الخميس 19 / جمادى الأولى / 1446 - 21 / نوفمبر 2024
30- ومن كتاب الاختيارات. القواعد 372-388‏
تاريخ النشر: ٢٨ / شوّال / ١٤٣٣
التحميل: 2239
مرات الإستماع: 2815

الحمد لله، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعدُ:

قال المؤلف -رحمه الله-:

"ومن كتاب الاختيارات"

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعدُ:

فهذا الكتاب كتاب اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية يقع في مجلد، كما هو معروف، وهذه الاختيارات انتقاها، وجمعها الشيخ علاء الدين أبو الحسن البعلي المتوفى سنة (803) للهجرة.

وهذه الاختيارات -كما هو معلوم- يرجع إلى فتاوى هذا الإمام وتقريراته، ثم يأخذ اختياره، ويبرزه، بحيث لا تحتاج إلى قراءة الكلام الطويل المفصل والشرح، وإنما يعطيك خلاصة رأي شيخ الإسلام في هذه المسألة، وهذه طريقة مفيدة لطالب العلم من أجل الوقوف على ترجيح العالم، ولكنه لا يستغني بحال من الأحوال عن الرجوع إلى التفصيل والتأصيل والأدلة، وما إلى ذلك.

ووضعت اختيارات لجمع من أهل العلم، وبعضهم وضع ذلك لنفسه، فيأتي العالم أحيانًا ويبرز ما يختاره في كتابه، وفي الغالب يأتي من تلامذته، أو ممن بعدهم من يبرز اختيارات هذا العالم، وينتقيها، وهذا معروف قديمًا وحديثًا، ولبعض العلماء المعاصرين اختيارات جمُعت، لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-، ولفضيلة الشيخ محمد العثيمين -رحمه الله-.

وعلى كل حال ليس بالضرورة أن تكون هذه الاختيارات جازمة ومحددة؛ لأن الذي يضع الاختيارات أحيانًا يتوقف، إما لأنه لا يرى رأيًا واضحًا وحكمًا فصلاً للمسألة في كلام العالم في الموضع المعين، أو أنه يرى كلامه في المواضع المختلفة قد تردد، فهذا الذي يضع الاختيار لا يعطيك نتيجة محددة، ويقول: يرى في هذا كذا، ويختار كذا، وإنما يقول: تردد كلامه فيها، وأحيانًا يفهم هو، فيقول: كأنه سوى بين الأمرين، ويكون المسألة فيها تتردد بين أمرين، وبعضهم يقول كذا، وبعضهم يقول كذا، فيقول: كأنه سوى بين الأمرين، أو كأنه يميل إلى كذا على كل حال موضوع الاختيارات لابد فيه من أمرين أساسيين من يكتب في اختيارات عالم لا بد من أمرين:

الأمر الأول: الإحاطة والاستقراء مع الدقة؛ لئلا يُقوِّل العالم ما لم يقل، خاصة إذا كانت هذه الأشياء كُتبت من كلام قاله مشافهة، وهذا فيه خطورة؛ لأن الإنسان قد يسبق لسانه -كما هو معلوم-، ولا يتفطن لأشياء، فإذا سمعها، قال: لا ليس الأمر كذلك، والإنسان يرى هذا كثيرًا، بل قد يخطئ في أشياء واضحة، يخطئ في حديث أو في آية، لا يخطئ فيها أحد، لكن الذي يتكلم غير السامع، فتجد العالم أحيانًا يذكر أشياء من باب الذهول، فالآن في العصر الحديث صار الناس يسجلون في الأجهزة، ثم يفرغون، ثم يأتي من يأخذ من هذه الأشياء، ويقول: هذا اختيار فلان، فهذه ليست محررة كالتأليف.

الأمر الثاني: الذي يحتاج إليه، هو معرفة آخر الفتيا لهذا العالم في هذا الموضوع؛ ولذلك قد لا نثق أحيانًا ببعض الاختيارات التي كتبها بعض طلبة علم لبعض العلماء، قد يكون في آخر حياته غيّر رأيه في هذه الأشياء، وأغرب من هذا في نظري من يكتب اختيارات عالم في حياته، يعني: هذا العالم الله أعلم كم سيعيش، وسيغير من آرائه، فحينما تُكتب اختياراته وهو حي، فمعنى ذلك أن هذه الكتابة ليست هي نهاية المطاف، والمسألة ليست مجرد شرح لكتاب، أو شرح لرسالة، أو لمتن علمي، لا، هذه اختيارات، تقول هو يرجح كذا في المسألة الفلانية، وفي المسألة الفلانية يرى كذا، وهكذا، فهذا دقيق؛ ولذلك كان بعض أهل العلم في حياته حينما كُتبت له اختيارات، كان ينكر هذا، ويذكر أنه غيَّر رأيه في أشياء، ولا يرى أن تطبع ولا توزع.

على كل حال نحن نحاول أن نمر عليها سريعًا؛ لأنها ما تحتاج إلى كثير شرح، وإنما أبيَّن ما يحتاج إلى بيان، ثم نأتي على أكبر قدر منها.

قال -رحمه الله-:

"الطهارة تكون من الأعيان النجسة، كقوله: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [المدثر:4]، وتارة من الأفعال الخبيثة، كقوله تعالى: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا [الأحزاب:33]، وتارة من الأحداث المانعة كقوله: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا [المائدة:6]"[1].

الطهارة تكون من الأعيان النجسة، يعني: الحسية، الأعيان التي هي إزالة النجاسة، وتارة تكون من الأفعال الخبيثة، فهنا لما ذكر الله آداب أمهات المؤمنين، وما أدبه بهن: فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفًا ۝ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الأحزاب:32-33] علّل هذا بعده، قال: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ [الأحزاب:33] فالرجس: يطلق على النجس، وكل ما يحصل به التقذير والتدنيس حسًا ومعنى، في الأمور المحسوسة من أنواع النجاسات، وكذلك الأمور المعنوية، فهذا في الأمور المعنوية، فإن هذه الأوضار والأمور التي تقدح بمرتبة الإنسان وشرفه، وما إلى ذلك هذا أمر يتنزه عنه أزواج النبي ﷺ، فالله هو الذي أدبهن ورباهن هذه التربية الرفيعة الكريمة.

قال: "وتارة من الأحداث المانعة" إذن الطهارة تكون من الحدث الأصغر والأكبر، ولرفع وإزالة النجس، وتكون أيضًا من الأفعال السيئة.

وقوله: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [المدثر:4] يشمل هذا وهذا، تطهير الثياب من النجاسات، وتطهير النفس من المدنسات، فإن العرب تُعبر عن النفس بالثياب، كما سبق في بعض المناسبات.

قال -رحمه الله-:

"وتجوز طهارة الحدث والخبث بكل ما يُسمى ماء، وتزال النجاسة بكل ما يزيلها، ويذهب أثرها من ماء، أو غيره، والأصل: أن الماء طهور، حتى يتغير أحد أوصافه بالنجاسة"[2].

يقول: "تجوز طهارة الحدث والخبث" يعني: النجاسة "بكل ما يُسمى ماء"؛ إذن لا بد من الماء، ولا بد فيه من الإطلاق بكل ما يُسمى ماء، سواء كان من قبيل المستعمل، كما يقول بعض الفقهاء: أو لم يكن مستعملاً، فإنه لا فرق، واستعمال الماء في الطهارة الشرعية الأرجح أنه لا يسلبه الطهورية، فيبقى على حاله، فالماء على الأرجح على نوعين: طهور، ونجس، فالماء المطلق يصح التطهر به، وإزالة الخبث والنجس، إلا إذا قُيد، وطرأ عليه ما يغيره، فيحيله من الماء المطلق إلى شيء آخر، أو إلى ماء بقيد، إلى شيء آخر، مثل لو وضع فيه اللحم وطبخ وصار مرقًا، هذا لا يقال له: ماء، فلا يقال: اشرب ماءً، يقال: اشرب مرقًا، ولو وضع عليه مسحوق، أو نحو ذلك، وتحول إلى عصير، فلا يقال: اشرب ماءً، يقال: اشرب عصيرًا، هذا لا يجوز التطهر به، ولا يصح، ولو أن هذا الماء سقط فيه طاهر كالملح أو السكر، أو سقط فيه أوراق أشجار، ولكنه لم يرفع عنه وصف المائية المطلق، فإنه يبقى على حاله، يصح الطهارة به، لا إشكال فيه، لكن لو وُضع في هذا الكأس من الماء مثلاً، لو وضع فيه ورق شاي، وتحول إلى شاي، هل هذا يصح الطهارة به؟! الجواب: لا، إذن لا بد من أن يبقى على هذا الإطلاق، الماء، وصف المائية بلا قيد، لو قيل: ماء ورد، هل يصح التطهر به؟! الجواب لا، ماء الورد إنما الماء المطلق، ولو حصل له بعض التغير بأمور طاهرة.

