الجمعة 19 / رمضان / 1445 - 29 / مارس 2024
بعض ما ورد عن السلف في باب فضل الزهد (3-4)
تاريخ النشر: ٢٥ / ربيع الآخر / ١٤٢٩
التحميل: 1675
مرات الإستماع: 5266

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فمما ورد عن السلف في باب الزهد في الدنيا ما جاء عن أبي حازم المديني -رحمه الله- قال: ما الدنيا؟، ما مضى منها فحلو، وما بقي منها فأمانٍ[1].

وجاء عنه أنه قال: نعمة الله فيما زوى عني من الدنيا أعظم من نعمته فيما أعطاني منها؛ لأني رأيته أعطاها قوماً فهلكوا[2].

وجاء رجل لمحمد بن واسع، فقال: أوصني، قال: أوصيك أن تكون ملكاً في الدنيا والآخرة، قال: كيف؟ قال: ازهد في الدنيا[3].

وجاء عن سفيان الثوري -رحمه الله- أنه قال: ليس الزهد بأكل الغليظ، ولبس الخشن، ولكنه قصر الأمل، وارتقاب الموت[4].

ويقول: الزهد زهدان: زهد فريضة وزهد نافلة، فالفرض أن تدع الفخر والكبر والعلو والرياء والسمعة والتزين للناس، وأما زهد النافلة فأن تدع ما أعطاك الله من الحلال فإذا تركت شيئاً من ذلك صار فريضةً عليك ألا تتركه إلا لله[5].

وقال: ما رأيت الزهد في شيء أقل منه في الرئاسة، ترى الرجل يزهد في المطعم والمشرب والمال والثياب، فإن نوزع الرئاسة حامى عليها وعادى[6].

ويقول: الزهد في الدنيا هو الزهد في الناس، وأول ذلك زهدك في نفسك[7].

يزهد في الناس: فإذا زهد فيهم فإنه لا يطلب شيئاً منهم من محمدة أو منزلة أو نحو ذلك، وإذا زهد في نفسه فإنه لا يطلب رفعتها.

وجاء عن إبراهيم بن أدهم -رحمه الله- أنه قال: الزهد: فرض وهو الزهد في الحرام، وزهد سلامة وهو الزهد في الشبهات، وزهد فضل وهو الزهد في الحلال[8].

ويقول مالك: بلغني أنه ما زهد أحد في الدنيا واتقى إلا نطق بالحكمة[9].

وجاء عن الفضيل: لا يسلم لك قلبك حتى لا تبالي مَن أكَلَ الدنيا[10].

وقال: حرام على قلوبكم أن تصيب حلاوة الإيمان حتى تزهدوا في الدنيا[11].

وقيل لسفيان بن عيينة: ما الزهد في الدنيا؟ قال: إذا أنعم عليه شكر، وإذا ابتلي صبر، فذلك الزهد[12].

وكان يقول: الزهد الصبر، وارتقاب الموت[13].

ولما سئل عن الزهد قال: الزهد فيما حرم الله، فأما ما أحل الله فقد أباحه الله، فإن النبيّين قد نكحوا وركبوا ولبسوا وأكلوا، لكن الله نهاهم عن شيء فانتهوا عنه وكانوا به زهاداً[14].

وكان وكيع -رحمه الله- وكيع بن الجراح- يقول كثيراً: وأي يوم لنا من الموت؟[15].

يقول يحيى بن معين: ورأيته أخذ في كتاب الزهد يقرؤه، فلما بلغ حديثاً منه ترك الكتاب، ثم قام فلم يحدث، فلما كان من الغد وأخذ فيه فبلغ ذلك المكان قام أيضاً ولم يحدث، حتى صنع ذلك ثلاثة أيام، فقيل ليحيى: وأي حديث هو؟ قال: حديث: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل[16][17].

وسئل يوسف بن أسباط عن الزهد فقال: أن تزهد في الحلال، فأما الحرام فإن ارتكبته عذبك[18].

ويقول الربيع: قال لي الشافعي: عليك بالزهد فإن الزهد على الزاهد أحسن من الحلي على المرأة الناهد[19].

ويقول الشافعي أيضاً: لو أوصى رجل بشيء لأعقل الناس صُرف إلى الزهاد[20].

وجاء عن أبي داود قال: كنت أجالس أحمد، وكانت مجالس أحمد مجالس الآخرة، لا يُذكر فيها شيء من أمر الدنيا، ما رأيته ذكر الدنيا قط[21].

وكان سحنون إذا قُرئت عليه مغازي ابن وهب تسيل دموعه، وإذا قُرئ عليه الزهد لابن وهب يبكي[22].

على كل حال ونحن في أول الكلام على هذا الباب ذكرت أن حقيقة الزهد هي أن تكون الدنيا في يد الإنسان، لكنها لا تدخل قلبه، هذه حقيقة الزهد، ولا يتوسع في الحلال، ولا يشتغل بالدنيا عن الآخرة، فإذا كان كذلك فهو الزاهد، والله تعالى أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

 

  1. سير أعلام النبلاء (6/ 99).
  2. المصدر السابق (6/ 98).
  3. المصدر السابق (6/ 120).
  4. المصدر السابق (7/ 243).
  5. المصدر السابق (7/ 244).
  6.  المصدر السابق (7/ 262).
  7. المصدر السابق (7/ 268).
  8. المصدر السابق (7/ 390).
  9. المصدر السابق (8/ 109).
  10. المصدر السابق (8/ 433).
  11. المصدر السابق (8/ 435).
  12. المصدر السابق (8/ 468).
  13. المصدر السابق (7/ 243).
  14. المصدر السابق (8/ 469).
  15. المصدر السابق (9/ 149).
  16. أخرجه البخاري، كتاب الرقاق، باب قول النبي ﷺ: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، رقم: (6416).
  17. سير أعلام النبلاء (9/ 149).
  18. المصدر السابق (9/ 170).
  19. المصدر السابق (10/ 36).
  20. المصدر السابق (10/ 98).
  21. المصدر السابق (11/ 199).
  22. المصدر السابق (12/ 67).

مواد ذات صلة