الجمعة 19 / رمضان / 1445 - 29 / مارس 2024
حديث «إذا أكل أحدكم طعامًا..» إلى «إذا وقعت لقمة أحدكم..»
تاريخ النشر: ٢١ / ربيع الأوّل / ١٤٣١
التحميل: 1221
مرات الإستماع: 2364

مقدمة باب استحباب الأكل بثلاث أصابع

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فهذا باب استحباب الأكل بثلاث أصابع، واستحباب لعق الأصابع، وكراهة مسحها قبل لعقها، واستحباب لعق القصعة، وأخذ اللقمة التي تسقط منه، وأكلها ومسحها بعد اللعق بالساعد والقدم وغيرها.

استحباب الأكل بثلاث أصابع؛ لأن ذلك منقول عن رسول الله ﷺ، والمقصود بهذه الأصابع الثلاث: الإبهام، والمسبحة، والوسطى، وذلك بطبيعة الحال حيث يتأتى ذلك.

بمعنى: أن الطعام منه ما لا يصلح أن يؤكل بثلاث أصابع، مثل طعام الناس اليوم، الرز فإنه يصعب أكله بثلاث أصابع، يكون بتكلف، وهذه الشريعة ما جاءت بالتكلف، والله علم رسوله ﷺ أن يقول: وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ [ص:86].

ويدخل في ذلك التكلف في الأكل والشرب، ولكن مثل الخبز، مثل الثريد، وقل مثل ذلك في الهريسة ونحوها، مما يمكن أن يتماسك، فيؤكل ذلك الطعام بثلاث أصابع.

وقد ذكر أن المتكبرين يأكلون بأصبع واحد، وذكر بعضهم أن الشيطان يأكل بأصبعين، ولا أعلم دليلاً عليه.

والحافظ ابن القيم -رحمه الله- يقول: النبي ﷺ يأكل بثلاث أصابع، وذو الشره يأكل بخمس، ويدفع بالراحة -براحة يده- لشدة شرهه.

هذا فيما يمكن أكله بثلاث أصابع، لكن مثل الرز اليوم لا يستطيعون أن يأكلوه إلا باليد، بالأصابع، وبالراحة، وليس ذلك يدل على شره، فلا يتكلف الإنسان شيئاً قد لا يحسن ولا يجمل في  بعض المطعومات.

يقول: استحباب لعق الأصابع؛ لأن ذلك جاءت به السنة، وأمر به النبي ﷺ، وذلك من جهة أنه لا يدري في أي طعامه البركة، فقد يكون في القصعة، وقد يكون في ما يعلق باليد، فهو لا يدري، فيلعق.

إضافة إلى أن تركه باليد من غير لعق، يعني: في السابق لربما قد لا يغسلون أيديهم، فإذا تُركت لم تلعق فإنها تكون أكثر زهومة، ودسومة، وأكثر تلبساً بالطعام، فيلعق هذه اليد، أو يلعق الأصابع، ويكون ذلك بعد الفراغ من الأكل، وبطريقة أيضاً لا يشعر بها الآخرون؛ لأن ذلك قد يحصل بطريقة تنفر منها النفوس، فلا يجلس والناس يأكلون، وهو يمصمص أصابعه، ولربما يصدر صوتاً، فمثل هذا لا يليق، فتراعَى حال الناس، إذا فرغ من الطعام، ويمكن أن ينتظر حتى ينتهي الناس، ويمكن أن يتغافلهم إذا قاموا أو نحو ذلك، فيلعق أصابعه قبل أن يغسلها، يتلطف بهذا.

يعني: ليس كلما أكل لقمة، أو بين بين يلعق أصابعه، ثم يضعها في الطعام، فإن ذلك ينفر الناس؛ لأن لعابه يختلط بالطعام لاسيما إذا عمد إلى شيء من المطعوم من لحم ونحوه، وصار يعطي لهذا، ويعطي لهذا.

وبعض الناس قد لا يطيب له إلا أن يضع، وزيادة على ذلك لابدّ أن يعدله إذا وضعه بصورة حتى يستقر -أي هذا الطعام- بوضع متزن أمام الإنسان، يحركه، ويتأكد أنه مستقر.

أنا أقول: مثل هذا لا داعي له، وتُراعَى حال الناس، والناس تغيروا الآن، فيراعي أحوالهم، إنما إذا فرغ من الطعام يلعق أصابعه.

قال: وكراهة مسحها قبل لعقها، لماذا لا يمسحها قبل أن يلعقها؟ لما ذكرتُ من قضية البركة.

الأمر الثاني: وهو حفظ الطعام، الأمر الثالث: أنه سيمسحها في ماذا؟ كانوا في السابق يمسحونها كما أشار إليه بالقدم، أو الساعد، أو نحو ذلك، فإذا كانت اليد مليئة بالطعام، ثم مسحها فإن هذا سيلطخ بدنه بالطعام.