أما إذا حصل التغير لأحد أوصافه الثلاثة: اللون أو الطعم أو الرائحة بنجاسة، فإنه ينجس، سواء كان قليلاً أو كثيرًا؛ لتغير أحد الأوصاف، ولا يُقيد ذلك بالقليل دون الكثير مثلاً، فيقال مثلاً: إن حصل له مخالطة نجاسة إن كان قليلاً دون القلتين فإنه ينجس مطلقًا، وإن لم يتغير، وإنما يقيد بهذا القيد -والله أعلم- فيقال: إن تغير بنجاسة قلّ أو كثر، فإنه يحكم بنجاسته فلا يرتفع به الحدث، ولا يزول به الخبث.

إزالة النجاسة أوسع من باب رفع الحدث، رفع الحدث لا يكون إلا بالماء المطلق، أما إزالة النجاسة فبكل ما يحصل به إزالتها.

قال: "تزال النجاسة بكل ما يزيله، ويذهب أثرها من ماء أو غيره" يعني: لو أنه أزال النجاسة صب عليها سائل آخر غير الماء وزالت، أو غسلها بشاي، وزالت النجاسة فإنه يطهر، وكذلك لو أنه زالت هذه النجاسة من هذا الثوب بالبخار غسيل بخار فإنه يطهر لو زالت النجاسة بالعوامل الجوية، كالشمس والهواء وما إلى ذلك من الأرض، فإنه يطهر، فباب إزالة النجاسة أوسع من باب رفع الحدث، حتى من جهة النية، رفع الحدث لا بد فيه من نية، وأما إزالة النجس فلا يُشترط فيه النية، لو أنه كان يمشي ونزل مطر فغسل النجاسة التي على ثوبه وزالت، يطهر، أو نجاسة على السطح أو على فرش أو على الأرض، فجاء مطر وغسلها تطهر، آنية فيها نجاسة فجاء المطر وأزالها، فهذا يحصل به الطهارة، أو على بدنه نجاسة فنزل مطر، أو غاص في ماء، أو بحر أو نهر، أو بركة، وزالت هذه النجاسة من غير نية، فإنه يحصل الطهارة بذلك.

قال -رحمه الله-:

"يجب بذل المنافع المحضة للمحتاج، كسكنى داره، والانتفاع، بإنائه بلا أجرة لذلك"[3].

"يجب بذل المنافع المحضة للمحتاج، كسكنى الدار، والانتفاع بإنائه" في الأصل الانتفاع بما حوته، يعني: الدار "بلا أجرة لذلك".

شيخ الإسلام -رحمه الله- في هذا الكتاب -الاختيارات- الذي كتبه اختاره علاء الدين البعلي -رحمه الله- ذكر قبله أنه يحرم منع المحتاج إلى الطهارة، ولو كانت هذه المياه، أو الخزان، أو البركة موقوفة على طائفة معينة، كالموقوفة على مدرسة، أو رباط لطائفة معينة؛ لطلاب العلم، أو للفقراء، أو للأشراف، أو نحو ذلك، ولو كانت في ملك إنسان معين، كبئر، وهذا إنسان محتاج إلى الطهارة، فمثل هذا مبذول للمحتاج، لا يجوز منعه منه، ما لم يحصل على من هو مخصوص به ضرر، كأن تكون حاجته تمس إلى هذا الشيء، حتى لو قُدر أن هذا وقف مثلاً هذا الرباط، أو هذا الأرض، أو هذه المزرعة أنه وقف للفقراء، أو وقف لطلاب العلم، وهذا الإنسان جاء يحتاج إلى طهارة، نقول له: تيمم؟ الجواب: لا، فالأصل في مثل هذا أنه يتطهر به، لكن لو استغنى عنه، كأن يوجد بدائل، فإنه لا يلجأ إليه إذا صرح الواقف بأن هذا يختص بالطائفة الفلانية، ولم يكن هذا منهم، ففي هذه الحال إن وجد غيره وجد مندوحة، وإلا فإنه يتطهر من هذا؛ لأن الأصل أن الماء يبذل ولا يتضرر ببذله، فإن حصل ضرر، فذلك شأن آخر.

فينبغي بذل المنافع المحضة للمحتاج ما لم يتضرر بذلك، يعني: صاحبها، والله قال: وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ [الماعون:7] فيدخل في الماعون كل ما لا يُتضرر ببذله، مثل: السكين، والإناء، والقدر، والولاعة، واشتراك السيارة، وما إلى ذلك من الأشياء التي لا يتضرر الإنسان بها، فإذا قال له: أعرني إياها، أعرني القلم أكتب فيه، هذه أمور، لا يتضرر بها، فلا يجوز له أن يمنع المحتاج، إلا إذا كان يتضرر بذلك، ويدفعها من غير أجرة للمحتاجين، ولو قال له: أعطني هذا الإناء، أريد أن أتوضأ أو أغتسل به، فإنه يعطيه مجانًا؛ لأنه لا يتضرر بذلك، فهذه منافع محضة مبذولة، وقد عاب الله على أولئك الذين يبخلون ويمنعونها، مع أن بذلها لا يُؤثر عليهم.

قال -رحمه الله-:

"جميع ما يُدعى من السنة: أنه ناسخ للقرآن فهو غلط"[4].

هذا ذكره عند الكلام على مسألة المسح على الخفين، وهذه المسألة معروفة عند الأصوليين، وفيها خلاف معروف، هل السنة تنسخ القرآن أو لا؟ ومن الناحية النظرية بغض النظر هل وقع أم لم يقع؟ بعضهم يمنع ذلك، وهذا مروي عن الإمام أحمد[5]، وبه قال الشافعي، وهو يقول: بأن كل ما يدعى من نسخ السنة للقرآن فمعه قرآن عاضد[6]، يعني: ما توجد سنة مستقلة تنسخ قرآن، وإنما يكون معها قرآن عاضد، طبعًا هذا غير موضوع الآحاد والمتواتر، يعني: حتى لو كانت السنة متواترة بأي اعتبار؟ يقولون: السنة مبنية للقرآن وشارحة له وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل:44] شارحة ومبينة وموضحة.

إذا كانت مبينة فكيف تكون رافعة؟ لأن النسخ رفع، الجمهور يقولون: يصح أن تكون السنة مقيدة لمطلق القرآن، ومخصصة لعمومه، لا إشكال في هذا؛ لماذا؟ قالوا: لأن التخصيص والتقييد بيان، وأما النسخ لماذا تمنعونه؟ قالوا: لأنه رفع، والسنة شارحة، فكيف ترفع؟ فالشافعي يقول: لا بد أن يكون معه قرآن عاضد، هذا الذي قال: إن السنة نسخت كذا، معه قرآن عاضد، لا تستقل وحدها.

وهذا ليس محل اتفاق، فبعض أهل العلم يقولون: يصح لا إشكال في هذا، من الناحية النظرية، ويحتجون عليهم قالوا: أنتم أجزتم تقييد السنة لمطلق القرآن، وأجزتم تخصيص السنة لعام القرآن، قالوا: فالتقييد والتخصيص هو في الواقع فيه نوع رفع في الأفراد، أخرج بعض الأفراد، والنسخ رفع من حيث الزمان، يُقر مدة، ويُرفع في  وقت آخر، قالوا: هذا رفع، وهذا رفع، لكن سميتموها بيانًا، والواقع أنه رفع من هذه الحيثية، فلماذا لا يمكن؟ قالوا: والسنة هي شارحة للقرآن، لكن الواقع هي على ثلاثة أحوال مع القرآن، ففيها أحكام مستقلة، مثل تحريم كل ذي مخلب من الطير، وذوات النياب من السباع، والحمار الأهلي، كل هذا ورد في السنة، مع أن الله يقول: قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ [الأنعام:145] والسنة حرمت أشياء مستقلة، وما حرمه رسول الله، فهو كالذي حرمه الله، فتأتي بأحكام مستقلة، وتارة تكون شارحة ومبينة ومفصلة لما ذُكر في القرآن، وتارة تكون مواطئة له، والذي أظنه أقرب -والله أعلم- من الناحية النظرية: أنه لا مانع من نسخ السنة للقرآن، لا إشكال في هذا من الناحية النظرية، لكن هل وقع أم لم يقع؟ عند الاستقراء والنظر وتتبع أقوى الأمثلة التي يذكرها الأصوليين والمفسرون والفقهاء لا أعلم مثالاً سالمًا من معارضة قوية، يعني: ما هي الأمثلة التي يقولون السنة، هي التي رفعت القرآن؟ من أوضح الأمثلة، وأقوى الأمثلة التي يذكرون قول النبي ﷺ: خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة، وتغريب عام، والثيب الرجم[7]، هذا في قوله تعالى: وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً [النساء:15] فالنبي ﷺ يقول: خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلاً  هل هذا نسخ أو لا؟! بعض العلماء يقولون: نسخ، ويقولون هذا مثال على نسخ السنة للقرآن، لاحظتم، لكن هذا في مناقشة قوية ومعروفة في مسألة أصولية، وهي: هل المغيا بغاية يكون ذلك من قبيل النسخ؟ لأن الله قال: حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يعني: حتى يجعل الله لهن سبيلاً، فقال النبي ﷺ: قد جعل الله لهن سبيلاً فهل هذا المغيا بغاية يعتبر نسخ؟ وإذا قلنا: بأنه نسخ، هل هذا المثال صحيح له؟ مرتين عندنا المشكلة، فلاحظ المعارضة في هذا المثال الذي يعتبر من أقوى الأمثلة وأوضحها، خذ أمثلة أخرى في قوله -تبارك وتعالى-: الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ [البقرة:180] قال النبي ﷺ: إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث[8]، هذا من أقوى الأمثلة، قالوا: هذا ناسخ لقوله: الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ [البقرة:180] والواقع أن هذا فيه مناقشات كثيرة من أكثر من جهة على سبيل المثال الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ [البقرة:180] هل هذا منسوخ أصلاً أو لا؟! كثير من أهل العلم يقولون: غير منسوخ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ [البقرة:180] غير الوارثين، وهل يمكن أن يكون في الوصية والدان غير وارثين؟ الجواب: نعم، من قام به مانع من موانع الإرث، كاختلاف الدين ما يرث مسلم كافر، لا يتوارث أهل ملتين شتى، واضح هذا، فيستطيع أن يوصي لوالده أو لوالديه غير الوارثين، وكذلك القرابة من غير الوارثين، ممن حصل له مانع من موانع الإرث، أو حجب.

