الخميس 19 / جمادى الأولى / 1446 - 21 / نوفمبر 2024
(09) الرابع المشترك
تاريخ النشر: ٠٥ / رجب / ١٤٢٩
التحميل: 2349
مرات الإستماع: 1630

الرابع المشترك: القرؤ، وويل، والند، والتواب، والمولى، والغي، ووراء، والمضارع.

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فالمشترك هو اسم، ونقول: اسم على سبيل التَّوسُّع، وإلا فقد يكون فعلاً، وقد يكون حرفًا -كما سيأتي-، لكن -على كل حال- إذا أردنا أن نتوسَّع في الإطلاق والتَّعبير، فنقول: هو اسم، وأن شئت أن تقول: هو لفظٌ، حتى لا يلتبس عليك تظن أنه فقط إنما يقع الاشتراك في الأسماء، فهو اسم، أو لفظ متساوي بين المسميات، يتناولها، يقولون: على سبيل البدل، يعني: إذا قلت –مثلاً- أمة، فهذا مشترك بين معاني متعدِّدة يتناولها على سبيل البدل وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ [يوسف:45]، يعني: بعد مدَّة من الزمن، وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ [القصص:23] يعني: جماعة من الناس، إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً [النحل:120] يعني: هو الرجل الجامع لخصال الخير التي تفرقت في غيره، وهكذا على سبيل البدل، لكن هذا القدر على سبيل البدل يلاحظ فيه أنه يمكن أن تجتمع هذه المعاني وتكون مرادة إذا لم يوجد مانع كما سيأتي -إن شاء الله- التنبيه على هذا، فالمقصود أن الاشتراك: أن يتعدَّد المعنى، ويتحد اللفظ، لفظ واحد له معاني متعددة، وذكر له أمثلة المشترك واقع في اللغة، وهو موجود في القرآن؛ خلافًا لمن أنكره، والراجح الذي عليه عامة أهل العلم: أنه يصح حمل المشترك على معنييه، أو على معانيه ما لم يوجد مانع، سواءً كان هذا الاشتراك واقعًا في اسم، أو فعل، أو حرف، بل الاشتراك الواقع في الأسماء مثل: القرء؛ يطلق على الحيض وعلى الطهر، ولكن في هذا الموضع لا يمكن أن يحمل على معنييه، وقد يكون الاشتراك واقعًا في فعل مثل: عَسْعَسَ [التكوير:17]، يأتي بمعنى أقبل، ويأتي بمعنى أدبر، وقد يكون الاشتراك في حرف مثل: (الباء) تأتي للمجاورة، وتأتي للإلصاق، وتأتي للاستعانة، وتأتي لمعاني متنوعة، (أو): تأتي للتخيير، أو للشك، أو للتقسيم.

 فهذا الاشتراك الواقع في الأسماء والأفعال والحروف؛ تارةً يحمل معاني متناقضة، وتارةً يتضمَّن معاني متضادة، وتارةً يتضمَّن معاني مختلفة، والمقصود بالمتناقضة: نسبة التناقض، يعني: النقيضين لا يجتمعان في محل واحد في وقت واحد، ولا يرتفعان معًا، فإذا قلت مثلاً: اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ [البقرة:164]النسبة بينهما تضاد أو تناقض؟ هما نقيضان، فالليل والنهار ما يمكن أن تقول نحن الآن لا لليل ولا نهار، لا يرتفعان معًا، ولا يمكن أن يجتمعا، ما تقول: نحن الآن ليل نهار في نفس الوقت، فإمَّا ليلٌ وإمَّا نهارٌ، الحياة والموت لا يرتفعان، ما تقول: فلان لا حي ولا ميت، ولا يجتمعان فما تقول: فلان حيٌّ ميتٌ على الحقيقة، يعني: لا بد إمَّا حيٌّ وإمَّا ميِّتٌ.

وأمَّا الضِّدان فإنهما لا يجتمعان في محل واحد في وقت واحد، ولكن يمكن أن يرتفعا، مثل السَّواد والبياض لا يمكن أن تقول هذا أسود أبيض، لكن يمكن أن يرتفعا، تقول: لا أسود ولا أبيض؛ أصفر.

وأمَّا الخلافان فيمكن أن يجتمعا، ويمكن أن يرتفعا، مثل ما تقول: كتاب وقلم، ويمكن أن تقول: كأس وقارورة، ونحو هذا، فهذان خلافان، هذه المعاني سواء كانت من الضِّدين، أو من النَّقيضين، أو من الخلافين، أحيانًا يمكن أن تجتمعا، وأحيانًا لا يمكن لا بد من التَّرجيح، فإذا قال الله -تبارك وتعالى-: وَاللَّيْلِ إذا عَسْعَسَ [التكوير:17] هذا اشتراك في اسم، أو فعل، أو حرف؟ فعل، عسعس: عرفنا أن معناها أقبل وأدبر، فهذان نقيضان أو ضدان أو خلافان؟ إذا قلت نقيضان معناها لا يمكن أن يجتمعا ولا يمكن أن يرتفعا، ولا أقبل ولا أدبر وأقبل أدبر في وقت واحد هما ضدان، ولا أقبل ولا أدبر أي جلس، لكن ما يمكن أن يجتمعا ما تقول أقبل أدبر في وقت واحد أقبل في وقت وأدبر في وقت، فهنا عسعس يمكن أن نحمل الآية على المعنيين: أقسم الله بالليل في حال إقباله، وأقسم به في حال إدباره، ممكن أو غير ممكن؟ ممكن أن نجمع بين المعنيين لا حاجة للترجيح.