قال: واستحباب لعق القصعة، كذلك اللعق، بمعنى أنه لا يُبقي بها شيئًا؛ لأنه لا يدري في أي طعامه البركة، وفي هذا حفظ أيضًا للنعمة.

وأخذ اللقمة التي تسقط منه وأكلها، لا يتركها قد يكون فيها البركة، ولا يدعها للشيطان، قال: ومسحها بعد اللعق، مسح ماذا؟ ليست اللقمة التي سقطت، وإنما اليد التي أكل بها، قال: بالساعد والقدم، وغيرها.

هذا في السابق، لماذا كانوا يفعلون ذلك؟.  

أولاً: كان الطعام قليلاً، فمتى يجد الواحد منهم طعامًا فيه شيء من الدسومة، بحيث يستطيع أن يمسح به؟، نادر.

النبي ﷺ يمر الهلال والهلال والهلال، ولا يوقد في بيته نار، يأكلون التمر والماء[1].

ثم أيضاً لم يكن يوجد عندهم ما يوجد عندنا من الكريمات ومرطبات البشرة، ونحو ذلك، ما عندهم شيء، فما هو أجمل كريم عندهم؟ هو الكريم الذي يجتمع فيه وصفان، الوصف الأول: هذه الدسومة الطبيعية، والأمر الثاني: الرائحة، يعني متى يجد رائحة اللحم مثلا؟، الناس إلى عهد قريب كانوا يأخذون العظام بعد عيد الأضحى يضعونها في الطعام مرة بعد مرة سائر شهور العام، علهم يجدون شيئاً من طعم اللحم.

نحن نستغرب مثل هذه الأشياء اليوم؛ لأننا عشنا في نعمة، ولله الحمد.

الأمر الثالث: إلى عهد قريب -أيها الأحبة- كانت أيدي الناس لاسيما في الشتاء، ظاهر الكف يتشقق من الجفاف، يسمونه عندنا مِشَق، دم، الصغير والكبير، وهذا يتشقق، وهذا يتشقق ويخرج منه الدم.

وأما ظاهر القدم فلا تسأل، دم يسيل من الجفاف الشديد، ففي السابق ماذا يفعلون؟ يمسح ليرطب هذا الجفاف، نحن نستغرب مثل هذا؛ لأن أبشارنا صارت بمنزلة، بمحل، ما نحتاج إلى مثل هذا، لكن في السابق كانوا يحتاجون إليه.

إذا أكل أحدكم طعاماً

وذكر حديث ابن عباس -رضى الله عنهما- قال: قال رسول الله ﷺ: إذا أكل أحدكم طعاماً، فلا يمسح أصابعه حتى يَلعقها أو يُلعقها[1].

أو يُلعقها لمن؟ يقولون: يُلعقها لخادم، أو لتلميذ، أو لزوجة، هكذا ذكروا، أو لبهيمة، أو لصبي، يفرحون في السابق بمثل هذا، فالمقصود أنه يَلعقها، أو يُلعقها .

رأيت رسول الله ﷺ يأكل بثلاث أصابع
وعن كعب بن مالك قال: رأيت رسول الله ﷺ يأكل بثلاث أصابع، فإذا فرغ لعقها[1]رواه مسلم.
إنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة
وذكر حديث جابر أن النبي ﷺ أمر بلعق الأصابع والصحفة، وقال: إنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة[1]رواه مسلم.

هذه علة منصوصة، الآن العلل كما هو معلوم منها ما هو مستنبط ومنها ما هو منصوص، لماذا نلعق؟ قلت: البركة، فهنا نص على العلة، قال: فإنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة، وذكر أهل العلل عللًا مستنبطة أخرى في قضية حفظ النعمة.

إذا وقعت لقمة أحدكم فليأخذها

وذكر حديثًا آخر:

عن جابر أن النبي ﷺ قال: إذا وقعت لقمة أحدكم فليأخذها فليمط ما كان بها من أذى وليأكلها،ولا يدعها للشيطان ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه، فإنه لا يدري في أي طعامه البركة[2].رواه مسلم.

قد يقول قائل: نحن لا نمسح بأيدينا الآن، نحن نغسل أيدينا، نقول: تبقى البركة، "لا يدري في أي طعامه البركة"، كما قال النبي ﷺ.

وأسأل الله أن ينفعنا وإياكم بما نسمع، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

 
  1. أخرجه مسلم، كتاب الأشربة، باب استحباب لعق الأصابع والقصعة، وأكل اللقمة الساقطة بعد مسح ما يصيبها من أذى، وكراهة مسح اليد قبل لعقها (3/ 1606)، رقم: (2033).
  2. المصدر السابق.

مواد ذات صلة