فبعضهم يقول: هذه غير منسوخة، هي ثابتة محكمة، والذين قالوا: منسوخة كثير منها يقولون: الناسخ هو آيات المواريث يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ [النساء:11] فهذا الذي نسخها، وليس الحديث، وهذا الذي يعنيه الشافعي، يقول: فمعه قرآن عاضد، ولا بد، يقول: معه هذه الآية -آية المواريث- مع الحديث، أرأيتم؟! فهذه من أوضح الأمثلة وأقواها، توجد أمثلة أخرى، لكن كما ترون حتى لا يمضي الوقت فلا أعلم مثالاً سالمًا من معارضة قوية فيما يقال فيه بأنه من قبيل نسخ السنة للقرآن من الناحية التطبيقية، ما أعرف مثالاً سالمًا من معارضة قوية، لكن من الناحية النظرية ما المانع أن تنسخ السنة القرآن؟ الأقرب أنه يمكن، أما من الناحية التطبيقية العملية هل وقع أو ما وقع؟ كل مثال عليه اعتراضات قوية.

قال -رحمه الله:

"والناس إذا اعتادوا القيام وإن لم يقم لأحدهم أفضى إلى مفسدة، فالقيام دفع لها خير من تركه، وينبغي للإنسان أن يسعى في سنة رسول الله ﷺ وأصحابه وعادتهم واتباع هديهم، وإذا اعتاد الناس قيام بعضهم لبعض، فقيامهم لكتاب الله أولى"[9].

تعرفون ما ورد من كراهة النبي ﷺ للقيام[10]، على أن بعض أهل العلم كابن القيم[11]، فصّل في مسألة القيام، وفرّق بين القيام على الشخص، فهذا محرم بلا إشكال كدتم أن تفعلوا فعل فارس والروم[12]؛ لما وقفوا خلفه ﷺ، وهو يصلي صلى جالسًا، وصلوا قيامًا، فالوقوف على الشخص هذا لا يجوز، كما يفعل مع العظماء والكبراء يقف أناس خلفهم، فهذا لا يجوز، ابن القيم ذكر أنواعًا للقيام، هذا منها، وهو مقطوع بتحريمه.

يبقى الأنواع الأخرى، منها: القيام إليه، وعلى هذا يحمل النصوص الواردة: قوموا إلى سيدكم[13] في قصة سعد بن معاذ، والحكم على بني قريظة قوموا إلى فيقول: إن يقوم يمشي إليه، ولو خطوات، فهذا لا إشكال فيه.

النوع الثالث: وهو القيام له، دخل وقام له، فهذا على نوعين:

النوع الأول: أن يقوم له من غير سلام، إنما يقوم إذا دخل فقط، ثم إذا جلس جلس، وإذا أراد ان ينصرف فقام قاموا، فإذا خرج جلسوا، فمثل هذا ليس بقيام للمصافحة والسلام أو المعانقة، أو نحو ذلك، فمثل هذا يترك.

أما القيام له من أجل أن يصافحه، ويسلم عليه، هذا الذي يذكره شيخ الإسلام: أن الناس إذا اعتادوا القيام، وكان ترك ذلك قد يفضي إلى مفسدة من قطيعة، وهجر أو عداوة، أو نحو ذلك، فبعض الناس قد يحمل ضغينة إذا ما قام، ويعتبر أن هذه إهانة واحتقار، وتقليل من شأنه، هذا الذي نفسه لم تتروض تدفع هذه المفسدة بالقيام والسلام عليه، مع العلم بأن ما ذكره الحافظ ابن القيم -رحمه الله- من التفصيل ليس محل تسليم عند أهل العلم، يعني: كثير من أهل العلم لا يفصلون هذا التفصيل، وإنما يعتبرون الأدلة الواردة في كراهة القيام شاملة لهذه الأنواع جميعًا، فإذا حصل من جراء ذلك مفسدة، وكان ذلك من عادة الناس، فيمكن أن يقوم له، ولا إشكال في ذلك.

يقول: "وإذا اعتاد الناس قيام بعضهم لبعض، والقيام بكتاب الله أولى".

هنا "بكتاب الله" ماذا عندكم في النسخ؟ لكتاب الله؟ عندي كاتب: بكتاب الله، بالباء، وعندكم باللام، وفي الأصل -في الاختيارات- قال: والناس إذا اعتادوا القيام، وإن لم يقم لأحدهم أفضى إلى مفسدة، فالقيام دفعًا لها خير من تركه، وينبغي للإنسان أن يسعى... إلخ، والقيام بكتاب الله أولى، وينبغي للإنسان أن يسعى في سنة رسول الله ﷺ وأصحابه، واتباع هديه، والقيام بكتاب الله أولى"[14] هكذا في الأصل: القيام بكتاب الله، فإذا كان هذا هو المقصود القيام بكتاب الله، يعني: العمل بمقتضاه، لكن هل العبارة على هذا؟

أو أن المقصود: القيام لكتاب الله، ما معنى القيام لكتاب الله؟ يعني: لو دخل أحد وهو يحمل المصحف على قوم، فقاموا تعظيمًا لكتاب الله هل هذا فيه بأس؟ يمكن أن يكون مراد شيخ الإسلام هو هذا، ونحن نقول أصلاً: إنما هو يقوم ليسلم عليه ليصافحه، لكن قد يقول قائل: يمكن أن يصافحه، وهو جالس إنما قام احترامًا وتقديرًا، فيقول: القيام لكتاب الله أولى، لكن نرجع إلى هدي النبي ﷺ هل كانوا يقومون للقرآن إذا دخل أحد بمصحف؟!

الجواب: لا، لم ينقل عنهم شيء من هذا، فاتباع هديهم أولى، ولكن شيخ الإسلام إن كان يقصد هذا المعنى، فلا يخفى عليه هذا الذي ذكرنا، فهو يقول: "إن اعتاد الناس القيام" وهو يقول بأن هدي النبي ﷺ وهدي أصحابه على خلاف ذلك، لكن لو اعتادوا تعظيمًا واحترامًا لمن يقومون له، فكتاب الله أولى بالتعظيم والاحترام، يريد هذا، لكن حينما يقال: إنما يقوم له لدفع مفسدة، وهو ما قد يوجد في قلبه من ضغينة، أو عداوة، أو نحو ذلك، فعدم القيام لكتاب الله هل توجد منه هذه المفسدة؟!

الجواب: لا، إذن حتى لو قام الناس بعضهم لبعض، فإنهم لا يقومون لكتاب الله، يعني: هو يقول: إن هدي النبي ﷺ وأصحابه أولى بالاتباع، وما كانوا يقومون لبعضهم، ولمن دخل.

يقول: "لكن إذا اعتاد الناس ذلك، وكان ترك القيام لأحد من الناس يؤدي إلى مفسدة، فإنه يقوم له، مع أن اتباع هدي النبي ﷺ وأصحابه أولى" لكن إذا اعتاد الناس القيام فلا حرج، وكتاب الله أولى، إذا كانوا يقومون تقديرًا واحترامًا لبعضهم، فالقيام لكتاب الله أولى، هذه القضية يذكرها بعض من يتكلمون على آداب التعامل مع المصحف، لكن لا أصل لها، فهذا يقال: السلف لم يكونوا يقومون للمصحف، طيب إذا كان ذلك معتادًا أن يقوم الناس بعضهم لبعض، وقلنا: لا إشكال؛ لأن هذا عادة ومن تركه قد يعاب وينتقص، أو لربما يحصل بسبب ذلك مفاسد بين الناس، وتقطع أواصر، وما إلى ذلك، فإذا تعارف الناس على هذا، فالقيام لكتاب الله أولى إذا كان الناس تعارفوا على أن هذا من باب التقدير والاحترام، فالقيام لكتاب الله أولى، هذا إذا قلنا: بأن هذه عبارة شيخ الإسلام، فيجاب عن هذا: بأن القيام إنما رخص به لدفع المفسدة، وترك القيام لكتاب الله لا تحصل من جرائه هذه المفسدة، إذن النتيجة لا يُقام لكتاب الله، ولو اعتاد الناس أن يقوم بعضهم لبعض؛ لأن هذا لم ينقل عن السلف، ولم ينقل عن النبي ﷺ فلا يشرع أن يفعل.