وفي قوله -تبارك وتعالى-: يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة:228] ثلاثة قروء، القروء هذا اشتراك فيه اسم، يعني الآن الحيض والطهر نقيضان، أو ضدان، أو خلافان؟ ضدان، تقول: لا حائض ولا طاهر ما هو الثالث إذًا؟ لأن الضدين يمكن أن يرتفعا ولا يجتمعان، ما تقول حائض طاهر، فإذا قلت هما ضدان يمكن أن يرتفعا، فتقول: لا حائض ولا طاهر، إذًا هي ماذا؟  نفساء إذا جعلت النفاس قسمًا مستقلاً، فإذا ألحقته بالحيض فصار إما حيض وإما طهر، فيكون من قبيل النقيضين، فهل يمكن أن يجتمعا سواءً قلنا هم من النقيضين، أو من الضدين؟ هل يمكن أن نجمع بين المعنيين؟  لا، لا بد من الترجيح هنا، أو مثلاً: إنما جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أن يُقَتَّلُوا أو يُصَلَّبُوا أو تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ [المائدة:33] من قال بأن "أو" هنا للتخيير؛ قال الإمام مخير، والقاعدة كما هو معروف أن التَّخيير إذا كان لمصلحة الغير فإنَّه يكون بمقتضى المصلحة لا للتَّشهي، فينظر في المصلحة العامة، فإمَّا أن يقتلهم، وإمَّا أن يقطِّع أيدهم وأرجلهم من خلاف، وإمَّا أن ينفيهم من الأرض، فهذه للتَّخيير، ومن أهل العلم -كما هو قول الجمهور- من يقول إنها للتقسيم: إن فعلوا كذا فُعل بهم كذا، وإن فعلوا كذا فُعل بهم كذا، وإن فعلوا كذا فُعل بهم كذا، وليس بمخير، أو مشترك "حرف مشترك" هل يمكن نقول الآن يمكن أن يجتمعا؟ نقول: إمَّا مخير وغير مخير يمكن؟ لا، لا بد من التَّرجيح، حتى لا أطيل لم أرد إلَّا التَّنبيه على هذا بذكر أمثلة عامة، وإلَّا فيمكن أن نمثِّل على كل الطرفين، ما يمكن الاجتماع وما لا يمكن الاجتماع في المعاني، يكفي هذا القدر أنَّ الاشتراك يقع في الأسماء، والأفعال، والحروف.

يقول: "القرء" القرء -كما سبق-: اشتراك في اسم، بمعنى الحيض والطهر.

"ويل" الاشتراك فيه اسم، فكلمة "ويل" كلمة عذاب، وتطلق –أيضًا- ويراد بها وادي في جهنم –مثلاً-، ابن جرير يفسرها بهذا[1]، لكن هنا يمكن الاجتماع وليس البحث الآن فيما يمكن الاجتماع فيه، أو لا في كل لفظة، ليس المقصود إنَّما التَّمثيل.

"الند" مثلاً: يأتي بمعنى المثل، ويأتي بمعنى الضِّد، وإن شئت أن تدقِّق في العبارة أكثر فقل الضِّد المناوئ يقال له: ند.

"التواب": يأتي بمعنى التَّائب، فلان تواب، ويأتي بمعنى: من يقبل التَّوبة، فإذا قلت: الله تواب، يعني: يقبل التوبة كثير قبول التَّوبة عن عباده.

"المولى" يأتي بمعنى: المولى الأعلى، والمولى الأدنى، فالمولى الأعلى هو السيد، والمولى الأدنى هو بمعنى المملوك، بمعنى: المعتق وما شابه ذلك.

"والغي" هو ضد يأتي بمعني: ضد الرُّشد، وأيضًا يأتي بمعنى: وادي في جهنم، كما يفسره بعض المفسرين: فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا [مريم:59][2]، وليس المقصود الآن التدقيق في دلالات هذه الألفاظ، لكن المقصود التمثيل للتقريب حتى يتضح فقط ما هو المشترك.

يقول: "وراء" مثل ما سبق كَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ [الكهف:79] يأتي بمعنى أمام، ويأتي بمعنى خلف.

