجده، ويعلم أن أفضل الخلق بعد الأنبياء هم الصحابة، فلا ينتصر لشخص انتصارًا مطلقًا عامًا، إلا لرسول الله ﷺ، ولا لطائفة انتصارًا مطلقًا عامًا إلا للصحابة ، فإن الهدى يدور مع الرسول حيث دار، ويدور مع أصحابه -دون أصحاب غيره- حيث داروا، فإذا اجتمعوا لم يجتمعوا على خطأ قط".
هذا يتصل بكل ما مضى، وعلى كل حال: لو أننا فهمنا مثل هذه الأصول، وعملنا بمقتضاها، لاسترحنا من كثير من الشر والتفرق والاختلاف والتناحر الذي نشاهده ونرآه، ونعلم أن ذلك لا يرضي الله -تبارك وتعالى-، ولا يرضي رسوله ﷺ، بل هو محرم.
فيطلب المسلم الحق، ولا يتعصب لإحد من الناس، ولا من الطوائف، حيث وجد الحق فهو معه، ويحب أهل الإيمان بقدر ما فيهم من الطاعة، ويكره أهل المعاصي والبدع بقدر ما فيهم من المخالفة، هذا هو المعيار: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13] من أي طائقة كان، أما النظر في اعتبارات أخرى فهذا لا يجوز.
يعني: يريد أن يقول في هذا الكلام: بأن الجادة في العلم الصحيح، والعمل بمقتضى هذا العلم، هذا هو الطريق: العلم والعمل، وأما أن يُؤخذ العلم على أنه قضايا لربما تمتع بها الأذهان، وتُؤخذ على أنها لون من الهواية، أو المتعة العقلية، وما أشبه ذلك، بعيدًا عن العمل، فهذا خطأ، وليس هو الطريق، فالطريق الأول -الطريق الصحيح- العلم والعمل، الطريقان الآخران: هو أن يشتغل الإنسان بالعلم، وما إلى ذلك، لكن بعيدًا عن العمل، إما أنه يشتغل بعلم لا ينبني عليه عمل، كما تجد هذا في القضايا الجدلية كثير، وبعض ذلك دخل وتسلل إلى أصول الفقه، وإذا سألتَ هؤلاء يقول: الفائدة شحذ الذهن، لا ينبني عليها عمل، وكثير من جدل أهل الكلام، وما وقعوا فيه، هو من هذا القبيل، بمعنى: أنهم أعرضوا عن العمل، واشتغلوا بهذه المماحكات والمجادلات؛ ولذلك لم يكن هؤلاء في الغالب أهل عبادة، حتى نُقل عن النظام -كما ذكرتُ في بعض المناسبات-: أنه كان يبيت على سكر، ويغدو على جرائرها، وشكو في بعضهم: أنه لا يصلي -ولا حاجة أن نسميه- وهو من علماء الأصول المشهورين، شك فيه تلامذته، هل هو يصلي أم لا؟ فوضعوا حبرًا على قدمه دون أن يشعر، وبعد ثلاثة أيام وجدوا إن الحبر لم يتغير، معناها: أنه لا يتوضأ، وإذا كان لا يتوضأ، معناه: أنه لا يصلي، فهذا لون.
واللون الآخر: أولئك الذين يعملون، ولا يرفعون رأسًا للعلم، يقول أحدهم: ما تحتاج العلم، خلوة للعبادة فيحصل بها الكشف، وهذه طريقة الصوفية، فيثبطون عن العلم، ويزهدون فيه غاية الزهد، ويعيبون أهل العلم، ويلمزونهم، ويرون أنهم يضيعون الأوقات والأعمار، وكان ينبغي عليهم أن يتوجهوا -في نظرهم- إلى العبادة فقط، وهذا أيضًا خطأ، فهؤلاء يقعون في انحرافات وبدع وضلالات وجهالات، فيعبد الواحد ربه -تبارك وتعالى- على بدع وأهواء، والله لا يقبل من العمل إلا ما شرع.
"وأما الطريقان المبتدعان:
فأحدهما: طريق أهل الكلام البدعي، والرأي البدعي، فإن هذا فيه باطل كثير، وكثير من أهله يفرطون فيما أمر الله به ورسوله من الأعمال، فيبقى هؤلاء في فساد علم، وفساد عمل، وهؤلاء منحرفون إلى اليهودية الباطلة".
يعني: اليهود لم يكون أهل عمل، وإن كان عندهم علم.