ولا إشكال إذا قام ليهنئه، أو قام إليه -على كلام ابن القيم- يمشي إليه؛ لما رآه داخلاً ليهنئه بتوبة الله عليه، فابن القيم يمثل بهذا القيام إليه، غير القيام له، وغير القيام عليه، فيجعل الأنواع ثلاثة:

القيام على الشخص.

والقيام للشخص.

والقيام إلى الشخص.

ولهذا نحن إذا أردنا أن نخرج أحيانًا من الحرج إذا قمنا نمشي خطوات إلى الأمام، فلا نكون قمنا له، مع أنه لا إشكال في هذا -إن شاء الله- وتركه أولى، لا سيما إذا اعتاده الناس.

قال -رحمه الله-:

"الاستدامة أقوى من الابتداء"[15].

قاعدة: الاستدامة أقوى من الابتداء، راجعوا هذه القاعدة في كتب القواعد، مثل الكتاب المنثور في القواعد، تجدون أمثلة وتفصيلات لذلك.

الآن يعني عندنا موانع تمنع من صحة العبادة، هذه الموانع على نوعين:

نوع يمنع الابتداء والاستدامة، سواء في العبادات أو المعاملات، مثال على ما يمنع الابتداء والدوام: الكفر يمنع من ابتداء العبادة، ومن داومها، يعني: لو أنه كافر الآن، وقال: أنا أريد أن أصلي، أريد أصوم أو أحج، نقول: لا، الكفر مانع، أسلم أولاً، ثم تحج، هذا يمنع الابتداء، ويمنع الاستدامة، ولو أنه حصل منه ردة أثناء العبادة، فإن عمله يحبط، وهذا يمنع الاستدامة، هذا في العبادات.

خذ مثالاً آخر غير الكفر: الحدث فيما يطلب له طهارة، كالصلاة هل يصلي وهو محدث؟! يبدأ الصلاة، وهو محدث؟ الجواب: لا.

طيب لو أنه تطهر، ثم شرع في الصلاة، ثم طرأ الحدث أثناء الصلاة، هل نقول: بأن الاستدامة أقوى من الابتداء، فله أن يكمل ما دام أن الطهارة بدأ بها صلاته؟

الجواب: لا، فالحدث يمنع من الابتداء والاستدامة.

والمرأة إذا كانت حائضًا هل تشرع في الصوم؟

الجواب: لا، تقول: أنا أريد أن أصوم غدًا، وهي حاضت، فإنها لا تبدأ بذلك، طيب لو طرأ عليها الحيض أثناء الصيام؟! فإنه يمنع الاستدامة، أيضًا نقول: ما تواصل في الصوم، فإن صومها يبطل، وهكذا الرضاع والمحرمية في النكاح كل ذلك يمنع من الابتداء والاستدامة.

الآن لو أن رجلاً عرض عليه امرأة من محارمه، أو أنها من أخواته من الرضاع، أو من محارمه من النسب، هل يجوز له أن يتزوجها؟ هذا -الرضاع والمحرمية- يمنع الابتداء، طيب لو أنه تزوجها، فقيل له بعد ذلك: هذه قد رضعت معك، أو قيل له: إن هذه من محارمك، وما كان يدري، فهل يجوز له الاستدامة؟ نقول: الاستدامة أقوى من الابتداء، طالما أن البداية ما كانت معلوم فيها هذا المانع فلا بأس الاستدامة؟

الجواب: لا، فيقال: هذا يمنع من الابتداء والاستدامة، فالرضاع والمحرمية في النكاح.

ولهذا يقولون: إن الاستدامة أقوى من الابتداء، يعني أنه يغتفر فيها ما لا يغتفر في الابتداء؛ ولهذا يعبر عنها بأقوى، طالما أنه بدأ وشرع في الشيء غير الذي لم يدخل فيه، مثل الذي يمنع من الابتداء ولكنه لا يمنع من الاستدامة: الإحرام، هذا يمنع من ماذا؟ يمنع من النكاح المحرم، هل يجوز له أن يتزوج؟ لا يتزوج، ولا يخطب امرأة، لكن لو أنه تزوج قبل الإحرام، ثم طرأ  عليه الإحرام، هل يؤثر في النكاح؟ ونقول له: فارق امرأتك لأنك محرم؟! لا؛ لأن الاستدامة أقوى من الابتداء، لا يبتدئ العقد النكاح، وهو محرم، ولكن من طرأ عليه الإحرام بعد عقد النكاح، فإن نكاحه لا يتأثر بذلك.

وهكذا مسألة: الطول -الغنى في نكاح الأمة-، فالله قيده بهذا القيد، فقال: ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ [النساء:25] فنكاح الأمة لا يجوز، والمقصود بالنكاح الزواج، يتزوج الأمة، أما الوطء بالتسري فهذا لا إشكال فيه، فنكاح الأمة لا يجوز إلا للمضطر الذي يخشى على نفسه العنت، ولا يستطيع أن يتزوج الحرة، ولا يجد مهرًا، فيرخص له أن يتزوج الأمة؛ ولماذا يمنع من ذلك من غير عذر؟

لأن أولاده سيكونون أرقاء، وسيكونون ملكًا لسيد الأمة؛ ولذلك من عنده إماء أحيانًا يعمل مشروع استثماري مشروع تجاري، فيأتي لإمائه، ويزوجهن بأحرار مثلاً، الأولاد له، هو للسيد، يبيعهم، ويتاجر بهم، فلهذا لا يجوز التزوج من الأمة إلا حال الضرورة لمن لا يستطيع أن يتزوج الحرة، ولمن لا يجد المهر، ففي هذه الحال يرخص له.

طيب هذا إنسان رخص له، وانطبقت عليه الشروط، فتزوج أمة، فحصل له بعد ذلك الغنى، فيصير غنيًا، هل نقول: النكاح يبطل؟ لأنك صرت غنيًا، الآن فارقها؟

الجواب: لا؛ لأن الاستدامة أقوى من الابتداء، وهكذا على خلاف في مسألة التيمم، كإنسان يجد الماء، هل يجوز له أن يدخل في الصلاة بتيمم؟

الجواب: لا، إذا كان يجد الماء ويستطيع أن يستعمله، لا يجوز له أن يدخل الصلاة بالتيمم، يعني: من غير عذر، ولو أنه شرع في الصلاة، وما وجد الماء، فتيمم، فشرع في الصلاة، ثم جاء الماء على خلاف في المسألة، فعلى القاعدة: أنه يمضي في صلاته؛ لأن الاستدامة أثبت وأقوى من الابتداء، فلا إشكال أن يتم الصلاة بالتيمم؟ لكن لو رأى الماء قبل أن يشرع في الصلاة نقول: التيمم الذي تيممته لا يجزئ، وتوضأ.

وكذلك أيضًا لو إنسان عليه كفارة من الكفارات، ولم يجد الرقبة، ولم يستطع الإطعام، ولا الكسوة في كفارة اليمين مثلاً، فشرع في الصيام، ثم حصلت له القدرة، فهنا بناء على القاعدة: الاستدامة أقوى من الابتداء، نقول: استمر في الصوم، خاصة إذا كان الصوم طويلاً، مثل الذي عليه كفارة ظهار، أو كفارة جماع في نهار رمضان، ولم يجد الرقبة، فتحول إلى الصيام، فصام، ثم بعد ذلك وجدت الرقبة، ويستطيع أن يشتري رقبة، فهل نقول: يبطل هذا الصوم الذي صمته، صام تسعة وخمسين يومًا، ثم وجد الرقبة، نقول له: هذا الصوم باطل، لا قيمة له، وارجع وأعتق رقبة؟! هنا نقول: الاستدامة أقوى من الابتداء، فهذه قاعدة نافعة جدًا في أشياء كثيرة.

قال -رحمه الله-:

"قد يعرض للعمل المفضول ما يجعله أفضل من غيره"[16].

"قد يعرض للعمل المفضول ما يجعله أفضل من غيره" لمن كان انتفاعه به أتم، يعني: إنسان يصلي في المسجد الحرام مائة ألف صلاة، ويقول: أنا لا أجد قلبي هناك من الزحام، ورؤية النساء، وما إلى ذلك، ولكن أجد قلبي في مكان آخر، فهنا ما هو الأفضل في حقه؟

المفضول في حقه يكون أفضل من الفاضل، سكنى مكة والمدينة وبيت المقدس والشام أفضل من غيرها، ولكن كما قال شيخ الإسلام: إن هذا من حيث الجملة في الأصل، ولكنه بالنسبة للمعين، فإن الأفضل في حقه هو المكان الذي يجد قلبه فيه، ويستطيع أن يعبد الله وهو مطمئن، حيث يقول: "لإقامة في كل موضع تكون الأسباب فيه أطوع لله ورسوله، وأفعل للحسنات والخير، بحيث يكون أعلم بذلك، وأقدر عليه، وأنشط له، أفضل من الإقامة في موضع يكون حاله فيه في طاعة الله ورسوله دون ذلك، هذا هو الأصل الجامع"[17]، فبعض الناس قد يسكن في مكة أو في المدينة، ويجد أن قلبه لا يستريح، فيذهب حيث يجد قلبه، فهذا أفضل في حقه.