والمضارع يأتي للحال وللاستقبال، لكن هذا -على كل حال- مثال من اللغة، لو جاب مثالاً من القرآن أحسن.

الخامس المترادف: الإنسان والبشر، والحرج والضيق، واليم والبحر، والرجز والرجس والعذاب.

المترادف: يقابل المشترك، وهو ما تعدَّد لفظه، واتحد معناه، وهذا المترادف العلماء لهم فيه اختلاف هل هو موجود، أو غير موجود في اللغة؟ وإن كان موجود في اللغة فهل هو موجود في القرآن، أو غير موجود؟.

فشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- وتلميذه ابن القيم، يقول شيخ الإسلام بأنه في اللغة قليل، وأمَّا في القرآن إن وجد فهو نادر[3]، والمسألة فيها خلاف مشهور، وعلماء اللغة مختلفون في هذا، فالذين يمنعون من وجود المترادف يقولون: كل لفظة لها من المعاني التي تحتف بها والزيادات، وما يسمونه بالمعاني التكميلية الخادمة ما لا يوجد في اللفظة الأخرى، وإن كانت تتفق معها في أصل المعنى، فالألفاظ قد تتفق على أصل المعنى، ولكن هل تتطابق هذه الألفاظ تطابق كاملاً مائة بالمائة من كل وجه؟ الذين يمنعون يقولون: لا يمكن هذا، فكل لفظة لها دلالة أصلية ودلالات تكميلية، وعلى كل حال ألَّف أبو هلال العسكري -على سبيل المثال- كتاب الفروق اللغوية، فحاول أن يأتي بفروقات بين الألفاظ المتشابهة جدًا، وفي جملة منها بين وجوه في الفرق، وفي بعضها قد يكون ذلك على سبيل التكلف، فالألفاظ ليست بمرتبة واحدة من هذه الحيثية، فمن الأمثلة ما يصعب جدًا أن توجد الفرق فيه بين اللفظتين، ومن الألفاظ ما قد يظهر فيه الفرق، ولو أردنا أن نتوسط في هذه المسألة فيمكن أن نقول بأن الاشتراك موجود في المعاني الأصلية، ولكنه من حيث المعاني التكميلية والخادمة غير موجود، فكل لفظة لها دلالات زائدة لا تفي بها اللفظة الأخرى، وهذا الترادف يقع في الأسماء والأفعال والحروف، على كل حال ابن القيم -رحمه الله- له كلام في معنى ما ذكرت، وهو أنَّ دلالة الألفاظ على الذات بغض النظر عن المعاني الزائدة، أن الاشتراك في هذا حاصل من حيث إذا نظرنا إليها من حيث الدلالة على الذات، فهذا موجود –مثلاً-: الآن لو تقول: الحنطة والقمح والبر، كل ذلك يدل على الحَبِّ المعروف دلالة متحدة أليس كذلك؟ فهذا مترادف، لكن كون هذا يدل على دلالة هذه الألفاظ على الذات باعتبار تباين الأوصاف، أقول: أحيانًا في بعض الأمثلة يصعب أن نوجد فروقات، وأحيانًا يوجد في هذا المثال: البر والحنطة والقمح، في دلالات الحب المعروف، من يستطيع أن يأتيني بفروق بين هذه الألفاظ في المعاني التكميلية تستطيع تجيب لي فرق بين البر والحنطة؟ لو أراد أحد أن يتكلم يقول الحنطة باعتبار اللون هو أصلاً ما قيل للإنسان حنطي إلا نسبة للحنطة في نسبة إلى ماذا إذًا؟ فهذا ليس باعتبار اللون فما الفرق بالمعاني الزائدة بين البر والحنطة؟

أحد يستطيع يجب فرق؟ قد تعجز، لكن حينما تقول: أسماء الله -تبارك وتعالى-، وأسماء النبي ﷺ، وأسماء  القرآن، وأسماء السيف فهذه تدل على أوصاف، فالرحمن الرحيم العزيز الغفور كل ذلك يدل علة ذات واحدة، فهو بهذا الاعتبار يعتبر من المترادف، لكن إذا نظرت إلى أن كل اسم يحمل دلالات يدل على صفات في هذا المسمى، فإنه لا يقوم مقامه الاسم الثاني، لكن إذا أردت الذات قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أو ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى[الإسراء:110]، وهكذا أسماء النبي ﷺ، وأسماء السيف حينما تقول المهند واليماني والبتّار وما أشبه ذلك، فالمهنَّد والبتّار هذا كله يدل على من حيث الذات على معنى متحد السيف، لكن من حيث الدَّلالات التَّكميلية فكل لفظ، أو كل اسم من هذه الأسماء يدل على صفة في المسمى فالمهند: يدل على جهة الصناعة الهند، واليماني: اليمن، والبتار: يدل على شدة القطع، يعني قطع مع إبانة، وهكذا الصارم: يدل على الصرم، وقل مثل ذلك في أسماء الأسد، تقول –مثلاً-: الهرَّاس اسم من أسماء الأسد، هذا فيه من حيث الدلالة مع لفظة أسد فإنه من قبيل المترادف يدل على ذات واحدة، لكن من حيث الدلالة على الصَّفات الهراس فيه معنى الهرس، وهكذا وعلى كل حال ما ذكرته يمكن أن نجمع فيه بين القولين، والله –تعالى- أعلم.

