الخميس 18 / رمضان / 1445 - 28 / مارس 2024
حديث "قدم عيينة بن حصن فنزل على ابن أخيه.."
تاريخ النشر: ١٥ / صفر / ١٤٢٦
التحميل: 2365
مرات الإستماع: 5680

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فمما أورده الإمام النووي -رحمه الله- في باب الصبر حديث ابن عباس -ا- قال: قدم عيينة بن حصن فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس...[1].

عيينة بن حصن الفزاري كان ممن أسلم أخيراً، وذلك بعد أن فتح النبي ﷺ مكة، وكان من المؤلفة قلوبهم، وممن أعطاهم النبي ﷺ مائة من الإبل، ثم ارتد بعد وفاة النبي ﷺ كما ارتد كثير من العرب، ثم أسر في حروب الردة في عهد أبي بكر الصديق وجيء به إلى المدينة، ثم رجع إلى الإسلام.

فالحاصل أن عيينة بن حصن نزل على ابن أخيه الحر بن قيس، والحر بن قيس يقول فيه كثير من أهل العلم: إن له صحبة، ويعد من صحابة النبي ﷺ، وهو من أهل الفقه والعلم.

يقول: وكان من النفر الذين يدنيهم عمر ، المعنى: أن الحر بن قيس كان من النفر الذين يدنيهم عمر .

والنفر هو ما دون العشرة، فهم مجموعة قليلة، وهم خاصة عمر ، وهم الذين يحضرون مجلسه باستمرار؛ لأن بطانته كانت من أهل العلم والفقه والدين والصلاح، يسددونه ويذكرونه، وقيل: هم الصفوة والخلاصة من النفر الذين يدنيهم عمر .

قوله: "وكان القراء أصحاب مجلس عمر ومشاورته كهولاً كانوا أو شباناً".

يعني: أن عمر لم يكن ينظر إلى السن، وإنما ينظر إلى الحصيلة التي عند الإنسان، والمقومات التي يحملها، فهؤلاء القراء ليس المقصود بهم كما هو الشائع الآن يطلق القراء ويراد بهم حفظة القرآن، وإنما القراء في ذلك الزمان هم أهل الفقه والدين والقراءة، فكان الإنسان يحفظ القرآن ويتفقه بمعانيه.

فهذا ابن عمر بقي في سورة البقرة ثماني سنين، وعمر بقي فيها عشر سنين، وروي غير ذلك، فكان الواحد لا يتجاوز خمس آيات حتى يتعلم ما فيها من العلم والعمل، فيكون فقيهاً.

وكان الرجل إذا حفظ البقرة وآل عمران صار فقيهاً في أعينهم، وكان الناس في غزوات حروب الردة ينادون: يا أصحاب سورة البقرة، وفي يوم حنين: يا أصحاب سورة البقرة، يا أصحاب الشجرة، يا أصحاب السَّمُرة.

فهؤلاء هم أهل القرآن، هم الفقهاء، هم أهل العلم، وهم الذين كانوا يحضرون مجلس عمر فيشاورهم.

قوله: "كهولاً كانوا أو شباناً" بعض أهل العلم يقول: الكهل من كان فوق الثلاثين، وبعضهم يقول: فوق ثلاث وثلاثين، ويحتجون على ذلك بقول الله -تبارك وتعالى- عن عيسى ﷺ: وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ [آل عمران:46]، فعيسى ﷺ المشهور أنه رفع وهو ابن ثلاث وثلاثين، فأطلق على ذلك الكهولة.

وبعض أهل العلم يقول: إذا بلغ الثلاثين، وبعضهم يقول: إذا خمطه الشيب بعد الثلاثين، وبعض أهل العلم يقول: من الخمسين، ثم بعد ذلك تكون الشيخوخة في الستين.

وبعضهم حاول أن يجمع بين الأقوال، فقالوا: إنه يكون من الثلاثين أو الثلاثة والثلاثين إلى الخمسين، فهذه فترة الكهولة، والشباب قبل ذلك، والشيخوخة ما بعد الخمسين.

فقال عيينة لابن أخيه -يعني: الحر بن قيس: يا ابن أخي، وعيينة لم يكن نازلاً في المدينة، قدم إليها، قال: يا ابن أخي لك وجه عند هذا الأمير -يعني: لك منزلة ومكانة عنده وحظوة- فاستأذن لي عليه -أي: حدد لي موعدا أريد أن أدخل عليه.

فاستأذن فأذن له عمر، فلما دخل قال: هي يا ابن الخطاب، وهذه كلمة قد تأتي بمعنى الوعيد والتهديد، وقد تأتي بهاء السكت، هيه، وقد تكون منونة أيضاً.

هي يا ابن الخطاب، فوالله ما تعطينا الجَزْل -يعني ما تعطينا العطاء الكثير- ولا تحكم فينا بالعدل -أي: أنت ظالم وشحيح تستأثر بذلك لنفسك- فغضب عمر حتى هم أن يوقع به.

فقال له الحر -وهذه فائدة مجالسة أهل الفضل والدين والعلم، وهذا أوانهم: يا أمير المؤمنين -ولاحظ الفرق بين العبارتين ذاك قال: هي يا ابن الخطاب، وهذا: يا أمير المؤمنين- إن الله تعالى قال لنبيه ﷺ: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف:199].

خُذِ الْعَفْوَ يعني: من أخلاق الناس ما استيسر منها، ولا تستقصِ، وإلا من أراد أن يتتبع وينظر في تصرفات الناس وأقوالهم وأفعالهم فإنه سيتعب كثيراً، فيتعب نفسه ويتعب من معه، وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ يعني: المعروف، وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ يعني: أهل السفه.

وإن هذا من الجاهلين، يقول: والله ما جاوزها عمر حين تلاها، وكان وقّافاً عند كتاب الله تعالى، رواه البخاري.

كان وقافاً يعني بمجرد التذكير وقف، ولم يحصل منه معاقبة لهذا الرجل، وعلاقة هذا الحديث بباب الصبر واضحة، وهي أن الإنسان بحاجة إلى صبر على أذى هؤلاء الناس.

مَن أعدل من عمر بعد النبي ﷺ؟!، ومع ذلك يأتي هذا ويقول له: إنه لا يحكم بالعدل، ولا يعطيهم الجزل، وعمر كان يخطب وفي ثوبه رِقَع كثير، يلبس ثوباً مرقعاً.

وفي عام الرمادة تغير لونه حتى اسمر، وجاء في صفة الواصفين له في ذلك العام أنه أسمر طويل، ولم يكن بأسمر، لكنهم رأوه في عام الرمادة لقلة ما كان يأكله، فكان يجوع مع الناس فتغير لونه .

فالإنسان بحاجة إلى الصبر على أذى الناس، بحاجة إلى الصبر والتحمل وحبس النفس، وسيلقى الإنسان أذى كثيراً لربما من أقرب الناس إليه، وهو بحاجة أن يتذكر هذه المعاني.

وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه البخاري، كتاب التفسير، باب تفسير سورة الأعراف (4/ 1702)، رقم: (4366).

مواد ذات صلة