والصلاة في المسجد الجامع والمسجد قديم، أو نحو ذلك هذا أفضل، ولكن هذا الإنسان لا يجد قلبه في هذا المسجد، فيذهب إلى مسجد جماعته قليلة، ويجد قلبه فيه، فيكون أفضل في حقه، فالمفضول قد يعرض له ما يكون بسببه أفضل من الفاضل، هذا في البقاع، وكذلك أيضًا يكون في الأعمال المختلفة، والاشتغال ببعض الأعمال، وقد يكون الاشتغال بالعلم عبادة شريفة، لكن قد يكون  في بعض الأوقات الاشتغال بغيره أفضل، كأن يمشي في حاجة أخيه مثلاً، فالنبي ﷺ فضل ذلك على الاعتكاف في مسجده شهرًا، حيث قال: ولأن أمشي مع أخ لي في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد، يعني مسجد المدينة، شهرًا[18]، وهكذا، ولا سيما في أوقات الحاجة، فالنبي ﷺ سُئل عن أفضل الصدقة، قال: الماء[19]، لكنه قد يكون في مكان يوجد فيه ماء كثير، في كل مكان، في بعض النواحي الآن لا تكاد تجد ثلاثة بيوت أو أربعة إلا وفيها برادة، ولا تكاد تجد مسجدًا إلا وفيه ثلاث أو أربع برادات، هذا موجود  في بعض النواحي، لكن قد يوجد في هذا البلد أو في ذاك حاجات أخرى دونه، لكن تمس الحاجة إليها، وقد يسأل بعض الناس: أريد أن أبني مسجدًا، هل هذا أفضل؟ قد يكون الأفضل في بعض الأماكن بناء مدرسة، أو بناء مستشفى، أو بناء مستوصف، أو عيادة متنقلة، أفضل من بناء مسجد في بعض الحالات، فهذا يختلف، وقل مثل ذلك في أمثلة كثيرة، كذلك في مسائل تأليف القلوب، يعني مثلاً الجهر بالبسملة السنة ألا يجهر على القول الراجح، لو جاء إلى ناحية إلى مسجد أو إلى حي أو إلى بلد، يجهرون بالبسملة، ولربما يشكون في صحة صلاة من لا يجهر بها، ويحصل بسبب ذلك فتنة لهؤلاء الناس، فلو صلى بهم من غير جهر، فهذا عندهم قامت القيامة، ولربما طعنوا في دينه واتهموه، ولربما بعض الجهلة كفره، فمثل هؤلاء الناس الجهلة ماذا يفعل إذا صلى بهم؟ يجهر بالبسملة، فيكون العمل المفضول في هذه الحال أفضل، دفعًا لهذه الفتنة؛ ولهذا الشر، وما إلى ذلك، بل قد يجهر بذلك عند قوم من الجهلاء؛ ليعلمهم بعض الأشياء، ويسمعهم دعاء الاستفتاح، ويسمع هؤلاء القراءة في الصلاة السرية، فيكون هذا من هذه الحيثية للتعليم، وهكذا القنوت في الوتر قد يترك تعليمًا للناس أن ذلك ليس بواجب، ولا يقرأ مثلا بـ(بسبح) وقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1] تعليمًا للناس أن ذلك ليس بواجب، وهكذا على القول بأن الأضحية لا تجب كان بعض السلف كابن عباس يترك التضحية لئلا يظن أنها واجبة، فكان يشتري لحمًا يوم العيد، ويمشي أمام الناس، فقد جاء في كتاب الأم: "عن ابن عباس أنه جلس مع أصحابه، ثم أرسل بدرهمين، فقال: اشتروا بهما لحمًا، ثم قال: هذه أضحية ابن عباس، وقد كان قلما يمر به يوم إلا نحر فيه أو ذبح بمكة، وإنما أراد بذلك مثل الذي روي عن أبي بكر وعمر ولا يعدو القول في الضحايا هذا أن تكون واجبًا"[20].

قال -رحمه الله-:

"الدعاء سبب لجلب المنافع، ودفع المضار، مع أنه عبادة يُثاب عليها الداعي، وإذا ارتاضت نفس العبد على الطاعة، وانشرحت بها، وتنعمت بها، وبادرت إليها طواعية ومحبة، كان أفضل ممن يجاهد نفسه على الطاعات، ويكرهها عليها"[21].

مسألة: الدعاء، بعض الناس يخطئ، وشيخ الإسلام يقصد الرد على هؤلاء، فيقولون: الدعاء نحن نتقرب إلى الله به، ونتعبد بالدعاء؛ لأن الله أمرنا به، لكن لا يتغير شيء، لما قدره الله -تبارك وتعالى-، وإنما هو قربة فقط، نتقرب إلى الله بها، أما أن يكون الدعاء سببًا لجلب نفع، أو دفع ضر، يقولون: هذا لا معنى له، ولا أثر له، هؤلاء يدعون فقط للتعبد، وهذا موجود، وقال به بعض الناس، وهو باطل، فشيخ الإسلام يرد على هؤلاء، فيقول: الدعاء عبادة، نتقرب إلى الله بها، والله يحبها، ويحب الداعين، فنحن نفعل ذلك قربة، وكذلك جعله سبب يحصل به جلب نفع، ودفع ضر.

وكما ذكرت لكم في الكلام على القدر بأن القدر أنواع: ما في اللوح المحفوظ، لا يتبدل، لكن الله -تبارك وتعالى- يكون قد كتب أن هذا الإنسان في صحف الملائكة يصاب بالمرض الفلاني، أو بالحادث الفلاني، أو يحصل له خسارة في تجارته، وضياع المال، ويحصل له مكروه، وأن يفوته بعض ما يحب، أو نحو ذلك، هذا في صحف الملائكة، فيكون الله قد قدر لهذا الإنسان أن يدعو، وعلم ذلك في الأزل، ويوفق للدعاء، فيرفع يديه ويدعو، فيكون هذا الدعاء سببًا لدفع هذا الضر، والله رتب هذا على هذا، فيمحى الذي في صحف الملائكة يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [الرعد:39] واللوح المحفوظ لا يتبدل ولا يتغير، فالدعاء له أثر، وآثاره عجيبة ومشاهدة، والله لم يأمرنا بالدعاء لمجرد أنه عبادة إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ [الأنفال:9] رتب على ذلك بالفاء التي تدل على التعليل، وتدل على ترتيب ما بعدها على ما قبلها فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ [الأنفال:9] فلا يقال: إن الدعاء لا أثر له، لكنه لا يغير ما في علم الله الأزلي الذي كتب في اللوح المحفوظ، هذا هو الفرق.

ثم ذكر قضية أخرى، وهي المفاضلة بين النفس التي ارتاضت على الطاعة، وبادرت إليها طواعية، يقول: "هذا أفضل ممن يجاهد نفسه على الطاعات" هذه معادلة ومفاضلة، وذكرها العلماء أيهما أفضل من كان يأتي العبادة بنفس مرتاضة على الطاعة، ومحبة لها، وما يحتاج إلى مجاهدة، هو أصلاً يحب الصلاة، أو يحب الصوم، ويفرح به، ويلتذ، وإذا ما صام يضيق صدره، ولا يجد قلبه وراحته وأنسه ولذته وسعادته، إلا بالعبادة، والصلاة صارت قرة عين، يأنس بها.

وإنسان آخر يجاهد ويكابد حتى يصوم، فأيهما أفضل؟ بعض العلماء قالوا: هذا الذي يجاهد؛ لأنه أجر العبادة، وأجر المجاهدة، فله أجران.

وبعضهم قال: هذا الذي ارتاضت نفسه أفضل، فشيخ الإسلام يقول: الذي ارتاضت نفسه أفضل، إذا أردت أن تعرف ملحظ هذه المسألة، والمأخذ الذي تبنى عليه، تأمل في الحديث: الماهر في القرآن هذا لا يجد مشقة، يقرأ بطلاقة ومهارة مع السفرة وهم السفراء بين الله ورسله، والملائكة نوع من الملائكة الذين هم ينقلون الرسالات الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن، ويتعتع فيه، وهو عليه شاق، فله أجران[22] أيهما أفضل؟ الأول أو الثاني؟ الأول ما ذكر الأجرين في حقه، فأيهما أفضل؟ الأول قطعًا أفضل، فذاك مع السفرة الكرام البررة، طيب هذا له أجران، يقال: القاعدة أن المزية لا تقتضي الأفضلية، له أجر على المجاهدة والتعب والمعاناة، وأجر على القراءة، لكن الأول أفضل، الأول في مرتبة عالية مع السفرة الكرام البررة، وهذا له أجران، وهكذا يُفاضلون في أشياء كثيرة، فهذا الذي ارتاضت نفسه لا شك أنه ما وصل إلى هذا إلا بعد ما صار مكملاً للإيمان، فصار على درجة عالية من الإيمان؛ ولهذا الشاطبي -رحمه الله- يجعل درجات المتعلمين على ثلاث؛ درجة: يحتاجون معها إلى العقوبات والسوط، حتى يرتدعون عن المعاصي، ويفعلون الواجبات، يقول: هذه البداية التي في المرحلة الأولى، أو الخطوة الأولى، بادئ في طلب العلم.