انظر الأمثلة التي ذكرها مترادف، يقول: "الإنسان والبشر"، الإنسان والبشر من حيث الدلالة على الذات هو لا شك أنه مشترك، فهما يدلان على ذات واحدة، لكن الإنسان يدل على صفة، فبعضهم يقول: يدل على النسيان، قيل له إنسان لأنَّه ينسى، وقيل غير ذلك، والبشر: لأن بشرته ظاهرة، الآن إذا نظرت إلى الكائنات المخلوقات الحيوانات تختلف عن الإنسان، فهذا يكسوه الوبر، وهذا يكسوه الفرو، وهذا يكسوه الشعر، وهذا الصوف، وهذا القشر، لكن الإنسان بشرته ظاهرة فقيل له البشر، ويقال له: الآدمي نسبة إلى أبيه آدم .

"الحرج والضيق" هذا مترادف، لكن ما الفرق بين الحرج والضيق؟ قد يصعب إلا بوجه من التكلف، إلَّا إذا أحد عنده معنى واضح في الفرق بين المعاني التكميلية "الحرج والضيق"، يقول الآن: "الحرج والضيق، اليم والبحر" مترادف، ما الفرق في المعاني التكميلية بين اليم والبحر؟ ليس فيه؟ إذًا الآن "اليم والبحر".

"الرجز والرجس والعذاب" ما الفرق؟ كلها تدل على العذاب الرجز والرجس، لكن ما الفرق بالمعاني التكميلية؟ يصعب، وقل مثل ذلك: "السر والنجوى"، لكن ممكن تقول: السر ممكن أن يكون بين الانسان وبين نفسه، والنَّجوى ما يكون بين طرفين فأكثر ما يقصد به الانفراد، لكن الشريكان في أصل المعنى أن هذا الأمر سر لا يراد الاطلاع عليه لاحظتم! لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا [المائدة:48] ما الفرق بين الشرعة والمنهاج؟ كتب الفروق اللغوية يذكرون هذه الاشياء، وابن القيم -رحمه الله- له في بعض كتبه جمل من الألفاظ التي يذكر الفروقات بينها، وقد جمعها بعضهم استخرجها من كتب ابن القيم، وأفردت في كتاب، فأحيانًا يظهر الفرق بين هذه المعاني التكميلية، وأحيانًا لا يظهر، وليس المقصود الآن هو تحرير الفروقات في هذه الأمثلة، لا أقصد هذه، وإنما فقط التقريب للأذهان ما هو المترادف؟ ويلاحظ فيه هذه المعاني أحيانًا تظهر فروقات، وأحيانًا ما تظهر الفروقات، فيذكر بعض أهل العلم لربما أشياء تكون متكلفة في الفرق.

السادس الاستعارة: وهي تشبيه خال من أداته أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ[الأنعام:122]، وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ [يس:37].

"الاستعارة"، الاستعارة: مبنية على التَّشبيه، ولكن الفرق بينها وبين التشبيه: أنه لا يوجد أداة التشبيه، ولهذا يقال: زوّج المجاز بالتشبيه فتولد منهما الاستعارة، ولهذا يقولون: هي مجاز على خلاف بينهم هل هي مجاز، أو لا، لكن عند القائل بأنها من مجاز يقولون: هي مجاز علاقته المشابهة، لكن من غير أداة التشبيه، مثلاً يقول: هي تشبيه خال من أداته أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ [الأنعام:122] لاحظ إطلاق لفظ الموت والحياة هنا، استعار لفظ الموت الذي هو مفارقه الروح الجسد استعاره لمعنى آخر وهو الضلال مفارقة الهداية، فالهداية هي حياة القلوب والنفوس والأرواح، وكما أن هذه الأجساد إذا عمرت بالأرواح توصف بالحياة، فالهداية روح تحيا بها القلوب، فهنا استعار لفظ الموت ليعبِّر به عن الضلال، استعار لفظ الحياة ليعبر بها عن الهداية، فما قال بأن الضلال كالموت والهداية كالحياة، وإنما مباشرة استعار هذه اللفظة، وعبَّر بها عن بهذا المعنى لوجود العلاقة وهي المشابهة.

يقول: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ [يس:37] نسلخ هذا هو الشاهد، فاستعير من سلخ جلد الشاة –مثلاً-: فهذا الليل الذي يغطي الكون بسرباله، وسواده، وظلمته، يسلخ منه النهار، كما يسلخ جلد الشَّاة، فالعلاقة المشابهة، لكن لم تذكر أداة التشبيه، وبعضهم يقولون: إن الاستعارة قسمٌ مستقل وليست من قبيل المجاز.

