الثلاثاء 22 / جمادى الآخرة / 1446 - 24 / ديسمبر 2024
شرح حديث أبي مسعود البدري دعا رجل النبي صلى الله عليه وسلم لطعام
تاريخ النشر: ١٤ / ربيع الأوّل / ١٤٣١
التحميل: 894
مرات الإستماع: 1648

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:

باب: ما يقوله من دعي إلى طعام فتبعه غيره.

هذا التابع الذي جاء من غير دعوة يقال له في كلام العرب الطفيلي، والخطيب البغدادي له كتاب في مجلد عن التطفل والتطفيل، والعرب تكلموا على هذا في كلامهم نثرًا وشعرًا في ذم التطفل، وتكلم الفقهاء في حكم التطفل، وما يأكله هذا المتطفل من الوليمة، هل يحل أو يكون حرامًا؟

فالدعوة التي يقال لها: الدعوة العامة، التي يدعا لها كل أحد، هذه لا إشكال أن يأتي، لكن الدعوة الخاصة، ففيها إشكال، فإذا دعا أناس معينين قد لا يكفي الطعام، فيقع في إحراج، فمثل هذا يراعى في الدعوات التي لا تكون عامة، فأحيانًا تدعو عشرة، والمجلس لا يكفي إلا عشرة، أو إحدى عشر، مقعد احتياطي، وتفاجأ أن بعض الذين حضروا جاء هذا معه خمسة، وهذا معه ثلاثة، وهذا معه أربعة، وهذا تسعة وراءه، أولاد، وأولاد الأولاد، وأين يجلسون هؤلاء؟ فيقع صاحب الوليمة في إحراج، لا يحسد عليه، وأحيانًا يطلب مدد -كما يقول الصوفية-، يعني طعامًا زائدًا، ويرسل الولد، أو يرسل أحدًا، ويرتبك، أو يذهب هو إذا ما عنده أحد، يبحث هنا وهناك في مطاعم لعله يجد شيئًا يكرم به هؤلاء الأضياف، فهذا يحرج الآخرين، وربما يثقل ذلك عليهم، فإذا دعي إنسان وتبعه آخر، أو رأى أن من المصلحة أن يأتي معه بآخر، فماذا يفعل؟

ذكر المصنف -رحمه الله- حديث أبي مسعود البدري قال: دعا رجل النبي ﷺ لطعام صنعه له خامس خمسة، فتبعهم رجل، فلما بلغ الباب، قال النبي ﷺ: إن هذا تبعنا، فإن شئت أن تأذن له، وإن شئت رجع قال: بل آذن له يا رسول الله، متفق عليه[1].

"صنعه له خامس خمسة" بالعد، ومعروف الصحفة التي توضع فيها الطعام يقولون: ما يكفي لخمسة، يعني: طعام موزون، فإذا جاء السادس هنا من باب طعام الخمسة يكفي لستة.

فالشاهد: هذا صنعه للنبي ﷺ خامس خمسة، يعني: أن المدعوين خمسة، وليسوا ستة، فتبعهم رجل، فلما بلغ الباب، قال النبي ﷺ: إن هذا تبعنا، فإن شئت أن تأذن له، وإن شئت رجع فهذا هو الأدب اللائق في هذا المقام "قال: لا، بل آذن له يا رسول الله" متفق عليه.

وفي السابق كان الناس يأتون لحاجة، ومعروف هذا إذا علموا أن أحدًا عنده وليمة، أو زواج، ربما يأتي العشرات، بل المئات من البادية وغيرهم، يجتمعون، فإذا فتح الباب اندفعوا، وربما كان لبعضهم عادات إذا رأوا الإحراج، وكثرة الناس على قلة الطعام، فإنهم يدخلون ويأكلون، فإذا أكلوا لقمة، أو لقمتين، تنحنح أحدهم، وقال:  أكرمكم الله، وقام، فقام الجميع؛ لأن من عادتهم أنهم لا يجلسون على الطعام إذا قام واحد، هذا في العصور المتأخرة عند البادية ونحوهم، إذا قام واحد قام الجميع، فمن أجل ألا يحرج، فيأتي آخرون، الدفعة الثانية، والثالثة، والرابعة، فيُرتَّب مع واحد في الدفعة الثانية يقول لهم مثل هذا، وهكذا الدفعة الثالثة، حتى يكفي الطعام للجميع، وربما يأتي بعض الناس اليوم ليس للحاجة للطعام، وهذا هو الغالب، بل هو المشاهد يأتي بعضهم أحيانًا بدعوة، والناس صاروا يستثقلون إجابة الدعوة، فربما يأخذ أحدهم من يستلطفه، ويأنس به، يقول له: تعال نذهب إلى فلان، فهذا يأخذ واحد، والثاني يأخذ واحد، والثالث يأخذ واحد، فهذا من هذا الباب.

وبعضهم يأتي لأن أحد المدعوين من أهل العلم مثلاً، فيريدون رؤيته ومقابلته، والاستفادة منه، ونحو ذلك، وهذا كثير، بل ربما يكون هذا هو الأصل، وهو أنك إذا دعوت أحدًا من أهل العلم، فلتضع في اعتبارك أمرًا: وهو أنك إذا دعوت عشرة فقدر ثلاثين، وهي دعوة خاصة، فمعنى ذلك أنه سيأتي أناس هؤلاء معه يسألونه في الطريق، ودخلوا، وهؤلاء سمعوا وجاءوا، وهؤلاء مع زيد، وذاك مع عمرو، وما شاء الله امتلأ المجلس، فهذه فائدة لعلكم تستفيدون منها في الدعوة.

هذا الحديث ذكره في هذا الباب وهو الحديث الوحيد، ودل ذلك على أن الأدب إذا جاء أحد معك من غير إذن أن يستأذن صاحب الشأن، لكن لو علم أنه يأذن، ويسر بذلك، وعرفت ذلك منه، حتى أنه من عادته إذا أتيته ولم يأت معك أحد، قال لك: لماذا ما جبت أحد معك؟ فإذا كنت تعلم هذا منه، فلا بأس أن يأتي أحد، ولا حاجة لأن يستأذن، ولا سيما مع ما وسع الله على الناس اليوم، وأدر عليهم من الأرزاق والسعة في المجالس والمرافق، وما إلى ذلك، وهذا يتفاوت، فالدعوة في البيت لا شك أنها لا تكون كالدعوة في مكان آخر، كالاستراحة، أو صالة، أو نحو ذلك، فيتسامح في دعوة في استراحة، أو في صالة، ما لا يتسامح في دعوة في البيت، وهذا أمر معلوم، والحرج الذي يلحق الإنسان في بيته أعظم مما يلحقه في صالة أو في استراحة، حتى ما يقدم من الطعام والآنية والمقبلات في بيته الأمر يختلف، فهو يحتاج إلى أن يتجمل مع الأضياف أكثر مما يحتاج في مكان لا يملكه أصلاً، كالصالات، فالتقصير قد يقع من القائمين عليها من مؤجريها، ونحو ذلك.

والله تعالى أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.

  1. أخرجه البخاري في كتاب البيوع، باب ما قيل في اللحام والجزار برقم (2081) ومسلم في كتاب الأشربة، باب ما يفعل الضيف إذا تبعه غير من دعاه صاحب الطعام، واستحباب إذن صاحب الطعام للتابع برقم (2036).

مواد ذات صلة