يعني: هؤلاء يقولون: إذا صفى الإنسان نفسه على الوجه الذي يذكرونه، فاضت عليه العلوم بلا تعلُّم، فيحصل له الكشف، وحال هؤلاء معروفة من البدع والانحرافات، فيبقون في فساد من جهة العمل، وفساد من جهة نقص العلم، جهل وبدع.
هذا الكلام: العلم والجهاد والصلاة أفضل الأعمال بإجماع الأمة، هو لما ذكر قول عمر -رضي الله تعالى عنه-: "لولا ثلاث لأحببت أن أكون لحقت بالله لولا أن أسير في سبيل الله" هذا الجهاد "أو أضع جبهتي في التراب ساجدًا" هذه الصلاة "أو أجالس قومًا يلتقطون طيب الكلام، كما يلتقط طيب الثمر"[59]، هذه مجالس العلم، فهذه الثلاث التي قالها هذا الملهم المحدث -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-، وكان مسددًا ، حتى قال عبد الله بن عمر: "لله تلاد عمر، لقل ما رأيته يحرك شفتيه بشيء قط إلا كان"[60]، فهذه الثلاث يقول عنها شيخ الإسلام: بأنها أفضل الأعمال بإجماع الأمة، وإن اختلفت عبارات العلماء في الأفضل منها، فبعضهم مثلاً كالإمام أحمد يقول: أفضل ما يتطوع به الإنسان الجهاد، والشافعي يقول: الصلاة، وأبو حنيفة ومالك يقولون: العلم[61]، فصارت أقوالهم متفرقة، لكنها تدور على هذه الثلاث، لم يخرجوا عنها، فمن هنا قال: بأن هذه الثلاث هي بالإجماع أفضل الأعمال.
ثم تعقيب شيخ الإسلام الذي ذكره بعد ذلك هو في غاية الأهمية، من جهة أن بعض الأعمال قد يقال هي الأفضل من حيث العموم، ولكن ذلك بالنسبة إلى المعين يختلف، كما يقال مثلاً -كما ذكر شيخ الإسلام في مواضع أخرى- في سكنى البلاد: هل الأفضل مكة أو المدينة أو بيت المقدس مثلاً؟ حيث قال: "الإقامة في كل موضع تكون الأسباب فيه أطوع لله ورسوله، وأفعل للحسنات والخير، بحيث يكون أعلم بذلك، وأقدر عليه، وأنشط له، أفضل من الإقامة في موضع يكون حاله فيه في طاعة الله ورسوله، دون ذلك[62]، ثم ذكر أن المعين يختلف ذلك بالنسبة إليه، فالأفضل في حقه أن يكون في موضع يجد فيه قلبه، ولو لم يكن في هذه الأماكن الثلاث، قد يسكن في مكة ولا يرتاح، وقد يسكن في المدينة ولا يرتاح، فالمكان الذي يجد فيه قلبه، ويعبد الله ، وهو مستريح هذا الأفضل في حقه.
وهكذا بالنسبة للأعمال: ما هو الأفضل؟ نقول: هذه الأعمال الثلاثة، لكن بالنسبة للمعين قد يكون الأفضل لهذا هو الاشتغال بالقيام على الفقراء والأيتام والمساكين إلى آخره، وهذا الدعوة إلى الله، وهذا يمكن أن يكون أفضل الأعمال بالنسبة إليه القيام بمصالح المسلمين، وما أشبه هذا، فهذا يختلف، فالله فاوت بين الناس في القدرات والإمكانات، فلربما يكون في موضع لا يستطيع أن يعمل فيه كثيرًا، ولا يفتح عليه في باب الصلاة، أو قد لا يفتح عليه في باب العلم، فهذه الشريعة لا تعرف الفشل، والأصل أن لا يوجد في أتباعها فاشل، ففروض الكفايات، أو سنن الكفايات كثيرة جدًا، فإذا كان لا يصلح في باب العلم، فإنه لا ينقطع عنه بالكلية، ولكنه يعمل في مجالات أخرى، يجد قلبه فيها، ويستطيع أن يعمل ويقدم ويبذل، فيما لا يستطيعه أهل العلم، فقد يفتح له في باب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر والاحتساب، وما أشبه ذلك، ويكون عنده من الصبر، ورباطة الجأش، والعزيمة، ما لا يكون عند كثير من أهل العلم، وهكذا.