السابع التشبيه: ثم شرطه اقتران أداة وهي الكاف ومِثل، ومَثل، وكأن، وأمثلته كثيرة.

التشبيه: هو الدلالة على مشاركة أمر لآخر في معنى من المعاني، نحن نعرف المشابهة هي اتفاق في بعض الأوصاف، أو بعض المعاني، ولكن لا يكون هذا الاتفاق من كل وجه وإلا صار ذلك من قبيل المماثلة، فهذا الفرق بين المثيل والشبيه، فالتَّشبيه هو الدلالة على مشاركة أمر لآخر في معنى، يقول: ثم شرطه اقتران أداته وهي الكاف ومثل، "ومثل كأن وأمثلته كثيرة"، إذًا عندنا الاستعارة تنزع الأداة، ويستعار هذا اللفظ، ويستعمل في موضع آخر، فمن يرى أنها من قبيل المجاز يقول: هذا لفظ استعمل في غير ما وضع له وضعًا أوليًّا، التَّشبيه لا بد من وجود الأداة، والواقع أنه لا بد من وجودها، يحتاج هذا إلى قيد لابد من وجودها لفظًا، أو تقديرًا، يعني تكون مقدرة إن لم يكون قد صرح بها، إن لم تكن ملفوظة، يقول: أمثلته كثيرة بالكاف وبالكذا لفظًا مثل ماذا؟: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا [البقرة:17] أو أو كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ[البقرة:19] الكاف، مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ [إبراهيم:18]، وقد تكون أداة التَّشبيه مقدَّرة صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ [البقرة:18] تقدير كصم وكبكم وكعمي، هذا هو التَّشبيه، مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثم لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا [الجمعة:5]،  مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا [البقرة:17]  وهكذا، في كتاب جيد في موضوع التشبيه اسمة "تشبيهات القرآن"،  كتاب قديم مؤلف في القرن الرابع الهجري –تقريبًا- فعلى جودة الكتاب، إلا أن المؤلف زنديق من الزنادقة -أسأل الله العافية- عرف بهذا، وله كلام وأشعار كلها زندقة -أسأل الله العافية- لكنه ألَّف هذا الكتاب، فالكتاب في التَّشبيهات، طبعًا الموضوع يتداخل مع موضوع الأمثال في القرآن، ولذلك يصعب، وهذه الاستطراد يصعب ضبط موضوع الأمثال في القرآن بضابط دقيق يميز بينها وبين التشبيهات، في هذا الكتاب ذكر الأمثال والتشبيهات وتوسَّع في هذا، لكن إذا أردت المثل بمعنى المثل: أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا.. [الرعد:17] ستقف عند بعض الأمثلة، ولعل يتيسر كلام على هذا -إن شاء الله تعالى- في رمضان: الأمثال في القرآن.

ومنها ما يرجع إلى المعاني المتعلقة بالأحكام؛ وهو أربعة عشر: العام الباقي على عمومه، ومثاله: عزيز، ولم يوجد لذلك إلَّا: وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة:282]، خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ  [النساء:1].

الآن هذه الأنواع ترجع إلى المعاني المتعلقة بالأحكام، وهذه الموضوعات أهم بكثيٍر من الموضوعات السابقة، أقصد الموضوعات السابقة: ما يتعلق بالأداء، وما يتعلق –أيضًا- بالأبحاث اللغوية السابقة، الحقيقة والمجاز والمشترك والمترادف، "والعام الباقي على عمومه" لاحظ النوع الذي بعده الثاني والثالث: العام المخصوص، والعام الذي أريد به الخصوص، الواقع أن هذا كله ممكن أن يجعل في نوع واحد، يقال: العام والخاص، لذلك انظر: الرابع: ما خُص بالسُّنَّة، الخامس: ما خَصَّ منه السُّنَّة، هذه خمسة الآن كلها تدخل في نوع واحد وهو: العام والخاص، -على كل حال- يقول: "العام الباقي على عمومه"، نحن حينما نتحدث عن العام نقول: هو اللفظ المستغرق ...، عفوًا، كثير ما يقولون اللفظ، لكن الأحسن والأدق العام: "ما استغرق ما يصلح له دفعةً بلا حصر" ما استغرق: فيشمل حتى يدخل العموم من جهة المعنى؛ لأنَّ العموم تارةً يكون من جهة المعنى، وتارةً يكون من جهة الألفاظ على الأرجح، فأحيانًا يعرف العموم من جهة العلة، أحيانًا سبب النزول ما يكون في اللفظ عموم، ولهذا نقول في القاعدة: العبرة بعموم اللفظ والمعنى لا بخصوص السبب، النبي ﷺ إذا سأله رجلٌ عن مسألة، فقال له النبي ﷺ: افعل، يخاطبه هو، أين العموم؟ لا يوجد عموم، فنحن نأخذ من هذا حكمًا عامًّا، لماذا؟ لأن جواب النبي ﷺ لواحدٍ يشمل سائر الأمة؛ لأنَّه لا فرق من هذه الحيثية، فالعموم يكون في الألفاظ وفي المعاني، فالعموم ثلاثة أنواع: يوجد عام باقي على عمومه، وهناك عام مخصوص، وهناك عام أريد به الخصوص، فهو يتحدث الآن عن النوع الأول الذي هو: العام الباقي على عمومه، يقول ومثاله: عزيز، ولم يوجد لذلك إلَّا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة: 282] خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ [النساء:1]، وهذا الكلام الذي يقوله -للأسف- هو الذي يقرِّره المتكلمون، يعني علماء الكلام -المعتزلة والأشاعرة- والذين ألَّفوا كثيرًا في أصول الفقه، وهم بهذا -وإن كان المؤلف لا يقصد- لكن كثيرًا ممن يقرِّرون هذه القضية يقصدون بها الطَّعن في النصوص -نصوص الوحي من الكتاب والسنة-، فهي عندهم ظنية تفيد الظن ما تفيد العلم، لماذا تفيد الظن؟ لاعتبارات معينة منها: يقولون: إن ما من عام إلا وقد خُص إلا ما ندر، فإذا دخله التَّخصيص أضعفه.