المرحلة الثانية: هم الذين قطعوا فيه شوطًا، وحصلوا، فهم في حال من المجاهدة، لا يحتاج إلى السوط والعقوبات والتعزيرات والحدود وكذا، فهو في مجاهدة، يجاهد نفسه طواعية، فهو في جهاد مستمر.

الطبقة الثالثة: وهم أهل الرسوخ، طبعًا هؤلاء الذين يعملون بالعلم، لا نتحدث عن الذين لا يعملون، وهم أهل الرسوخ، الذين صار العلم سجية لهم، يقول: هؤلاء لا يحتاجون إلى هذه المجاهدات الكثيرة التي يحتاجها من لا تكون نفسه مرتاضة بالعلم، لاحظ هذا لا يحتاج؛ لأن الامتثال صار سجية له، والعلم صار سجية، ومثل الأئمة الكبار، كالإمام أحمد، والإمام الشافعي، والإمام مالك ابن عباس وابن عمر، وأمثال هؤلاء من الأكابر، هذا ليس في حال مجاهدة دائمًا، حتى يصلي يوتر أو لا يوتر؟ أو من أجل أن يغض طرفه عن الحرام أو لا يغض طرفه عن الحرام؟ هؤلاء جبال، فصارت الطاعة سجية لهم، فهؤلاء مرتبتهم أعلى، فهم في أعلى المراتب.

قال -رحمه الله-:

"والجن ليسوا كالإنس في الحد والحقيقة، فلا يكون ما أمروا به مساويًا؛ لما على الإنس في الحد والحقيقة، لكنهم يشاركونهم في جنس التكليف بالأمر والنهي، والتحليل والتحريم، بلا نزاع بين العلماء"[23].

الجن ليسوا كالإنس في الحد والحقيقة، الحد يعني التعريف، بالذاتيات كما يقولون، الذاتيات المعرف، يعني: مثلاً الإنسان يذكرون الجنس والفصل، فيعرفونه بأنه حيوان ناطق، هذه عبارات المناطقة، الحد يقولون: حيوان ناطق، هذا يسمونه تعريف بالحد، فحد الجن هل يقال: حيوان ناطق، مثلما يقال في الإنس؟ الجواب: لا، يختلفون في الحد والحقيقة، حقيقة الإنس: من لحم ودم و.. و.. إلى آخره، هل الجن كذلك؟ الجواب: لا، ليسوا كذلك، فهم يختلفون في الحد والحقيقة، إذن سيختلفون في تفاصل التكليف، فلهم ما يناسبهم، ويصلح لمثلهم من التكليف، لكن يقول: بالاتفاق هم مخاطبون بالأمر والنهي، والتحليل والتحريم، لكن هل هي مثل التفاصيل التي عند الإنس تمامًا؟ الجواب: لا، هناك فروقات، ولكل جنس ما يناسبه، والله أعلم.

قال -رحمه الله-:

"ويجب تقديم ما قدمه الله ورسوله، ولو شَرَطَ الواقف خلافه، فلا يلتفت إلى شرط يخالف شرط الله ورسوله"[24].

لو أن الواقف وضع شروطًا، فقال مثلاً: أنا أبني هذا المسجد، وتكون الإمامة لمن هو أقل الناس قراءة، أو يقدم للإمامة كذا، وصار يصف أوصافًا لا يصلح هؤلاء للإمامة، لو قال مثلاً: الأولى بالإمامة الأكبر سنًا من جماعة المسجد، يعني: معناه أنه لا يقدم الأقرأ، ولا الأعلم والأفقه، فمثل هذا هل يعمل بشرط الواقف؟ بنى مسجدًا وكتب في وصيته وشروط الوقف: أن الأكبر سنًا هو الأولى بالإمامة، فمثل هذا لا يلتفت إليه، يقدم ما قدمه الله ورسوله، ولو شرط الواقف خلافه.

وشيخ الإسلام تكلم على هذا السياق من يقدم في الإمامة، فأصحاب الأوقاف أحيانًا يقدمون أشياء ليست كما ينبغي، وكلام الفقهاء بأن شرط الواقف كنص الشارع مثلاً، لا يقصدون به أنه يطبق بحذافيره، وإنما يقصدون في مدلوله وفهمه ومؤداه، لا أنه يعمل به بكل حال، ولو كان مخالفًا، فإن هذه الشروط المخالفة لا يلتفت إليها، بل لو وجد ما هو أولى، فإنه يعمل بمقتضاه، وهذا معروف في أحكام الوقف.

قال -رحمه الله-:

"ما أطلقه الشارع يعمل بمقتضى مسماه ووجوده، ولم يجز تقديره وتحديده بمدة، فلهذا كان الماء قسمين: طهورًا، أو نجسًا، ولا حد لأقل الحيض وأكثره، ما لم تصر مستحاضة، ولا لأقل سنه وأكثره، ولا أقل السفر، ولا حد للدرهم والدينار قلّ غشه أو كثر في الزكاة والسرقة وغيرها، ولا تأجيل في الدية إلا إن رأى الإمام ذلك، والخلع فسخ مطلقًا، والكفارة في كل أيمان المسلمين، وفروع هذه القاعدة كثيرة"[25].

"ما أطلقه الشارع يعمل بمقتضى مسماه" يعني: الشارع لم يقيده، فلماذا نأتي ونقيد، فالشارع مثلاً أطلق أشياء، وهنا ذكر أمثلة، فالماء وصفه الله بأنه طهور، أو نجس، الشارع أي: سواء في الكتاب أو في السنة، فلماذا نأتي نحن نقسم، ونقيد، نقول: هذا ماء طاهر في نفسه غير مطهر لغيره، هذا لم يرد وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا [الفرقان:48] فنطلق ما أطلقه الله ، وكذلك أيضًا لا حد لأقل الحيض، أقل الحيض كم؟! يمكن أن يكون أقل الحيض ساعة، وأكثر الحيض قد يزيد على خمسة عشر يومًا على الراجح، والنبي ﷺ حينما يقول: تمكث شطر دهرها لا تصلي[26]، باعتبار الغالب، وإلا فالحيض على الراجح يمكن أن يزيد على خمسة عشر يومًا، ما لم يطبق عليها دم، فإذا أطبق عليها الدم صارت مستحاضة، فإن الحيض لا يكون الشهر كله؛ ولهذا يرى شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- أن كل ما ينزل من المرأة من دم، فالأصل: أنه دم طبيعة، وليس بدم عرق عارض استحاضة، يعني: ما لم يطبق عليها الدم، وهذه الطريقة لو عُمل بها، فهي أريح بكثير من التفصيلات التي تصعب على طلبة العلم، فضلاً عن العامة.

يقول: "ولا أقل سنه وأكثره" يعني: كم السن الأقل تسع سنوات؟ إذا نزل عليها دم الطبيعة المعروف بالأوصاف المعروفة، فيعتبر دم حيض، ولا لأقل سنه ولا لأكثره، هل إذا بلغت الخمسين؟ طيب إذا نزل بعد الخمسين، بعض النساء تقول: نزل عليها بعد الثمانين، انقطع عليها مدة، ثم نزل بنفس الصفة، وتكرر نزوله، فماذا يقال له؟! يقال: هذا دم حيض، وقل مثل ذلك في النفاس لا حد لأقله، يمكن أن تكون ولدت من غير دم، فلا يكون نفاس.

وهكذا في السفر يقول: "ولا لأقل السفر" فالله أطلق وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ [البقرة:283] فالسفر كل ما كان في عرف الناس سفر فهو سفر، من حيث المسافة، قلت أو كثرت، ومن حيث المدة فإن الإنسان لا يزال مسافرًا حتى يرجع، ولكن يقال: يحتاط خروجًا من الخلاف، فأكثر أهل العلم: أن الإنسان إذا عرف نفسه أنه سيقيم أربعة أيام تامة غير يوم الدخول والخروج، يعامل نفسه معاملة المقيم، أحوط، وإلا فظواهر النصوص تدل على أن الإنسان لا يزال مسافرًا، حتى يرجع.

وهكذا في الدرهم، ولا تأجيل في الدية، إلا إن رأى الإمام ذلك، مع أن بعضهم نقل الإجماع على أنها مؤجلة ثلاث سنين، في قتل الخطأ؛ لقضاء عمر ، والنبي ﷺ قال: فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين[27].

قال: "والكفارة في كل أيمان المسلمين..." إلى آخره.