فكون الإنسان يكون كاسدًا في باب من الأبواب، لا يعني أنه يكون كاسدًا في جميع الأبواب، فلا بد أن يوجد من الأعمال ما يصلح لهذا وأمثاله، فتُفتح الآفاق للناس، ويعملون بحسب ما أعطاهم الله ، ومن الخطأ أن يُوهم الإنسان: أنت ما تصلح للعلم إذًا ما تصلح لشيء، أو ما تصلح للدعوة إذًا ما تصلح لشيء، لا، فهناك مجالات كثيرة جدًا تصلح لها، والله أعلم.
- أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله {واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها} [مريم: 16] برقم (3443).
- منهاج السنة النبوية (5/171).
- توضيح المقاصد شرح الكافية الشافية نونية ابن القيم (1/131).
- منهاج السنة النبوية (5/171).
- منهاج السنة النبوية (5/172).
- منهاج السنة النبوية (5/167).
- منهاج السنة النبوية (5/167).
- تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (8/54).
- تفسير ابن كثير ت سلامة (1/636).
- منهاج السنة النبوية (5/182).
- منهاج السنة النبوية (5/182).
- منهاج السنة النبوية (5/182).
- أخرجه أحمد ط الرسالة برقم (18894) وقال محققو المسند: "حديث صحيح".
- أخرجه ابن ماجه في كتاب الصيام، باب ما جاء في الغيبة والرفث للصائم برقم (1690) وقال الألباني: "حسن صحيح".
- أخرجه مسلم في كتاب الجمعة، باب فضل من استمع وأنصت في الخطبة برقم (857).
- أخرجه أحمد ط الرسالة برقم (719) وقال محققو المسند: "إسناده ضعيف".
- أخرجه ابن ماجه في كتاب الصيام، باب ما جاء في الغيبة والرفث للصائم برقم (1690) وقال الألباني: "حسن صحيح".
- نشر البنود على مراقي السعود (1/47).
- الدر المنثور في التفسير بالمأثور (3/57).
- أخرجه أحمد ط الرسالة برقم (7354) وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (3170).
- أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر برقم (233).
- أخرجه البخاري في كتاب الصوم، باب من صام رمضان إيماناً واحتساباً ونية برقم (1901).
- الدر المنثور في التفسير بالمأثور (3/57).
- أخرجه ابن ماجه في كتاب الزهد، باب التوقي على العمل برقم (4198) والترمذي ت شاكر في أبواب تفسير القرآن، باب ومن سورة المؤمنون برقم (3175) وصححه الألباني.
- أخرجه مسلم في كتاب الجمعة، باب فضل من استمع وأنصت في الخطبة برقم (857).
- أخرجه مسلم في كتاب الجمعة، باب فضل من استمع وأنصت في الخطبة برقم (857).
- منهاج السنة النبوية (5/237).
- منهاج السنة النبوية (5/237).
- منهاج السنة النبوية (5/237).
- مجموع الفتاوى (28/209).
- منهاج السنة النبوية (5/237).
- أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن، باب {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:110] برقم (4557).
- منهاج السنة النبوية (5/238).
- منهاج السنة النبوية (5/238-239).
- منهاج السنة النبوية (5/239).
- منهاج السنة النبوية (5/239).
- منهاج السنة النبوية (5/239).
- منهاج السنة النبوية (5/239-240).
- منهاج السنة النبوية (5/240).
- منهاج السنة النبوية (5/240- 241).
- منهاج السنة النبوية (5/241).
- أخرجه البخاري في كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام برقم (3610) ومسلم في الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم برقم (1064).
- منهاج السنة النبوية (5/242).
- منهاج السنة النبوية (5/243).
- منهاج السنة النبوية (5/248-249).
- أخرجه ابن ماجه في كتاب الفتن، باب افتراق الأمم برقم (3993) وصححه الألباني.
- الاعتصام للشاطبي ت الهلالي (1/75).
- منهاج السنة النبوية (5/250).
- منهاج السنة النبوية (5/251).
- منهاج السنة النبوية (5/254).
- منهاج السنة النبوية (5/254).
- منهاج السنة النبوية (5/254).
- منهاج السنة النبوية (5/254-255).
- منهاج السنة النبوية (5/255).
- منهاج السنة النبوية (5/255-256).
- منهاج السنة النبوية (5/256).
- منهاج السنة النبوية (5/260-261).
- منهاج السنة النبوية (5/261).
- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (1/51).
- الرياض النضرة في مناقب العشرة (2/324).
- منهاج السنة النبوية (6/75).
- مجموع الفتاوى (27/39).