ثم يأتون بمسألة افتراضية: يقولون قد يكون –أيضًا- مخصصًا، وقد يكون المطلق مقيدًا، وقد يكون وقد يكون، ويطعنون بالنُّصوص يقولون: تفيد الظن! إذا كانت تفيد الظن إذًا لا يعمل بها في الاعتقاد، لا يعتمد عليها بالاعتقاد، يعتمد على ماذا؟ قالوا: العقل، هذا خطير، فهذا توهين النُّصوص، وتكلَّمت على هذا المعنى في الكلام على خصائص أهل السنة والجماعة، في الكلام على قضية التلقي، وذكرت تسلسلاً تاريخيًا لمنشأ هذه الفكرة، وكيف وصلت ببعضهم إلى أن يقول بأن النقل تهمة والحجة في المقاييس العقلية، النقل تهمة! -أسأل الله العافية- ولذلك إذا قرأت كتابات هؤلاء في العقيدة مثل الأشاعرة والماتريدية فضلاً عن المعتزلة؛ كأنَّك تقرأ كتابًا في المنطق، كأنَّهم أناسٌ ما بُعث إليهم نبي، تجد الكتاب من أوله إلى آخره ليس فيه آية ولا حديث، وقد تجد مؤلفات للعالم كثيرة ليس فيها إلَّا ثلاثة أحاديث: حديث موضوع، وحديثان ضعيفان، هذا وجد في بعضهم، وذكرت في بعض المناسبات أنَّ هؤلاء بعضهم تجده إمامًا ولا يعرف يقرأ القرآن، كما ذكر شيخ الاسلام ابن تيمية عن الأصبهاني يريد أن يقرأ سورة الأعرف: المص [الأعراف:1][4]، يقول: المص، -فعلى كل حال- يقول: "ولم يوجد ذلك إلا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة:282] خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ [النساء:1]".

  إذًا حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ [النساء:23] هل هذا خُصَّ منه شيءٌ أو باقي على عمومه ها؟ باقي على عمومه، وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ [النساء:23]، كل أبٍّ لك وَلا تَنكِحُوا هذا مضارع مسبوقٌ بلا الناهية، وهذا التركيب يفيد العموم وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ هل هذا مخصوص؟ غير مخصوص، وقل مثل ذلك: وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف:49] مخصوص؟ لا. وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ؟ لا . وهكذا، اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة:20] اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ [الرعد:16] والأمثلة كثيرة جدًا، وقد ردَّ عليهم ابن القيم -رحمه الله- وذكر حشدًا من الأمثلة، فهؤلاء -للأسف- تجد مثل هذه العبرات كثيرًا في كتب أصول الفقه.

الثاني والثالث: العام المخصوص، والعام الذي أريد به الخصوص، الأول: كثير، والثاني: كقولة تعالى أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ [النساء:54]، الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ [آل عمران:173]، والفرق بينهما: أن الأول حقيقة، والثاني: مجاز، وأنَّ قرينة الثاني عقلية، ويجوز أن يُراد به واحد بخلاف الأول.