وفي مسألة الخلع يقول: "بأن الخلع فسخ مطلقًا" والخلع فيه تفصيل، وفيه خلاف بين أهل العلم، لكن شيخ الإسلام يرى أن الخلع فسخ مطلقًا، ونقل بعض أهل العلم الاتفاق على أن الخلع إذا وقع بلفظ الطلاق، أو نوى به الطلاق فهو طلاق، والأصل أن الخلع يكون فيما فيه عوض، يعني: أن ترجع له المهر، أو جزء من المهر، أو غير ذلك مما يتفقون عليه، فهذا يكون خلعًا، ما كان بعوض فهو خلع، فهل يعتبر طلاقًا أو ليس بطلاق؟ بعض أهل العلم نقل الاتفاق على أنه إن أوقعه بلفظ الطلاق أو لم يتلفظ بالطلاق لكنه نوى به الطلاق: أنه يكون طلاقًا في هذه الحال، لكن لو لم يقع بلفظ الطلاق، ولم ينو به الطلاق، فهذا هو الذي فيه الاختلاف الكثير، فأكثر أهل العلم، أو كثير منهم، كأنه قول الجمهور: أنه طلاق، ولو لم ينو به الطلاق، ولو لم يكن بلفظ الطلاق، فهذا الذي عليه الفتوى عند الأحناف[28] والمالكية[29]، وهو القول الجديد للشافعي -رحمه الله-[30]، وهو رواية عن الإمام أحمد -رحمه الله-[31].

والمشهور عن أحمد، وهو القول القديم للشافعي[32]: أنه فسخ، وليس بطلاق، وشيخ الإسلام هنا يرى أنه فسخ مطلقًا، يعني: من غير نظر إلى هذه التفاصيل.

قال -رحمه الله-:

"ما لا يسن له الجماعة والاجتماع إذا فعل أحيانًا لعارض، فلا بأس ما لم يتخذ عادة".

"ما لا يسن له الجماعة والاجتماع إذا فعل أحيانًا لعارض" كما ذكر الشاطبي في الموافقات، ما يوافق هذا، يعني: مثلاً قوم كانوا في مكان، أو في نزهة، أو في برية، أو في منتزه أو في منتجع، وجاء الليل يريدون المبيت، فقالوا: ما دام نحن هنا نصلي جماعة، بدل ما كل واحد يصلي الليل لوحده، هل هذا فيه بأس؟ ليس في رمضان، قاموا الليل جماعة لعارض، ما تواعدوا لهذا، وجاءوا من بيوتهم حتى يصلون جماعة، فنقول: هذا من ذرائع البدع لو فعلوه، وكما هو معلوم هناك بدع أصلية، وبدع إضافية، وهناك ذرائع للبدع، وهناك ما يسمى بالخروج على قانون الشرع، فهؤلاء الذين يتوعدون ويخرجون لصلاة النافلة في جماعة، فمثل هذا لا يشرع، وتكلمتُ في بعض المناسبات عما يسمى بالإفطار الجماعي، وذكرتُ فيها تفصيلاً.

فهنا صلاة قيام الليل: لو أنه حصل لعارض، كناس كانوا في سفر وأدركهم المبيت، وأردوا أن يصلوا، أو كانوا في سيارة أو في حافلة، وقالوا: نصلي مع بعض، الإمام يجلس أمام، ونصلي في هذه الليلة، غير رمضان، يجوز أو ما يجوز؟! لا إشكال في هذا؛ لأنه حصل لعارض، هذا لا إشكال فيه، ما لم يتخذ عادة، أو يكون ذلك مقصودًا، يحصل المواعدة عليه، فهذا يدخله في هذا النوع الذي ذكرتُ آنفًا، وهي ذرائع البدع، فلا بأس ما لم يتخذ عادة، ما لا يسن له الجماعة والاجتماع.

قال -رحمه الله-:

"وأعمال القلوب من التوكل والخوف والرجاء والصبر ونحوها واجبة بالاتفاق"[33].

على تفاوت في قدر كل واحد من هذه الأعمال، يعني: ما هو القدر الواجب من التوكل؟ التوكل يتفاوت على مراتب، وكذلك الخوف والرجاء والصبر، ونحو ذلك، هذه واجبة، لكن الصبر والخوف والرجاء كل ذلك يتفاوت، فلا بد من وجود قدر من ذلك يحصل به تحقق هذا العمل، بقدره الواجب، أما الدرجات العالية منه، فهذه قد لا يصل إليها كثير من الناس، الصبر إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ [يوسف:86] هذه مرتبة عالية، لكن قد يوجد الصبر مع الإخبار، وقد يوجد الصبر مع شيء من الشكوى، لا يقصد به التسخط، كالذي يذكر ذلك للطبيب، أو يتظلم عند القاضي، أو نحو هذا، هل يقال: هذا ينافي الصبر؟ كالذي يخبر الناس أو يخبر عواده إذا مرض، فيقول لهم: حصل لي كذا، وحصل لي كذا، والبارح ما نمت، لا على سبيل التسخط، وإنما من باب الإخبار، فهذه مراتب على كل حال يتفاوت الناس فيها، وقد مضى الكلام على هذا في الأعمال القلبية في كل عمل من هذه الأعمال.

قال -رحمه الله-:

"وينبغي للمؤمن أن يكون خوفه ورجاؤه واحدًا، فأيهما غلب هلك صاحبه"[34].

سبق الكلام على هذا، ومذاهب الناس فيه، ومن قال: بأنه في حال القوة والصحة يغلب جانب الخوف؛ ليكون رادعًا له، وعند الموافاة يغلب جانب الرجاء من أجل أن يلقى الله، وهو يحسن الظن به، فهذا أمر به النبي ﷺ: لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله [35].

ومن أهل العلم من قال: هما كالجناحين للطائر، لا يطير إلا بهما، ويستوي هذا وهذا، وهذا الذي تدل عليه ظواهر النصوص، والله تعالى أعلم.

وإذا غلب عليه الخوف قد يورثه ذلك القنوط واليأس، وإذا غلب عليه جانب الرجاء قد يغلب عليه جانب لربما يكون متساهلاً متهاونًا في حدود الله -تبارك وتعالى-.

قال -رحمه الله-:

"ولا يشهد بالجنة إلا لمن شهد له الرسول ﷺ، أو اتفقت الأمة على الثناء عليه"[36].

القدر الأول لا إشكال فيه، وهو أنا لا نشهد إلا لمن شهد له الله، أو رسوله ﷺ، هذا لا إشكال فيه، مثل الذين بشرهم النبي ﷺ بالجنة، كالعشرة وغيرهم، فإنهم أكثر من عشرة، لكن الجزء الثاني هذا الذي يذكره شيخ الإسلام، وهو معروف عنه "من اتفقت الأمة على الثناء عليه" مثل من؟  لربما ما أدركوا النبي ﷺ، كالحسن البصري، وابن سيرين، والأئمة الكبار، والإمام مالك، والإمام أحمد، والإمام الشافعي، وسفيان الثوري، وابن المبارك.

فهؤلاء الذين الأمة عرفت قدرهم، وشهدت لهم بالصلاح والتقوى والعلم والإمامة في الدين، وما إلى ذلك شيخ الإسلام يرى أن من كان بهذه المثابة، يشهد له بالجنة، فعلى هذا مثلاً أمهات المؤمنين على هذا نشهد لهن بالجنة، وأنهن مع النبي؛ ولذلك بعض الصحابة كانوا يشهدون لما حصلت الفتنة بين أهل الشام والعراق، بين علي ومعاوية، ماذا كان بعض الصحابة يقول لمن تردد في القتال مع علي ؟ كانوا يقولون: إنما ابتليتم بأمكم بعائشة -رضي الله عنها- ابتلاكم الله بها، يعني: في شهودها هذا المقام، ويشهدون أنها زوج النبي ﷺ في الجنة، يعني: ابتليتم في هذا الموقف؛ لينظر كيف تعملون؟

فشيخ الإسلام يرى أنه يشهد لمن اتفقت الأمة على إمامتهم وتقديمهم وفضلهم، والثناء عليهم، هذا رأي شيخ الإسلام، وبعض أهل العلم يقف عند الجملة السابقة، فيقولون: لا نشهد إلا لمن شهد له الله، ورسوله ﷺ، والإنسان على كل حال لم يطالب بهذا، ولم يؤمر به.

قال -رحمه الله-:

"وتواطؤ الرؤيا، كتواطؤ الشهادات"[37].

تواطؤ الرؤيا يعني: إذا كثرت الرؤيا، وتكررت، وتعددت، سواء بالنسبة للإنسان الواحد، يرى رؤى كثيرة، في أمر معين، أو أناس يرون ذلك، ويحتج على هذا بقول النبي ﷺ: أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر[38].

فالشاهد: أن هذا مقصود شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، لكني أضيف إضافة: مع الحذر، فإنها مع التواطؤ لا نجزم بمقتضاها، والواقع يشهد بهذا، ناس تلاعب بهم الشيطان، وركبوا العظائم، بناء على رؤى تواطأت، والشيطان قد يري الناس خاصة في أوقات الضيق والشدة، كالذين يشعرون بمضايقات، أو من كان في حال من الظلم، أو نحو هذا، فقد يرى رؤى كثيرة، وآخرون يرون رؤى كثيرة، يعني: بعض الناس كهؤلاء الذين دخلوا في الحرم، قبل نحو ثلاثين سنة، رؤي في هذا الذي قالوا عنه: إنه المهدي أكثر من مائة رؤية، أشخاص لا يعرفونه، فإذا رأوه قالوا: أنت الذي رأيناك في المنام أنك المهدي، ولم يزالوا يرون هذه الرؤى، وهم في الحرم محاصرون، وتتكرر عليهم الرؤى، فهذا من عمل الشيطان، وحصل هذا لأقوام بعدهم، ولا يزال يتكرر، فالحذر لأن الرؤى لا يُبنى عليها حكم، فقضية مثل هذه، وأن فلان هو المهدي، أو أن فلان هو كذا، هذا لا يؤخذ من الرؤى، المهدي يصلحه الله في ليلة، فإذا أصلحه الله في ليلة، فإن الله سيقيض من الأسباب ما يعرف الناس به أنه هو المهدي، ولا يحتاج إلى رؤى، ولا اجتهادات، ولا علامات يتكلفها الناس.