الآن العام ما الفرق بين هذه الثلاثة؟ العام الباقي على عمومة، يعني: لم يتطرق إليه تخصيص، وحينما أُطلق أُريد به العموم، وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة:284] كل شيء اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ [الرعد:16]، أما النوع الثاني: العام المخصوص؛ هذا عام في اللفظ كالأول، لكنَّه دخل عليه المخصص، جاء دليل يخصصه؛ فأخرج بعض الأفراد، وهذا موجود وكثير، وذكر بعض الأمثلة، والنوع الثالث: وهو العام المراد به الخصوص، الفرق بين النوعين هو سيذكر الآن الفرق، الأفضل أن لا نستعجل، يقول والثاني: كقولة –تعالى-: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ [النساء:54] إذًا أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ هذا الثاني: العام المخصوص، والعام الذي أريد به الخصوص، حينما يقول: والثاني: كقوله –تعالى-: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ [النساء:54]، يقصد الثاني من النوعين، التي هي الثاني والثالث، المفروض أن يكون هو الثالث، فانتبهوا، حينما قال: والثاني: مثل قولة تعالى أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ [النساء:54]؛ هنا لا يريد أن يتكلم عن الثاني، الذي ذكره وأعطاه هذا الرقم وهو العام المخصوص، هذه ليست أمثلة على العام المخصوص، هذه أمثلة على الثالث الذي هو: العام المراد به الخصوص، فالثاني منهما -الثاني والثالث-: "مثل" وذكر أمثلته، لكن إذا أردنا أن نمثِّل للأول الذي ما مثل له، الأول من الثاني والثالث، يعني: لو جئنا لنعطي الأرقام التي لم يعطها السيوطي، ماذا نقول؟ الأول: العام الباقي على عمومه: وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ  [البقرة:284]، الثاني: العام المخصوص، سواءً خُص بالقرآن، أو خُص بالسُّنَّة، مثال على عام مخصوص في قوله -تبارك وتعالى-: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ[البقرة:228] اللفظ عام أو لا؟ هذا مخصص بماذا؟ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق:4]، فخصَّصه القرآن، وهو مخصوص -أيضًا- بالمرأة التي لا تحيض لصغرها، أو الآيسة التي انقطع حيضها، فالله يقول: وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إن ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ[الطلاق:4] يعني: كذلك، فإذًا خرج من بعض الأفراد: الحامل، والصغيرة، والآيسة من عموم: وَالْمُطَلَّقَاتُ المطلقات: هذا عام كل مطلقة ثلاثة قروء، خُص منه هذه الأشياء، والأمثلة عليه كثيرةٌ جدًّا، الله يقول: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ [المائدة:3]، هذا عام خصَّصه: أحلت لنا ميتتان ودمان[5] وكذلك –أيضًا- ما أُبين من البهيمة، وكذلك -أيضًا- قول النبي ﷺ: ما أبين من البهيمة وهي حية فهو ميت[6] ما أُبين: فهذا عام، فخُصَّ منه الأصواف إذا جُزت والبهيمة حية، والأوبار فالله يقول: وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا [النحل:80] فيجوز أن تُجز والبهيمة حية، فلا يكون له حكم الميتة.

يقول: "والثاني: العام المراد به الخصوص أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ [النساء:54] الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ [آل عمران: 173]" أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ [النساء:54]، على أحد المعاني في تفسيرها أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النساء:54]، يعني: أم يحسدون محمدًا ﷺ، حتى لو فسرتها بأنها العرب، انتقلت النبوة من بني إسرائيل، يكون هذا من العام المراد به الخصوص، أليس كذلك؟ لأنَّ لفظة الناس تشمل الجميع العرب والعجم، بما فيهم اليهود لكنهم حسدوا من؟ حسدوا العرب، فيكون من العام المراد به الخصوص الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ [آل عمران:173]، الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ الذين: هذه صيغة عموم الاسم الموصول "الذين" وهذه الكلمة قيلت لمن؟ لواحد يقول لأبي بكر الصديق الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ القائل يقال إنَّه واحد هو نعيم بن مسعود، ويقال أعرابي من خزاعه إِنَّ النَّاسَ من يقصد بالناس؟ هذا عام سواءً كان المقصود به أبو سفيان، أو كان المقصود به قريش، فهذا من العام المراد به الخصوص، فالعام المراد به الخصوص أن تطلق لفظة عامة، لكن حينما أطلقتها لا تريد العموم تريد بها معنى خاص.

ثم ذكر الفرق قال: "الفرق بينهما: أن الأول حقيقة، والثاني مجاز" أن الأول حقيقة والثاني مجاز: وهذا ليس محل اتفاق، يعني: حتى عند القائلين بالمجاز لا يتفقون على هذا، يعني بعض العلماء يقولون: أن العام المخصوص مجاز، لماذا مجاز؟

قالوا: الأصل أن العام يشمل جميع الأفراد، فإذا أخرج بعض الأفراد صارت غير مرادة، بدليل آخر فهذا مجاز، وهذا الكلام غير مسلّم، فالشاهد: أن الكثيرين يقولون بأن الأول حقيقة؛ وهو العام المخصوص، والثاني مجاز، من أي ناحية مجاز؟ باعتبار أنك أطلقت لفظًا عامًا وأردت به معنى خاصًا، قلت: الناس، وأنت تريد واحد.