قال -رحمه الله-:

"الصحيح: أن الميت ينتفع بجميع العبادات البدنية من الصلاة والصيام والقراءة، كما ينتفع بالعبادات المالية من الصدقة والعتق ونحوهما، باتفاق الأئمة، وكما لو دعا له، واستغفر له، فالصدقة عن الميت أفضل من عمل ختمة، وجمع الناس"[39].

هذه مسألة فيها خلاف كثير، وهي من المسائل التي اختلف فيها شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- مع تلميذه ابن القيم، فابن القيم ينكر بعض هذا بشدة، ويورد الأدلة كعادته حينما يندفع -رحمه الله- فيرد على قلمه أنواع الحجج والأدلة لبيان أمر أراد أن يقرره، ويبين حاله.

فشيخ الإسلام يرى أن الميت ينتفع بجميع الأعمال، يعني: الأعمال على نوعين: عبادات مالية، وعبادات بدنية، هناك قسم ثالث، ذكره بعض أهل العلم، وهي العبادات المركبة، كالحج والعمرة، من المالي والبدني، فالعبادات المالية يقول: بالاتفاق أنها تصل أفأتصدق عنها؟ قال: نعم تصدق عنها[40]، العبادات البدنية هل تصل أو لا تصل؟ بعضهم يقول: لا تصل، ما الدليل؟ قالوا: الدليل أن الله قال: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى [النجم:39] فإذًا نفى غير سعيه، وغير عمله، فهذا يدل على أنه لا ينتفع بأعمال آخرين، قالوا: والنبي ﷺ قال: إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية وهذا من عمله أو علم ينتفع به وهذا من عمله، أو ولد صالح يدعو له[41]، قالوا: يدعو، والولد أيضًا هو من عمله، قالوا: وما عدا ذلك أعمال الناس لا تصل إليه، والذين أجابوا عن هذا مثل قول شيخ الإسلام قالوا: نحن لا ننكر أنه ليس للإنسان إلا ما  سعى، وأنه لا يستحوذ على عمل غيره، كما أنه لا يستحوذ على أملاك غيره في الحياة، لكن لو أن غيره وهبه شيئًا من أملاكه فهو له، فكذلك الأعمال: لو أن أحدًا وهبه من عمله، قرأ ختمه ووهبها للميت، طاف سبعة أشواط وقال: هذه لفلان، فلا إشكال، فإنه يصل إليه العمل، استغفر مائة مرة، وقال: هذه ثوابها لفلان، هذا عمل بدني، فشيخ الإسلام يقول: تصل جميع هذه الأعمال البدنية والمالية، والمركب منهما.

أما المركب؛ فالمرأة التي قالت: إن أبي شيخ كبير لا يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟! فقال النبي ﷺ: نعم[42]، فلا إشكال في الأعمال المركبة، كالحج والعمرة؛ لأنها وردت.

وبعض أهل العلم يقول: يقتصر على ما ورد فقط، كالحج والصدقة والدعاء بالاتفاق، فهذه أقوال لأهل العلم، ولو قيل: إن الأقرب -والله أعلم- أن كل ذلك يصل لا إشكال فيه لما ذكرت.

لكن الأفضل والمشروع هو أن يعمل الإنسان لنفسه، فهو بحاجة للعمل، ولا يفرط، وذاك الإنسان أخذ فرصته في الحياة، فيعمل الإنسان لنفسه، ويدعو للميت، لو قال قائل بهذا، فهو ليس ببعيد، والله أعلم، على خلاف كثير بين أهل العلم، وتفاصيل، وكل طائفة تورد أدلة على قولها.

  1. بنحوه في الاختيارات العلمية لشيخ الإسلام -رحمه الله- (ص: 2).
  2. بنحوه في الاختيارات العلمية لشيخ الإسلام -رحمه الله- (ص: 2).
  3. بنحوه في الاختيارات العلمية لشيخ الإسلام رحمه الله (ص: 7).
  4. بنحوه في الاختيارات العلمية لشيخ الإسلام رحمه الله (ص: 9).
  5. جامع بيان العلم وفضله (2/564).
  6. الرسالة للشافعي (ص: 106 ).
  7. أخرجه مسلم في كتاب الحدود، باب حد الزنى برقم (1690).
  8. أخرجه الترمذي ت شاكر في أبواب الوصايا، باب ما جاء لا وصية لوارث برقم (2120) وابن ماجه في كتاب الوصايا، باب لا وصية لوارث برقم (2713) وأبو داود في كتاب الوصايا، باب ما جاء في الوصية للوارث برقم (2870) وصححه الألباني.
  9. الاختيارات العلمية لشيخ الإسلام رحمه الله (ص: 13).
  10. أخرج أبو داود في أبواب النوم، باب في قيام الرجل للرجل برقم (5229) والترمذي ت شاكر في أبواب الأدب، باب ما جاء في كراهية قيام الرجل للرجل برقم (2755) وصححه الألباني حديث: ((من أحب أن يمثل له الرجال قيامًا فليتبوأ مقعده من النار)).
  11. حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (14/85).
  12. أخرجه ابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة، والسنة فيها، باب ما جاء في إنما جعل الإمام ليؤتم به برقم (1240) وصححه الألباني.
  13. أخرجه البخاري في  كتاب الجهاد والسير، باب إذا نزل العدو على حكم رجل برقم (3043) ومسلم في الجهاد والسير، باب جواز قتال من نقض العهد برقم (1768).
  14. الاختيارات العلمية لشيخ الإسلام رحمه الله (ص: 13).
  15. الاختيارات العلمية لشيخ الإسلام رحمه الله (ص: 15).
  16. الاختيارات العلمية لشيخ الإسلام رحمه الله (ص: 100).
  17. مجموع الفتاوى (27/39).
  18. أخرجه الطبراني في المعجم الصغير برقم (861) والمعجم الأوسط برقم (60 26) والمعجم الكبير برقم (13646) وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2623).
  19. أخرجه أبو داود في كتاب الزكاة، باب في فضل سقي الماء برقم (1681) وحسنه الألباني.
  20. الأم للشافعي (2/246).
  21. الاختيارات العلمية لشيخ الإسلام رحمه الله (ص: 51).
  22. أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن، باب {يَوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا} [النبأ: 18] برقم (4937) ومسلم في صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل الماهر بالقرآن والذي يتتعتع به برقم (798).
  23. الاختيارات العلمية لشيخ الإسلام رحمه الله (ص: 62).
  24. الاختيارات العلمية لشيخ الإسلام رحمه الله (ص: 62).
  25. الاختيارات العلمية لشيخ الإسلام رحمه الله (ص: 65).
  26. معرفة السنن والآثار برقم (2157).
  27. أخرجه ابن ماجه في افتتاح الكتاب في الإيمان وفضائل الصحابة والعلم، باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين برقم (42) وأبو داود في كتاب السنة، باب في لزوم السنة برقم (4607) وصححه الألباني.
  28. المبسوط للسرخسي (6/172).
  29. إرشاد السالك إلى أشرف المسالك في فقه الإمام مالك (ص: 68).
  30. المهذب في فقه الإمام الشافعي للشيرازي (2/491).
  31. المغني (8/195).
  32. المهذب في فقه الإمام الشافعي للشيرازي (2/491).
  33. الاختيارات العلمية لشيخ الإسلام رحمه الله (ص: 77).
  34. الاختيارات العلمية لشيخ الإسلام رحمه الله (ص: 77).
  35. أخرجه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب الأمر بحسن الظن بالله تعالى عند الموت برقم (2877).
  36. الاختيارات العلمية لشيخ الإسلام رحمه الله (ص: 77).
  37. الاختيارات العلمية لشيخ الإسلام رحمه الله (ص: 77).
  38. أخرجه البخاري في كتاب فضل ليلة القدر، باب التماس ليلة القدر في السبع الأواخر برقم (2015) ومسلم في الصيام، باب فضل ليلة القدر والحث على طلبها رقم (1165).
  39. الاختيارات العلمية لشيخ الإسلام رحمه الله (ص: 82).
  40. أخرجه البخاري في كتاب الوصايا، باب ما يستحب لمن توفي فجاءة أن يتصدقوا عنه، وقضاء النذور عن الميت برقم (2760).
  41. أخرجه مسلم في كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته برقم (1631).
  42. أخرجه البخاري في كتاب المغازي، باب حجة الوداع برقم (4399) ومسلم في كتاب الحج، باب الحج عن العاجز لزمانة وهرم ونحوهما، أو للموت برقم (1334).

مواد ذات صلة