يقول: "الأول حقيقة، والثاني مجاز، وأن قرينة الثاني عقلية، ولا تنفك عنه، بخلاف العام المخصوص" العام المخصوص كيف عرفنا أنه مخصوص؟ بدليل، أليس كذلك؟ وَالْمُطَلَّقَاتُ [البقرة:228]قال: وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ [الطلاق: 4]، فهذا هو الدليل على التَّخصيص، لكن كيف عرفنا أن العام المراد به الخصوص؟ أنه كذلك بقرينة عقلية، أو حالية. كيف يكون بقرينه عقلية، أو حالية لا تنفك عنه غالبًا؟ يعني: وأنا أتكلم وأنا أقول هذا الملابسات تفرض فهمًا معينًا، فيحمل هذا الإطلاق، أو هذا العموم على معنى خاص، الآن لو جاءنا واحد وحضر في هذا المسجد، وهذا الإنسان يلبس ثياب المهنة: صباغ، عامل، مكنيكي، ولابس ثيابًا كلها ملطخةً، وجاء ليحضر الدرس، فالنَّاس الذين حوله يتأذوا منه، وكل واحد يحاول أن يبتعد بثوبه حتى لا يصيبه شيءٌ -لوثة-، وكلما تحرك، تحرك الذي بجانبه عن يمينه ويساره لا يصيبهم شيء، فقلت: الناس اليوم يأتون بثياب المهنة يحضرون الدرس، فالآن الناس هو واحد، فأنتم ماذا تفهمون من هذا الكلام؟ هل تفهمون منه العموم؟ أو تفهمون الخصوص؟ تفهمون الخصوص، فهو لفظ العام أطلق وأريد به معنى خاصًا، هذا الذي يسمونه العام المراد به الخصوص فهو قرينته عقلية، أو حالية، يعني: أنكم فهمتم من خلال شخص يأتي ويحضر وليس معه كتاب، والجميع معهم كتب، تقول: الطلاب اليوم يحضرون وليس معهم كتاب، وتنظرون إلى هذا الإنسان الذي ما عنده كتاب بخصوصه، فهذا من العام المراد به الخصوص، تعرفون ليس المراد الجميع، واحد تكلم بكلام غير جيد، فقال قائل: الناس اليوم يتكلمون ولا يزنون الكلمة، وهذاك يبدأ وجهه يتغير ويتأثر؛ لأنه يعرف أنه هو المقصود، وأنت جئت بلفظ عام فهذا عام مراد به الخصوص، والناس طوال الوقت يرمقونه وينظرون إليه، لأنهم يعرفون أن هذا عام مراد به الخصوص، فالقرينة عقلية، وقد تكون حالية.

يقول: "ويجوز أن يراد به واحد بخلاف الأول" ففيه خلاف، بمعنى: أن العام المراد به الخصوص يمكن أن تطلق هذا اللفظ العام الناس وتقصد به واحد، لكن الأول العام المخصوص هل يمكن أن يخرج أفراد وأفراد و أفراد حتى ما يبقى إلا واحد؟ يخرج أفراد من مخصصات حتى ما يبقى إلا واحد هذا فيه خلاف، والأرجح أنه لا يصح ما صار عموم هذا، تخرج أفراد بأدلة أخرى حتى ما يبقى إلا واحد تحت هذا العموم، فهذا لا يكون، وهناك فروق أخرى -على كل حال- منها أن العام المراد به الخصوص لم يرد شموله عند التكلم به ابتداءً، يعني: المتكلم حينما تكلم به ما أراد العموم والشمول، لكن لمعنى من المعاني عبر بلفظة عامة، وهو لا يراد به الشمول، لا من جهة تناول اللفظ ولا من جهة الحكم، فهو لفظ عام من حيث الصيغة، ولكنة استعمل في فرد من أفراده، بخلاف العام المخصوص؛ فإنَّه أُريد عمومه وشموله في جميع الأفراد من جهة تناول اللفظ لها لا من جهة تناول الحكم؛ لأنه خرج بعض الأفراد بدليل آخر، هذا الفرق بين العام الباقي على عمومه، يعني: ما دخله التَّخصيص، وبين العام المخصوص، وهو الذي جاء دليل يخرج بعض الأفراد، والثالث العام المراد به الخصوص.

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

  1. تفسير الطبري، (2/164).
  2. انظر: تفسير القرطبي، (11/125).
  3. انظر: مجموع الفتاوى، (13/341).
  4. انظر: مجموع الفتاوى، (4/96).
  5. أخرجه ابن ماحه، كتاب الصيد، باب صيد الحيتان والجراد، رقم (3218)، وصححه الألباني في سنن ابن ماجه، رقم (3218).
  6. أخرجه أبو داود بلفظ: "ما قطع من البهيمة.."، كتاب الصيد، باب في صيد قطع منه قطعة، رقم (2860)، وصححه الألباني في سنن أبي داود، (2858).

مواد ذات صلة